كلمة آية الله قاسم في عيد الغدير بالحرم الرضوي المقدس – 19 أغسطس 2019

شارك سماحة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم بإلقاء كلمة عيد الغدير الأغر في صحن الغدير بالحرم الرضوي المقدس في مشهد المقدسة وسط حضور الآلاف من الزوار من مختلف بلدان العالم الإسلامي.

وقال سماحته في الكلمة التي نقلتها وسائل الإعلام الفضائية في بث مباشر ليلة الثلاثاء 19 أغسطس 2019 بأن الإسلام يبقى ناقصاً بضياع الإمامة، وأن الصلاة ضياع، الحج ضياع، الخمس ضياع، كل الفرائض ضياع، كل الفرائض لا تنضبط تمام الإنضباط، لا تأتي كما هو عليه حكم الله الواقعي، كل نظامٍ يكون في الأمة وفي الإنسانية، كل خير يكون ناقصاً ما لم تكن نبوة وما لم تكن إمامة.

لا بقاء للإسلام بلا خط الإمامة.. والدنيا تنتظر الحل الشامل على يد القائم (عج) ..

للمشاهدة :

نص الكلمة:

أعزائي المؤمنون في الأرض كل الأرض..
الإنسانية كلها..
مبروكٌ لكم بالعيد الكريم، بيوم الغدير، بعيد الله الأكبر..

[غاية خلق الإنسان]:
خلق الله الإنسان لغاية، غايته أن يكمُل ويصعد هذا الإنسان، (إِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)، كمال الإنسان وسعادته أمرٌ ليس له إلا طريق واحد وخطٌ واحد، (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) ليس من طريقٍ يوصل الإنسان إلى أوج كماله، وليس من طريق يأخذ بالإنسان إلى أعلى درجة من درجات السعادة إلا أن يعبد الله تبارك وتعالى، أن تتحوّل حياته كلها صلاة، أن تتحوّل حياته كلها ذكر، أن تتحول حياته كلها صلة بالله سبحانه وتعالى، هو في صلاته مُصلٍ، وفي حجه مُصلٍ وحاجٍ، وفي سياسته  مصلٍ وحاجٍ وذاكر، يُراد بحياة الإنسان أن تكون كلها صلة وذكراً لله حتى يتم لهذا الإنسان كماله، وحتى يشعر هذا الإنسان بتمام سعادته، هذه الغاية، غاية الكمال.

[ما تتوقف عليه الغاية]:
هل تروْن أنَّ الله عز وجل يخلق الإنسان لهذه الغاية، وأنّ هذه الغاية تتوقف على أمرٍ من الأمور -على مقدمةٍ من المقدمات، على وجود مثالٍ من المُثُل، على وجود قدوةٍ من القدوات- ثم لا يوجد الله عز وجل ما به يتم كمال الإنسان؟ وما تتوقف عليه غاية الخلق؟

[الأول: معرفة الله]
غاية الخلق أن يُعبد الله، وعبادة الله فيها كمال الإنسان، تمام كماله، هذه العبادة متوقفة على معرفة الله، هل يسد الله عز وجل كل أبواب معرفته وهو قد خلق الإنسان للعبادة التي تتوقف على معرفة الله، عبادة الله متوقفةٌ على معرفته، معرفتهُ ليست بيد الإنسان، لابد أن يفتح أبواب معرفته للإنسان حتى يعرفه الإنسان..
هذه مقدمة..
هل تتصورون أن يسد الله عز وجل أمام عقل الإنسان، أمام فطرة الإنسان، أمام وجدان الإنسان أبواب معرفته؟
هذا تبخيل لله؟ تجهيل لله؟ تعجيز لله؟ هذا أمرٌ مستحيلٌ في حق الله.

[الثاني: بعث الرسل]
تتوقف عبادة الله على إرسال الرسل، على إنزال الكتب. هل تتصورون أن الله عز وجل يكلف بعبادته من غير أن يرسل رسولاً أو ينزل كتابا؟ مستحيل..
تتوقف عبادة الله التي بها كمال الإنسان على أن تكون النبوة، على أن تكون الإمامة، على أنْ من يَبلغ موقع النبوة، على أنْ يكون من يَبلغ موقع الإمامة.
النبوة ضرورة من ضرورات كمال الإنسان، هذه الضرورة تتطلّب نبياً، هل يبخل الله عز وجل، هل يعجز الله عز وجل عن إيجاد نبي يبلغ موقع النبوة؟ فأرسل رسلاً كاملين.

[ماذا بعد انقطاع النبوات؟]:
هل أمر عبادة الله -أمر كمال الإنسان، نُضج البشرية، استكمال البشرية كلَّ حظها من الكمال، تقدم البشرية مدى وجودها- هل تكفي فيه النبوة التي تنقطع في لحظة من لحظات الزمن، وتتوقف في لحظة من لحظات الزمن؟
يتم ترك البشرية كلها من بعد ذلك يتيمة تتطلع إلى علم السماء؟
وعلم السماء موجودٌ في القرآن إلا أنها تجهله، تتطلع إلى سنة رسول الله “صلى الله عليه وآله وسلم” في صفائها ومقامها، تتطلع إلى فهم قرآنيٍ موافقٍ للواقع، ما جاء القرآن ليحل مشاكل البشرية باجتهادات الفقهاء إنما جاء القرآن ليحل مشكلات البشرية بما عليه علم رسول الله “ص” بالقرآن، القرآن الذي يحل المشكلات البشرية هو القرآن بأحكامه الواقعية، بمفاهيمه الواقعية، بقيمه الواقعية، بأهدافه الواقعية، وليس على أساس من الإجتهاد البشري.

[هل يكتفى بعد النبي بالاجتهادات؟]
اجتهادات البشرية مهما حاولت أن تصل إلى حقيقة القرآن وعمق القرآن إلا أنها لا تملك أن تؤكد أنها قد حققت هذا المطلب وقد وصلت إلى هذا الهدف.

[لا بد مع القرآن من قيّم معصوم]
القرآن الذي حلّ به رسول الله “ص” مشكلات البشرية هو القرآن الذي يرقى إليه فهمه، ولأنه القرآن والقرآن هو، لذلك جاء الحل ناجعاً ناجحاً قادراً على أن يمسح مشكلات البشرية ويزيلها.
النبوة انقطعت.. علم رسول الله “ص” حسب نظرية يعيشها كثيرٌ من المسلمين أنّ علم رسول الله “ص” لم يصل بتمامه إلى مَن بعده، انقطع الوحي وانتهت النبوة في الأرض، أين ميراث النبوة، أين الوحي الذي نزل على رسول الله “ص”، الوحي في صفائه، في نقائه، في كلمته الإلهية الأصل، نبحث عن علم رسول الله عند عبدالله بن عباس حبر الأمة، هل يتقدم لنا عبدالله بن عباس ويضمن لنا أن يقدم لنا كل علم رسول الله الذي تحتاجه البشرية؟ هل يدعي عبدالله بن عباس لنفسه أنه يملك أن يعطينا الكلمة التي تمثل فهم رسول الله “ص” للقرآن تمام الفهم؟ هل يجزم عبدالله بن عباس جزماً قاطعاً بأن الرأي التفسيري الذي يطرحه هو ما أراده الله العظيم من هذه الآية أو من تلك الآية؟

[هل ادعى أحد فهمه الكامل للقرآن؟]
هل يوجد في الأرض شخص واحد من دون الأثني عشر عليهم السلام الأئمة المعصومين، هل من بعد رسول الله “ص” مباشرة من ادّعى أو ادُّعي له أنه يملك فهم القرآن الفهم الحقيقي؟ أنّه يملك علم رسول الله “ص” الذي لا تقر البشرية إلا به؟ هل يتقدم لنا واحدٌ من كل صحابة رسول الله “ص” بأنه يملك أن يأخذ المسيرة البشرية إلى الإتجاه الدقيق الذي لا يخطأ السمت إلى كمال الله تبارك وتعالى، لا يميل يمنة ولا يسرة عن طريق الله، لأنه يملك علم رسول الله “ص”؟ وهل من نفسٍ يمتنع عليها الخطأ وتمتنع عليها الخطيئة وتمتنع عليها الغفلة بعد رسول الله “ص” بالنسبة لكل ما جاء به رسول الله، وكل ما جاء به رسول الله تحتاجه البشرية، المسيرة البشرية الناجحة، العابدة لله في كل مجالات الحياة، اقامة حياة على دين الله بالدقة، إقامة دين الله بالأرض، إيجاد الإنسان الرباني على مستوى الفرد، إيجاد الأمة الربانية الإنسانية التي لا تميل يمنة ولا يسرة عن طريق الله.
هذه مهمة الإسلام، هذه هي الغاية من نبي الإسلام، ما جاء القرآن ليبقى قرآناً يُتلى ويُتغنّى به فقط، جاء القرآن ليبني إنسان الأمة، ليبني الإنسان على مستوى الإنسانية جمعاء، جاء الإسلام ليبني كل وضعٍ من أوضاع الإنسان، لتقوم عمارة الحياة الإنسانية في كل أركانها وفي كل جزئياتها على أساس من الإسلام وبيد الإسلام، هذا البناء فهم القرآن الفهم الدقيق الواضح اليقيني، عند من بعد رسول الله هذا الفهم؟ نلقاه عند من؟ نلقاه عند أي صحابي؟ هناك شخص واحد فقط بعد رسول الله يُدّعى له ويدّعي وشهد له القرآن وشهدت له أحاديث الرسول وشهدت له سيرته بأنه يملك فهم القرآن، علم القرآن كله.

[الشخص الوحيد الذي له ذلك]:
الشخص الوحيد الذي شهد له القرآن، والشواهد كثر، وشهد له رسول الله والشواهد كثر، وشهد له الكثير من المفسرين وكثير من المؤرخين وكثير من الصحابة، وشهد له كل موقف من مواقفه وكل كلمة من كلماته، الشخص الوحيد الذي لا يمكن ردّ دعواه في هذا الأمر هو أنّه يملك علم الكتاب هو علي بن أبي طالب “عليه السلام”.
من يقف في وجه عليٍ “عليه السلام” يوم كان حيّاً في هذه الأرض؟
لو نطق أمام عشرة آلافٍ من الصحابة بأنّه يعلم تفسير القرآن، من يجرأ أن يردّ كلمة علي “عليه السلام”؟ ما في التصوّر أنّ أحداً وهو يعرف علياً، وحاجة الصحابة لعلي “عليه السلام”، وأنّ علياً لم يخطئ في موقف من مواقفه العملية، ولا النظرية عن خط القرآن، ليس في تصوّري أنّ هناك أحد يملك أن يقول لعلي “عليه السلام” أنت مدعٍ كاذب.
كيف يُدّعى بأن علياً “عليه السلام” لا يملك التفسير الدقيق الرصين اليقيني الأكيد للقرآن الكريم، وشهادات السُنة المطهرة كُثرٌ في ذلك، في أنه القادر على تفسير القرآن وأنه وريث رسول الله “ص”.

[إسلامان: حقيقي، اجتهادي]:
النقطة هي هذه، إسلامٌ ذهب العلم به بعد رسول الله “ص” ليس هو الإسلام الذي أنزله الله، ليس هو الإسلام الذي يحل المشكلة البشرية، الذي تفتح به الأمة الإسلام على كل الأمم، وتتقدم بالأمة الإسلامية على كل الأمم، الإسلام الذي جاء حلاً للمشكلات البشرية كلها هو الإسلام كما جاء من عند الله عز وجل، وهذا الإسلام يجب أن يبقى بعد رسول الله “ص” لبقاء حاجة البشرية له.
هذا الإسلام لا يدّعي بقاءه إلا خط إمامة أهل البيت “ع” ومدرسة أهل البيت “ع”، المسلمون وكل المسلمين لا يدعون بأنَّ علم الإسلام الواقعي، وأنَّ الإسلام الواقعي بقي في يد المسلمين بعد  رسول الله “ص”، لم يبق لنا في الكثير الكثير إلا إسلام الاجتهاد -الذي قد يصل بالإسلام إلى عشر ديانة إسلامية تنتمي للإسلام، إلى عشرين دين، إلى أربعين دين- أربعون رأياً إجتهادياً كلٌ منها يدعي بأنه الإسلام، مئة رأي إجتهادي كلٌ منها يدعي بأنه الإسلام، وكل فئة من فئات المسلمين يمكن أن ترجع إلى هذا الرأي أو إلى ذلك الرأي، مسألة الرجوع إلى الرأي الإجتهادي مسألة يفرضها الاضطرار.

[هل الله مضطر لترك الناس للاجتهادات؟]
ولكن الله عز وجل ليس مضطراً إلى أن يذهب الرأي الإسلامي الواقعي من عند يد المسلمين وأن يؤول أمرهم إلى الاتكال على الأمر الاجتهادي، الله عز وجل قادرٌ على أن يحفظ العلم الحقيقي الإسلامي القرآني الصافي الدقيق ما بعد رسول الله “ص”، وأن تبقى المرجعية الفكرية العلمية الفقهية الدينية على درجةٍ من الصفاء والكمال بحيث لا يضيع شيء من الإسلام لا كبيرة ولا صغيرة على مستوى الفكر والعقيدة والفقه والقيم والأخلاق والأنظمة التي سنّها وشرّعها الإسلام، فلماذا يبخل الله عز وجل على البشرية بأن يرفع عنها المرجعية التي تقدم لها العلم الحقيقي الإلهي الصافي؟ ما كان هناك أمرٌ …. الله تبارك وتعالى إلى أن يحرم الأمة أو الإنسانية كلها العلم الذي تحتاجه، العلم بدينه على مستوى العلم الواقعي.

نحن نطالب بهذا العلم بعد رسول الله “ص”، من أين ذلك؟ مدرسة أهل البيت “ع” تقول تجدونه عن الإمام علي، من بعده الحسن، من بعده الحسين، إلى الإمام القائم “عجل الله فرجه وسهل مخرجه”، ليس من مدرسة أخرى في الأمة الإسلامية تملك أن تدّعي أنها قادرة على تقديم العلم الحقيقي الإلهي بالقرآن وبسنة رسول الله “ص”.

[إما ضياع جهود الانبياء أو وجود الأوصياء الامناء]:
فكأنما خط النبوة بعد مئة وأربعة وعشرين ألف نبي قد تراجع إلى الخلف وقد ضاعت كل جهوده، أين علم كل النبوات؟ أين علم كل الكتب الإلهية التي نزلت على الإنسان؟ حين نقول بأن رحيل رسول الله “ص” وقد انقطع معه الوحي وهو الأمر كذلك مئة في المئة، حين نقول ذلك، وأن رسول الله “ص” لم يرث أحد من بعده علماً، ولا يوجد بعد رسول الله “ص” في الأرض إنسان يفهم القرآن الفهم القطعي، الفهم اليقيني، هذا الكلام يساوي تماماً أن علم النبوات قد ضاع منه الكثير، أن كل الكتب الإلهية، أن كل الرسالات وعطاءاتها الفكرية ضاع منه الكثير وأن الجو بعد رسول الله “ص” يبقى على طالب طاعة الله، على شخص، على جماعة، على أمة، على الإنسانية كلها، أتبقى لدينا إنسانية تطلب الوصول إلى الله؟ تطلب طاعة الله؟ تطلب إقامة نظام إسلامي دقيق على أساس من حكم الله، تطلب حياةً كلها خاضعة لأمر الله ونهيه، أين تجدُ هذا؟ لابد أن نعتذر للإنسانية وأن نقول لها العلم الواقعي الذي تبحثون عنه ليس موجوداً في الكثير من المسائل، في الكثير من الأنظمة التي تحتاجها الحياة، العلم الواقعي الإلهي الذي تطلبونه لأن تقيموا حياتكم على أساسه غير موجود بيدنا وليس عندنا المرجع الذي يملك أن يقول هذه هي كلمة الله بالحق، هذا هو حكم الله يقيناً، لابد أن نعتذر حين نقول لا إمامة بعد رسول الله “ص” وإنما هي حكومة أرضية يختارها الناس لأنفسهم.
الإمامة ليست ضرورة على مستوى الحكم فحسب، هي ضرورة على مستوى الحكم، لا يكون حكم على أساسٍ من علم الله، وعلى أساس من عدل الله، لا يكون حكم ناطق بعلم الله، ناطق بعدل الله، ناطق بحكمة الله، ناطق بالهدف الإلهي للحياة، والذي وضعه الله تبارك وتعالى، لا يكون حكم من هذا النوع مفصولاً عن المعصوم، مفصولاً عن الإمام، لا يملك أحدٌ في مستوىً من دون مستوى الإمام المعصوم أن يقيم لنا حكماً في الأرض شاهقاً سامقاً سموق الحكم الذي يقوم بصناعة الإمام وبعلم الإمام وبعدل الإمام.

[الفرق بين حكم المعصوم والفقيه]:
الفقيه العادل المجتهد المتضلع الحكيم الخبير المخلص وهو يوجد، يقيم حكماً إسلامياً، يصل إلى حد من الكمال، لا يلحقه حكم آخر، ولكن لا يصل إلى حكمٍ يُقيمه عليٌ “عليه السلام”، علم علي فوق علم الفقيه، عدل علي فوق عدل الفقيه، حكمة علي فوق حكمة الفقيه، قلب علي مشدود إلى الله أكثر من إنشداد قلب الفقيه إلى الله، عطاء الرجلين يختلف، عطاء علي بمستوىً وعطاء الفقيه مهما كبر وعظم وشع في الأرض وامتلك على الناس كل الناس اعجابهم إلا أنه لا يمكن أن يرقى إلى عطاء علي “عليه السلام”.
والله عز وجل أراد لهذا الإنسان بما كرّمه أن لا يتوّلى أمره وأن لايكون أولى به من نفسه إلا رسول الله “ص” والإمام من بعده.

[ولاية المعصوم وولاية حكام الجور]:
أترى موقع الرسول إلى أين يصل في الإسلام؟ (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم) أحرص عليك، أملك لقرارك على أن قرارك المتعلق بنفسك من قرار نفسك، أنت تملك قرار نفسك، رسول الله “ص” أملك لقرار نفسك من قرارك أنت، سلطة ليس فوقها سلطة إلا سلطة الله تبارك وتعالى، موقع خطير، يرسم لي دنياي، ويرسم لي آخرتي، يرسم لي طريق دنياي وطريق آخرتي، قراره لي يتعلق بدنياي وآخرتي، ليس فقط يتعلق بمصير الإنسانية في دنياها وفي آخرتها، هذا موقع يعطى لإنسانٍ لا يعلم بما أنزل الله في كتابه؟
هذه السلطات، هذه المالكية، هذه الهيمنة، التي أعطيت لرسول الله وأعطيت لمن بعد رسول الله إن لم يكن في نظر البعض على مستوى النظر فعلى مستوى الواقع أن حكام الأمة في الحقيقة يملكون الهيمنة على دنيا الإنسان وآخرته، وإنّ حكام الأمة أملك من آبائنا وأمهاتنا في التأثير علينا وعلى مصائرنا دنياً وآخرة، أنت تربي ولدك عشر سنين وأثني عشر سنة.. سلطة الملوك وسلطة الرؤساء، وإمكاناتهم الضخمة وهم يمتلكون التربية العامة، والميزانية العامة، والتخطيط العام، ويمتلكون الناحية الأمنية، ويمتلكون كل شيء في حياتك، يستطيعون أن يمتلكوا عليك ولدك، عشر سنين من تربية ولدك تضيع أمام تخطيط الحاكم وإمكاناته وسياساته، فهم يملكون في الحقيقة، لا يملكون علينا دنيانا فقط وإنما يملكون علينا دنيانا وآخرتنا..
هذا السلطان العريض الكبير حين ينفصل عن سلطان الله، عن علم الله، عن خشية الله، عن تقوى الله، حين يكون لصاحبه وهو يرى نفسه مالك من الملوك، (إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها، وجعلوا أعزة أهلها أذلة) بم هذا؟ بإمكانتهم، بسلطانهم، بجيشهم، بميزانيتهم الضخمة، باستحواذهم على جهودك وجهود الآخرين، باستيلائهم على نتيجة عرقك، هذه الإمكانات الهائلة، هذه الإمكانات الضخمة تجعلهم أرباباً من دون الله عز وجل في الأرض حين تنفصل إرادتهم عن إرادة الله وحين تتجه إرادتهم إلى غير ما تريده إرادة الله عز وجل.

[حكومة الابدان وحكومة الارواح]:
صار من الضروري إذن جداً، إما أن تقوم حكومة تملك الأرض وتملك على الإنسان مصيره في الدنيا، تملك مصير الإنسان في الآخرة، وإما أن تقوم حكومة إلهية، حكومة إلهية بمعنى ماذا؟ بمعنى حكومة خاضعة لمنهج الله، أمة تقوم بأمر الله، بإذنه، كيف تكون هذه الحكومة؟ كيف تقوم هذه الحكومة؟ حكومة تعلم بكتاب الله علم اليقين، متخلقة بأخلاق دين الله، نضمن فيها ونعلم منها بأنها حكومة معصومة علماً وعملاً، أما الكلمة تأتي من هذا الحاكم تأتي صادقة يقينية غير متهمة بجهل، غير متهمة بغفلة، غير متهمة بتساهل، غير متهمة بتحامل، غير متهمة بأي ما يشوب صفائها، وغير متهمة بغير ما يمكن أن تنتسب به لغير الله تبارك وتعالى، ولذلك طولب المعصوم بالدليل على عصمته، طولب الأنبياء بالدليل على نبوتهم، وطولب الإمام بالدليل على إمامته، ما ثبتت نبوة رسول الله بدعواه إنما ثبتت بما بيّن يقيناً بأنه رسولاً لله تبارك وتعالى بالمعجز، وما تمت إمامة علي “عليه السلام” على أساسٍ من كلامه وإنما تمت إمامته بدلالة القرآن وإن لم يسميه بشخصه، وبدلالة نص رسول الله “ص” عليه باسمه، ثبتت نبوة رسول الله “ص” يقيناً فأستطعنا أن نرجع إليها في اثبات إمامة علي “ع” ومن بعده من الأئمة الأطهار من أبنائه الميامين.
اعطني أنّك معصوم لأن لا أتوقف أمام كلمتك ولا أمام أمرك ولا أمام نهيك، أو أن كلمتك تنتهي إلى المعصوم، والطاعة للفقهاء تأتي في هذه المرحلة، في مرحلة ما دلّ على أن طاعته من طاعة الأئمة “عليهم السلام”، فمن ثبتت أهليته الشرعية حسب المواصفات الشرعية المتلقاة عن الأئمة “ع” بأنه حاكم للناس في غيبتهم، بمقدار ما ثبت من الدليل عن الأئمة “ع” من حاكميتهم أيدهم الله فتثبت حاكميتهم على الأمة، لا بكلامهم ولا بما لهم من علمٍ لولا هذا التحويل من الأئمة “ع”.
النبوة، الإمامة، الأمر الذي هو أصغر من النبوة، أصغر من الإمامة، قيامي، قعودي، فتح عيني، غمض عيني، لابد أن أرجع فيه إلى الله تبارك وتعالى، كل أمر، كل نهي هو محل احترامٍ حين ينتهي إلى الله عز وجل، أمر النبوة فوق كل أمر، أمر الإمامة من بعد أمر النبوة، ومن فوق كل أمرٍ من بعده، هذان أمران.

[ما هي وظيفة النبي والإمام؟]:
والحكم السياسي وظيفة صغيرة من وظائف الإمام، والوظيفة الكبرى للنبي “ص”، والوظيفة الكبرى للإمام “ع” هو إخراج الناس من الظلمات إلى النور، كل منقصة إنسانية تعتبر ظلماً، كان من المفروض أن أصل إلى مستوى هذا النور الأشع، وصلت إلى مستوى هذا النور الخفيف، أنا في ظلمة.
النبي “ص”، الإمام من بعده، جاء ليُخرج الناس من الظلمات إلى النور، النور أمام الإنسانية لا يقف عند حد، لأن الإنسان متجهٌ إلى نور الله، متجهٌ إلى كمال الله، وطريق الكمال لله لا يقف عند حد وليست له نهاية، فتبقى النبوة وتبقى الإمامة آخذة بالركب البشري كله إلى كمالٍ من بعد كمال، إلى نور من بعد نور، إلى سعادة من بعد سعادة، إلى مرقاةٍ بعد مرقاة، تنتهي الحياة والمسيرة لا تنتهي إلا بانتهاء الحياة.
أكبر ظلم في الأرض أن تبقى عليّ الصلة برسول “ص”، أن تحرمني من الإسلام، أن تحرم أمة من الإسلام، ولو فكر المسلمون بالدقة لكان في التخلّي عن الإمام حرمانٌ لأنفسهم من الإسلام الأصل، من الإسلام في صفائه، في نقائه الأصل، من الحل الذي ارتضاه الله لهذه البشرية، من الدين الذي ارتضى، (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)، متى رضي الله الإسلام ديناً للناس، بعدد تنصيب أمير المؤمنين “ع” ومبايعة المسلمين له، حين تمت البيعة لعليٍ “ع” حينئذٍ جاءت الآية الكريمة (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)
كل نِعم الدنيا هذه تبقى مجزوءة، تبقى ناقصة، تبقى دون النعمة التي أرادها الله للإنسانية، كل كمالٍ يقطعه الإنسان، الإسلام ناقصاً، الإمامة.. ناقص ليس شيئاً بسيطاً، ناقص نقصاً جذرياً، الإمامة أسّ الإسلام، الصلاة ضياع، الحج ضياع، الخمس ضياع، كل الفرائض ضياع، كل الفراض لا تنضبط تمام الإنضباط، لا تأتي كما هو عليه حكم الله الواقعي، كل نظامٍ يكون في الأمة وفي الإنسانية، كل خير يكون ناقصاً ما لم تكن نبوة ما لم تكن إمامة.

[ما هي ضمانة حفظ الدين؟]:
الأمور كلها تكون في نصابها، كل شيء في الطريق الصحيح، كل شيء في الصراط، كل شيء متجهٌ إلى الغاية، كل شيء يصب في صالح الهدف الرئيسي للحياة، حينها يأخذ الناس بخط النبوة، وخط الإمامة، وخط النبوة لا يبقى كما هو وأصيلاً كما هو، لا يبقى واقعياً كما هو، لا يبقى موصلاً للواقع الذي يريده الله وكما هو، إلا بأن تبقى الإمامة ويبقى خط الإمامة، ولذلك تبقى الدنيا تنتظر الحل الشامل، فمتى يكون؟ يكون على يد الإمام القائم “عجل الله فرجه”، فكما كان الحل بالقرآن الواقعي، وبالقيادة الإلهية الواقعية، لا يكون الحل، ولا تكون العزّة، ولا يكونُ الإهتداء إلى الهدف، ولا تكون هذه الأمة هي الأمة الرائدة والقائدة للأمم في الأرض إلا حينما يعود حكم القرآن وحكم ابن رسول الله “ص”..
متى يعود حكم القرآن؟ حين يعود القائم على فهم القرآن، حين يعود الفهم القرآني الحق الصدق الواقعي، وهذا لا يوجد عند أحد مهما تعدد الفقهاء وكثر الفلاسفة والمتلكمون والعلماء والمنظرون، العلم الواقعي ننتظره على يد العالم بالكتاب والذي هو آخر إمام من أئمة التربية الصالحة لرسول الله “ص”.
هنيئاً لكم، هنيئاً لنا جميعاً، وهنيئاً لكل مسلمٍ ومسلمة يقف مع إسلامه، ويهتدي لما يريد منه إسلامه، ويرجع إلى القرآن، وإلى السُنة، ليدرسهما بروحٍ موضوعية طالبةٍ للحق، ليصل إلى الحق.
وغفر الله لي ولكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

زر الذهاب إلى الأعلى