كلمة آية الله قاسم في جامعة أل البيت (ع) العالمية – 2 أكتوبر 2019م
كلمة سماحة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم بمناسبة بدء العام الدراسي في الحوزة العلمية بقم المقدسة، في جامعة أهل البيت (ع) العالمية – 2 أكتوبر 2019م
للمشاهدة :
نص الكلمة :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أيها الأخوة الكرام الأعزّاء.
قوله تبارك وتعالى (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً ۚ فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ).
هناك نفيران من المؤمنين، نفيرٌ لحراسة الحدود الجغرافية لبلاد الإسلام، ونفيرٌ آخر لحراسة الحدود المعنوية للإسلام نفسه.
أنتم طلاّب العلوم الدينية في كلٍّ من قمّ والنجف الأشرف والحوزات الأخرى، من النفير الثاني.
نفيران لا غنى عن أحدهما، ولا يقوم الإسلام ولا تقوم أمّة الإسلام إلا بهما معاً. نفيران من مسؤولية الأمّة كلّها.
حماية الحدود الجغرافية للمسلمين حمايةٌ للمسلمين وحمايةٌ للإسلام نفسه، ويوم أن يضع الكفر يده على أرض الإسلام وعلى إنسان الإسلام فلا إسلام.
وقتالٌ مخلصٌ في سبيل الله تسلم به الدماء، وتسلم به الأرض، وتسلم به الثروة يعني الوجود الظاهري المادي للأمّة، يعني وجود كيانٍ للأمة في الظاهر، أمّا الكيان الحقيقي للأمة فلا يمكن أن يسلم ولا يمكن أن يبقى إلا من خلال جهود النفير الثاني. قادة الفكر وقادة الإرادة الإنسانية وقادة الحضارة الحقيقيين، فحين نطلبها حضارةً إسلامية، وحين ننشدها أمةً إسلامية لابد من العناية القصوى بشأن كلٍّ من النفيرين، النفير القتالي والنفير التفقهي.
هذا النفير لابد منه لحماية الحدود الجغرافية -النفير الأول- وحماية الأرض، ولرفع العوائق التي تفرضها السلطات الجاهلية في الأرض في وجه الدعوة الإسلامية وإيصال كلمة الله لمختلف الآفاق. هذه وظيفة النفير القتالي، حفاظٌ على الأرض الإسلامية وفرش الطريق وتمهيده ورفع العوائق الطاغوتية دون امتداد الدعوة الإلهية في الأرض كلّ الأرض ولتصل الإنسان كلّ إنسان.
النفير الثاني لابد منه لحراسة الحدود المعنوية للإسلام وفهم عقيدته ورؤاه وأحكامه وأخلاقه وقيمه ونظمه وتعاليمه الفهم الدقيق العميق الذي تبرز به عظمة الإسلام. لا تبرز عظمة الإسلام حتى يقارب فهم إنسان الإسلام فهم القرآن، وحتى يقارب فهم إنسان الإسلام فهم السنة المطهرّة وأهل البيت “عليهم السلام”، وفهمهم ليس باليسير وفهم القرآن ليس باليسير، هذه المسؤولية أوّل ما تقع على كاهل الحوزات العلمية أساتذتها وطلاّبها، جيلها الحاضر وأجيالتها المتتالية.
لا نستطيع أنْ نعرف عظمة الإسلام وأنّه الدين الظاهر على كلّ دينٍ آخر، وأنّه الدين الذي لا يُجارى في عظمته إلا من خلال رجالٍ يفهمون الإسلام، وفهم الإسلام إنما هو هنا في الحوزات العلميّة العريقة والمتفرّغة لهذه المهمة الكبرى وهي مهمةٌ رسالية. حَمْل الإسلام، تبليغ الإسلام، التربية على الإسلام، تأديب المجتمع على الإسلام، تنشئة المجتمع على الإسلام، مهمّة من مهمات الرسول الأعظم “صلى الله عليه وآله وسلم” وأهل بيته الأطهار.
هنا تدريس ودراسة، وتدقيق وتحقيق وتمحيص وتقليب للأفكار وتلاقي للأفكار وتعارض للأفكار وتشابك للأفكار، هنا معركة أفكار تنتهي إلى انتاج الفكر الأكثر تبلوراً، والأكثر قرباً من الفكر المعصوميّ في الكتاب الكريم وفي السنّة المطهّرة.
في الآية الكريمة حثٌّ على النفير للتفقه في الدين بما للدين من عقيدة، الدين ما هو؟ الآية عبّرت بـ”الدين”، فأنظر لِمَ يتسع الدين، ماذا يشمل الدين، امتدادات الدين، آفاق الدين، مساحات الدين، هذه كلّها محلّ الدراسة في الحوزات العلمية وليس فقه الصلاة والصوم والعبادات فقط، إنّه الإسلام في سعته، بامتداده الكبير، بتغطيته لكلّ مسائل الحياة. هنا يُدّرَّس، وهنا تتحمّل مسؤولية دراسته والتحقيق والتثيقف من أجل الوصول إليه.
الحوزة كلّما اتسعت في أفقها كلما احتاجت إلى أن تتسع أكثر من أجل أن تمتدّ في سعتها بقدر سعة الإسلام، فحتّى نغطي حاجة الدراسة للإسلام كل الإسلام لابد أن نتطوّر، لابد أن نتوّسع، لابد أن نضيف ونمتد الإمتداد الكبير، ولابد أن نكّثر من الاختصاصات ولابد من أن نشدد من التعمّق والتبصّر وأن ندرس الإسلام ليس في بُعدٍ واحدٍ من أبعاده وإنما في كلّ الأبعاد.
واضحٌ جداً أنّ الإسلام دين الدنيا والآخرة، وإذا كنّا بَعدُ لم نستطع أن نغطي حاجة الدنيا من ناحيةٍ إسلامية فكيف ونحن نطمح أن نغطي حاجة الدنيا والآخرة.
الحوزة مهما أشدْتم بتقدّمها فإنها لا زالت بَعدُ متأخرة بالقياس إلى مهمّاتها الكبرى ووظائفها التي يجب أن تصل إلى مستوىً يقترب من الإسلام، ولا أقول بمستوىً هو المستوى الإسلامي.
كلّ ذلك داخلٌ في التفقه، كلّ ما تحتاجه البشرية من الإسلام، وهي تحتاج إلى كلّ شيءٍ من الإسلام، هو محلّ التفقه، هو محلّ التبشير، هو محلّ الإنذار.
وكما أنّ هناك إنذاراً بشأن الآخرة، كذلك هناك إنذار بشأن الدنيا، فالإنذار للأمّة يجب أن يكون إنذار دنياً وإنذار آخرة، وتبشير دنيا وتبشير آخرة. أنتم حينما تتحدثون عن يوم القائم “عليه السلام” إنما تبشرون أيضاً قبل التبشير بالآخرة تبشرون بدنيا عريضة آمنة مستقرة إنسانية كريمة وما إلى ذلك، هذا من عطاء الإسلام، لاشك أنّ يوم القائم في كلّ عطاءاته هي من عطاءات الإسلام والأطروحة الإسلامية.
فالتبشير إلى مجتمعاتنا أيضاً يجب أن ينظر إلى الدنيا كما ينظر إلى الآخرة. لا شك أن بشرى الآخرة أكبر من بشرى الدنيا، ولكن في بشرى الدنيا خير، والناس يطمعون في مجتمعٍ آمن مستقر يوّفر كرامة الإنسان ويوفر الحياة الآمنة للإنسان، وهذا من وظيفة الطالب والمبلّغ، وهو أن يبلّغ الإسلام على مستوى التبشير بخير الإسلام في الدنيا والآخرة.
نجد أكثر من حديثٍ في تطبيق الآية على النفر من أجل التعرّف على شخص الإمام المعصوم “عليه السلام” حين يرحل أحد الأئمة المعصومين إلى جوار ربّه تبارك وتعالى، يسأل السائل ما الموقف؟ الجواب يأتي، المسلمون إما حاضرون في بلد المعصوم الراحل إلى ربّه تبارك وتعالى، وإما أنّهم في بلدٍ بعيد، من كان في البلد فهو مسؤولٌ أن يتعرّف على الإمام لأنه قريب جداً، من كان بعيداً فعلى أهل البلد البعيد أن ينفروا إلى البلد الذي يتعرفون فيه على الإمام الذي يلي الإمام الراحل. هل ينفرون كلّهم؟ يكون نفيرٌ منهم في عددٍ محدود، هذا النفير معذورٌ في عدم معرفته بالإمام “عليه السلام” حتى يصل ويتلّقى الخبر، وأهل بلده يكونون معذورين حتى يصلهم النفير بالخبر، هذه المسألة ليست مسألة صلاة وليست مسألة صوم، هذه المسألة مسألة تعمّ ناحية الدين وناحية الدنيا، إمامة الأئمة المعصومين “عليهم السلام” إمامة دينٍ ودنيا، ورئاسة دينٍ ودنيا. فهذه الرئاسة مسألة تتصل بمصالح الدنيا كما تتصل بمصالح الآخرة، وتتصل باستقامة الإنسان المسلم وباستقرار الإسلام وفهم الإسلام وأمن الإسلام.
فالمسألة السياسية مسألة داخلة، يعني فهم السياسة، ومن يكون رئيساً للأمة، وزعيماً للأمة، وإماماً للأمة، أيضاً هو داخلٌ في مسألة النفر والتعرّف على إمام الأمة، وعلى الطريق السياسي الصحيح، وعلى الأطروحة الإسلامية السياسية الصحيحة، كلّ ذلك داخلٌ في مسؤولية الحوزة وتدريس الحوزة والتبليغ الصادر من الحوزة.
تقول الرواية: هم في عذرٍ ما داموا في الطلب، وهؤلاء الذين ينتظرونهم أيضاً في عذرٍ حتى يصلوا إليهم.
واضحٌ جداً أنّ طالب العلم هنا يتحمّل مسؤوليتين، مسؤولية فهم الإسلام الفهم الدقيق مهما أمكن له أن يصل أو الأقرب إلى الفهم الإسلامي الصحيح، هذه مهمة واضحة جداً جاء من أجلها الطالب فينبغي أن لا يصرفه صارفٌ عن طلب هذا الأمر والوصول إلى أنضج درجة من الفهم العلمي الذي يجعله أهلاً لأن تمثّل كلمته شيئاً من كلمة الإسلام، وأن يكون له من فهم الإسلام وصدق الإسلام وأمانة الإسلام ما يؤهله إلى أن يحمل أمانة التبليغ في الأمة.
المهمة الثانية هي مهمة التبليغ، ما جاء الطالب ليبقى في قم، ولا ليبقى في النجف، ولا في أي مهجرٍ آخر، جاء الطالب ليحمل من طيّب الزاد العلمي وطيب الزاد القرآني وطيب الزاد من الحديث الشريف ويتمثّل الإسلام خُلُقاً، وينصاغ صياغةً إسلامية. جاء لهذا كلّه، لا ليتوّفر على الإسلام في البعد الفكري فقط، وإنما ليحمل من الإسلام في فكره وفي قلبه وفي روحه وسلوكياته وفي كلّ علاقاته مع أكبر قدرٍ من الثمر الطيّب للإسلام، ومن العطاء الإلهي الذي يغنى به الإسلام حتى ينصاغ الصياغة الإسلامية الإلهية، ليذهب وهو إلهيٌ، ليذهب وهو ربانيٌ، ليذهب وهو إسلاميٌ حقاً إلى بلده لتشعّ بالإسلام أكثر، لتفهم الإسلام أكثر، لتتخلّق بالإسلام بدرجةٍ أكبر.
جئنا هنا لننصنع إسلاميين لنذهب إلى بلداننا لنرفع من إسلاميّتها ونتقدم بإسلاميّتها خطواتٍ وخطوات.
هذه المهمة يجب أن لا تُنسينا عوائلنا، ولا همومنا الدنيوية، ولا أي مشكلةٍ أخرى، مهما استطعنا التغلب عليها عن هاذين الأمرين، أمر التزوّد بأكبر قدرٍ من العلم والفهم والتحصن بالفهم الإسلامي الصحيح، والأمر الثاني هو أن نذهب بهذا الزاد الطيّب، بهذه الحصيلة الكريمة لنتصدّق بها على فقراء المؤمنين ممّن لم تتح لهم الفرصة بأن يهاجروا في سبيل طلب العلم.
وكم من أخٍ كريم وأختٍ كريمة في البلد هي أقدر منّي وأقدر من آخرين على فهم العلم وفهم الإسلام والتحصيل الأكثر، ولكن لم يتيسر لهم أن يهاجروا إلى هذه الحوزة أو تلك الحوزة، فلا يغرّنّ أحدنا أن يفهم كلمتين، أن يفهم الكثير فضلاً عن القليل من عطاء الحوزات، ولا يشعر بأنه أكبر من الآخرين ولا يشعر بأنّ له فضلاً على الآخرين، وربما استمع لي مستمعٌ فدخل بما يستمع الجنة، ودخلت بما أبلغته وقصّرت وتخلفت عن الأخذ بما بلّغت النار، فلا فضل لي على أحدٍ حين أُبلغه كلمةً من كلمات الإسلام.
الوظيفة كما سبق -وظيفة التبليغ- إيصال، ولكن الإنذار والتبشير أخصّ من الإبلاغ، التبليغ هو أن تصل الفكرة، وطبعاً أن تصل الفكرة يحتاج إلى فنّ أيضاً، وليس نقل معلومة، أريد أن أوصلها إلى قلبه وليس إلى سمعه، وإيصال الكلمة إلى السمع سهلٌ ليس عليّ إلا أن أنطقها، ولكن أن تصل الفكرة إلى الفكر، وتصل الفكرة إلى القلب هذا أمرٌ آخر والطريق إليه أبعد وأصعب ويحتاج إلى فنّ، ولابد من دراسة فنّ التبليغ في الحوزات من أجل أن نستطيع أن نوصل الفكرة إلى الآخرين، هذا شيء.
مرة تصل الفكرة بشكل علمي كوصول المسألة الرياضية، الإنذار ليس أن أوصل المسألة الدينية كإيصالي للمسألة الرياضية إلى فكر وقلب الآخر، وإنما ينضاف إلى ذلك أن تحتلّ في النفس محلّاً يحركها، أن تأخذ في النفس قابلية التحريك والدفع، متى يأتي هذا؟ الأفكار بداية الحركة، ولكن بين الفكرة وبين الحركة دافعٌ من دوافع النفس الذي تضعه على طريق السلوك.
المحركات ثلاثة، خوف، رجاء، حبّ. التبليغ إيصال الفكرة، أما التبشير والإنذار. الإنذار معه خوف، زرع حالة الخوف في النفس من التخلّف عن الأخذ بالفكرة، التبشير مع الفكر خلق حالة رجاء أو حالة حبّ تدفع للأخذ بالأمر، فالإنذار والتبشير مرحلة متأخرة عن مرحلة التبليغ وتحتاج إلى أمرٍ آخر غير إيصال الفكرة، والآية الكريمة تقول “لينذروا قومهم”.
في التبليغ، في الوظيفة التي يُسأل عنها أهل الدين، ليست مسألة تعليمية فقط، المدرس في الحوزة قد يكتفي بالتعليم والتدريس، وهو لا ينبغي له أيضاً أن يكتفي بالتدريس فقط، لابد أن يربّي، الحوزة مسؤولة عن تربية شخصية إسلامية، عن تخريج شخصية إسلامية، ليست مسؤوليتها منصبّة عن تخريج إنسان يحمل معلومات إسلامية. مرّة نجعل وظيفة الحوزة هي أن تخرّج عدداً من الناس بمقدار الألوف يحملون معلومات إسلامية كما يحملها أي واحد شيوعي أو علماني وما إلى ذلك، يمكن أن يأتي أي واحد علماني أو شيوعي فيبرز في الفقه أو في الفلسفة الإسلامية أو في أي علمٍ من العلوم!
هل وظيفة الحوزة العلمية هنا أن تخرّج لنا طلاّباً يحملون أفكاراً إسلامية فقط؟ يحمل الفكرة التي يؤمن بها أو لم يؤمن بها؟ طبّقها أو لم يطبّقها؟ طبعاً لا.. ليس كذلك. مسؤولية هذه الحوزات أن تخرّج شخصية إسلامية في عدد من الناس كبير يغطي حاجة الأمة.
إفهم الشخصية الإسلامية من شخصية الإمام المعصوم “عليه السلام”، فنخلق شخصيات مصغرة على ضوء شخصية الإمام المعصوم تقوم بشيء من دوره، هذه الشخصية التي تخرج من قم والنجف مطلوب لها أن تكون داعية، مطلوب لها صاحبة مشروع إجتماعي، صاحبة مشروع سياسي، صاحبة مشروع إقتصادي، صاحبة مشروع علمي، إلى آخره، أنت لا تخرج لتدريس “المكاسب” والرسائل فقط، أنت تخرج شخصية إسلامية لوضع المجتمع كلّه على طريق الإسلام وتجابه الجاهلية في كلّ أبعادها وفي كلّ توجهاتها.
فأنظر للجاهلية كم لها من الكوادر، كم لها من الإختصاصات، كم لها من الجيوش المتنوعة، والحوزة أول من يُسأل عن مواجهة جيوش الجاهلية على تعددها وعلى تنوعها، فالمهمة مهمة كبرى جداً والمسؤولية مسؤولية ضخمة جداً.
أنت عندما تطرح الإسلام لبلدك أو لأي بلدٍ آخر تبلّغ فيه، تذكر ماذا سينتج تطبيق الإسلام من آثارٍ دنيوية، من أمن، من تقدّم اقتصادي، من رفعة أمة، من استقرار، من ريادة، من احتلال الأمة لموقع الريادة بين الأمم، أمة ستعلّم الأمم، تحتاجها الأمم، تستقي منها الأمم مادياً ومعنوياً، وكان الأمر كذلك في يومٍ من أيام الإسلام. عندما نقدِّم الإسلام نقدِّم شرحاً لعطاءات الإسلام في تطبيقاته وما نعانيه الآن من تطبيق الطروحات غير الإسلامية، هذا تبشيرٌ وإنذار، ثم لا تكبُر بشرى الدنيا على بشرى الآخرة، ونحن نقدّم دنيا عريضة زاهية مغرية من خلال تطبيق الإسلام لابد أن تكبر صورة الجنة وصورة الثمرات الأخروية وجزاءات الله في الآخرة على جزاءاته لتطبيق الإسلام في الدنيا. لتطبيق الإسلام في الدنيا جزاءات إيجاية تُغيّر دنيانا تماماً وتُغيّر موقعنا وتجعلنا مقتنعين بحياتنا على خلاف ما نحن عليه الآن من عدم رضىً بهذه الحياة لسوء أحوال الدنيا من صنع الجاهلية.
علينا أن نقدِّم الصورة المشعة الصحيحة المطابقة للواقع الإيجابية، التي ستترشح واقعاً قائماً شاخصاً في الناس عند تطبيق الإسلام، ولكن حذاري حذاري من أن يكون تقدير الإنسان المسلم للإسلام على أساسٍ من عطاءاته الدنيوية، يجب أن تكبُر عطاءات الآخرة وبشرى الآخرة في نفس الإنسان المسلم حين يلتزم بالإسلام، ونحن نجد القرآن الكريم يتحدث عن الدنيا وعطاءات الإسلام في الدنيا ولكن الصورة تبقى باهتة وصغيرة وأمام صورة العطاء وصورة السعادة التي يبشر بها الله تبارك وتعالى لمن اتّقى، فبشرانا بالإسلام يجب أن يعمّ الدنيا والآخرة، ويكون ما للآخرة أكبر مما للدنيا، وانذارنا يجب أن يعمّ جنبتين الدنيا والآخرة، ويجب أن لا تساوي مخاوف الدنيا في نفس الإنسان المسلم على شدّتها، ونحن نعانيها الآن من حكم الجاهلية في الأرض، أي مسلم لا يشعر بالمعاناة الصعبة وبالحياة الضيّقة الخانقة بسبب تطبيق المبادئ الأخرى وفرض الجاهلية نفسها عليه في موقع السياسة والإجتماع والتثقيف االعام للمجتمع الإسلامي، هذا كلّه حاصل، لكن هذا لا يساوي شيئاً من ضيق الآخرة، إذا انتقل أحدنا إلى الآخرة وكان على غير ما يرضي الله تبارك وتعالى لا سمح الله، وجد أن مصائبه في الدنيا لا تساوي شيئاً أمام مصائبه في الآخرة، فيجب أن تكبر صورة الإنذار بشرّ المصير على صورة الإنذار بما نحن فيه ضيقٍ ومن عنتٍ ومشقة في هذه الحياة بسبب ما يستتبعه تطبيق الجاهلية وحكمها في الأرض.
سبق أنّ الأمة كل الأمة مسؤولة عن الحوزة حاضراً ومستقبلاً. الحوزة ليست مسؤولية إيران، ولا مسؤولية العراق وحدها، هي مسؤولية أمة. الحوزة سواء في النجف أو في قم أو في أي مكان هي مسؤولية كل الأمة.
مسؤولية من؟ مسؤولية أهل المال، مسؤولية العلماء، مسؤولية المثقفين، مسؤولية العوائل، مسؤولية أولياء الأمر، لا يختار لي أسقط أولاده، لا يختار لي ولد لا يستطيع مواصلة الدراسة في الإبتدائي، أو وصل للإعدادية ثم عجز عن مواصلة الدراسة، ليس لديه قابليات فكرية، أو شخص آخر ليس لديه أخلاقية، شخص آخر لم يحصل على لقمة العيش لضيق الظروف ثم يرسله إلى قم أو يرسله إلى النجف. فلنرسل إلى قمّ وإلى النجف، إلى الحوزات صفوة أولادنا، أحسن ولد لديك قدّمه إلى الدين. العادة هكذا، أن الولد المتميز يُرسل إلى جامعات أمريكا، يُرسل إلى جامعات أنكلترا، أما قم والنجف وأمثالها من يُرسل إليها؟ في الكثير يُرسل من لا حيلة له ولا حيلة لأبيه في وضعه على الطريق المُنتج، هذا عيب، هذا استهزاء بالدين، استخفافٌ بالدين، عدم توقير لله تبارك وتعالى ودين الله عزّ وجلّ.
الحوزة تحتاج إلى رجالات قادة، إنْ لم يقد أمة يقد قطراً، إن لم يقد قطراً يقود عائلته، إن لم يقد مجتمعاً كبيراً يقود مجتمعاً صغيراً، نحتاج إلى قيادات تتجاوز قيادة نفسها إلى قيادة غيرها، الحوزة بحاجة إلى هذا، فلا يُأتى لها بالعاجز عن أن يجد فرصة ويكون من سائر الناس أو أقرانه.
إذن المسؤولية مسؤولية علماء، مسؤولية مثقفين، مسؤولية أصحاب المال، مسؤولية أصحاب الجاه، ومسؤولية مجتمع عليه أن يُشجّع، ومسؤولية آباء وأمهات وما إلى ذلك.