عاشوراء – حديث حول عاشوراء (الدراز) 2001/3/24م
عاشوراء – حديث حول عاشوراء (الدراز) ليلة السبت 2001/3/24م
ينبغي أن نسعى للتطوير بلا أدنى إشكال ،
ونستفيد بأقصى درجة ممكنة من أجل التطوير من سماح الحكم الشرعي ، من غير أن نبرر
لأنفسنا للخروج على الحكم الشرعي ، وجزى الله الأخوة المشتغلين بهذا خير الجزاء ،
وليعلموا انهم إما ان يكونوا قادة للناس إلى الجنة أو قادة الناس إلى النار
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الغوي الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا وحبيب قلوبنا ونر بصائنا وقائد مسيرنتا محمد بين عبد الله المصطفى الأطهر صلى الله عليه وآله وسلم .
ما اجمل أن نتفيأ ظلالك يا أبا عبد الله ، ما أجمل أن نهم وتهم معنا خواطرنا وآملنا ورؤانا ، أن تتقدم إليك خطوة،وأن نعيش على دربك صحوة ،وأن نستلهم من هداك ونطلب النور من عطاء دورك ورسالتك ودمك الكريم.
لماذا كانت ثورة كربلاء ؟
ثورة كربلاء وكل موقف من مواقف أهل العصمة صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، لها مصبٌ واحد وهدفٌ واحد؛ هو ان يعيش قلب الإنسان، ذكر الله ، أن ترتفع روح الإنسان تنشدَّ إلى الله ، أن ينفتح عقل الإنسان على شئ من عظمة الله ، أن يكون دليل الإنسان في حياته رضوان الله تعالى؛ يقوده على الدرب الصعب الطويل ليأمن العثار والخسار .
الإمام الحسين أرواحنا له الفداء وعليه أفضل الصلاة والسلام ضحى ليوقف نزيف الدم في الأرض ويبدّل خوف الناس أمنا ، وشقاءهم سعادة. وطريقه إلى ذلك ان يُحترم الإنسان ، أن يعترف بكرامة الإنسان ، وبإنسانيه الإنسان ، وبمستوى الإنسان اللائق به ، وكلما تنكرت الأرض في جهة من جهات القوة فيها لكرامة الإنسان ، ولمستوى الإنسان كلما فقد الإنسان كل إنسان أمنه وسعادته وبغيته ، البغية التي تنادي بها فطرته وتتناسب مع مخزون كينونته.
المطلوب عند الإمام الحسين عليه السلام ليس الحرب ، أساساً المطلوب في الإسلام السلام ، والإسلام دين السلام ،والإسلام أول مايرفع راية السلام ولكنه في نفس الوقت يقدِّر أن السلام في الأرض لايقوم على هدر كرامة الإنسان ، ولا على إستغلال الإنسان ولاعلى التنكر لحاجات بدن الإنسان ولا لحاجات روحه . أي تنكرٍ في المجتمع لحاجات البدن عند الإنسان يخلق مشكلة، و يقوّض الأمن، وينسف الإنجازات الحضارية العملاقة التي تبنيها القرون ، وتكون من جهد الملايين على مر التاريخ ، وأي تنكرٍ لحاجات الروح أيضاً هو نفسه ينسف ما بنته يد الإنسان على الدرب التاريخي الطويل و عبر جهد مضنٍ من قوافل بشرية تتواصل وتتوالى في هذه الأرض طويلاً طويلا .
المطلوب في الأرض الأمن ، القرآن ..الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله ..أهل بيته ..المدرسة الإمتداديه لأهل البيت عليهم السلام هذا هو هدفها: ان تنشر الأمن ، ودعوتها السلام ، وهي تعلم في نفس الوقت ان السلام يتطلب أرضية ، أن أمن الأرض كلها يقوم على قاعدة ، ما هي هذه القاعدة ؟ ماتلك الأرضية ؟ . أن يُعترف بالإنسان في بعده الروحي و في بعده المادي … أن ينظر إليه الإنسانَ الذي كرمهُ الله عزوجل وفضله على كثير من خلقه .
أكثر الحروب في العالم ..نعم ربما كان أكثر الحروب في العالم وراءها خلفية من تنكر روحي ، من هدر القيم ، من الإستخفاف بقيمة الإنسان .
الثورات التي يفجرها ألم البطن ، ألم الجوع ، جوعةَ المعدة ، خواء المعدة ربما كانت في التاريخ أقل .الإمام الحسين عليه السلام لا فصل عنده بين الأمن والإستقرار ، والعزة والكرامة.وإذ تتجه الإمة الإسلامية كاملةً إلى إيجاد مناخات أمنية مستقرة ، ومستمرة، عليها أن لا تنسى القاعدة التي يقوم عليها هذا الأمن ، والقاعدة التي يقوم عليها هذا الأمن الإعتراف الضروري بقيمة الإنسان ، بكرامة الإنسان ، بالحرية المقدسة البناءة الإيجابية الشريفة التي تتناسب مع إنسانية الإنسان ،وهي حريةٌ تقابل الحرية الحيوانية..حرية الفحشاء والمنكر.
محتاجة هي الأمة أن تؤسس لأمنها الطويل وأن ترسخ قاعدة هذا الأمن . وقاعدة هذا الأمن هو الإعتراف بهذا الإنسان كاملاً .أما أن تعترف بحبوانيتي وتتنكر لإنسانيتي ، تتنكر لما به شرفي وإعتزازي ، لروحي التي شَرَّفتني ، لنفخة الروح التي نُسبت إلى الله عز وجل تشريفا وتكريما وعناية بها (( ونفخ فيه من روحه )). هذه الروح إذا تنكرت لها لم تفعل شيئاً أبداً بالنسبة لي.
وأنا أحب دائماً أن أتفلت من قوقعة الأرض الصغيرة ومن إطار الوطن الضيق ، إلى الأفق الإنساني الكبير والممتد …كيف ؟؟ أنا أفهم القضية هكذا : إسلام يتجذر في العقل، في الوجدان، في القلب ، يشدك إلى الله ، فتتسع الرؤية ..يمتد الشعور ..ينطلق الطموح ..تكبر الشخصية ..تأبى الحدود ..
حينئذٍ .. أحب الرحم لكن لا ليقوعقني ،أحب الجار ..لكن لا ليقزمني ، أحب الوطن .. لكن لا ليحبسني ، أحب كل إنسانٍ حتى العدو ..لقد كان أمير المؤمنين عليه السلام يبكى في المعركة على قتلى من أعدائه.
لكن حبي هذا هو حب أهل الرسالات . نعم إذا كنت مسلماً فحبي حب أهل الرسالات ، أهل القيم الذين يحبون للآخرين أن تكتمل إنسانيتهم ، الذين يحبون للآخرين أن يعيشوا الهدى الذي يعيشه ذلك الإنسان المؤمن العامر قلبه بحب الله وحب الناس .
دعوة الآل: عيش بنقاء وبعد عن شقاء:
الإسلام هو الأطروحة ، هو المبدأ الوحيد القادر أن يفتح أفقك النفسي على كل العالم ، أن يغذيك بروح الحب لكل إنسان ، أن يمدك بالرغبة لإيصال الخير لكل من على ظهر الأرض .
الإسلام هو المبدأ الوحيد الذي ينقلنا من الجو الحشري الأناني الذاتي الخانق الضيق ، إلى إلى الجو الإنساني الوسيع ..، أنا لا أبغض في أعدائي أشخاصهم ، أبغض في أعدائي ضلالهم ، وأتمنى لهم الهداية ، أبغض في الكافر إنحدارته ، وأحب له أن يسمو وأن يتطلع إلى الأفق البعيد ، أحب له روحاً سامقه، ونفساً قويمة ، وأن يعيش الخير في داخله ويحب الخير لكل الآخرين. وهكذا كانت ثورة الإمام الحسين عليه السلام ، هكذا هو خط أهل البيت عليهم السلام ، هكذا هم أتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام ..لا يحملون حقداً على أحياء ولا على جماد . يأتيهم الأذى من الشخص ثم لايتمنون له إلا الخير ، ولايريدون له إلا الهداية ،و لايسعون إلا ليقدموا له البصيرة ، ولينقذوه من شقاء الأبد ، وينقلوه إلى خط السعادة الأبدية ، هذه هي القلوب المؤمنة .
الأمن والعزة معطيات عاشورية:
فمحرم .. في يومنا هو محرم في يوم كربلاء هدفاً وإن إختلف عنه وسيله ، عاشورانا تتحد مع كربلاء هدفاً إذ السعي أمس واليوم هو للأمن في عزة، وللعزة في أمن . لي ؟ لأخي فقط ؟ للقريبين مني فقط ؟ ..لا هو للعالم كله ، عاشوراء اليوم تريد أمناً ..لجميع العالم ..في عزة لجميع العالم ، وتريد عزةً لجميع العالم في أمن لجميع العالم. شيء يصير أو لا يصير ؟؟ المنهج الإسلامي يقول : يصير ومئة في المئة ..ويملك أدوات تصيير هذا الأمر وصناعته، ولقد جربت الدنيا يوماً ما في ظروفٍ شحيحةٍ العطاء وقبل أن يكبر الإنسان ، فصنعت الإنسان الكبير ، وصنعت له عزته ، وإرتفعت بكل مشاعره وطموحاته وآماله ورؤاه.
أعظم فداء لأعظم منشود:
أدوات كربلاء كانت دماً وأشلاءً ويتامى وثكالى وسبايا وؤوساً على الرماح ، العطاء في كربلاء كان أعز نفسٍ لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الأرض يوم ذاك ، وأقدس روحٍ في الأرض عند الله سبحانه وتعالى، وأجلّ إنسانٍ قدرا، , وأغنى إنسانٍ بكلمة الوحي، والهدى الذي تحتاجه الأرض ويعتز به أهل السماء ، كان العطاء رأس الإمام الحسين عليه أفضل الصلاة والسلام .
الوسيلة اليوم الكلمة ، الكلمة الهادية ، الكلمة المؤلفة ، الكلمة الآمرة بالمعروف ،الناهية عن المنكر، كلمة الوحي مستقاةً من كتاب الله جلّ وعلا ، ومن سنة نبيه صلى الله عليه وآله وأهل بيته المعصومين عليهم السلام ، وشعور مفعم بالعزة الإيمانية وبالكرامة الإنسانية ، روح مشفقة على الأمة حريصة على وحدتها ، تحمل الإخلاص والحب لكل إنسان .
المؤمن أسد لا يقبل الذل في وقتٍ من الأوقات ، وقلبٌ رحيمٌ لا يحمل الحقد في وقتٍ من الأوقات ، قلب طهور جسور ،وروح تبحث دائماً عن الوئام وعن الإنسجام على درب الفضيلة ، ودرب الخلق القويم وحسب موازين القسط في الأرض .
فالمؤمن لا يكون في يوم من الأيام داعية فتنة ، إنما وهو على خط أهل البيت عليهم السلام ، دائماً يعيش هذه القضية : أن الأمن من الكرامة ، وأن حفظ الكرامة بحفظ الأمن.المؤمن داعية سلام وأمن ، ويقدّر دائماً ، ويعلم دائماً ، ويحرص دائماً، يشدد على هذه القضية ..بأنّ الأمن والأمان يحتاج إلى إعترافٍ بإنسانية الإنسان، وكرامة الإنسان ،وأن الإنسان مخلوقٌ كريمٌ عند الله سبحانه وتعالى ولم يجوّز له دينه أن يتنكر لكرامته ، وأن يقدّم على أمر الله أمرًا ،أو على نهي الله نهيًا.
علينا في مساجدنا وفي حسينياتنا وفي مواكبنا وفي حركتنا وفي سكناتنا ، أن نكون دعاة أمنٍ وسلام ، ونؤكد على أي فرصة في هذا العالم تعطي إنسان هذا العالم مناخات مناسبة لأن يفكر التفكير الصحيح ، لأن يعمل العمل الصالح ، لأن ينتج لأن يبني وطناً قوياً مستقر الأمن يسوده الرخاء ،تسوده المحبة ، خطه التقدّم .وهذه الدعوة دائماً تتطلب التركيز على أساس هذا الأمن والإستقرار وهو أن تقول لي أنك إنسان وأقول لك إنك إنسان ، وأن أحترم فيك إنسانيتك، وأن تحترم فيّ إنسانيتي ،
فهل في هذا الطرح جور ؟؟ ألا ينصفنا المنصفون ؟؟ ألا من سامعٍ رشيدٍ في هذا العالم يقدّر لأهل الإيمان دعوتهم ..؟؟ .
بعد هذا ..
فلسفة البكاء العزاء على السبط وأهله:
جاءتني ملاحظة من أحد الشباب أو خاطرة عنده تناسب المقام ، يطرح هذا الشاب أنه قرأ جملةً على حسينية مفادها أن الإمام الحسين عليه السلام ليس للبكاء فقط ، والذي يفهمه الشاب بارك الله فيه أن الإمام الحسين عليه السلام ليس للبكاء ،إنما لماذا ؟؟لإيجاد غدٍ أفضل ، لإنقاذ الإنسان ، لصناعة الإنسان ، وليس للبكاء ، كأن الكلمة الأولى تفهم أن البكاء هدف ولكنه ليس الهدف الوحيد ، ومختار هذا الشاب أن البكاء ليس هدفاً أصلاً.
الكلمة التي كتبت على الحسينية تقول : قتل الحسين لا لأجل البكاء عليه فقط ..في نظري أن هذه الكلمة تلتقي مع الكلمة الاولى وكل كلمة منهما تتجه إتجاهاً خاصاً إلا أنهما لا يتهافتان.الكلمة المكتوبة على الحسينية : إن الإمام الحسين عليه السلام لم يقتل لأجل البكاء فقط يعني لا تتخذوا الوسيلة هدفاً ، لا تقفوا عند حد الوسيلة ، تجاوزوا الوسيلة إلى الهدف ، تجاوزوا الوسيلة إلى الهدف .هذه الكلمة لا تريد أن تعترف أن البكاء هدف وإنما تقول البكاء وسيلة وإذا وقفت عند الوسيلة فقط شغلتك الوسيلة عن الهدف ، ولا يصح لعاقلٍ أن تشغله الوسيلة عن الهدف .
البكاء دعت إليه النصوص و لا يلزم أن يكون منظور النصوص بأن البكاء هو الهدف ..ذلك البكاء الذي يمثل هدفاً ،وإنما البكاء يمكن ان يكون وسيلة توصل إلى الهدف. البكاء كما مر في اليوم السابق من أجل غياب العدل الإسلامي ، ومن أجل قتل الرمز الأكبر للإسلام… إمام المسلمين، إمام البشرية جمعاء. هذا القتل الذي يمثل تطاولاً على كل القيم ، نسياناً لقيمة القيم ، وإنحدارةً من الإنسان القاتل ..من الأمة التي قتلت إلى حد أن لا تلتفت لإنسانيتها، ولا تقدّر القيم التي تنادي بها فطرتها. وهذا البكاء يوقظ الإنسانية ، بمعنى أن إنسانيتي الآن وأنا أبكي على الإمام الحسين عليه السلام هذا اللون من البكاء في تنبه، أنا الآن أحترق في الداخل من أجل القيم الإيمانية ، من أجل خط الرسالة ، من أجل إنسانية الإنسان ، من أجل العلم ، من أجل الفضيلة ، من أجل العدل ، من أجل الرحمة في الأرض ، من أجل كرامة الإنسان. فأنا الآن بهذا أتكوّن وجدانياً على خط الإمام الحسين عليه السلام ، على خط القيم ، على خط البطولات الإيمانية ، على خط اليقظة الإنسانية .
فالبكاء مطلوب كوسيلة تحي فينا الشعور الإنساني ، تجعلنا ننتصر بداية في الداخل للحق من خلال الإلتحام الوجداني به، بقضية الإمام الحسين عليه السلام، وخط التضحية الكريم. والإنتصارُ الداخلي، إذا تجذر و تثبت ، جاء مواقف خارجيةً تناصر الإمام الحسين عليه السلام في كلمةٍ آمرة بالمعروف ناهية عن المنكر ، في كلمة تعلم الجاهل ، في كلمة تنبه الخاطئ على خطئه ، في موقف رحيم بخلق الله ، بالضعفاء والمحرمين وما إلى ذلك .
أكتفي بهذا لأتيح لكم أيها الإخوة الكرام استفسارتكم وإثاراتكم وافاداتكم . والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين .
أسئلة الحضور
سؤال 1:أمامي سؤال أو تنبيه من أحد الإخوة يثير قضية الإسراف في ما تقدمه الحسينيات المباركة من أطعمة وأشربه إلى الحد الذي يتجاوز حاجة الحضور ..
ج: طبعاً كلنا مع تقديم الطعام ، ويؤدي الطعام دوراً في تربية الجيل الجديد وشده إلى الحسينية ، إنسان تغذى بالروح الرسالية يستغني عن الطعام ، لكن طفلٌ على درب التكوين الرسالي .. يحتاج إلى وسيلة الطعام ، على أنه في حالات واضحٌ جداً أن اجتماع الناس وإنشغالهم في اليوم التاسع والعاشر من الصباح إلى الصباح شبه 24 ساعة هم مشتغلون بخدمة أبي عبد الله صلوات الله وسلامه عليه في سبيل الله سبحانه وتعالى ، وعليه لايسعهم اعداد الطعام في المنازل ، فالطبخ ضروري وله دوره المبارك ، فقد ربىّ خلقاً كثيراً وأعطى أجيالاً من أجيال الرسالة، وربط أناساً كثيرين بالحسين منذ نعومة الأظفار.
قضية الإسراف .. مرة يطبخ الطبخ الكثير من أجل المباهاة وأعوذ بالله من ذلك وهذا إنشاء الله لايكون ..لكن التقدير الدقيق لمجموعة لايعلم تكثر أو تقل أمر ليس بالسهل فيتوخى التقدير الدقيق ما امكن وإن كانت العملية صعبة الضبط .
سؤال2:• سماحة الشيخ الملاحظ أن مواكبنا في الوقت الحالي قليلاً ما تحمل الطابع الروحي ، كيف يمكننا خلق حالة روحية في المواكب الحسينية تسمو بموكبنا العزائي تماشياً مع الأهداف الحسينية ؟
ج: لا شك أن قيمة الموكب في مستوى التسامي وفي نوعية المشاركين ،وقارهم، جديتهم ، نوع الطرح ، مادة الطرح ، نوع الأداء ونوع الأداء في ميلي الكثير ينبغي أن يحمل طابع الرجولة ، وطابع الانضباط الفقهي ، من غير محاولة للتفتيش هنا أو هناك عن فتوى شاذه بين الفقهاء ، مثلاً فتوى المقدس رحمه الله ، الفيض الكاشاني …على كل حال كلما استطعنا أن يأتي الأداء متمشياً مع روح الشريعة ومع أهداف الشريعة لزمنا ذلك ، ولا عذر في التساهل في هذا الأمر.
وينبغي أن نسعى للتطوير بلا أدنى إشكال ، ونستفيد بأقصى درجة ممكنة من أجل التطوير من سماح الحكم الشرعي ، من غير أن نبرر لأنفسنا للخروج على الحكم الشرعي ، وجزى الله الأخوة المشتغلين بهذا خير الجزاء ، وليعلموا انهم إما ان يكونوا قادة للناس إلى الجنة أو قادة الناس إلى النار ، وأما أن يكونوا ركنا لحركة الوعي الإسلامي ، والروح الإسلامية والشخصية الإسلامية والكرامة الإسلامية وإما أن يكونوا عكس ذلك ، ينتجون جزاهم الله خير الجزاء ويتعبون إنشاء الله لأجل الله . الخوف كل الخوف أن يتجاوز المكلف حدود الخطاب المولوي الإلهي .
المقطوعة العزائية في مادتها يا أخي دائماً ينبغي أن تكون مشبعة بالفهم الإسلامي النقي ، ودائما يكون تحركها على خط الإسلام ، والبيت الجميل من الشعر الجذاب جداً أستغني عنه بكل شجاعة ، أرمي به إذا كان فيه منفذ لإلتواء في المفهوم الإسلامي …نحن نصنع جيلاً، نصنع أمة ، نصنع قوافل تنتظر قدوم الإمام القائم عجل الله فرجة وسهل مخرجه..
الإمام القائم يريد أناساً يفهمونه يفهمون اطروحته ، يفهون اهدافه ، يريد منك أنت الشاعر ، ذاك الخطيب ،ذاك المحاضر ، جيلاً لا ينكر عليه معروفه ، لاينكر امره بالمعروف ، إِلتزامه بالخط الإسلامي الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وآله.نعم نحن نصنع مستوى الموكب من خلال الطرح الملتزم ، الأداء الملتزم ، من خلال الترتيب ، ضبط الموكب ، وقاره ،بعده عن المزاح والضحك ما إلى ذلك ..أنت في الموكب عليك أن تتصور نفسك في كربلاء ، وأن تحمل في داخلك روح الإمام الحسين عليه السلام ، في مثل هذه المواقف هل الإمام الحسين عليه السلام وحاشاه ، هل من أنصار الإمام الحسين عليه السلام ، مَنْ تستخفه الأمور فيضحك ضحكة عابثة؟؟؟إذا كان برير أو صاحبه إبتسم او داعب أخاه المؤمن المجاهد بكلمة مؤذبه فإنما ليبرهن على نشوته الروحية وعلى أن الظرف الصعب المزلزل لا يمثل أمام روحة الإيمانية العالية شيئا..
مسئولون نحن كلنا أن نصنع موكباً من لون جديد ، نقدم من خلاله أنفسنا ورسالتنا وخطنا للعالم ، فلننظر كيف نصنع ..
سؤال 3:معظم شبابنا اليوم يتهافتون على المشاركة في الموكب الحسيني ويتركون المآتم خالية منهم ، والإستفادة بما هو ضروري جداً ، فمارأيكم في ذلك وبماذا تنصحون الشباب..؟؟
ج: نحن كلنا نعرف أن الإنسان المسلم وعي وعاطفة، لاعاطفة بلا وعي ولا وعي بلا عاطفة ، فمن الموكب نستمد العاطفة ومن الخطيب نستمد العاطفة أيضا،وبالإضافة إلى ما يقدمه الموكب من عاطفة والخطيب من عاطفة لابد أن يقدم الخطيب والموكب وعياً .
الموكب يجب أن يكون مدرسة وعي ، ومنبع عاطفة كريمة ، والخطيب يجب أن يكون مدرسة وعى وعاطفة كريمة والعنصران عنصران متكاملان في خلق الشخصية التي يتوق إليها الإمام الحسين عليه السلام .
مايسع الخطيب من الطرح التفصيلي وبلورة الفكرة وتقديم البرهان عليها لايسع الموكب ، وظيفة الموكب تقتضي منه شيئاً آخر يقدم وعياً ولكن بصورة إجمالية في الغالب ، غير مبرهنة غير مفصلة ، ليست في الصورة الدراسية للفكرة ، الصورة التقريرية يعني الموكب يهتم بتقديم فكرة جاهزة ، أما الخطيب فيقدم هذه الفكرة كفكرة مدروسة ليصل من خلال دراستها إلى زرع القناعة في نفس السامع .فيبقى دور الخطيب محل الحاجة الشديدة ونحن ككل الشعوب الواعية والراقية ينبغي أن نصبر على سماع المحاضرة وخطبة الخطيب للساعة والساعتين .
سؤال 4:بالنسبة إلى بناء الكوادر ..كيف نوصل المرأة إلى مستوى خطيب أكاديمي خاصة بعد فترة التغريب الطويل الذي مرت به هذه الأمة ؟علماً بأن المستويات الحالية غالباً ما تكون قائمة على جهد ذاتي غير موجه ، كيف يمكن صياغة هذا الكادر؟؟
ج: الرجل والمرأة معاً سعيا حثيثاً لتطوير نفسيهما. من جهة عملية التطوير ، مرة يقوم كما تفضل صاحب السؤال على الجهد الذاتي ، ومرة تقوم مع ذلك على جهد وترتيب وتنسيق إجتماعي والمجتمع مسئول كل المسئولية عن إيجاد المعاهد المختلفة ومنها المعاهد التبليغية التي من وظيفتها أن تخرج الخطيب الناجح ذكرا كان أو أنثى ، رجلا كان او إمرأةٌ فمطلوب من مجتمعنا أن يشدد على هذا الخط خط المعاهد العلمية المتخصصه حركة ونشاطاً في ظل القانون وأن يتكفل المجتمع بتخريج الجيل القادر على حمل الكلمة ، إيصال الكلمة ، حفظ أمانة الكلمة ، الوفاء لقيمة الكلمة الإيمانية ، والإرتفاع بمستوى الذات وفي مختلف ابعادها إلى مستوى تلك الكلمة ..
سؤال 5:سماحة الشيخ الجليل كما تفضلتم أن الأمن والسلام هو اساس الرسالات السماوية وطلب الهداية للغير هو أساس التغيير ولكن إذا هدد وجود أناس بكيانهم وفي شعائرهم فهل يكون حل المواجهة هو الأسلوب الأخير لتغيير الوضع ؟
ج: أرجو ان تودِّع الأمة الإسلامية بكاملها التفكير في المواجهات الداخلية أي في داخل اوطانها ، وان تستغني بدرجة من الرشد ودرجة من الحكمة ومن تقدير المصلحة من الطرفين: الدول الإسلامية والشعوب الإسلامية عن التفكير في مثل هذا الطرح .
سؤال 6:ما الهدف الذي ينبغي أن يصل إليه الشاب المسلم من خلال عاشوراء الحسين ؟
ج: هناك وظيفتان للإنسان المسلم : وظيفة صنع ذاته ، وصنع مجتمعه ..أن يصنع ذاته إسلامياً ,وأن يصنع مجتمعه إسلامياً ..والأول قبل الآخر ..
وأضيف هنا أنه عندما أقول أن الأول قبل الآخر ليس بمعنى وجود ترتب زماني بين أن أصنع نفسي وان أشارك في صنع المجتمع ..
صناعة نفسي لاتتوقف طول حياتي. عليّ أن أصنع نفسي طول حياتي وألاحظ فيّ النواقص ،والأخطاء ..والإنتكاسات، وألاحقها بالتصحيح والتقويم ، إذا جعلنا وجود ترتب زماني وقلنا إبن نفسك ثم إبدأ مشاركتك في بناء غيرك ..هذا الطرح ليس بموضوعي و لا عملي ..معنى هذا أن أصل إلى القبر ولم اتحدث بكلمة مصلحة ..
عندما نقول الأول قبل الثاني ..صناعة الذات قبل صناعة المجتمع صحيح على مستوى الترتب الرتبي يعني علة صناعتى للمجتمع .. في صناعة نفسي. كلما صنعت نفسي بعض الصنع فعلى أن أنقل هذا الصنع الإيجابي للآخرين ، ولم أستطيع أن أصنع الآخرين صالحين وأنا أعاني في داخلي الفساد من الناحية نفسها.
سؤال 7:ماهي العزة التي نادى بها الحسين عليه السلام للإنسان ؟
ج: هي عزة الإيمان وعزة الإيمان ،مرتبطه بعزة الإنسانية ..أليس الإنسان يشعر قبل ان يتدين بدين إذا لم تمس فطرته بالتلويث ،ولم يمسخ ، ولم تمسه يد تربية منحرفة ولا قويمة .. بمستوى غير مستوى الحمار ؟
يشعر أن له مستوى فوق مستوى الحمار وفوق مستوى الحشرات ، يشعر ان الحمار حاجاته في أكله وشربه ..الضرب يتألم منه بدنياً فقط ..حساً جسدياً ..لكن لاتهان كرامته ..لايوجد عنده شعور بالذاتية يخدش عندما يضرب ، يشعر بألم الروح الحيوانية فقط ، أما نحن فلدينا روحان ..مرتبتان من الروح عندنا مرتبة من الروح يشاركنا بها الحيوان نضرب فنتألم حسياًكما يتألم الحيوان ..
ولكن احياناً قد لا تضربني بل قد تقدم لي هدية .. ولكن تخدشني كثيراً ..في أثناء تقديمك للهدية ..أحيانا تريد سحق كرامتي أمام الآخرين …تريد أن تريهم أني محتاج ..وهنا يحدث نوعا من الشعور الذي يخدش الكرامة. وهو شعور يتجاوز الإحساس البدني وأن يستجيب لغير أمره ونهيه.
وهذا قبل الدين ، أما عند ما يجيء الدين ويرى الإنسان نفسه وقابليته ، وهدفه الكبير ووظيفته المتمثله في الخلافة عن الله في الإرض فإن ذات الإنسان تكبر في نظره ، ويتعمق ويشتد شعوره بالكرامة ، وتأبى نظرته هذه أن يذل لغير الله ، وأن يستجيب لغير أمره ونهيه ،وفي ظل هذه النظرة من وحي الدين لايرى المؤمن لنفسه ثمناً دون مرضاة ربه العظيم .
الشعوب الإسلامية عندها قدر كبير من الشعور بالعزة . ولا نقول انه غير موجود في الشعوب الأخرى بدرجة وأخرى ، و لكن الإسلام يتربى هذا الشعور في أحضانه واجوائه بما لايكون في أجواء الكفر ..التي تنحط بمستوى الإنسان وتجعله لا يرى فب الكثير من كيانه إلا لذات بدنه ،وقد تنظمُّ إلى ذلك عصبية الحيوان الهائج المفترس ، لا النظرة الأصيلة إلى قيمة الذات ووزنها الإنساني الكبير .
سؤال 8:بالنسبة لموكب العزاء هناك ملا حظات عدة :تأخره إلى وقت يزاحم صلاة الصبح من جهة ، ومن جهة أخرى وجود طابورين طويلين من النساء والشبان اللذين تكون أغراضهما أحياناً كما يرى الرائي غير نزيهه؟
ج: طبعاً واضح من ناحية شرعية أنه يجب أن نتوفر على التنسيق بين تسيير المواكب والحفاظ على متانتها وبين الفريضة ، والموكب من أجل تأكيد الفريضة والإرتباط بها ، فالفريضة دائماً مقدمة على الموكب فيراعى هذا عند المؤمنين إنشاء الله .
تبقى المسألة الأخلاقية وهي مهمة جداً ففي المنامة مثلاً توجد لجنة أخلاقية في السنوات السابقة لرعاية الأدب الإسلامي والمحافظة على أجواء العفة والنزاهه في الموكب العزائي ،وهذا مايجب أن يستمر ويتسع إطاره ليشمل كل المواكب في كل امكنتها وينبغي التعاون مع مثل هذه الهيئات الأخلاقية مع مراعاة الناحية الأمنية .
سؤال 9:بالنسبة إلى الخطيب المعاصر هناك مؤهلات ينبغي أن تتواجد فيه ، ما هي هذه المؤهلات من وجهة نظركم أو من هو الخطيب النموذجي كما ترون ؟
ج: على كل حال الوصف لايغني ولا بد من معاهد تتكفل تخريج هذا النمط من الخطباء وبشكل مختصر جداً ، الخطيب يجب أن يرقى إلى مستوى فهم الفكرة الإسلامية التي يجب أن يطرحها. ما لم يتوفر على فهم دقيق للفكرة الإسلامية ، للمفهوم الإسلامي ، للتوجيه الإسلامي الذي يطرحه لاينبغي أن يدخل فيه لأنه هنا سيشوه الحقيقة ..
شخصية الخطيب نفسها ما لم تكن تحمل ملامح الشخصية الإسلامية فمجرد حمل الأفكار وأداؤها لا يكفي. الثلمة في هذه الشخصية إذا كانت ثلمة واضحة من ناحية إسلامية فلا تجعلها تؤدي المطلوب وإذا كانت بهذا المستوى فلا ينبغي لصاحبها أن يقبل في صفوف الخطباء.
ومن الضروري جداً لمسئولي الحسينيات وهم يبحثون عن المستوى الفكري للخطييب ومستوى طرحه وحسن صوته وما إلى ذلك ..أن يضعوا في حسابهم وبصورة ضرورية جداً جداً ..إلتزام الخطيب ..وأن يكون خطيباً يفهم رسالة الحسين عليه السلام ويخلص لها ، وتظهر عليه إنعكاساتها .