خطبة الجمعة (85) 10 رمضان 1423هـ – 15-11-2002م
مواضيع الخطبة:
ثقافة (التشكيك-التخدير-الإيقاظ ) – وطن الجميع – حرام أن نقتل الحسين – أحكام ذمة سخيفة
ولنسأل أنفسنا صراعاتنا بين الحسينيات، وفي الحسينية الواحدة… بين المواكب، وفي الموكب الواحد صراع للذات… للدنيا… للشهرة… لشهوة الرئاسة… لصنم القبيلة والحزب، أو للحسين… للآخرة… لله العظيم. والله خير رقيب.
الخطبة الأولى
الحمد لله المستغني بذاته عن كلِّ شيء، والمفتقرِ إليه كلُّ شيء، الذي لا يقهره شيء، وهو القاهر لكلّ شيء، محوِّلُ الأحوال، ولا يعرضه حال، ولا يأتي عليه زوال.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم تسليما كثيرا.
عباد الله اتقوا الله، وكونوا أرغبَ ما ترغبون في مثوبته، وأرهبَ ما ترهبون من عقوبته، وإن تشكروا أحداً فليكن شكركم لله قبله، وإن تذكروا نعمة فابتداء النعم من الله، وكل خير راجع إلى فضله، وكل شرٍّ لا دافع له من دونه.
اللهم صلّ وسلم على محمد وآل محمد، وحل بيننا وبين من يؤذينا، واصرف عنا كيد الشيطان الرجيم، ولا تطفىء نور هدايتك في قلوبنا، وزدنا من معرفتك ما يروّي ظمأنا يا رحيم يا كريم.
أما بعد فإن من الثقافات المعاشة في حياة المجتمعات هذه الأنواع الثلاثة :-
1- ثقافة التشكيك:-
ومصدرها عقول فلسفية قلقة خسر أصحابها بسبب أوساط خارجية معينة، وصدمات نفسية خاصة، ولون من المطالعات فوق المستوى مبكرة طُمأنينة الفطرة، ووثوق الوجدان، ووضوح ركائز العقل البديهي النظري والعملي معاً؛ مما جعل قاعدة التلقي العلمي المطمئن، وأرضية الإيمان مهتزة دائما في داخل هذه النفوس.
وينضم إلى هذه الفئة من الفلاسفة مغرضون تستخدمهم سياسة محلية في أي مكان، أو عالمية في وقت الحاجة لمواجهة الحقيقة بالتشكيك، ولإسقاط الفكر العقيدي الذي يهدد المصالح السياسية في أي ساحة من الساحات.
ويقع أصحاب القراءات المكثفة المبكرة لهؤلاء المشككين في دائرة التشكيك نفسها، ويكونُ صلب ثقافتهم أفكاراً تشكيكية خالية من الرؤية الكونية الأساس، والتأصيل الفكري لما يطرحون.
2- ثقافة التخدير:-
ومصدرها الرئيس الساسة الانتهازيون، والماديون النفعيون، وإذا كانت الثقافة من النوع الأول تثير أمّهات المسائل في الوجود والحياة لتواجهها دائما بالتشكيك لا غير، وتتعمد تخريب المنهج العلمي الذي قد ينطلق في الكثير من المسائل من الشك إلى اليقين، لكنه لا يفقد يقينيات ثابتة بمقتضى الوجدان الفطري تعينه على الوصول إلى معارفه الفوقية، والتي لولاها لأصيب فكر الإنسان بالدُّوار من غير أن يخطو خطوة واحدة على درب المعرفة، ومن دون أن يفرق بين خطأ وصواب، وحق وباطل، وضار ونافع. إذا كانت تلك الثقافة – وهي ثقافة التشكيك – تثير المسائل الكبرى وقضايا المبدأ والمصير والحياة والموت والإنسان لتركّز قلق الشك، وتنسف أسس اليقين، فالثقافة التخديرية تهرب بالإنسان عن ذاته ومبدئه ومصيره ومسؤوليته وهدفه وقيمه ليتحول آلة إنتاج واستهلاك بيد المستكبرين، وأداة تنفيذ طيّعة لأغراض السياسة الغاشمة.
والسياسة العالمية الاستكبارية، والسياسة المحلية في كل بلدان العالم تقريباً تنشط على يدها الثقافتان من النوع الأول والثاني، في كل العالم، وفي البلاد الإسلامية بالخصوص في زمننا الراهن لأهمية هذه البلاد وتأهلها الحضاري لدحر حضارة المادة وتخليص العالم من شرورها.
والثقافة التشكيكية من أجل استدراج أصحاب القابليات العقلية للانحياز إلى جبهة الكفر ومعاداة الأمة، والثقافة التخديرية من أجل السيطرة على كل الفئات وبخاصة الفئات الجماهيرية العامة.
3- ثقافة الإيقاظ:
وهي الثقافة الإسلامية؛ ثقافة القرآن والسُّنة، والتي جاءت لتحرير الإنسان، وإطلاق عقله وقلبه وروحه في اتجاه الحق والحقيقة، ومن أجل أن يكتشف ذاته والآخرين، ويتعرف على قيمته وقيمة الآخرين، والأشياء من حوله، ويرى الكامل كاملاً، والناقص ناقصاً، ولا يختلط عنده ما هو بالذات وما هو بالغير، ولا يشتبه عنده خالق بمخلوق، ورازق بمرزوق، فلا يُخدع عن نفسه، ولا يغرَّرَ به، ويُتّخذ مطية لذوي الأغراض الدنيئة.
هذه الثقافة؛ كلُّ شيء فيها لإثارة التفكير، التدبر، التعقل، لتنبيه الفطرة، وحيوية الضمير، ولأن تتفتح الروح، وينشط العقل، ويفقه القلب. كل شيء فيها من أجل العلم والمعرفة والبصيرة. والآيات التي نجد فيها مشتقات لمادة من نوع فَكَرَ، وعَقِل وبَصَر، قد تصل إلى المئات وهي تحفز على هذه المعاني، وتستثير في النفس أسبابها، وتدفع على طريقها، ومع ذلك سيل كبير من الأحاديث يضع الإنسان على هذا الخط.
ولنقرأ من قوله تعالى في هذا المجال ما يأتي “…فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (176) / الأعراف.
القصة التي تتخذ عند الثقافة الدنيوية مصيدة للشيطان، ولتستهوي نفوسا للباطل، وتخدر أعصاب الناس، وتهرب بهم من ساحة الحياة الجدية إلى ساحة اللهو والعبث؛ هذه القصة في القرآن من أجل التفكر، من أجل التدبر، من أجل أن تعي ذاتك، من أجل أن تكتشف ذاتك، من أجل أن تسجد لله وحده، ولأن ترفع أنفك وترفع جبينك معتزا بالله عز وجل أمام كل طاغوت.
يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219)/ يوسف البقرة.
إذا كان القرآن يطرح بعض القضايا التكوينية، ويطرح بعض العلاقات التكوينية بين شيء من الأسباب وشيء من النتائج فإنه يتيح للفكر أن يحاول الوصول إلى دقة هذه العلاقة وإلى واقع هذه العلاقة، القرآن الكريم يتحدث لك عن نفسك ويتحدث لك عن الكون، ويتحدث لك عن آيات القرآن، ويتحدث لك عن التاريخ، ويتحدث لك عن الواقع، ويتحدث لك عن الأنبياء، ويتحدث لك عن الطغاة، لا ليجمد فيك فكرك، إنما لينطلق بك على مسار الفكر الصاعد المنفتح لتتعرف على الحقيقة… ليأخذ بك إلى واقع الأمور من أجل أن تبني حياتك دائما على بصيرة.
الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) / آل عمران.
تحرك الآية الكريمة السماوات والأرض وكل شيء فيهما… تحرك الجماد على مسار الفكر الإنساني، على مسار التدبر. تعطي تدبرا، تعطي تفكرا، وتعطيك أن تغوص بفكرك في أغوار الكون، أن تتوقف عند كل صغيرة وكبيرة من هذا الكون العريض، لتتحدث مع الأشياء، ولتتحدث لك الأشياء، فإن كل شيء في هذا الكون لله عز وجل فيه آيات وآيات، وإنك تستطيع أن تتعرف على الحقيقة وأن تنجو من خداع الإعلام ومن تضليل الطغاة في الأرض حينما تقف بفكرك متأملا متدبرا متفكرا أمام هذه الأشياء التي تراها في الظاهر جمادات وهي في تمور بالحركة وهي تسبح من خلال الإبداع الإلهي لله عز وجل وتحمده. إنها فيوضات إلهية، إنها تقوم بالحكمة بالقدرة بالعلم باللطف ومن ذلك تستطيع أن تتعرف على عمق، على صدق، على شمولية لا إله إلا الله وحده لا شريك له.
والإنسان لا يستطيع أن يبني معرفة ولا علما من فراغ، ولا يمكن أن يحصل له يقين أبدا إذا لم تكن له معرفة نوعية أساس، وقضايا يقينية نابعة من فطرته ووجدانه كما هو حال هذا الإيمان الراسخ في كل نفس متنبهة من عدم إمكان اجتماع النقيضين وارتفاعهما، وحاجة الممكن إلى الواجب.
وكما تحمل النفس البشرية بفطرتها يقينيات تمثل منطلق المعرفة، كذلك تحمل روح الإنسان أشواقا كمالية تضعه على طريق الله وتدعوه إلى الإنشداد إليه.
في روحك انجذاب للجمال، في روحك انعطاف على الجمال، في كيانك طلب فطري للكمال، وهذا الانجذاب للجمال لا يغذيه إلا السير على طريق الله.
ولما كانت النفس البشرية محمَّلة بأسس الثقافة الإسلامية المتجهة إلى الحق والحقيقة كان من صالح هذه الثقافة – لا أن تستغفل الإنسان، لا أن تقتل قابلياته، لا أن تهرب به من حالة التفكير، وحالة التدبر بما يطيقه من تفكير ومن تدبر في كل المساحات التي يملك فيها أن يتفكر ويتدبر لينتج الجديد النافع بل أن توقظ النفس دائما وتطلق منها قوى الإدراك الصحيح، ومشاعرَ الكمال والرفعة والسمو. وكل البشرية محتاجة إلى الثقافة الإسلامية لتكتشف ذاتها وجمالها وقدرها وهدفها ودورها وتصبر على درب النمو والكمال، وإلا فستبقى جاهلة عاجزة.
وتغييب الثقافة الإسلامية تغييب لإنسانية الإنسان، ولقيم الخير والعدل والجمال، ومصادرة ٌ لرحلة هذا الكائن للكمال.
اللهم صل على محمد وآل محمد واجعلنا واخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين من أهل العقل والفهم، والفكر والشكر، وزدنا في بصيرة الدين والدنيا، وعن ديننا لا تفتنا، ومن قربك لا تحرمنا واغفر لنا جميعا ولوالدينا وأرحامنا ولكل مؤمن ومؤمنة ومسلم ومسلمة ممن كان له حق خاص علينا يا أرحم الراحمين، ويا أكرم الأكرمين.
بسم الله الرحمن الرحيم
قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ، لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ، وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ، وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ، وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ، لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ.
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي أنزل على أمة الإسلام كتاباً هادياً، وبعث فيهم رسولاً خاتماً، وأقام لهم أئمة هادين، جعلهم ورثة الأنبياء، وحملة علم الكتاب.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، قدّر لكل شيء قدراً، وأحاط بكل شيء علماً، وأحصى كل شيء عددا، وشمل الأشياء كلها حكماً وعدلاً، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله أرسله بالرسالة النوراء، والدين الكامل، والشريعة السمحاء صلًّى الله عليه وآله وبارك عليهم كثيراً.
عباد الله أوصيكم ونفسي الأمّارة بالسوء بتقوى الله، واللجأ إليه، والتوكل عليه، وطلب مرضاته؛ فلا خير في ما أدَّى إلى غضبه، ولا شرّ في ما أعقب رضاه، ولا هدىً إلا هداه، ولا فوز إلا لمن والاه. وهو الإله الحقُّ، والربُّ الذي لا ربّ سواه، كلّ شيء هالكٌ إلّا وجهَه، وكلُّ العرى منفصمة إلا عروةَ ولائه، وكلُّ الأسباب متقطعة إلا سببَ لطفه ورحمته.
اللهم اجعل طاعتنا لك، ورجاءنا فيك، وتوسلنا إليك، وطلبنا مرضاتك، اللهم صلّ وسلّم على عبدك المصطفى محمد وآله الشرفاء. اللهم صلّ وسلّم على إمام المتقين علي أمير المؤمنين. اللهم صلّ وسلّم على الهادية المهدية فاطمة الزهراء الزكية. اللهم صلّ وسلّم على السبطين التقيين، والإمامين الرشيدين، الحسن بن علي وأخيه الحسين. اللهم صلّ وسلّم على النجباء السعداء، والصالحين الأولياء علي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري الأئمة النجباء.
اللهم صلّ وسلّم على إمام العصر والموعود بالنصر، عدوّ المستكبرين، وعزّ المؤمنين، وليّك الزكي محمد بن الحسن المهدي.
اللهم عجّل فرجه، وسهّل مخرجه، وانصره نصراً عزيزاً، وافتح له فتحاً مبيناً، وأنِر به الأرض، واكشف به الكرب يا عزيز يا حميد.
اللهم عبدك الموالي له، المجاهد على طريقه، الممهد لدولته، والفقهاء الصالحين، والعلماء العاملين، والمضحين المجاهدين من أنصار دينك القويم أيدهم، وسدِّدهم، وانصرهم، وذُد عنهم، واجعلهم في درعك الحصينة التي تجعل فيها من تريد يا عزيز يا مجيد.
أيّها المؤمنون والمؤمنات هذه بعض قضايا يتناولها هذا الحديث:
القضية الأولى: وطن للجميع:-
1. نريد البحرين وطناً للجميع، ووطنُ الجميع خيره للجميع، ومسؤولية أمنه وتقدمه على الجميع. ونحن نلتزم بالأمر الثاني، ونطالب جادين ودائماً ولن نفتر بالأمر الأول. فيجب أن يكون الوطن للجميع، وحين تكون ساعة مكروه -لا سمح الله- فإن المكروه سيعم الجميع، وإذا كانت ساعة سعة، وساعة رخاء فلا بد أن تكون هذه الساعة يجد منها كل مواطن حظه، ويؤمن من خلال القسمة العادلة بأن الوطن وطنه، وبأن عليه أن يعمل كادحا من أجل هذا الوطن.
2. من تنقّل في البحرين وجد أكثر من بحرين، بأكثر من مستوى: الشوارع والتشجير، والرعاية الصحية، والنظافة والتخطيط لمناطق – والإهمال في كل هذه الجوانب لمناطق أخرى، حتى تمر عشرات السنين ووضع الشوارع السيئة، والطرقات المزعجة، ووضع كل شيء مما كان على ما هو عليه لا يمسه التغيير.
3. يسوء جدَّاً أن تكون التفرقة الطائفية وجهاً بارزاً في كل تركيبة. تلقى هذا الوجه في تركيبة الحكومة، وفي كل تركيبة من الأجهزة الوزارية والإدارية، وتلقاه في الخطط الصحية والاجتماعية والإسكانية والتعليمية وغيرها. والوطن الذي يريد أن يحضر محنته الجميع، وبروح مخلصة، وبروح فدائية مقدامة لا بد أن يعرف أبناءه في حال السعة والرخاء، ولا بد أن يقول لهذا الإبن من أبناء الوطن ومن ناحية عملية وعلى الأرض أنك أخ لبقية أبناء الوطن وأنت معهم على قدم واحد من المساواة.
4. فإلى كل مسؤول وإلى كل مواطن: دعونا نضع وطننا على سكة الأمان، بعيداً عن كل الهزات، والأمان يشمل الأنفس والأعراض والأموال، ويشمل بكل تأكيد وقوة شأن الدنيا، وشأن الآخرة… ولن يجد وطن نفسه على هذه السكة بعيداً عن العدل والحكمة وقيم السماء.
القضية الثانية: حرام أن نقتل الحسين (ع):
1. لا خلفية موضوعية عندي حول ما حدث في الأسبوع المنصرم لبعض المؤمنين من مواجهة دامية بشأن حسينية من الحسينيات، فكلامي لا ينصب على الحادثة في نفسها، وإن كان الحادث دافعاً للكلام.
أيها الأخوة والأخوات في الله:
2. قتلُنا للحسين عليه السلام باسمه حرام ومن أكبر الجرائم، وهل أكبر من هذا جريمة؟! يزيد قتل الإمام الحسين عليه السلام جسدا، وانطلق الحسين عليه السلام في يوم مصرعه كما هو واقعه، إنسانا لا يقتل، وروحا لا يطفأ نورها، وهدى لا يخبو، ومدرسة تقدم للأجيال الدرس والعبرة والحكمة والرؤية وروح الجهاد، أما نحن فمحاولتنا تلتقي مع أخبث ما في محاولة يزيد، لأن أخبث ما في محاولة يزيد هو ليس أن يقتل الحسين عليه السلام جسدا، إنما ليقتله شخصية إلهية نورانية تضيء درب الإنسان، وما نفعله نحن من خلال صراعاتنا التافهة وخلافاتنا في الحسينية والموكب يستهدف أخبث ما في خطة يزيد التفتنا أم لم نلتفت فإنه يحطم قضية الحسين عليه السلام، ويلغي تأثيرها الإيجابي، ويعطي لها وجها مشوها يسيء إلى الثورة، ويسيء إلى الثائر العظيم. وهذه الخلافات والصراعات تصفية معنوية لقضية الحسين عليه السلام ومصادرة لعطاءاتها الكبيرة، وكل ما يقدمه المنبر والاحتفال والمشاركة في إحياء ذكرى كربلاء من دروس وأفكار نيرة، ومشاعر طاهرة نبيلة تنسفها هذه الممارسات المتخلفة، والصراعات الصغيرة وتنعكس تشويها خطيرا للواقع والتاريخ.
3. ولنسأل أنفسنا صراعاتنا بين الحسينيات، وفي الحسينية الواحدة… بين المواكب، وفي الموكب الواحد صراع للذات… للدنيا… للشهرة… لشهوة الرئاسة… لصنم القبيلة والحزب، أو للحسين… للآخرة… لله العظيم. والله خير رقيب. سيأتي الكثير منا الإمام الحسين عليه السلام يوم القيامة عدوا. فقد يخدم أحدنا في الحسينية، ويكون قد أنفق من أمواله الكثير، وأعطى من وقته وجهده ما يضني من أجل الحسينية في الظاهر، ولكن حين يكون كل هذا عبادة لذاته، وحين يكون كل هذا من أجل قبيلته، ومن أجل العناوين الدنيوية وإن كان ذلك على حساب قضية الإمام الحسين عليه السلام فسيلقى الحسين عليه السلام عدوا، ولن يرضى الإمام الحسين عليه السلام بمقابلته.
4. اختاروا أيها المؤمنون لإدارة شؤون الحسينية الأقرب للحسين فكراً وشعوراً، وسلوكاً وعلاقات… وقصداً وهدفاً…. ادرسوا شخصيات الناس، وإذا وجدتم الشخصية التي تحمل حظا أكبر من شخصية الإمام الحسين عليه السلام فقلدوه مسؤولية خدمة الحسين والحسينية، أما الذين تشهد شخصياتهم بأنهم ليسوا على خط الإمام الحسين عليه السلام فطهروا منهم مواقع الإدارة في الحسينيات. ولا بد من التأكيد على أن التصرف في أوقاف الحسينيات متوقف على ولاية معتبرة شرعاً. ومجرد الانتخابات لا تؤهل الشخص لأن يتصرف في أوقاف أي حسينية ما لم تكن هذه الانتخابات مؤدية إلى ثبوت ولاية شرعية.
القضية الثالثة: أحكام ذمة من النوع السخيف:-
هناك ما يسمى في الفقه بأحكام الذمة، وترتبط بعضوية اليهودي والنصراني وأهل الكتاب في المجتمع المسلم، فهناك شروط لعيشهم في المجتمع المسلم وقبولهم أعضاء في هذا المجتمع، وتلك أحكام تحمل حكمة الله، ورأفة الله، وتقدير الله عز وجل لهذا الإنسان، وتربية الله. وأنا أتحدث الآن عن أحكام ذمة من النوع السخيف، وليس من النوع النظيف.
في جريدة الوسط – عددها الثاني والستين ليوم الخميس، الثاني من شهر رمضان المبارك تقرأ “يجب على المهاجرين الراغبين في اكتساب الجنسيّة البريطانية أن يلتحقوا بمقررات دراسية عن حياة الأسرة الحديثة ويتلقوا تدريساً عن التسامح مع المجموعات الأثنيّة، والأزواج غير الشرعيين، وحالات الشذوذ الجنسي أيضاً “، وهذا من أجل أن تحترم الأزواج غير الشرعيين وأصحاب الشذوذ الجنسي، وتراعي مشاعرهم الطاهرة. وفي فقرة أخرى “يمنحون – المهاجرون الراغبون في اكتساب الجنسية – جرعة عن المجتمع البريطاني تتضمن المجموعات الإثنيّة والدينية المختلفة”، وتقرأ “ومن الوارد أن يتم إبلاغ طالبي اللجوء بأن الأولاد والبنات في بريطانيا متعلمون…. وأن حالات الأمهات غير المتزوجات –أمهات غير متزوجات، يعني زانيات-، والأزواج غير القانونيين، والشذوذِ الجنسي محمية من الإدانة”، كما تقرأ “وتقع على عاتق المهاجرين أيضاً أن يظهروا أنهم يفهمون الإنجليزية بما فيه الكفاية ليلتحقوا بأعمال غير ماهرة، وأن يدرسوا القانون الذي يجب أن يطيعوه…”
هكذا يحترمون باطلهم ويفرضون احترامه على الآخرين، أما نحن فأخلاقيات ديننا الكريم وهي أرفع الأخلاقيات، وأحكامه القويمة فمستباحة منا ومن الآخرين في ديارنا. لو ارتكب الأمريكي أو الانجليزي أو الفرنسي جريمة في حق فتاة إسلامية فلست تستطيع أن تنال حقك من هذا الأجنبي، وفي إيران أيام الشاه تحدث خطيب عن هذه الحادثة أن الجنود الأجانب هناك اختطفوا فتاة مسلمة في الشارع فصارت تصرخ وتستغيث يا للمسلمين، أما الشرطة فوقفوا مكتوفي الأيدي، لأن القانون يمنع عليهم أن يتعرضوا لأجنبي في جنايته وجريمته في بلاد الإسلام وفي حق شرف المسلمين، وخلّص الفتاة جمهور من الناس تنبهت فيهم الغيرة الإسلامية.
نعم إنهم يحمون أوضاعهم الاجتماعية التي ارتضوها على دناءتها، وبابُنا مفتوح للهجوم الشرس على البنية العقيدية والاجتماعية، والأخلاقية، والحضارية التي صاغتها تربية السماء، وللعبثِ بها في بلاد الإسلام ممن يكفر به من خارج هذه البلاد وبكل حرية.
عليك وأنت مسلم إذا أردت أن تعيش في المجتمع البريطاني أن تعرف المجتمع البريطاني وتتأقلم معه بما فيه من زنا وشذوذ جنسي وأن تتلقى جرعة كافية عن ذلك المجتمعِ عقلياً ونفسيّاً وسلوكياً. هناك جرعة على مستوى العقل والنفس والسلوك، جرعة من تكوين هذا المجتمع الذي يعترف بزواج الرجل بالرجل، وربما المرأة بالمرأة، ويبيح الزنا ويعترف بالبهيمية الحيوانية المنفلتة؛ لا بد منها للمتجنس وطالب اللجوء.
عليك أن تذوب في ذلك المجتمع… أن تفقد ضميرك وإيحاءاتِ تربيتك، وخصائص شخصيتك الإسلامية لتتأهل للمعيشة هناك. وهل يطلب من البريطاني أن يوافق بينه وبين أوضاع الحياة المعنوية عندنا في الوطن الإسلامي؟ لا، وإنما المطلوب بالعكس، فعلينا أن نصوغ أوضاعنا بما يرتاح له الآخرون. وعليك لتحلم بعمل غير ماهر، وبحرفة حقيرة هناك أن تبرهن على فهم الإنجليزية بما فيه الكفاية… وليكن الأمر مقبولاً إلى هذا الحد، ولكن عليك – وواعجباه – أن تفعل الشيء نفسه في بلدك ليقبلك البريطاني والأمريكي والهندي في أوضع حرفة في بلدك، وليس على أحد من هؤلاء أن ينطق كلمة عربية واحدة.
أخيرا إنك عندما تمعن في ما نقلته الوسط تجد أن الالتحاق بالمجتمع البريطاني، ولو على مستوى اللجوء السياسي مربوط بشروط ذمة ولكن من النوع السخيف الذي يحمي الوضعية غير الأخلاقية، ويقدِّم جرعة منها للاجئين فضلا عن المجنسين حتى لا يؤثروا بفضيلتهم على أجواء العهر والعري والشذوذ.
اللهم صلّ وسلّم على محمد وآل محمد، واكفنا وإخواننا المؤمنين والمؤمنات شرار خلقك، واحمنا بحمايتك، ولا تفرِّق بيننا وبين ولايتك، واجعلنا في أمنك دينا ودنيا، يا قوي يا عزيز. اللهم اغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وأرحامنا وجيراننا ولكل ذي حق خاص علينا منهم يا كريم يا رحيم.
(إنّ الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون)