خطبة الجمعة (103) 18 محرم 1424هـ – 21-3-2003م

مواضيع الخطبة:

الدعاء (1)   –   حرب أمريكا ضد العراق   –   التعاون الاجتماعي   –   الجريمة في البحرين

يعجب أن تمر السنوات بعد السنوات وأن تدخل المنطقة الحرب بعد الحرب ولاتثقيف على المستوى الصحي المرتبط بالكوارث ولا تدريب للمجتمع على حمل السلاح والمواجهة القتالية.

الخطبة الأولى

الحمد لله الذي ترجع إليه كلُّ الخلائقِ في حدوثها وبقائها، ولا مصدر لها من دونه في مددِها وَرَفْدِها، وهي ضارعة بتكوينها إليه وحده في ضروراتها وحوائجها، ولا رافع لِعَوزها سواه، ولا قائم بأمرها عداه. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،

وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله خاتم المرسلين والنبيين، وحبيبُ ربِّ العالمين صلّى الله عليه وآله الطاهرين.

عباد الله اتقوا الله الذي لا خالق دونه، ولا مالك بالحق سواه، ولا منعم عداه، ولا مفرَّ من سلطانه، ولا قويّ مثلُه، ولا جبار يناهضه. ومن يتقِ يكمُلْ ويربَح، ومن يستكبر يسلُكْ به الشيطان والهوى دربَ الخسار، ولا ينتهي إلا إلى البوار. إن الآلهة التي تعبد من النّاس لكثير عددها، وهي فوق ما يحسبون، والإله الحقّ واحد لاشريك له، وهو الله العلي العظيم، ومن لم يعبد الله عبد غيره، وكان في ضلال مبين.

اللهم صل على محمد وآل محمد، ولا تجعلنا وإخواننا المؤمنين والمؤمنات ممن يتخذ من دونك إلاهاً، ويرتضي سواك معبوداً، وأخلصنا بخالصة توحيدك، واجعلنا لك من أتقى عبيدك يا كريم.

أما بعد أيها المؤمنون والمؤمنات فإنَّ هذا الكون العظيم له مالكه الذي يمدُّه بالبقاء، ومدبّره الذي يعطيه النظام. ووجود الأشياء الفقيرة في ذاتها بنفسه شاهد بأنها لا تبقى إلا بمددٍ من مبقيها، ودخولُها في نظام به تدبيرها وهي في قصورها ومحدوديتها دليل على أن هذا النظام من عطاء بارئها. وكلُّ شيء في الكون الحادث منقطع، مسترفد في وجوده ونظامه وتدبيره، فمرجع العطاء واحد لا كثير، والمطلق لا المحدود هو منتهى الآمال، ومحطّ الرجاء، والأشياء كلُها من دونه ضارعة إليه، متوجهة بالسؤال إلى كرمه، راجية بفقرها رحمته.

والمخلوقات كلها ما صغر وما عظم لا تملك لنفسها نفعاً ولا ضراً، فكيف تملك لربّها من ذلك شيئاً؟! كلها راجعة إليه في توسُّلها لرفع النقص، ودفع الضُّر، ولا وسيلة لها في رفع ضرها وقضاء حاجاتها إلا استسلامها ودعاء فقرها، وانقطاعُها لخالقها.

وعلى الإنسان في طلبه رحمة ربِّه أن يستسلم في شعوره بالانقطاع إلى الله، خارجاً من أي حول، وطول، وحمى، ورحمة إلا حول ربّه، وطوله، وحماه، ورحمته، منصرفاً عن كل من عداه وما عداه بأمله وطمعه إليه، وبذلك يتوافق واقع الشعور عند الإنسان مع ما عليه كل ذرة من وجوده الخاضع لله، المتعلِّق به، المسترفد من جوده، المتوجّه محضاً إليه، والتعبيرُ المتذلِّل لله، المتطلِّع إلى كرمه، المستغيثُ به في المطالب والحاجات لا يكون من الدعاء الحقيقي إلا إذا كان وراءه ذلك الواقع من الشعور الصادق المفعم بالإيمان بالله وحبِّه، المطمئن إلى رحمته ولطفه، الخالص في توحيده، الواثق في عطائه.

ولقد حفِلت النصوص الإسلامية كتاباً وسنّة كثيراً بالدعاء من حيثيات متعددة؛ وهذه استراحة يسيرة لبعض هذه النصوص، وتفيؤ لظلالها:-

1. الاستكبار على الدعاء كبيرة:

“وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ” 60/ غافر.

وقد جاء تفسير العبادة في الآية عن أبي جعفر عليه السلام بالدعاء.(1) فيستكبرون عن عبادتي يستكبرون عن دعاي.

الاستكبار على الدعاء إلى الله سبحانه وتعالى استكبار على الله، وليس أكبر ولا أعظم ولا أبشع من أن يستكبر العبد الحقير على ربه العظيم سبحانه وتعالى. فهي كبيرة وأي كبيرة تلك، فالدعاء ليس مطلوبا على نحو الاستحباب فقط فإن تركه إذا كان على نحو الاستكبار كان من الواجب أن يؤتى به، والدعاء فيما جاء في النص “أحب الأعمال إلى الله في الأرض الدعاء”.(2) فهو على مطلوبيته من أكبر العبادات بل النص هنا يعطيه أنه هو الأكبر وهو الأحب إلى الله سبحانه وتعالى ” أحب الأعمال إلى الله في الأرض الدعاء” ولاتهافت بين هذا وبين ما أتى في الصلاة وغير الصلاة من العبادة حين نعرف أن الدعاء هو مخ العبادة، فالدعاء أحب إلى الله لأن كل عبادة لا تستبطن خضوعا إلى الله، وانقطاعا إليه، وخشوعا أمامه، واندكاكا لعظمته فهي ليست بالعبادة الحقة، روح صلاتك أن ترى نفسك العبد وترى ربك الرب، أن ترى نفسك الفقير المطلق، وأن ترى ربك الغني المطلق، أن ترى نفسك الضعيف المطلق، وأن ترى ربك القوي المطلق، وأنت من خلال هذه الرؤية تدعو الله بتكوينك، وتدعو الله بلسانك، وتدعو الله بشعورك بأن يخرجك من الفقر المطلق إلى الغنى النسبي، ومن الضعف المطلق إلى القوة النسبية، وليس لك من واقع الأمر إلا الانقطاع إلى الله والتعلق بكرمه.

2. وعد لا خلف فيه:
وهل أصدق من الله وعدا؟!
“وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ” 186/ البقرة.

مطلوب من هذا العبد بحسب واقعه الفقير إلى الله أن يدعو الله، ويتعلق بكرمه، ومطلوب له لصدق الدعاء وشرطا للإجابة أن يستجيب لله عزّ وجل في هذا الدعاء، وأن يستجيب له في أوامره ونواهيه وأن ينطلق في دعائه من الإيمان بالله عزّ وجل الإيمان الذي مرّ أنه إيمان بالفقر الذاتي المطلق للذات، وبالغنى الذاتي المطلق لله سبحانه وتعالى.

“وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ” 60/ غافر.

“مافتح الله على أحد باب مسألة فخزن عنه باب الإجابة”.(3)

إذا هداك الله لأن تدعو، ووفقك للاشتغال بدعائه سبحانه وتعالى، فاعلم أنك على طريق الإجابة من الله عز وجل، كما هو عطاء هذا الحديث “مافتح الله على أحد باب مسألة..” أي وفقه لأن يسأل الله، وأن يضرع بحاجاته إليه “…فخزن عنه باب الإجابة” أي لا يجتمع أن يفتح الله عز وجل عليك باب مسألته ويأذن لك في ذلك، ويوفقك لذلك ثم يمنعك الإجابة. فالإجابة محرزة، وهذا ما يأتي تفسيره في غير هذا الحديث.

3. قيمة أخروية:-
نحن ندعو الله عز وجل وكلنا أمل في أن يستجيب دعوتنا ولكن للدعاء أثرا آخر هو أثر العبادة التي تمارسها في صلاتك أو في صومك وحجك، فما يترتب على الدعاء أمران:
قد تترتب عليه الإجابة، وهذا يكون حتما إذا وافق الشروط، وينضاف إلى ذلك ثواب العبادة، فالدعاء عبادة، تستحق عليها الثواب فضلا عن الإجابة للمطلوب.
يقول الحديث:”والله مصيّر دعاء المؤمنين يوم القيامة عملاً يزيدهم به الجنة”(4)
فوق ما تحصل عليه من آثار موضوعية للدعاء في الدنيا وتوفيقات، هناك ثواب مذخور لك في الجنة ولو لم تحصل على الأول لحكمة من الله عز وجل فإنك محرز للثاني.

“يدخل الجنة رجلان كانا يعملان عملاً واحداً – بمستوى واحد، وبإخلاص واحد – فيرى أحدهما صاحبه فوقه، – فوقه منزلة ورتبة – فيقول: ياربّ بما أعطيته وكان عملنا واحداً؟ – صلاة وصلاة، صلاة من مستوى معين وأختها في نفس مستواها فكيف يفوقني جزاءا؟ – فيقول الله تبارك وتعالى: سألني ولم تسألني”.(5)

صلى وصليت، ثم ضرع لي بأن أستجيب صلاته، وسكت أنت، انقطع إلي أن أقبل منه هذه الصلاة، أما أنت فلم تشاركه في هذا الدعاء “…سألني ولم تسألني”.
وهذا حديث يلتقي مع هذا الحديث “الدعاء مخ العبادة، ولا يهلك مع الدعاء أحد”(6)(7)

4. الدعاء والقضاء:-
“عليكم بالدعاء فإنَّ الدعاء لله، والطلبَ إلى الله يردُّ البلاء وقد قُدِّر وقُضي ولم يبق إلا إمضاؤه، فإذا دُعي الله عز وجل صُرف البلاء صرفة”.(8) – أو صَرَف البلاء صرفة-.

دفعة واحدة.
هناك أحاديث في الدعاء تقول بأنه يرد القضاء، وهذا حديث يلقي ضوءا على تلك الأحاديث، بلاء قد قدر، وقد قضي، ولكن فيما يبرزه هذا الحديث هذا البلاء المقدّر المقضي؛ مقضي ومقدّر من كل الجهات والحيثيات إلا حيثية واحدة هي هذه الحيثية؟ حيثية الدعاء وعدمه. فإن كان دعاء فلا قضاء، ولا قدر، وإن لم يكن دعاء فقضاء وقدر، كل الأسباب والمقدمات لهذا البلاء تامة في حكم الله، وبقي سبب واحد؛ أن تدعو الله برد البلاء فينتفي شرط البلاء الفعلي. أفهم من الحديث هذا؛ وفيما أراه أن هذا الحديث يُلقي بضوء كاف على بقية الأحاديث.

5. لا تكن هذا الإنسان:-
“وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَآئِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ” 12/ يونس.

لا تكن هذا الإنسان الساقط، لا تكن هذا الإنسان المسرف، كما تشير إليه الآية، لا تكن هذا الإنسان الذي يلعب به الشيطان، الذي يفقد ذاكرته، الذي لا يحضر معه تفكيره، الإنسان الجحود، الإنسان المغرور؛ فما أحقره من موقف وما أجحده وأبلهه أنْ يمس أحدنا الضر، أو أن يمسّ مجتمعنا الضر ويتهدده البلاء فنفزع إلى الله، فإذا ما انكشف البلاء انصرفنا في دروب السيئات والمعاصي لا نبالي بنداءات الله وهي نداءات الرحمة للعبد. ما هذا الإنسان؟ ما هذه الأمة؟ أمة جحودة؟! أمة خسيسة؟! أمة مسرفة؟! أمة لا تمتلك وعيا ولا ذاكرة تستفيد من أحداث التاريخ؟! وبلدان نعرفها تُمتحن ويخرجها الله من محنتها فتعود إلى سرفها ثم تبتلى. فلنتق الله.

اللهم صل على محمد وآل محمد، واجعلنا وإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين في درعك الحصينة التي تجعل فيها من تريد ممن رحمته وأكرمته، واجعل لجأنا إليك، وتعلقنا بك، وطمعنا في رحمتك، ورجاءنا فيك، وحبّب إلى قلوبنا ذكرَك وآنسها بذكرك، واطرد وحشتها بذكرك، ولا تصرفنا عن دعائك، ولا تحرمنا إجابتك يا كريم يا رحيم يا جواد يا عظيم.

اللهم اغفر لنا ولوالدينا وأرحامنا وجيراننا ومن كان له حق خاص علينا من المؤمنين والمؤمنات ولجميع أهل الإيمان والإسلام يا أرحم من سئل، وأكرم من أجاب.

بسم الله الرحمن الرحيم
(قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4))

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي لا يزول ملكُه، ولا ينقضي سلطانُه، ولا يَعرِض قدرتَه نقص، ولا قوّته وهن، قضاؤه جارٍ، ومشيئته نافذة، ولا معقِّبَ لأمره، ولا رادَّ لقضائه، ولا مانع لإرادته.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم تسليماً كثيراً.

عباد الله أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله، والمسابقة في طاعته، والتنافس في التقرب إليه، “وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ. أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ. فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ” 10- 11/الواقعة. فما أعظم أن يتقرب العبد إلى الله فيقرِّبه اللهُ إليه، ” فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ. فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ “. 88/ الواقعة.

والقرب إلى الرب الكريم حظٌّ من سعِد ممن هُدي، وصدّق بوعد الله ووعيده، دون من قال عنهم الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه “ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ (51) لَآكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ (52) فَمَالِؤُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (53) فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ (54) فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ (55) هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ” 51- 52- 53- 54- 55/الواقعة.

اللهم اجعلنا وإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين من أهل اليقين، وأصدق عبادك المتقين، وأقرب المقربين ممن فازوا برضوانك وبوأتهم بحبوحة جنانك.

اللهم صل وسلم على عبدك المصطفى، محمد خاتم النبيين، وتمام عدة المرسلين، وآله الطيبين. اللهم صلّ وسلّم على أمير المؤمنين، وإمام المتقين علي بن أبي طالب. اللهم صلّ وسلّم على الهادية المهدية، فاطمة الزكية. اللهم صل وسلم على الإمامين الرضيين، والسبطين الطاهرين الحسن بن علي بن أبي طالب وأخيه الحسين.

اللهم صل وسلم على الأئمة الميامين، والقادة المعصومين علي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري الخلفاء الراشدين المهديين.

اللهم صل وسلم على ولي العصر، والقائد إلى النصر، من يملأ الأرض قسطا وعدلا بعدما ملأت ظلما وجورا، المنتظر القائم منقذ العالم.

اللهم عجِّل فرجه، وسهِّل مخرجه، وانصره نصرا عزيزا، وافتح له فتحا قريبا، وكُدْ له على أعدائه، وأعز به أوليائه يا رحمن يا رحيم يا علي يا عظيم.

اللهم الموالي له، السائر على منهجه، الممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والعاملين في سبيل دينك انصرهم وأيدهم وسددهم وادفع عنهم يا قوي يا عزيز.

أما بعد أيها المؤمنون والمؤمنات..
فإن الحرب التي قد اشتعلت نارها بقيادة أمريكا ضد العراق وسائر المسلمين هي حرب يجرمها الدين الإسلامي وغيره من الأديان السماوية، وتجرمها الأخلاق والعرف العالمي، والضمير الإنساني والمؤسسات الدولية فلابد أن نجرمها ولا بد أن نعلن رأينا فيها، ولا بد أن نتظاهر ضدها، وهي تريد أن تلتهم أرواح المسلمين، وثرواتهم، وتريد أن تستأصل أصالتهم. حرب ظالمة لابد لكل مسلم من أن يعلن حكمه فيها، وأنها ظالمة ولابد لنا جميعا من أن نتظاهر ضدها وأن ندينها لأنها ضد حاضرنا، ضد ماضينا، ضد مستقبلنا، ضد وجودنا كله.

وهناك مسألة الاحتياطات الوقائية المطروحة من قبل الجهات المختصة. كلما وجد احتمال عقلائي بالضرر البالغ والهلكة من أمر من الأمور، كلما احتمل الناس خطرا حادقا، وكانت لهم وسيلة دفعه، كان عليهم أن يطلبوا هذه الوسيلة، ويتعاملوا مع الخطر المرتقب من منطلق الاحتياط، ومن منطلق التوقي، فلا خوف ولا فزع ولا بلبلة ولا رعب ولكن لابد من الأخذ بالأمور الوقائية الاحتياطية وذلك من منطلق الواجب الشرعي إذا بلغ الاحتمال مبلغا عقلائيا مؤثرا فضلا عن أن تصل درجة الاحتمال إلى الظن الراقي أو الاطمئنان الكامل. وإلا كان الإنسان مسؤولا فيما فرط به اتجاه نفسه واتجاه من يقع تحت مسؤوليته.وهذا يتطلب أن يكون الاحتمال العقلائي بالخطر بدرجة مؤثرة.

التعاون الاجتماعي:
والتعاون الاجتماعي في المجتمع المسلم سمة من سماته، ومطلب أساسي في حياته وهي سجيَّة هذا المجتمع إذا كان على دربه الصحيح، هذا في الأحوال العادية أما في الأزمات فيتحول الأمر إلى ضرورة بالغة لا يغفلها أي مجتمع عقلائي فضلا عن المجتمع المؤمن بقيمه الرفيعة.

ونحن ندين الحرب، ونتظاهر ضدها ونعلن رأينا صريحا فيها، لابد من المحافظة على الحالة الأمنية الوطنية وعدم إرباك الوضع الأمني في البلد. ثم أنه لابد أن تكتشف الحكومات العربية والإسلامية خطأها فيما تركزه في شعوبها من الأمية العسكرية، ومن الأمية الصحية المرتبطة بالكوارث. لا يوجد تدريب عسكري، ولا أثر للتوعية الصحية المرتبطة بالكوارث، في وقت تتهدد الأمة الأخطار من غير توقف، وفي الوقت الذي تتربص فيه أمريكا وإسرائيل الدوائر بهذه الأمة، أنا أسأل كل المسؤولين في البلاد الإسلامية: أحالهم حال هؤلاء الضعفاء والفقراء فيما يفتقدونه من وسائل الوقاية؟ وفيما يفتقدونه من الثقافة بكيفية التعامل مع هذه الحوادث؟ أم أن هناك طبقة لابد أن تعيش، وطبقة أخرى لو ماتت لااكتراث ولا مبالاة بها وهي والحشرات سواء؟! يعجب أن تمر السنوات بعد السنوات وأن تدخل المنطقة الحرب بعد الحرب ولاتثقيف على المستوى الصحي المرتبط بالكوارث ولا تدريب للمجتمع على حمل السلاح والمواجهة القتالية.

هناك مواد دراسية في المناهج المدرسية أقل بآلاف المرات بمستواها من مثل هذه التوعية وهذا التدريب، وتصرف الأوقات الكثيرة على الرياضة العادية بينما لا يصرف أي وقت ولا يسمح بأي تدريب عسكري يرفع من مستوى ثقة الإنسان المسلم بنفسه من هذه الناحية ويعطيه دوره في الأزمات الخانقة التي تواجه فيه الأمة الخطر من الخارج.

داخليا أقول: إن الجريمة بدأت تثبت تواجدها بكثافة وقوة في الساحة الوطنية هنا في البحرين. الجريمة صارت تزحف من مناسبات الفرح الأجنبية إلى أن وصلت للمناسبات الدينية فحتى موسم محرم لم ينج من تواجد الجريمة، فكان هناك تعرض لبعض الأفراد من الجاليات الأخرى بالضرب والنهب، وفيما سمع أنها دخلت مجموعة من الصبية والمراهقين على مجموعة من النساء وكانت هناك مواجهة، وكان هناك كسر أبواب وربما تعد على ممتلكات. تواجد الجريمة حتى في الساحة العبادية، وحتى في ساحة الشعائر منذر خطر كبير، وإذا كان خطر الجريمة اليوم يراه البعض أنه خطر على الصغار فلابد أن يزحف هذا الخطر ليحرق الكبار مع الصغار جميعا.

لابد أن نبحث عن أسباب الجريمة، سبب الجريمة جوع، وسبب الجريمة إهمال تربوي أسري، ولكن يؤكد المرة تلو الأخرى بأن السبب الرئيس لوجود الجريمة هنا هو التربية التغريبية التي تخاف من الإسلام خوفها من الموت، وتفر بالمجتمع عن إسلامه، وعن أخلاقيات الإسلام إلى أخلاقيات القنوات التلفزيونية والأنترنت الأجنبية. التربية في المدارس غير سليمة، وتربية الإعلام غير سليمة، وتربية المستشفيات غير سليمة، وتربية الأسواق غير سليمة وفي رأيي كثير من الوزارات قد تستغل لتربية فاسدة تبعد بالإنسان عن إسلامه وأخلاقياته الإلهية الرفيعة.

ولن يكونَ خطر هذا الأمر على فئة معينة؛ فمجتمع يخلو من الدين يخلو من الأمن والاستقرار، ومجتمع يبتعد عن الإسلام يقترب من القبر.

مشاركة الإذاعة والتلفزيون وأي قناة أخرى رسمية في نقل بعض الأنشطة لإحياء موسم عاشوراء الذي مرّ قريبا أمر لابد أن يقدر في أصله، له تثمينه عندنا وله دلالته الإيجابية، وهناك ملاحظات ترتبط بنواح القصور والتقصير والإهمال في هذه التغطية، وربما كان منشأها أن التجربة تجربة حديثة ونرجو لهذه التجربة أن تنمو أكثر، وأن تترشد أكثر وأن تظهر من الإخلاص قدرا أكبر.

وهذا يلقي مسؤولية خاصة على الموكب والحسينية والخطيب وذلك بأن يرتقي الجميع بأساليب الإحياء، وأن تكون الممارسات ممارسات نقية تتمشى مع خط الحسين عليه السلام وكل موحيات كربلاء، وكل ما ينادي به الإمام الحسين عليه السلام من شعارات ومن عفة وأدب راقيين، وأن نكون بالمستوى العلمي الكافي الذي يصح لنا أن نقدم الدين للآخرين من خلاله، وبالمستوى الأخلاقي الرفيع الذي يصح لنا أن نكون واجهة من خلاله لدين الله.

الأحوال الشخصية يجب أن لا تمتد إليها يد المشرع الوضعي، ولا يلغي فيها مذهب مذهبا إلغاء كليا أو جزئيا، وهي مسألة خارجة عن كل المساومات لحديتها الشرعية، ولكونها من دوائر الاحتياط في الإسلام كما هو الأمر في النكاح والطلاق ومال اليتيم. ولا يوجد مجلس تشريعي له أن يلغي الكتاب والسنة والشعب المؤمن، والأحكام

الشرعية قسمان:

قسم يمثل مفاد نصوص صريحة لا تحتمل أكثر من معنى، هي من نصوص الكتاب والسنة. وهذه لا تمس عند أي مسلم.

وقسم احتاج التوصل إليه إلى اجتهاد المجتهدين، وهل يعين الرأي الاجتهادي الحق أو غيره أن زادت إصبع، أو قصرت إصبع في عدد المصوتين على المسألة من أعضاء تجار أو مهندسين أو أطباء أو محامين أو غير اختصاصيين أصلا ممن يعلمون من أنفسهم أنهم بعيدون كل البعد عن فن الاجتهاد ومتطلباته العلمية العميقة الكثيرة!! قولوا كيف يرجح اجتهاد على اجتهاد برأي من لاخبرة له أصلا بالاجتهاد؟

هذا اجتهاد فقيه وذاك اجتهاد فقيه في المسألة، فيطرح الرأيان في المجلس التشريعي فتزيد أصوات هذا الرأي الاجتهادي بصوت واحد، وينقص ذلك الرأي الاجتهادي صوتا واحدا فيكون التغليب للرأي العلمي على الرأي العلمي الآخر برأيٍ جاهلٍ. هذا تقديم للجهل على العلم. الترجيح لرأي اجتهادي على رأي اجتهادي آخر برأي من؟ برأي مهندس معماري، مهندس جيلوجي، برأي أي اختصاص آخر؟ صاحب الاختصاص الآخر كبير في اختصاصه، وله تقدير في اختصاصه، ولكنه هنا جاهل، وهو في مدار الاجتهاد الفقهي أمي شأنه شأن من لايقرأ ولا يكتب، فأن يرجّح الجاهل رأي مجتهد على رأي مجتهد آخر معناه أن يحكم الجهل في العلم، وأنه برأي من لا خبرة له بالاجتهاد قد يسقط حق، ويثبت باطل. هذا معنى المسألة، إذا أريد انتقاء رأي اجتهادي من بين آراء الفقهاء بواسطة من لا شأن له بالفقه ولا دراية.
إذا كانت المسألة مسألة اقتراحات بشرية نقول عنها: المقترحات البشرية التي لها ألف منطلق لو أردنا تحكيمها في الشريعة لم ينج منها شيء، ولم يبق شيء، ألا يمكن أن تكون اقتراحات كثيرة على صلاة الصبح؟! ألا يمكن أن تكون اقتراحات كثيرة على صوم شهر رمضان؟! أي عبادة من العبادات لا يمكن طرح اقتراحات كثيرة بشأنها، من قبل طالب ابتدائي فضلا عن حامل الدكتوراه؟! هذه القوانين التي سيصوغها المجلس التشريعي في مسألة الأحوال الشخصية أو غيرها هل هي معصومة؟! من قال بأن الرأي الأصوب لم يسقط في بالتصويت؟! وأن الرأي الأصوب دائما هو رأي الأغلبية؟! وكيف تكون لهذه الدساتير والقوانين حرمة لسنة أو سنوات حتى يغيرها مشرعها، ولا حرمة لدين الله في البلد المسلم المؤمن؟!

اللهم صل وسلم على محمد وآل محمد، واحفظ بلاد المسلمين من شرّ الغزاة الظالمين، ورد كيدهم إلى نحورهم، وارأف بالمؤمنين والمؤمنات ممن لا ناصر لهم إلا أنت وكفى بك نصيرا، وادرأ عنا وعنهم كل سوء ومكروه، وسلّم لنا جميعا ديننا ودنيانا، وارحمنا برحمتك، واغفر لنا بمغفرتك، ولوالدينا وأرحامنا وجيراننا ومن كان له حق خاص علينا من أهل الإيمان والإسلام يا قوي يا عزيز يا رحمن يا رحيم.

“إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)” النحل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- انظر ميزان الحكمة ج3 ص245 عن الكافي في ج2 ص 466
2- المصدر عن الكافي د2 ص467 – 468.
3- المصدر ص 253 عن البحار ج 78 ص 113.
4- المصدر ص 246 عن البحار ج 78 ص294
5- المصدر السابق ص245 عن البحار ج
6- المصدر عن البحار ج93 ص300

7- المصدر ص 248 عن الكافي ج2 ص 470.
8- فالعبادة التى تخلو من روح الدعاء والسؤال والتعلق بالله العظيم لا تساوي الأخرى الغنية بكل هذا.

زر الذهاب إلى الأعلى