مقال آية الله قاسم: ملايين الأربعين
بِسْم الله الرحَّمان الرَّحيم
ملايين الأربعين
الحمد لله كما هو أهله ، وصلى الله على خاتم رسله محمد وآله الأطهار .
هناك تدفق بشرى هائل مشهود للعالم بمناسبة أربعينية الإمام الحسين عليه السلام وحشود تتوجَّه بالمناسبة لزيارة مرقده الشريف …. حشود ملايينيّة تشكل بمجموعها أكبر تجمع بشري في مكان واحد يحتفي بذكرى ثورة ، وشهادة إنسان . فلماذا هذه الزحوف ولماذا المشي إلى المرقد الطاهر من المسافات البعيدة المتعبة وليال وأيام إلى المرقد الشريف ؟
الزحوف غير مجبرة ، ولا إغراء دنيوى ليحركّها ، ولا هي ردة فعل للنظام الحاكم الذي سقط في العراق وإلاَّ فردة الفعل كان لها أن تتراجع بعد سنة أو سنتين أو ثلاث من السنين بينما أعداد الزائرين في زيادة ، وفوق ذلك كله فإن هذه الزيارة محفوفة بالأخطار في الوقت الحاضر إلى حدّ الموت والتصفيات الجماعية التى لا ترحم ، والتهديد بذلك معلن بكل صراحة ومن جهة تتمتع بالقّوة وتتصف بالبطش وعدم التفريق بين مذنب وبرئ .
لو فتشت كثيراً لما وجدت سبباً لهذا التدفق الهائل إلاّ عشق الحسين على طريقة القائل يوم كربلاء عابس الشاكري : ” حب الحسين أجنني ” والعاشقون للحسين عليه السلام واعون أن عشقهم الأول لله سبحانه ومن عشق الله يعشقون حبيب الله وعبده الصادق في عبوديته له ، وشهادته من أجله .
والحسين عليه السلام كلّه جاذبية إيمانية ورسالية وإنسانية وعلمية وأخلاقية وتضحوية .. وماذا من جمال لإنسان بعد جمال العصمة والاخلاص والانصراف إلى الله ؟! وهل أكثر وأكبر من هذا الجمال لرجل في النّاس ؟! وراء عشق الملايين لثورة كربلاء ومفجّرها الحسين أنها جسدت المعاني الكبيرة التى تعشقها الفطرة في صورة حسية بقيت مشهودة للأجيال . ووراء كل ما للحسين عليه السلام ولكربلاء الثورة ، ولعشق الملايين ومخاطرتها وتحدّيها للتهديد الجدّي بالتصفيات الجماعية الواسعة عناية الله تبارك وتعالى بقضية دينه وبقائه وانقاذ عباده من الظلمات .
وماذا يعني هذا التجمع الفريد للإسلام ؟
مما يعنيه له :
1- أن الانضواء تحت راية الإمام الحسين عليه السلام انضواء تحت راية الإسلام ، فهذه الجماهير الغفيرة وهي ترفع الراية الحسينية إنما ترفع بذلك راية الإسلام ، وتعلن التضحية من أجله ، وفي ذلك تربية رشيدة ناجحة لها .
2- المشي من مسافات طويلة ، والبذلُ السخي في إحياء الأربعين ، والزيارة ، والتجمّع الضخم من أجل القضية … قضية كربلاء : هدفها وقيمها ، وأخلاقيتها ، وتجميدِ الشهادة الصدق في سبيل الله التي غنيت بها يعطي التفافاً شديداً بذلك ، ويرفع من حرارة الإيمان والانتماء لهذا الزّاد الكريم المتميز ، وروحاً من الثورية تنقذ النفس من استسلامها للواقع السيء . وهذا ما يكسب الاسلام رصيداً كبيراً من الأنصار وإعدادهم لتحمل مسؤوليتهم في الدفاع عنه والدعوة إليه .
3- هذا التجمّع الضَّخم بما يكشف عن شدّة الشوق والفدائية والإيمان بالإمام الحسين عليه السلام لا أقل من يلقي على مفكري العالم المُشاهِد وفيهم مفكرون محايدون السؤال عن حقيقة ثورة كربلاء وحقيقة الإمام الذي خطط لها وفجرها وقادها حتى الشهادة ولماذا نال كل هذا العشق وهذا الاهتمام من الملايين وبعد قرون من هذه الثورة وشهادة الإمام ؟ وهو سؤال يدفع أصحاب الفكر ممن يبحثون عن الحقيقة للبحث للوصول للإجابة الموضوعية عليه . وهذا يفتح الباب الواسع للتعرف على الحسين عليه السلام ، وعلى الإسلام الذي أعطى للحسين عليه السلام عظمته ولثورته عظمتها ، ومن ثمّ يفتح باباً لهؤلاء الباحثين بإلانتماء للإسلام.
4- من لا يعرف قيمة انتمائه للحسين عليه السلام من محبّيه في نفوس الآخرين من المنتمين إليه سيوقفه هذا التفاني و التضحية عند الجماهير العريضة على القيمة العالية لهذا الإنتماء مما يدفع بثقته كثيراً إلى الأمام ويزيده وعيّاً وانشداداً إليه وحرارة على طريقه .
5- هذا التجمع مدرسة حية و مربية وتأثيرها فائق في وضع الجيل الجديد على طريق الولاء الجدّي لمدرسة الإمام عليه السلام .
المسؤولية أمام هذا العطاء الكبير : لهذه المناسبة لمّا تحُيَى الإحياء المناسب لشأن كربلاء الثورة وإمامها العظيم ، الإحياء الذي يرضاه الإسلام ولا يتخطّى أحكام شريعته تكون لها العطاءات الضخمة الكريمة المباركة . وضبط طريقة الإحياء والأخلاقية الممارسة فيها وما يُلقى في مجالس التعزية فيها ، وما عليه مواكبها ، كل ذلك مما يدخل في دائرة المسؤولية لكل المشاركين في الإحياء والقائمين عليه والموجّهين له .
ومن مسؤولية المؤمنين عموماً ، والمشاركين في الإحياء:
1- المشاركة من المؤمنين من كل البلدان في حضور الزيارة وأنشطة الإحياء حسب الاستطاعة وبالقدر الذي يكون للحضور القدرة على إثارة الانتباه للعالم . وكفى بالمؤمنين شوقا إلى زيارة أبي عبدالله عليه السلام عن هذه التوصيّة .
2- الانتظام طبقا للتعاليم الصادرة من الأجهزة المخصَّصه لهذه الوظيفة .
3- التحلي بروح التقوى من المشاركين التى تعطي الصورةاللائقة للإحياء ، والبعيدة عن التلوثات .
4- التعاون مع الآخرين من المشاركين في حلّ أي مشكلة معترضة والتخفيف عنهم .
5- الاتصاف بالأخلاقية العالية على مستوى الكلمة والموقف مما يعزّز جو الإخاء الإيماني والمودّة .
6- الالتزام بتوجيهات المرجعيات الدينية المأمونة ، والإبتعاد عن كل ما يخالف الحكم الشرعي أو فيه شبهة من وسائل التعبير عن التأثر بالمأساة وتقدير الثورة .
7- ألَّا يسكت قادر في أي موقع من المواقع عن منكر يستطيع إنكاره بالطريقة الشرعيّة مما لا يؤدي إلى إثارة الفتن ، ويشترك في ذلك الحاضر في كربلاء وغير الحاضر ، والقريب والبعيد حفاظا على الشريعة الإلهية من أن يدخلها ما هو من الاجتهادات المحضة للبشر ، وعلى الإحياء عن أن يلحق به من التصرفات الشاذّة ما يشينه .
هذا والأمة الإسلامية كلّها مسؤولة عن احترام الإمام الحسين عليه السلام وثورته وأربعينيته فالحسين عليه السلام للأمة كلها ، وإمام حق من أئمتها .
والحمد لله ربّ العالمين .
عيسى أحمد قاسم
18 صفر 1437 هـ
الثلاثاء 1 ديسمبر 2015