خطبة الجمعة (98) 12 ذي الحجة 1423هـ – 14-2-2003م
مواضيع الخطبة:
شبهة التقية وكونها نفاقا – مفتيا عاما في الجزائر- الخوف العالمي والبديل الحضاري
كلَّما شنَّت أمريكا القويَّة حرباً كلما تهدد ذلك أمنها بدرجة أكبر، وكأنها تبحث دائماً عن تزايد في عدد الأعداء من الدول والشعوب والأفراد، حتى تُسبب لشعبها أن يموت خوفاً ورعباً، وبما تزرعه من رعب في الأرض كلِّها
الخطبة الأولى
الحمد لله المالك الذي لا مالك معه، الآمر الذي لا شريك له في أمره، المدبِّر الذي لا معطِّل لتدبيره، القاهر الذي لا مقاوم لقهره. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله المبعوث في الأميين رحمة للعالمين، وهدى للمؤمنين. صلَّى الله عليه وآله الطاهرين.
عباد الله فلنتق الله الذي لا إله إلا هو، ولا معبود بالحقِّ سواه. فنعم العون على الشيطان التقوى “إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ (201) ” الأعراف. والشيطان للإنسان بالمرصاد يُضلُّه ويُغويه، ولا ينتهي به إلا إلى العار والنَّار.
فمن همَّه صلاح نفسه، وحسن عاقبته فليدرأ الشيطان بالتقوى، ويتحصَّن منه باللجأ إلى الله. وإن أمام الإنسان ليوم عسير، ورحلة شاقة، وسفر بعيد، ولا زاد يستعان به على ذلك كله كالتقوى يقول الله العزيز في كتابه المجيد “… وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ(197) ” البقرة
اللهم صلِّ وسلّم على نبيك وحبيبك محمد وآل محمد، وأسعدنا وإخواننا المؤمنين والمؤمنات بتقواك، ولا تشقنا بمعصيتك، ولا تجعلنا من الأخسرين أعمالاً برحمتك يا أرحم الراحمين.
أما بعد فهذا حديث مختصر عن التقية ينظر إلى شبهة كونها نفاقاً محرَّماً في الشريعة، أو أنَّ فيها قضاء على دين الله، وطمساً للحق. وليس الكلام هنا على مستوى البحث الفقهي وتدقيقاته البالغة، ولا يراد به استيعاب جوانب الموضوع.
ولنطرح هذا السؤال: هل التقية نفاق من النفاق المحرَّم في الشريعة؟
النفاق له معنى لغويٌّ واسع، وهو إظهار الشخص خلاف ما يبطن. وبهذا المعنى يكون من أظهر الغنى وحاله الفقر فهو منافق، ومن أوهم عدوَّه أنه في المنزل وهو خارجَه فهو منافق، وكل من أظهر حقّاً أو باطلاً على خلاف ما في نفسه فهو منافق. ويُقطع أن النفاق المحرَّم لم يُؤخذ بهذا المعنى فإن الرسول صلَّى الله عليه وآله أوهم كفار قريش بأنه في الدار ليلة قصده للغار، والكتاب الكريم يقول مادحاً “….. يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا….” 273/ البقرة.
وماذا نقول فيما إذا كان الرسول (ص) بانياً على شيء، وظهر من طرحه الأمر للمشورة أنه غير بان عليه، كما لو كان جازماً في مسألة بدر على مواجهة ذات الشوكة، واستشار القوم بين ذلك وملاقاة القافلة التجارية لقريش؟!
هذه الاستشارة قد تظهر أن رسول الله صلى الله عليه وآله بعد لم يبن على أمر فإذا كان الرسول صلى الله عليه آله قد بنى على أمر معين في نفسه فقد أظهر ما لا يبطن، فهل تسمون رسول الله صلى الله عليه وآله منافقاً؟! حاشاه.
حقّاً لا يُظنُّ بأن أحداً من أهل الفقه يذهب إلى حرمة كتمان ما في النفس وإظهار خلافه مطلقاً. بمعنى أنه ليس هناك رأي فقهي مطلقا يقول بأنك إذا أظهرت خلاف ما تبطن بأي صورة من الصور، في أي مورد من الموارد سواء كان الذي أظهرته حقّاً والذي أضمرته باطلا أو العكس بأن أضمرت حقا وأظهرت غيره أو سكت عنه، لا رأي فقهي يقول هنا بالحرمة مطلقاً.
إذاً ما هو النفاق الذي هو موضوع الحرمة مما تحدث عنه القرآن والسنة كثيراً؟ قالوا عنه بأنه إظهار الإيمان، وإبطان الكفر. وقد يُتوسع في معناه فيقال بأنه إظهار الإيمان أو ما يقوم عليه، وإبطان الكفر أو ما يرجع إليه. وليس هذا ببعيد عمَّا تؤدي إليه جملة النصوص. فصار معنى النفاق في الشريعة، غير معناه في اللغة. معناه في اللغة: كل ما يظهره الإنسان وهو يبطن غيره، سواء كان الذي يظهره حقا أو باطلا، والذي أضمره حقا أو باطلا. بينما النفاق المصطلح عليه في القرآن والسنة والذي هو مدار الحرمة، هو أن يظهر الإيمان وهو يبطن الكفر أو يبطن الإيمان والأحكام المتعلقة به، ويكتم بعض ذلك أو يظهر منه خلافه، هذا هو النفاق في القرآن والسنة، والنّفاق المحرَّم.
وعليه فإن من كتم إيمانه أو ما هو من مقتضى الإيمان لا يشمله النفاق بمعناه الشرعي المصطلح، وكذلك من اضطرته الظروف الضاغطة فأظهر ما هو خلاف الإيمان، أو الحكم الشرعي الحقّ الذي يعتقد به، ويراه هو الدين فيما بينه وبين الله عزّ وجل. فمن توضّأ حفاظاً على دينه أو نفسه خلاف ما يراه أنه الوضوء الشرعي الصحيح، فهو لا يُظهر الحقَّ، ويبطن الباطل فيكونُ منافقاً بالمعنى المصطلح، وإنما يظهر –كما في نظره- الباطل، ويُبطن الحقَّ وبإذن شرعي. وهذا هو التقية فهي أجنبية من النفاق.
فكثيرا ما يقال بأن التقية نفاق، وبالنظر الذي لا يحتاج إلى تأمّل كثير، ولا إلى تدقيق كبير، النفاقُ غير التقية، والتقيةُ غير النفاق.
ولنقف عند بعض النصوص عن النفاق والتقية لتبيُّن الفرق الذي مرَّ ذكره:
الآية الكريمة تقول” إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً (142) مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَـؤُلاء وَلاَ إِلَى هَـؤُلاء وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً (143)”
فالنفاق –كما في الآية الكريمة- مخادعة لله، أما التقية في مورد إظهار الكفر مع إبطان الإيمان كما في حادثة عمار بن ياسر حيث أظهر الكفر وهو يبطن الإيمان فالمخادعة لأعداء الله. كان عمار يخادع الكفار، بينما المنافق يخادع الله سبحانه وتعالى، وفي مورد الحكم الشرعي الذي تختلف عليه المذاهب الإسلامية المخادعة لصاحب رأي اجتهادي أو مقلِّد له متعصب.
والنفاق مراءاة للناس خالية من ذكر الله وتعظيمه، والتقية تظاهر أمام الناس بما يكفُّ أذاهم عن النفس أو الدين أو هما معاً من منطلق الامتثال لأمر الله وذكره.
وإذا كان من النفاق ما هو تذبذب بين حالة الإيمان والكفر، فإن صاحب التقية مؤمن مكرَه على كتمان إيمانه كمؤمن آل فرعون، وملتزم مضايق في التزامه الذي يقضي به الإيمان. فأي فرق كبير، ذاك بين التقية وبين النفاق؟! الفرق شاسع جدا جدا حقاً.
تلك آية تحدثت عن النفاق وهذه آيات كريمة تتحدث عن مصاديق من التقية، وكلها إمَّا كتمان للإيمان والحق، أو إظهار ما هو خلافه للضرورة والاضطرار:
الآية الكريمة تقول” لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ (28) ” آل عمران.
الآية الثانية” مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ….” 106/ النحل.
الثالثة” وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ……” 28/ غافر.
والتقية في حديث أهل البيت عليهم السلام والتي يأخذ بها الشيعة لا تخرج في معناها عن المعنى المتقدم وهو الاحتفاظ بالرأي الحق والموقف الحقّ عندما لا يترتب على إبرازه إلا الخطر على الدين أو النفس، أو أن تكون المفسدة أكبر. عن الأزدي، عن أبي عبد الله عليه السلام: قال إن التقية تِرسُ المؤمن –يتترس بها للحفاظ على إيمانه ونفسه-، ولا إيمان لمن لا تقية له، فقلت له: جعلت فداك أرأيت قول الله تبارك وتعالى” إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ ” يعني السائل يقول: أليست التقية من هذا الباب: باب من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان؟ – قال – أي الإمام عليه السلام-: وهل التقية إلا هذا؟! “(1) التقية شيء غير هذا؟! التقية هي هذا نفسه، وهي أن يكره المؤمن فيكتم إيمانه، أو يظهر ما يدفع الخطر عن نفسه وعن دينه،(2) وعن الصادق عليه السلام “اتقوا الله وصونوا دينكم بالورع وقوُّوه بالتقية….”(3). فالتقية تكون لتقوية الدين، وليس للحفاظ على النفس فقط، الفكرة لا تقوى ولا تسلم في بعض الظروف الضاغطة جداً إلا بأن يتحفظ بها، كما لو أردت في حال قيام الشيوعية في الاتحاد السوفيتي أن تدعو للإسلام.
فالحديث الأول يؤكد أن التقية ليست إلا من مفاد الآية الكريمة –آية الإكراه-، وأن عناصرها ثلاثة: اطمئنان بالإيمان، وبما هو الموقف الحق في أي مسألة من المسائل التي تكون محلاً للتقية، وإكراه في الخارج على خلاف الحق –هذا العنصر الثاني-، وموقف عملي يطابق الإكراه وينافي الرأي. ومنافاة الرأي عملاً قد تكون في صورة كتمان له، وقد تكون في صورة موقف عملي على خلاف مقتضاه، مطابق للتقية.
والحديث الثاني يتحدث عن تقوية الدين بالتقية في إطار تقوى الله والورع منه، وهذا يعني تقية ليس فيها إساءة للدين، ولا هدم له، ولا إضرار بالمؤمنين والمسلمين.
وعن الصادق عليه السلام “للتقية مواضعُ، من أزالها عن مواضعها لم تستقم له وتفسير ما يُتقى مثل ( أن يكون) قوم سوء ظاهرُ حكمهم وفعلهم على غير حكم الحقّ وفعله، فكل شيء يعمل المؤمن بينهم لمكان التقية مما لا يؤدي إلى الفساد في الدين فإنه جائز”(4). فهنا قيد وهو ألا يؤدي موقف التقية إلى الفساد في الدين.
فظرف التقية ظرف مضاد للإسلام، ولإظهار الرأي الصحيح، وهو ظرف اضطراري تُعطي الشريعة فيه فسحة التحفظ على الرأي، والوقوف الموقف المضطر إليه لكن بقيد أن لا يؤدي ذلك إلى الفساد في الدين، ومن ذلك أن تقف شخصية دينية موقفاً تفرضه التقية ولكنه يؤدي إلى سقوط الدين في نفوس جماهير المؤمنين وقد وجدتم كيف أن الشهيد الصدر أعلى الله مقامه يتقدم إلى الموت بقدم ثابت في الوقت الذي كان قادراً في الظاهر على دفعه بحجة التقية.
فليست التقيّة مقدَّمة دائماً، وليست للتستر على باطل، ولا للكيد بالمسلمين، ولا يصح أن تُتخذ عذراً من قبل المتهاونين فعن أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليهما السلام في حديث أنّ الرضا عليه السلام جفا جماعة من الشيعة وحجبهم، فقالوا: يا ابن رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلّم: ماهذا الجفاء العظيم، والاستخفاف بعد الحجاب الصعب؟ قال لدعواكم أنكم شيعة أمير المؤمنين عليه السلام وأنتم في أكثر أعمالكم مخالفون ومقصّرون في كثير من الفرائض، وتتهاونون بعظيم حقوق إخوانكم في الله، وتتقون حيث لا تجب التقية، وتتركون التقية حيث لا بد من التقية”(5).
فالتقصير في كثير من الواجبات، والقعود عن الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر في كل الموارد تدرُّعاً بالتقية أمر مردود. والتخلِّي عن ضوابط الشريعة فيه ضرر الشريعة.
أقف عند هذا الحدّ للاختصار كما وعدتُ والحمد لله رب العالمين.
اللهم صلّ على محمد وآل محمد، واجعلنا وسائر المؤمنين والمؤمنات ممن يستضيء بهديهم، ويسلك طريقتهم، واجعلنا من أهل النصيحة للدين والمؤمنين، وبرئنا من كفر الكافرين، ونفاق المنافقين، وبارك لنا الدنيا والدين، واغفر لنا ولهم ولوالدينا وأرحامنا ومن كان له حقّ خاص علينا يارب العالمين، يا رحمن يا رحيم.
بسم الله الرحمن الرحيم
قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)
الخطبة الثانية
الحمد لله المرجوِّ لكلِّ خيرٍ، المأمولِ عند كلِّ شدّة، المفزعِ من كلّ مخوف، الذي لا يضرُّ مع رحمته شيء، ولا يَنفع مع غضبه شيء، مايريد كائن، ومالايريد لا يكون.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، ولارادَّ لقضائه، ولا قضاء بشيء من غير إذنه، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله دعا إلى الله مخلصاً، ونطق عنه صادقاً، وجاهد فيه صابراً. صلَّى الله عليه وآله وسلَّم تسليماً كثيراً.
عباد الله أوصيكم ونفسي التي تخادعني بتقوى الله، والاستعانة به على طاعته، واللجأ إليه للفَرار من معصيته، وأن لا نغفُل عن يوم أوّله فزع، وأوسطه جزع، وآخره وجع… يومٌ يرعب له الفؤاد، وتطير الألباب، و” تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2) “… يوم يفقِد الصابرون صبرهم ولا مفرَّ من حكم الله، ويشتدُّ العذاب، ولا دافع لأمر الله. وإنَّ قلب الإنسان ليذوب في الدنيا أمام هول حرب أو زلزال، فأنى له أن يملك نفسه في يوم عذابه ليس مثلَه عذاب، وهولُه لا يعدله هول، ولا يشبه مصابه مصاب. فلنعمل صالحاً وليكن فرارنا إلى الله، إنَّ الله بعباده لرؤوف رحيم.
اللهم آمنَّا في الدنيا والآخرة، ولقِّنا خير الدنيا والآخرة وعافيتهما يا كريم. اللهم صلّ وسلّم على قائد الهدى، وإمام الورى عبدك المجتبى، وحبيبك المصطفى، والدليل على التقوى محمد وآله أهل الوفاء. اللهم صلّ وسلّم على أمير المؤمنين، ومَثَلِ الزاهدين عليٍّ قدوة المؤمنين. اللهم صلّ وسلّم على أَمَتِكَ المهديَّة، فاطمة الرشيدة، الشاهدة المرضيَّة. اللهم صلّ وسلّم على الإمامين الهاديين، والوليين الصالحين، والسبطين الزكيين الحسن بن علي المجتبى، وأخيه الشهيد الحسين.
اللهم صلّ وسلّم على أئمة المسلمين، وهدى المتقين علي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري الولاة الميامين.
اللهم صلّ وسلّم على إمام الرشاد، وسداد العباد، وأمان البلاد، ومحيي الأرض بالدين، وقاتل القاسطين والمارقين القائم المؤتمن، محمد بن الحسن.
اللهم عجِّل فرجه، وسهِّل مخرجه، واملأ به الأرض قسطاً وعدلاً بعدما مُلئت ظلماً وجوراً. نكِّل به أعداءك، وأعزَّ به أولياءك يا قويّ يا عزيز.
اللهم عبدك الموالي له، المقتدي بسيرته، الممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى قوِّ في الخير عزائمهم، ووفق على درب الهدى خطاهم، واشدد أزرهم، واحرسهم بحراستك، واكلأهم بكلاءتك يا رحمن يا رحيم.
أما بعد أيّها المؤمنون والمؤمنات فهذه كلمات فيما يتصل بالبعد العام من حياة الأمة والعالم:-
1. عيَّنت الجزائر مفتياً عامّاً لينطلق الجزائريون من فتوىً موحَّدة، بدل فتاوى متعددة يدخلها التعصب وتطرف المتطرفين، ولكن هنا سؤال وهو أن المفتي العام فرداً كان من العلماء، أو هيئة علمائية، أو مشتركة من علماء وغيرهم ممن يأخذون صفة رسمية بعنوان مجلس أعلى للشؤون الإسلامية أو غيره في أي بلد من البلدان الإسلاميَّة مصدرُ فتواه الإسلام أو العسكر، والسُّنّة المعصومية نبوية كانت أو أعم أو الجهة الرسميَّة كوزارة الداخليَّة؟
إذا كان المصدر هو الإسلام فإننا نعرف أنَّ بعض الدول عِلمانية، وأغلب الدول قوانينها ليست كلها إسلامية –قد يكون فيها القانون الإسلامي والقانون غير الإسلامي-، ففي حال المفارقة بين رأي الإسلام ورأي القانون أو الإجراء الرسمي ماذا يكون موقف المفتي الموظَّف المعيَّن أساساً لدعم الموقف الرسمي وتأكيده وتسويقه؟!
وإذا كان المصدر هو ما تُقدِّره السياسة من مصالح ومفاسد، وما تستهدفه من أغراض فلماذا لا تطالب السياسةُ نفسها بما تفرضه على الدّين من عدم التدخل في السياسة؟!
وهنا تحضرني مفارقة عجيبة عند كثير من الأنظمة في البلاد الإسلامية وهي النصُّ في دساتيرها على أن الإسلام مصدر رئيس أو مصدر من مصادر التشريع، ثم المنع من تدخل الإسلام في السياسة إذ كيف نجمع بين كون الإسلام مصدراً رئيساً من مصادر السياسة، وبين قطع لسان الإسلام في مجالها؟! ولكن من أجل أن تعيش، عليك أن تقول هذا صحيح.
2. انتهت الحضارة الماديَّة والاستكبار العالمي إلى تعميم الخوف، وسيطرة الرُّعب فلا أفغانستان المستضعفة الفقيرة الممزَّقة آمنة، ولا واشنطن المستكبِرة الغنيَّة آمنة، ولا الحكومات آمنة، ولا الشعوب آمنة. الدول خائفة من الدول، ومن الأفراد، والجماعات، والدولة في داخلها خائفة من الشعب، والشعب خائف منها، والجماعة خائفة من الجماعة والأفراد، والأفراد يخافون من الأفراد والجماعات. وتدخل العداوة والصراع والاحتراب داخل الأسرة بين الزوج وزوجه، وبينهما وبين الأولاد بتحريض القانون، وغياب القيم، وسقوط الأخلاق.
وكلَّما شنَّت أمريكا القويَّة حرباً كلما تهدد ذلك أمنها بدرجة أكبر، وكأنها تبحث دائماً عن تزايد في عدد الأعداء من الدول والشعوب والأفراد، حتى تُسبب لشعبها أن يموت خوفاً ورعباً، وبما تزرعه من رعب في الأرض كلِّها، وما يُعطي من ردود فعل قاسية لا ترحم “…. فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ ” 2/ الحشر.
وهذا الاضطراب والرعب والوضع القلق في الأرض كلها لا بد أن ينتهي بهذه الحضارة إلى الانتحار، وقيام البديل الحضاري الصالح، وهو الحضارة الإلهية التي توحِّد الأرض وتنتشلها من الظلام، وتصنع أمنها الشامل، ومستقبلها الرغيد. يقول سبحانه:” وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5)” القصص ويقول عزّ من قائل ” الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (41) ” الحج.
حقّاً إنَّ الأرض مندفعة بسرعة في اتجاه هذه الحكومة المنقِذة التي لا تريد في الأرض علوَّاً ولا فساداً، تطلبها بكل أوضاعها التي تمثِّل مقدِّمة الانهيار لحكومات الاستكبار العالمي التي لا تبتغي إلا علوّاً في الأرض، ولا تريد إلا فساداً.
ويدخل في سياق نشر الرعب على يد الاستكبار الحرب الأمريكية المحتملة على العراق، وهذه الحرب تستطيع أن تقتل الكثير من العراقيين، وتدمر العراق كثيراً ولكنها لا تستطيع أن تعطي الأمن لأمريكا، بل إنها ستضاعف من رعبها، وستضيف إلى قائمة المتربصين بها أعداداً جديدة من أكثر من جيل. ولا يمكن لها أن تبقى طويلاً في العراق مرتاحة بل ستعاني الكثير من المتاعب والضربات الموجعة.
ويُخطئ أي نظام يحكم أي بلد من داخله أو خارجه في ظل تنبّه الشعوب على الحقوق ورفضها لحياة العبودية للإنسان حين يتصور وهو يمارس الظلم للشعب أنه سيُقلقه من دون أن يُقلَق، وسيرهقه من دون أن يُرهَق. ولقد بدأ قلق النظام العراقي ورهقُه وغربتُه من داخل شعبه عندما نكَّل بهذا الشعب، وعذّب أبناءه.
3. في كلّ مرة يبدأ الخطر يتهدد أيَّ بلد، يغادره من ليس منه ممن كان يستفيد بخيراته، ويحصد مصالحه، ويُقدَّم في الغنائم على أبنائه، ولا يبقى فيه أكثر ما يبقى إلا مستضعفوه والمحرومون في حالات الرخاء من عوائده وعطاءاته فهم المرابطون، وهم المدافعون إذا كانت حيلة، وهم المتضررون لفقد الوسيلة.
فهل من نظرة عدل؟! وهل من موقف إنصاف يلتفت إلى حقوق هؤلاء المهملّين الذين لا يُهمِلون الأرض، وينشدُّون إليها كلّ عمرهم حتَّى أن بعضهم لا يملك أن يرى غيرها في كل حياته يوماً واحداً؟! هل يُستكثر على هؤلاء أن يجدوا لقمة سائغة في وطنهم يعطون من أجلها الوقت والعرق، فيستروا بها وجوههم عن السؤال؟! وأن يجدوا مسكناً يؤويهم بثمن من عمرهم وجُهدهم وَنَصَبهم فيشعروا معه بالاستقرار؟!
لوعدلنا ما عذلنا هؤلاء في شكواهم وضجيجهم واحتياجهم وما يأتي منهم من جفاء.
اللهم صلّ وسلّم على نبيك الكريم محمد وآله الطاهرين، واجعل علينا والمؤمنين والمؤمنات أجمعين واقية تنجينا من الهلكات، وتكفينا دواهيَ المصيبات، وشرّ النكبات، واغفر لنا ولهم ولوالدينا وأرحامنا وجيراننا ومن كان له حقّ خاص علينا من أهل الإيمان والإسلام يا رحمن يا رحيم يا توَّاب يا أكرم الأكرمين.
“إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)” النحل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- ميزان الحكمة ج 10 ص 666 عن البحار ج75 – ص 394.
2- قد يكون موجب التقية الخطر على النفس من دون أن تسبب التقية هدم الدين، وقد يكون الموجب هو الخطر على الدين مباشرةً من دون أن يترتب الخطر على النفس.
3- المصدر ص677 عن أمالي المفيد ص 59.
4- ميزان الحكمة ج10 ص669 عن أصول الكافي ج2 ص 168.
5- المصدر عن الوسائل ج11 ص 470.