عاشوراء – لماذا نركّز على واقعة كربلاء؟ ليلة السبت 1408/1/4هـ
نحن نعرف أن أئمة الهدى من أهل البيت صلوات
الله وسلامه عليهم أجمعين كلهم طرق مؤدية إلى الله تبارك وتعالى، وأن الأخذ بحجزة
أي إمام من الأئمة المعصومين عليهم أفضل الصلاة والسلام أخذ بطريق النجاة، وبلوغ
إلى الجنة، فلماذا هذا التركيز على استشهاد أبي عبد الله صلوات الله وسلامه عليه،
وعلى واقعة الطّفّ دون غيرها من مناسبات ومظلوميات أهل البيت صلوات الله وسلامه
عليهم أجمعين
لماذا نركّز على واقعة كربلاء؟
أعوذ بالله السميع العليم، من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق محمد وآله الطيبين الطاهرين، واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.
تحدَّثنا صباحاً أو ظهراً عن شعيرة عاشوراء، وهنا سؤال: نحن نعرف أن أئمة الهدى من أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين كلهم طرق مؤدية إلى الله تبارك وتعالى، وأن الأخذ بحجزة أي إمام من الأئمة المعصومين عليهم أفضل الصلاة والسلام أخذ بطريق النجاة، وبلوغ إلى الجنة، فلماذا هذا التركيز على استشهاد أبي عبد الله صلوات الله وسلامه عليه، وعلى واقعة الطّفّ دون غيرها من مناسبات ومظلوميات أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
نكتفي بالجواب على هذا الأمر لننهي حديثنا، والجواب في أكثر من نقطة:
أولاً: إن تركيز أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين على هذه المناسبة، وإلفات نظرهم بشكل مبكِّر لهذه الفاجعة كان أكثر من غيره، فهم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين قد أعطوا اهتماماً بالغاً جدّاً لهذه المناسبة قبل أن تحدث، وبعد أن حدثت.
الأمر الثاني: أن يوم الحسين عليه السلام هو يوم رسول الله صلى الله عليه وآله، يوم أمير المؤمنين عليه السلام، يوم فاطمة عليها السلام، يوم الحسن عليه السلام، اليوم مات جدي رسول الله صلى الله عليه وآله، اليوم ماتت أمي فاطمة، زينب عليها السلام، اليوم قُتل أبي علي بن أبي طالب، اليوم سُمَّ أخي الحسن.
ندري كلّنا أن أهل الكساء خمسة، خامسهم الإمام الحسين عليه السلام، فبقاؤه يعني بقاء النبي صلى الله عليه وآله، وبقاء من كان معه تحت الكساء، ويعني بركة السماء في الأرض، بقاء النور الإلهي المشع على هذه البسيطة. بقاء الإمام الحسين عليه السلام ليس بقاء علم الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله فقط، وحكمته ورسالته، بل هو بقاء ملامحه الشخصية، وتجسُّد معنى الأربعة، وشخصياتهم في هذه الشخصية الفذة، وارتباط شخصياتهم بهذه الشخصية الفذة، في ذاكرة المسلمين، وبقاء واحد من أهل الكساء، الذي كان يعني بقاء معنويّاً جداً للجميع، وسلوة للمسلمين عن الجميع، يجعل استشهاده استشهادا للجميع، وأنّ مفارقة الأمة له مفارقة للجميع مرة واحدة، وتعني الجرأة عليه الجرأة على المجموع كذلك.
النقطة الثالثة: أن عدد الانتهاكات، ونوعية الانتهاكات التي تجمعت يوم الطف كانت تعكس صور جميع الانتهاكات التي جاءت متفرقة في تاريخ الأئمة صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. تشهد القيم الإسلامية التي تعرضت للتمزيق يوم الطف، ومن بداية خروج الإمام الحسين عليه السلام من المدينة، شريداً، ثم خروجه من مكة خائفاً لا يأمن في حرم جده، ولا في حرم الله سبحانه وتعالى، إلى انتهاك حرمته الشريفة بالقتل الشنيع، إلى التعدّي على الطفولة البريئة، والصبا الغض، إلى مدّ يد الإثم لأكرم حُرَم وهنَّ بالنهب والسلب، إلى حرق البيوت على أصحابها الآمنين، إلى السبي لخفرات الرسالة… تشهد أنها لم تتعرض في تاريخ الإسلام قبل لمثل هذه الصورة الهستيرية، والخروج الفاضح على الإسلام بالشكل الصارخ العلني والذي يهدِّد بفناء خط الرسالة كما كان على يد الحكم الأموى في واقعة كربلاء. إن كثافة هذه المظلوميات عدداً ونوعية تعطي مائزاً ليوم الإمام الحسين عليه السلام، وتحكي مظلومية أهل البيت عليهم السلام في كل أدوارها في مشهد واحد يعجُّ بالمأساة، وهدر القيم الإسلامية والإنسانية النبيلة.
نقطة الرابعة: إن التركيز على واقعة كربلاء يعني التركيز على أفضح موقف من مواقف الأمويين، من مواقف هذا الخط، من جذوره إلى امتداده. والتركيز على المواقف الفاضحة العلنية التي يصعب التستر عليها للحكم الظالم هو الأكثر فائدة لخدمة الإعلام الإسلامي، لخدمة قضية الحق، فإن التركيز على النقاط التي ربما تخضع إلى تأوّل، ويمكن بالنسبة إليها الالتفاف قد يضع الجهود المؤمنة في مهب الرياح، بينما التركيز على النقاط الفاضحة الواضحة والمظلوميات الشنيعة المكشوفة من شأنه أن يهزم الباطل.
فالمواقف الطالمة تعني مادة خصبة لفضح الحكم الظالم المعادي لضمير الأمة، والمتستر بأقنعة تحجب حقيقته عن الرأي العام الإسلامي، بما في الرأي العام من نقاط ضعف يمكن أن تستغل بالأساليب الإعلامية المضللة، وإن من فائدة الأمة كثيراً أن تركز بالخصوص على النقاط التي يتعرى فيها الحكم الظالم، ويظهر على حقيقته، وينكشف بها زيفه، وتسقط كل أقنعته أمام الرأي العام، فمن أجل أن لا ينسى الرأي العام، ومن أجل أن تبقى القضية حيّةً غضة طرية، ومن أجل أن يبقى الحق حقا، والباطل باطلاً، ومن أجل أن يبقى ضمير الأمة رافضا دائما لمثل هذا الخط، من المفيد والمجدي للأمة أن تركز على مثل هذه المناسبات وتبقيها دائما حية، وتبقيها دائما قائمة في ضمير الأمة الإسلامية يشمئز منها وينفر من قبح وجهها.
النقطة الخامسة: لم يكن هناك ردّ دموي صارخ، أشدّ وأعنف في مواجهة الانحراف الداخلي في الأمة، ومن موقع الحكم كما كان هو الردّ الذي جرى يوم الطف من موقع زعامة الدين. وإن الارتباط بهذه المناسبة وإبقاءها حية قائمة في ضمير الأمة مشهودة للأجيال يعني قضية سياسية مهمة تهم الإسلام كثيراً. يعني أن الإسلام في رموزه التي لا يشك فيها، ولا غبار عليها، في قدواته المجسدة له مائة في المائة، يرفض انحرافة الحكم، ويرفض أن يمارس الظلم في هذه الأمة، ويتحول الظلم فيها شريعة مقبولة عند ضميرها وفي عرفها.
إن إحياء ذكرى الإمام الحسين عليه السلام والتركيز عليها يعني أن الدين يأمر بأقصى درجات التضحية في سبيل أن يبقى الخط الإسلامي نقيا وصافيا، وأنه إذا استوجب الأمر فإن على الأمة أن تضع كل امكاناتها وتدفع بخيرة أبنائها ضحايا في سبيل الله سبحانه وتعالى من أجل إحقاق الحق، وإزهاق الباطل.
فالموقف العسكري العنيف المضحي للإمام الحسين عليه السلام، كان من لون آخر غير مواقف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، إنه موقف القاعدة وزعامتها الحقيقيَّة التي يريد الحكم أن يقهرها، يريد أن يفرض عليها حياة الذُِل والهوان باسم الإسلام زوراً وبهتاناً. تعني ثورة الإمام الحسين عليه السلام، ورده الحاسم، وتضحيته السخيّة عدم الاستسلام لمن بيده إمكانات الأمة وطاقاتها على حساب الرسالة.
الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم كان دوره دور مقارعة إيمانٍ صريح، لشركٍ صريح، ودور الإمام علي عليه السلام دور مقارعة إيمان لنفاق، أحياناً على مستوى المواجهة الساخنة، وأحياناً على مستوى المواجهة الهادئة الباردة. أمَّا الإمام الحسين عليه السلام وفي إطار من المظلومية الواضحة التي يدركها ضمير الأمة كان دوره صلوات الله وسلامه عليه يمثّل دور مقارعة الإيمان الصريح للانحراف الصريح في داخل الأمة، وهذا الانحراف الصريح أو نصف الصريح الذي يمارس دوره في إذلال الأمة وقهرها أراد الإمام الحسين عليه السلام أن يخط الدرب اللاحب والدرب الصعب والشاق لمواجهته، فيزيد من نوعية أخرى غير نوعية معاوية. الإمام الحسين عليه السلام واجه نظاما غير شرعي، وممارسةً حاكمة غير شريعة، وشخصاً مهترئاً. كان شخص الحاكم يمثِّل انحرافاً، نظام الحكم يمثل انحرافا، والممارسة العملية للحكم كانت تمثّل انحرافاً، معاوية كان يمكن أن يلبس قناع الإسلام، لأنه وإن كان مكشوفاً وبشكل واضح جدا للنخبة، إلا أنه لم يكن مكشوفاً بالمستوى المطلوب للقاعدة العريضة، أما يزيد فيمارس الحكم، يتولى زمام الخلافة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهو المعروف بخمرته، وهو المعروف بموبقاته، هذا لون آخر في التحدي للرسالة، وواقعه يعني بداية خط جديد، فيه تهيئة لكل فاسق وفاجر يعلن فسقه وفجوره أن يتولى موقع القيادة في الأمة الإسلامية.
لهذه النقاط ولغيرها كان التركيز الأكثر على واقعة كربلاء، وطبيعي أن التركيز على يوم واحد من أيام الأئمة صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين يعني التركيز على أيامهم جميعاً، وإحياء أمر الإمام الحسين عليه السلام يعني إحياء أمر الأئمة، هي اطروحة إما أن تقوم بالإمام الحسين عليه السلام وإما أن تسقط. حقّانية الإمام الحسين عليه السلام تعني حقانية كل إمام من أئمة الهدى صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، بل تعني أكثر من ذلك… تعني حقانية خطهم الامتدادي القائم في عصرنا الحاضر، وتعني بطلان القول بالطاعة لأولي الأمر وإن فسقوا وفجروا، وجدَّوا في هدم الإسلام،مالم يعلتوا كلمة الكفر الصريح.
والحمد لله رب العالمين.
ليلة السبت 4/1/1408هـ
————————————————–
كلمة مختارة: إن إحياء ذكرى الإمام الحسين عليه السلام والتركيز عليها يعني أن الدين يأمر بأقصى درجات التضحية في سبيل أن يبقى الخط الإسلامي نقيا وصافيا، وأنه إذا استوجب الأمر فإن على الأمة أن تضع كل امكاناتها وتدفع بخيرة أبنائها ضحايا في سبيل الله سبحانه وتعالى من أجل إحقاق الحق، وإزهاق الباطل.