كيف نتعامل مع موسم عاشوراء “آية الله قاسم”
قد قرب موسم المحرَّم فلنسأل كيف نتعامل مع هذا الموسم؟
وقبل الدخول في الإجابة على هذا السؤال علينا أولاً إذا أردنا أن نحيي هذا الموسم بما يليق به أن نضع الحسين المعصوم عليه السلام وعيَه، هدفه، فدائيته، تضحيته، أخلاقيته، إخلاصه، شفقته على العباد، حرصه على وحدة المؤمنين والمسلمين، مثاليته، واقعيته، عفته، تنزهه، غيرته، تمسكه بالعبادة، تقديمه للأهم على المهم، سياسته، حكمته، إصلاحه، حواراته، إعلامه، سمو أساليبه، صبره، صموده، رباطة جأشه، همّه الكبير، نظره البعيد، نصب أعيننا لنتحرك على هداه، وننسجم معه في كل خطواتنا.
ويمكن لإحياء عاشوراء على خط الإمام الحسين عليه السلام أن نلتزم الآتي:
1. أن نتخذ الخطابة والموكب فرصة للتوعية الإسلامية، ورفع المستوى الخلقي والتربية الإيمانية الشاملة، وأن تكون المسيرات العزائية لعرض الأفكار النقية، وطرح الشعارات المربية، والتوجهات المبدئية الصادقة، والتوجيهات العملية الهادية، لا أن تكون للطبل والموسيقا والصخب المؤذي، والاستعراض الفارغ من الأهداف الكريمة والمعاني النبيلة الجليلة.
2. خلق تجمعات إيمانية ضخمة في الحسينية والموكب من أجل إيجاد حالة اجتماعية تتحرك في إطار الإسلام، والامتدادِ بالإسلام إلى البعد الاجتماعي إضافة إلى البعد الشخصي. وليس المطلوب أن نبكيَ الحسين عليه السلام في بيوتنا أو ننشدَّ إليه في حياتنا الشخصية فحسب، إنما علينا أن نبكي الحسين عليه السلام في الوسط الاجتماعي كذلك، ونحقق حالة اجتماعية حسينية، ونُعطي للحسين عليه السلام حضوره الفاعل في المجتمع، وذلك لا يتمُّ إلا بأن يكون إحياء عاشوراء إحياءً موجَّهاً، وفي صورة تجمعات بشرية ضخمةٍ تؤكد على الحالة الاجتماعية الحسينية. أؤكد لكم أن الإحياء الذي يريده الحسين عليه السلام وينسجم مع أهدافه الكبيرة لا يتأدى بالإحياء الفردي، ولا يبلغ غايته إلا بأن يكون إحياء في صورة اجتماعية مكثّفة.
إذن لا يكفي أبداً في إحياء عاشوراء أن نبقى عند التلفاز أو أي قناة أخرى من قنوات البثِّ والتوصيل لنستمع الخطيب أو المحاضر الحسيني، أو نشاهد صورة عن الموكب العزائي في البلد أو في بلد آخر. إنه لا بد من الحضور المكثَّف في الحسينية والموكب ليتم الإحياء بصورته المطلوبة فينبغي الحرص على ذلك. وأشدِّدُ مرة بعد أخرى على هذا المطلب المهم الضروري.
3. يتطلب الدورُ المشارك في الموكب إظهارَ التحزّن، الرزانة، الانضباط، الوقار، والجديَّة، وليس المطلوب أن يُعنَفَ بالجسد أو يعذّب. واللطم المتعقل إنما هو لإظهار الحزن أو التحزُّن والانفعال بالمناسبة، وما نذكِّر به أنفسنا والآخرين من مآسٍ حلَّت بالإسلام والمسلمين، وعلى رأسهم بيت النبوة والرسالة.
4. يُتخذ موسم عاشوراء فرصة تآلف وتعاون أكبر في سبيل الخير، وخدمة الدين، والرقي بأوضاع المؤمنين، وحل مشكلاتهم، ووحدتهم، وغسل القلوب من كل ما قد يَعلَقُ بها من أدران وعداوات على حد ما فعلته كربلاء من الجمع بين الحرّ والعبد، والأبيض والأسود، على خط الإيمان، والتضحية في سبيل الله. وهذا يتطلب تبني خطط عملية للتقارب والتوحُّد والتخلص من كل المعوّقات على هذا الطريق. وكان ذكر شيء من هذا في اللقاء مع رؤساء المآتم في مسجد الإمام الصادق عليه السلام الأسبوع المنتهي.
5. يطلب من الخطباء الأعزاء المحترمين أن يتناولوا الموضوعات الأخلاقية والاجتماعية والفكرية والسياسية الحية بالمعالجة الكفؤؤة وعلى ضوء الإسلام ورؤيته الصائبة، وأن لايميلوا إلى المصطلحات المستوردة بما هي عليه من ضبابية وخداع قد ينكشف بعد التسويق عن أضرار ثقافية بالغة، وهو مؤدٍّ حتماً بدرجة وأخرى إلى غربة للغة القرآن والحديث والتاريخ. وهذا لا يعني أن نتحدث مع النَّاس بما لا يفهمون، أو نعمل على فقد اللغة لحيويتها. وكيف يكون الرجوع إلى لغة القرآن والسنة فيه قضاء على اللغة العربية، والقرآنُ والسنةُ المرجعان الأمينان لهذه اللغة؟!
6. ينبغي لرؤساء الحسينيَّات وإداراتها الابتعاد عن التفرُّد بالرأي وترك المشورة فيما يتصل بأمر الحسينية والخطيب والموكب، والتحلي بروح التفاهم، والتشاور والصبر سدّاً لباب التمزقات، وتوصلاً إلى ما هو أنفع في القرارات المتخذة، والمواقف المتبناة.
7. الإطعام في الموسم فعل جميل وله أثره الطيب على أن يبتعد عن ظاهرة السرف وإلقاء الأطعمة لزيادتها، أو التساهل في طريقة إعدادها.
8. تقع على عاتق الجميع مواجهة ظاهرة التبذل والتفسخ الخُلقي التي تتحرك بقوة لتشويه الموسم، وتخريب أجوائه، وانتزاعه من يد الحسين عليه السلام، واستغلاله لأغراض شيطانية ساقطة. وهذا أمر محوريٌّ جدّاً التفريط به لا يفرِّغ الموسم من أهدافه العالية فقط بل يحوِّلها إلى البديل المناهض.
9. لا بد للأخوة الخطباء من انتقاء المقطوعة الشعرية واختيار ما كان جيداً من حيث ما يثيره من فكر وشعور، ويركز عليه من توجّهات، واستبعاد الرديء مما يعاني من تشويش فكري، أو خطأ في تصوير القضايا وأدوار الشخصيات الكربلائية، أو يثير مشاعر لا ترتقي والأفق الرفيع للإسلام، وثورة كربلاء ورموزها العالية.
10. شعراء الموكب ينبغي لهم أن يعطوا اهتماماً كبيراً للإنتاج الجيد شكلاً ومضموناً، والبعيدِ عن السطحية والغموض معاً، الغنيّ بالمضمون الثّرّ والوضوح جميعاً، ومن المناسب أن يكون هناك إشراف فكري وفني على الناتج في هذا الحقل من النخبة من أبنائه، وغيرهم.
11. الأخوة المحترمون المخرجون صوتيّاً للمدائح والأناشيد والمردَّدات الحسينيَّة ممن أخذوا في الأوساط العامة اسم الرواديد يُطلب لهم أن يَظهر على أدائهم الجدّيَّةُ والتأثر بالمأساة، وأن يتزيّنوا كما هو حال عدد منهم – بارك الله فيهم – بروح الرجولة والرساليّة، وأن ينأوا عن الحالة الغنائية، والتشبه في أدائهم بألحان أهل الفسق والفجور، ليكونوا دعاة حسينيين بحق.
12. مسألة التطبير لا ينبغي أن تكون مثار فتنة بين المؤمنين، فبرغم أني لستُ معها وأنصح بعدمها إلا أنه من غير الصحيح أبداً أن يتخذها المؤمنون الرافضون لها مبرر انقسامات خطيرة أثرها السيء يفوق ما يراد تلافيه من إيقافها. وكذلك ليس صحيحاً أبداً أن يتخذها الأخوة المؤمنون ممن يرضونها، ضرورة دينية تبيح مواجهة من يرفضها أو يحرِّمها من الفقهاء وغيرهم من سائر المؤمنين.
فالمؤمنون من مؤيدٍ ومعارضٍ يتحملون مسؤولية محتَّمة في الحفاظ على الأُخوَّة الإيمانية وعدم التسبب لتصدُّع الصف وبعثرة الوجود.
13. المواكب المركزيَّة عليها أن لا تدخل في حالة من التنافس البغيض غير الرسالي لكون ذلك من عبادة الشيطان ولأنه سينهي حتماً قضية المركزية بسبب ما قد يحدث من تسابق من البعض على هذا العنوان وأمثاله طلباً للأغراض الدنيوية.
14. تُثمن محاضرات العلماءُ والمثقفين العامّين من غيرهم ودراساتهم التحليلية وتنظيراتهم واستنتاجاتهم المتصلة بالشأن الحسيني وثورةِ كربلاء عالياً، ولكن برغم ذلك تقضي المصلحة الدينية جدّاً من أجل بقاء صفة الجماهيرية الواسعة المستوعبة لإحياء عاشوراء وعطاءاتها الكبيرة، واستمرار الحيوية المتدفقة مع الأجيال لموسم كربلاء المحرَّم بأن لا نطرح في هذا الموسم المتمثل في عشرة عاشوراء بديلاً عن الحالة القائمة من شأنه أن يفصلَ الجمهور الواسع عن القضية ويجعلَها قضية نخبة خاصة تحياها ببعدها الفكري الدراسي فقط، ويمكن أن تنتهي منها بعد حين، وتتحول على يديها سريعاً إلى قضية باردة تعيش في أروقة الجدل والترف الفكري، ولا تفعل كثيراً في الحياة، ولا تشارك بقوة في صناعة الأمة.
اللهم صلّ على عبدك المصطفى وآله الشرفاء، واكشف هذه الغمة عن هذه الأمة، واجعلنا وإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين في درعك الحصينة التي لا يخترقها سوء أبداً، واغفر لنا ولوالدينا وأرحامنا وجيراننا وكل من كان له حق خاص علينا منهم يا رحيم يا كريم.
من خطبة الجمعة (100) 26 ذي الحجة 1423هـ – 27-2-2003م