خطبة الجمعة (93) 7 ذي القعدة 1423هـ – 10-1-2003م
مواضيع الخطبة:
الغضب – اقتراحات الشباب – أحداث رأس السنة – فندق ساحل أبو صبح
ومن غريب الأمر أن يُرجع البعض أحداث رأس السنة على فوضويتها وبُعدها عن الالتزام الشرعي إلى الخطاب الديني العام العادي المألوف بما يُركّز عليه من خلق كريم، وقيم رفيعة، وعفة وشرف وحفاظ، وتمسّك بالفضيلة وتعاليم الإسلام ومنها احترام الدماء والأعراض والأموال.
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي لا وفاء لحمد المخلوقين بحقِّه، ولا احاطة لهم بالشكر الذي هو أهله، ما وجد شيء أو يوجد إلاَّ بفيضه، وما لأحد غنى عن رفده، ولا حول ولا قوة إلا به، منه المبدأ واليه المصير، وهو على كل شيء قدير.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، كان ولم يكن معه شيء، ويبقى ويفنى كل شيء.
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، ما قدم من قدم، وما أخر من أخر الا بإذن ربه ، وما تجاوز ما بُلّغِ به. صلى الله عليه وآله وزادهم تحية وسلاماً.
عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله فما ربح من هذه الدنيا أحدٌ بمثل ما ربحه المتقون؛ حيث يلتقون العاقبة الحميدة، ويُجزون العافية المقيمة، ويبوؤون المنزلة الرفيعة، ويرزقون الحياة الخالدة الرغيدة الهنيئة النعيمة. “تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين” 83/القصص. ومن فارق التقوى استكبر واستعلى ولم يكن منه في الأرض إلا الخراب، وفي الناس إلا الفساد، والنار مثوى له وبئس المهاد.
أيها المؤمن لا تركض مع من يركضون على طريق النار، ولا تتوان في سيرك إلى الجنة، فكفى سفها وجنونا وفادحا كبيراً أن يكون الركض إلى جهنم، وكفى حسرة وتضييعا وتفريطا أن يكون التواني عن الجنة، وإذا كنا نُشفق على النفس من نار في الدنيا وحقّ لنا ذلك، فكل نار الدنيا لا شيء عند نار الآخرة، ولولا قلوب طُبع عليها لما كان أحد يطلب بحياته عذاب السعير.
اللهم أعذنا من الغفلة، وجنّبنا سوء المصير، ولا تنته بنا إلى النار، وأدخلنا الجنة يا كريم يا رحيم. وصل اللهم على محمد وآله الطاهرين.
أما بعد فما خلق الله شيئا عبثا. ما خلق خلقا إلا لحكمة، وما وضع شيئا موضعا إلا بتقدير، وقد خلق الإنسان خلقا قويما، ونسّقه تنسيقا دقيقا عجيبا. وقوى الجسد، وقوى الإدراك، ودوافع النفس، وحالات الشعور وكل ما في هذا الإنسان مما دخل تركيبه، وكل قوة وضعف فيه وحتى المشكلات التي تعرضه الأحكام التشريعية التي تنظم سيرته قد جاء مقدرا موزونا يتناسب والغاية الكبيرة، والحياة المنقضية، والآخرة الممتدة، وحالة الدور الإبتلائي في الدنيا، والمآل الجزائي في الآخرة له.
والغضب حالة شعورية، ورد فعل نفسي لموقف من الغير ترى فيه النفس مسّا بكرامتها، وخدشا لشرفها، أو إضرارا بمصالحها. وهو حالة لا تخلو منها نفس إنسان سويّ بحيث يكون فاقدا لهذه الحالة الشعورية الوجدانية عند توفر أسبابها على الإطلاق. وهذا مما لم يوجدّه الله عبثاً. نعم يتفاوت الناس في الغضب كما يتفاوتون في غيره شدة وضعفا، وفي القدرة على ضبطه، وفي ما يثير غضبهم بدرجة أكبر مما يتصل من الأسباب بالمادة أو المعنى، وبشؤون البدن أو الروح، والدنيا والآخرة. وقد يكون الشذوذ بغياب حالة الغضب مطلقا إلى ما يقرب بالمرء من وضع الجماد، أو بغيابها في موارد الشرف والعرض والكرامة إلى ما يشبه به الإنسان وضع الحمار. وقد يكون الشذوذ بطغيان الغضب بالدرجة التي تحول صاحبه إلى ثور هائج، أو حمار منفلت لا يُرى في رد فعله أثر من حكمة ولا عقل ولا دين.
والتربية الإسلامية الصالحة تضع الإنسان بكل قواه وإدراكاته ودوافعه ومشاعره الفطرية على طريق كماله موظفة ذلك كله منه في سبيل صالحه وبناء ذاته البناء الذي يَسْعَد به. ولا تتيح لدافع من دوافعه ولا حالة من حالات شعوره أن يستبد به ليضعفه، ويقعد به عن غايته، أو يخرج به عن حد إنسانيته. التربية الإسلامية تستفيد مما للإنسان كله من قوى وادراكات ودوافع ومشاعر في السمو به بالطريقة التي تتناسب معه بما هو كائن في الأرض، ويخضع لضروراتها، وتقيده طبيعتها وأوضاع تكوينها.
ومع حديث الغضب في ضوء آيات بينات، وبعض الحديث الشريف وبصورة مختصرة:-
1- الغضب على مستوى الشعور بالإساءة والمضض:-
من لم يجد هذه الدرجة من الغضب؛ شعور بالإساءة، وتأذ لهذه الإساءة، ونفرة منها، فليست إنسانيته على التمامية المطلوبة، وليس عند حد الاعتدال المطلوب.
“والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس”134/آل عمران.
أولئك طبقة في الناس رفيعة وهم في معرض مدح الآية الكريمة وثنائها، وتجد من الآية ما يصفهم بأنهم على غيظ مكظوم.
“وإذا غضبوا هم يغفرون “37/الشورى.
فهناك غضب ولكن مع الغضب ضبط، ومع الغضب تفوق نفسي، وقدرة على التسامح وإعطاء ردّ فعل خلقي.
“أقوى الناس من قوي على غضبه بحلمه”.
فهو يغضب ومع الغضب حلم لا يتيح للغضب أن يقود النفس إلى ما لا يرضى الله، ولا يرضى العقل.
” من لم يجد للإساءة مضضا لم يكن عنده للإحسان موقعا”.
هذه نفس جامدة، لا تعطي رد الفعل المناسب لعرض الخارج.
2- الغضب على مستوى غلبة الإنفعال:-
“إياك والغضب فأوله جنون وآخره ندم”.
فهو حالة انفلات تؤثر على قوى الإدراك وتغيبها.
“الغضب مركب الطيش”.
طيش النفس وانفلاتها عن الجادة في التعامل مع الحدث.
“احترسوا من سورة الغضب وإلا أوردتكم نهاية العطب”.
سورة الغضب شدته، وفورانه، وفوران الغضب حين تسلم النفسُ قيادها له، يريد بها نهاية، وهي نهاية العطب والهلاك.
“الغضب يفسد الألباب، ويبعد عن الصواب”.
القرار الذي يتخذ في أحضان الغضب، وفي حالة من غياب التقدير الدقيق، وغياب قوى الإدراك لا بد أن يأتي خاطئا، ويأتي مدمرا. ومن شأن الغضب أن يغمر العقل، وأن يذهب بالروية، وأن يفسد حالة التفكير.
3- الأقوياء حقا:-
“أفضل الملك ملك الغضب”.
أفضل سيطرة لك، وأفضل حاكمية تمارسها، هو أن تحكم نفسك حالة غضبك، وأن تكون القادر على الوقوف الموقف الذي يمليه الدين ويقتضيه العقل في سورة الغضب وشدته.
“ظفر بالشيطان من ملك غضبه ، ظفر الشيطان بمن ملكه غضبه”.
“ظفر بالشيطَانِ من ملك غضبُه” حيث يملك أحدنا غضبه يكون قد هزم الشيطان وصرعه، وهو على سيطرة تامة أمام الشيطان. لحظة الغضب هي فرصة سانحة وكبيرة لأن يلعب الشيطان بالنفس، ولئن يحل محلّ قوى الإدراك والدين في اتخاذ القرار، في هذه اللحظة العاصفة حيث تقف النفس مع دينها وعند قرار عقلها تدل على عظمة فيها وعلى تقوى متمكنة بها. وتدل على أنها قادرة على أن تقود، وعلى أن تصلح في الأرض.
“من غلب عليه غضبه وشهوته فهو في حيز البهائم”.
البهيمة إذا هاجت بدافع غريزتها لم تكن لها قوى ضبط توقفها عن هياجها، فهي منفلتة كالآلة الصماء لا تعرف هدفا، ولا تنضبط بضابط، والإنسان حيث يكون على منوال هذه البهيمة فهو هي لا غير.
“أقوى الناس من قوي على غضبه بحلمه”.
“ليس الشديد بالصرعة، -أن تصرع البطل، إنما أن تصرع من نفسك عدو لدودا، ولحظة هياجا مدمرة- إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب”.
4- الجزاء من جنس العمل:-
“من كظم غيظا وهو يقدر على إمضائه حشا الله قلبه أمنا وإيمانا يوم القيامة”.
“إن لجهنم بابا لا يدخلها إلا من شفى غضبَه بمعصية الله تعالى”.
أكبر خطر، وأكبر تحدّ للحظة الغضب أن تقود النفس إلى أن تشفي غضبها وتطفئ سورة هذا الغضب الحارق بمعصية الله، وبأن يتعامل الشخص مع من يغضبه، والحدث الذي أغضبه التعامل على غير طريقة الدين، وفي حالة من غياب القيم والحكم الشرعي.
5- وزن صدق:-
“لا يعرف الرأي إلا عند الغضب”.
تستطيع أن تعرف رجاحة رأيك وعقلانية رأيك، ووزن نفسك ويستطيع الآخرون أن يقيّمِوك من هذه الحيثية في لحظة الغضب.
كيف يأتي الرأي منك في لحظة غضبك؟ يأتي على موازين العقل والدين؟ أو يأتي من منطلق الهوى، وروح التشفي بغير دين؟ فالوزن الحق بدرجة ما، والوزن الصدق بدرجة ما يظهر في مثل هذه اللحظات.
6- جرعة مربية:-
جرعة مرة وهي في نفس الوقت مربية، وهي في نفس الوقت دليل عظمة، وهي في نفس الوقت دليل تقوى، وهي في نفس الوقت دليل رجاحة في عقل ودين.
“نعم الجرعة الغيظ لمن صبر عليها…..”الصادق(ع).
وهي نعمة الجرعة لما تؤدي إليه من جزاء وفير عند الله، وإنَّها تبني النفس .كل جرعة غيظ يتحملها الإنسان صبرا ترفع من مخزون تحمله، وتدفع بقوة الصبر عنده إلى الأمام، وتبني من نفسه وتعطيها المتانة، وكل لحظة انهيار في حالة غضب، أو في حالة شهوة تعني مزيدا من الانهيار وتعني فتح باب كبير على الانهيار.
“ما تجرعت جرعة أحب لي من جرعة غيظ لا أكافي بها صاحبها”.
هذه جرعة حبيبة لما سبق؛ جزاء كريما موفورا وبناء ذاتيا واحتفاظا بالوزن في الناس، ودلالة على تقوى وعقل.
7- اغضبوا لله:-
من كتاب أمير المؤمنين عليه السلام إلى أهل مصر:
“إلى القوم الذين غضبوا لله حين عُصي في أرضه، وذُهب بحقه….”عن الكتاب 38/النهج.
هذا الغضب ليس هو الانفعال ولا القرار الانفعالي، هذا الغضب هو ردّ فعل مدروس، وردّ فعل معروض على الدين والقيم والعقل. في حال أن يعصى الله يكون ذلك تأسيسا لذهاب كل الحقوق وذهاب الحق الأوْلَى يعني ذهاب كل حق بعده. وليس أولى من الله حقّاً على العباد. فلا بد من موقف حال أن يعصى الله في أرضه، وحال أن يذهب بحقه، وإلا فهو الموت، وهو الانتكاسة، وهو الخطر الذي يحرق الأرض كل الأرض.
من خطبة للأمير عليه السلام”وقد ترون عهود الله منقوضة فلا تغضبون، وأنتم لنقض ذِمم آبائكم تأنفون”عن النهج خ 106.
بكل قوة تحمي عهد أبيك مع غيره حين ينقض، وتثور، حين يمس أمانك، وحين ينقض عهدك، فما موقفك من عهد الله حين ينقض؟ ومن حق الله حين يُعتدى عليه؟ يستكبر أمير المؤمنين عليه السلام على الناس، ويستبشع منهم هذه المفارقة الخطيرة وهذا الموت للقلب، وللوجدان وهذا الغياب للحالة الإيمانية. (وقد ترون عهود الله منقوضة فلا تغضبون) لأن شأن الله عندكم هين. لهوان الله عز وجل على القلوب. أما الذين تكبرون، والذين تحترمون والذين توقرون فأنتم تأنفون حين ينقض عهدهم، (وأنتم لنقض ذمم آبائكم تأنفون)
“فيما سأل موسى عليه السلام عن ربه سبحانه وتعالى أنه قال: من أهلك الذين تظلهم في ظل عرشك يوم لا ظل إلا ظلك؟ فقال:”…… والذين يغضبون لمحارمي إذا استُحلت مثل النمر إذا جرح”عن الوسائل ج11ص417.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واجعل غضبنا وإخواننا المؤمنين والمؤمنات لك وفيك، ولا تجعل لشيء علينا سبيلا ينسينا ذكرك، ويخرجنا عن طاعتك، وارزقنا سعادة الدارين، واغفر لنا ولا تردنّا عن بابك خائبين، واغفر لآبائنا وأمهاتنا وارحمنا وجيراننا وكل من كان له حق خاص علينا من أهل الإيمان والإسلام يا أكرم الأكرمين، ويا أرحم الرحمين.
بسم الله الرحمن الرحيم
( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4))
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي لا يكفُّ لسانُ التكوين للأشياء عن حمده، ولا يفتر عن تقديسه وتنزيهه وتسبيحه، تحمده كلُّ مخلوقاته في حدوثها وبقائها وهداياتها لغاياتها وروعة نظامها ودقّة تكوينها، وتتعلّق بكماله لسدّ نقصها وفقرها، ولحفظها ورعايتها، وتشهد بجوده وتفضُّله، وبتوحيده بلسان حالها، والمراتب المختلفة من وجودها.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله؛ إمامُ كلِّ تقي، وقدوة كلّ ولي، شفيع للمؤمنين بإذن رب العالمين صلى الله عليه وآله الطاهرين.
عباد الله أوصيكم ونفسي المُشْفِقَ عليها من النَّار بتقوى الله الشديدِ النِّقمات، الذي لا تقوم لغضبه أرضٌ ولا سماواتٌ، ولا يُنقذ من أخذه كلُّ الكائنات. فلا يُعرِّضنَّ أحدُنا نفسه لغضب الله في رضى المخلوقين، ولا يعدلنَّ بغضبه غضبَ المملوكين. فكلّما كان الخيار بين رضى الربّ، ورضى العبد، لم يُقدِّم المؤمنُ على رضى ربه رضى لأحد، وكلّما كان الموقف بين غضب الخالق وغضب المخلوق لم يتردد المؤمنُ في دفع غضب خالقه وإن لم يكن ذلك إلا بغضب كل المخلوقين. غضبُ الله لا يُؤمِنُ منه أحد، ورضاه لا يُغني عنه رضا أحد، وعنده اللجأ من غضب من كان من سواه، وبه الغنى عن عطاء من كان ممن عداه.
واعلموا عباد الله أنَّ رضى المخلوقين يركبُ بكم كل صعب، وينحدر بكم كل منحدر، ويعدل بكم عن الجادَّة، ويأتي على كرامتكم فلا يُبقي لكم منها شيئاً، وعلى إنسانيتكم فلا يدع لها وزناً، وليس له نهاية إلا خزيُ الدنيا، وعذابُ الآخرة. وطلب الرضى من الله يرفع ويكمّل ويعزُّ ويُسعد. والله رفيق بعبده المؤمن، شفيق عليه بأكثر مما يشفق الآباء والأمهات على الولد الوحيد. ارغبوا في طاعة الله رحمكم الله ولا يضلّنَّكم الشيطان الرجيم.
اللهم مِل بنا إليك عمن سواك، ولا تجعلنا أُسارى الطاعة لمن عداك، اللهم صلّ على البشير النذير، والسراج المنير محمد الهادي الأمين وآله الطاهرين. اللهم صلّ وسلّم على الولي الوصي علي بن أبي طالب الزكي التقي. اللهم صلّ وسلّم على الهادية المهدية فاطمة الزاكية المرضية. اللهم صلّ وسلّم على الإمامين الهاديين والوليين الصادقين عبدك الإمام الحسن وعبدك الإمام الحسين. اللهم صلّ وسلّم على أئمة الهدى، وأنوار السماء علي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري أعلام التقى وقادة الورى.
اللهم صلّ وسلّم على المنقذ المرتقب والإمام المؤتمن، الموعود بالظفر، مقيم العدل، ومظهر الحق محمد بن الحسن القائم المنتظر. اللهم عجّل فرجه، وسهّل مخرجه، وانصر ناصره، واخذل خاذله، وافتح له فتحاً مبيناً ومكِّن له في الأرض تمكيناً.
اللهم الداعي له، الراضي به، الممهد لدولته والفقهاء العدول والعلماء الصلحاء والمجاهدين الغيارى والعاملين للإسلام من المؤمنين والمؤمنات ثبّت أقدامهم، وقوِّ عزائمهم، وسدِّد خطاهم، وادرأ عنهم، وانصرهم يا ناصر المستضعفين، ويا غوث المظلومين يا قوي يا عزيز.
أمَّا بعد فهذه بعض قضايا يتم تناولها في هذا الحديث:
1. القضية الأولى: اقتراح لا حكم:-
قد يقترح بعضُ الشباب بارك الله فيهم تناول موضوع معين في حديث الجمعة، ولكن لا يبقيه اقتراحاً، وإنما يعطيه صورة الحكم الصارم الذي يُحاسب على عدم الأخذ به في الموعد الذي أراد ويلوم، وكأن على المخاطب بالاقتراح أن يُلغي رأيَه تماماً ويلتزمَ بالتنفيذ حتماً. وقد يكون طريق الاقتراح هو الأنترنت من مجهول، أو ورقةٌٌ مكتوبة كذلك، وقد لا يكون لمن تلقّى الاقتراحَ الإلمامُ الكافي بالموضوع وملابساته، وقد لا يكون وَصَلَه فعلاً في بعض الأحيان.
ولا أرى لنفسي، ولا يرى لي عاقل أن أنساق وراء كل اقتراح يصلني بهذا الشأن ولو كان صاحب الاقتراح واضحاً، والموضوع عندي جليّاً فكيف إذا كنت أجهل بذاك، وبالتفاصيل والملابسات لهذا، وأُقدِّر أنَّ طرح الموضوع المقترح غيرُ مناسب مكاناً أو زماناً أو لأي جهة أخرى.
هذا وإني أشدد كثيراً على أهمية الوحدة، وضرر الفرقة، والبعد عما يسبب بين المؤمنين الشقاق. وإنه لمما يؤسَف له التراشق بين الشباب المؤمنين في المنتديات المفتوحة في الأنترنت في عدد من الموضوعات التي يخاض فيها بغير حساب دقيق.
2. القضية الثانية: عودة لأحداث رأس السنة:-
في نظري أنَّ هذه الأحداث مؤشر خطير على الاضطراب الحضاري لا الاضطراب السياسي..، وعلى أزمة تربوية لا أزمة سياسية. وعلينا جميعاً أن نتعاون في تدارك الخلل الحضاري والتربوي الذي لو استمرَّ واشتدَّ أمره لا بد أن يحدث أزْمَةً هائلة على مستوى الأمة كاملة، وفي كل شبر من بلدانها.
ولا معاناة اليوم على الصعيد الأمني من أزمات داخلية، وإن كان الأمن دائماً يحتاج إلى حفاظ، وهو حاجة الكل من حكومة وشعب، وللأمن قاعدة صلبة كلما تثبتت كان أثبت، وكلّما اهتزَّت نالهُ الاهتزاز. بالعدل، بالعدل، بالعدل، وتركيز القيم الخلقية، وتركيز القيم الخلقية، وتركيز القيم الخلقية الرفيعة يتركز الأمن، ومن دونهما يكون مطلبه بعيداً بل ممتنعاً.
القيم روح لا يقوم مجتمعٌ بدونها، وذهابُ هذه الروح ذهاب للمجتمع كلِّه، فلا نموَّ ولا بقاء لمجتمع بلا قيم، كما لا نموَّ ولا بقاء لحيٍّ بلا روح. والجسم الحيّ لابدَّ أن يكون إلى تحلّل واندثار إذا فقد الروح، والمجتمعُ مثلُه إذا فقد القيم.
والقوانين الأمنية في بلدنا وفي كل البلدان ليست قليلة، وزيادة شبكة هذه القوانين، وتقويةُ شرنقتها ليس هو الحل. وكثيراً ما أدّت القوانين الأمنية المتشددة في الكثير من البلدان إلى أزمات أمنية حادة لم يخفف من سُوئها إلا التخفيفُ من شدة وظلم تلك القوانين. وبلدنا قد أدخله قانون أمن الدولة في أزمة مزّقت وأنهكت وشلَّت وأوقعت خسائر فادحة في الأنفس والأموال، فكان فاتحة الانفلات في الناحية الأمنية، وسببَ خسران كبير لكل الأطراف، ولم يتوقف الانفلات والخسران إلا بإلغاء ذلك القانون الذي لم يبنِ أمنَ دولة ولا شعب.
ومن غريب الأمر أن يُرجع البعض أحداث رأس السنة على فوضويتها وبُعدها عن الالتزام الشرعي إلى الخطاب الديني العام العادي المألوف بما يُركّز عليه من خلق كريم، وقيم رفيعة، وعفة وشرف وحفاظ، وتمسّك بالفضيلة وتعاليم الإسلام ومنها احترام الدماء والأعراض والأموال.
وكأن تحميل هذا النوع من الخطاب مسؤولية الأحداث مطالبةٌ للمساجد والمنابر اعتمادَ خطاب آخر يدعو إلى التبذّل والتسيُّب والانفلات الخلقي والتخلي عن الإسلام عقيدة وتعاليم وقيماً ومفاهيم للالتحاق بحضارة المادة والعِري والكفر.
عجباً عجباً. وهل ينقضي العجب في زمن كله عجب؟!
3. بشير خير أو نذير شر؟
مائة وخمسون وظيفة أو مهنة أكثرها للمواطنين حين يقام الفندق السياحي المتطور على ساحل أبوصبح. انظر إلى حجم البُشرى وما فيها من سخرية الصحافة بالمواطنين. والفندق وجه صارخ لنوع من القيم… من التربية… من الحضارة… من النظرة للإنسان…. من التعامل مع الدين…. مع تاريخ هذه الأرض.. مع أصالة الإيمان عند إنسانها…. مع أعرافها العريقة، وتقاليدها القويمة.
هذا الفندق للقيم… للأرض…. للحضارة… للإنسان.. للدين… للتاريخ… للأصالة الإيمانية… للأعراف والتقاليد الكريمة أو عليها؟ أجب يا صاحب البُشرى التي استهزأت بالناس وهي تُزفُّ لهم تافهة وكأنهم تافهون.
اللهم صلّ على محمد وآل محمد، ولا تسلُك بنا وبإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين غير درب محمد وآل محمد، واهدنا بهداهم، واجعلنا من زمرتهم، واكفنا ما كفيتهم، وآتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، واغفر لنا ولأهل الإيمان والإسلام ولكلِّ ذي حق خاصٍّ علينا منهم ولوالدينا وأرحامنا وجيراننا وأهل محبتنا يارحمن يارحيم، يا تواب يا كريم.
(إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون).