كلمة سماحة آية الله قاسم في تأبين الشيخ باقر العصفور
قامت مؤسسات المنامة الأهلية احتفالا اليوم الاربعاء جماهيريا بمناسبة مرور ثلاثين عام على رحيل الفقيه العلامة الشيخ باقر العصفور , بحضور نخبة كبيرة من كبار علماء البحرين في مسجد مؤمن بالمنامة.
الاحتفال احتوى -بعد التلاوة العطرة – على كلمة لأية الله الشيخ عيسى احمد قاسم تكلم فيها عن مناقب العلامة الراحل ومن ثم تطرق لاهمية العلم وطلبة العلوم في المجتمع.
نص كلمة الشيخ:
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الغوي الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، الصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين والطاهرين واللعن على أعدائهم إلى قيام يوم الدين.
لا يستطيع المرء أن يكبر في كلمته على معرفته، ولذلك فإني لا أستطيع أن أفي الشيخ المرحوم حقه لقلة معرفتي به، ما كنت على مقربة من شخصيته الكريمة لفارق السن والمستوى، وعدم اعتيادي التمازج فيما كان بين الشباب والعلماء، وللبعد النسبي للمكان، حسب ما كانت عليه طبيعة المواصلات بالأمس.
ما كنت التقيته أولا على مستوى الفقه وأنا شاب لم تكن لي معرفة بالفقه هو “كتاب السداد”، ثم التقيت كتاب “أحسن الحديث” للمرحوم الشيخ باقر العصفور، كنت أنس له، ولم أيخل المرء أن أخل به خارج القرية قبل الغروب عند عين أم السجور، ومن هناك تبينت لي أهمية الفقه في الحياة، وكنت أحاول أن أسبح بنفسي في جو لم يكن الوصول إلى العلماء ميسورا، لتفهم بعض الأحكام، دع هذا. ثم كان لي سؤال مكتوب إلى سماحة الشيخ رحمه الله في مسألة فقهية تلقيت جواب المسألة منه بالمراسلة فيما أتذكره.
وبعض أن كان التحاق بكلية الفقه بالنجف الأشرف، وفي عودة للبحرين أثناء الدراسة فيما أستقرب زرت الشيخ، وجدته رجلا وقورا متواضعا، من تواضعه أنه كان يتنزل بمستواه أمام شاب صغير، لكون الدراسة الحديثة تتوفر على علوم لم تتوفر عليها الدراسة في القديم، كان يدفع إلى العلم، ويعطي الثقة لمخاطبه من أجل الإصرار على الوصول إلى شيء، كان هذا هو اللقاء الذي رسم في نفسي معالم عن شخصية الرجل.
ثم أنت مضطرا مما تقرأ و تسمع عن سماحة الشيخ بأن تقتنع بأن له شجاعة تذكر في الأمر بالمعروف والنهي عن المكر، مواجهة الظواهر الشاذة الخارجة عن خط الشريعة في هذا المجتمع، كان صوتا عاليا في أكثر من محطة في هذا الاتجاه. ويحصل لك الاطمئنان التام، بأنه كان محورا رئيسا من محاور حفظ الوضع الديني العام في البلد، والدفع به إلى الأمام، وكان واحد من كبار الناس هنا، من كبار العلماء هنا في رعاية الدين والمذهب.
أما مستواه العلمي فقد ترك لأهل الاختصاص أن يتعرفوا عليه من خلال ما خلف من كتب ومقالات في المجالات التي تحدث أو كتب فيها. نحن نتحدث عن أوزان بعضنا البعض، وميزاننا في التقييم غير منضبط؛ لأننا بشر، نزن فتختلف أوزاننا في شخص الواحد بخلاف أفكارنا، دقة الدقة فينا، لقربنا وبعدنا، مقدار ما نحن عليه من حب لهذا أو ذاك، ويبقى الإنسان دائما في الوزن، وكثيرا ما يبخس الناس في الوزن المادي، أما في الوزن المعنوي فهو وأن حاول أن يخلص إلا أنه في الأكثر يقع في الخطأ، أما الوزن الحق فهو عند الله تبارك وتعالى، ثم أن وزن بعضنا لبعض لن يجدي يوم القيامة شيئا،قد يكشف عن حسن ظاهر، ويؤدي وزننا هنا إذا كان يطلب الحق شهادة للشخص، ولكن ما ينجني وينجك إنما هو الوزن الراجح عند الله تبارك وتعالى.
فإذا وزنا أحدنا بعد موت، فإنما يأتي هذا الوزن إذا كان يميل إلى الترجيح للعظة، والعبرة والاقتداء، ولو كانت شهادات البشر كافيه، لكان الملوك والرؤساء وعظماء المال، هم الأرجح يوم القيامة، لأن أولئك كثيرا ما يملكون من خلال المال، ومن خلال القوة أن يتوفر على شهادات الكثيرين بالعظمة وحتى بالتقوى إذا احتاجوا إلى مثل هذه الشهادة، وأن كانوا من غير أهلها.
برغم ذلك أن شخصا تودعه الحياة، والدنيا ممتلئة خلفه بشهادة الزكاة له، وهناك من تودعه الحياة ولعنات الأحياء تلاحقه، ولا شك أن الذوق الإيماني، والمصبار الإيماني، والفكر الإيماني، والروح الإيمانية، في أدائها للشهادة للزكاة لشخص، تعطي انعكاسا عما هي تلك الشخصية.
أسمحوا لي أن لا أغرق في المدح، وأن يكون كلامي على قدر معرفتي؛ لأن هذا هو ما يجب أن نتعلمه من الإسلام. وعلى صاحب المعرفة أن ينطق بما عرف، فإذا كانت له معرفة عريضة بالشخصية يجب إظهار شأن الشخصية، وأتذكر عن كلمة قرأتها من بعيد، لعلامة الحجة الفقه شيخنا الشيخ حسين رحمه الله وأجزل ثوابه: أن من علم بشهادة مؤمن -على الأقل- كان ينبغي له أن يذكر عدالته، وفي هذا مصالح المؤمنين.
سأتحدث قليلا تحت عنوان “الإسلام والعلماء والأمة”
نأتي للإسلام نجده أعظم دين، وهو بمستواه لا يرقى إليه مستوى أي مبدأ من المبادئ، فالإسلام في نفسه وهو من الله لا ثلمة فيه، ولا يمكن أن يلحقه عيب إلا إذا ألحقت به عنديات الإنسان القاصر وهواه الذي يشط به كثيرا عن الصراط. أما الدين وهو من عند الله فيبقى معصوما في كل جزئية من جزئياته، وعلى أي مستوى من المستويات، هذا هو الدين. الإسلام لا يلحقه لاحق، ويمكن أن يجارى، هذا هو الإسلام في نفسه، أما الإسلام في الواقع العملي في حياة الناس، في حركته في الحياة، فيما يبنيه، فيما ينجزه، فيما يصلحه من أوضاع، فهو مربوط بمستوى قادته وعلمائه، إسلام قدوته يزيد هو غير إسلام قدوته الحسين عليه السلام، إمامة يزيد تعطي مستو من الإسلام، إمام الحسين عليه السلام تعطي مستو من الإسلام، وهما مستويا بينهما بعد ما بين السماء والأرض. الإسلام الذي يريد أن يتحدث عنه يزيد وباسمه هو ذلك الإسلام العظيم، أما الإسلام الذي يتحقق على يد يزيد فهم إسلام مشوه، منسوخ، يأخذ وزنه وحجمه من وزن وحجم شخصية يزيد؛ لذلك حرص الإسلام على أن يكون الإمام الذي يتحدث باسمه هو من مستواه، ليرى الناس الإسلام على صورته الحقة. إمام الإسلام في درجته في الأصل هو النبي صلى الله عليه وآله وسلم، هم أئمة أهل البيت عليهم السلام، إمام يساوي القرآن، يرتفع مستواه إلى مستوى القرآن، خطاه على طريق القرآن، ليس شيء من شخصيته على مفارقة ولو بسيطة عن القرآن، هذا هو الإسلام الذي يتهافت عليه الناس وتهوى إليه الأفئدة، ويقوم المنارة في الأرض ليفضح هزل وزيف كل المبادئ الأخرى المضادة، والتي تسقط أمام ما يبنيه من نظام كل أنظمة الأرض من غير حرب. فلو قام النموذج الإسلامي على الأرض ببناء من يدي الحسين عليه السلام أو الإمام القائم عجل الله فرجه، فإن السيف في الغالب لن تحتاج إليه الدولة، إلا لقلوب مرضى لا يرجى لها الشفاء و تمتلك شيء من القدرة على المشاغبة التي تظل الناس.
فمن مستوى الأمام في الأصل، ثم من مستوى الفقهاء، ومن مستوى العلماء يأخذ الإسلام حجمه في الواقع،ويبقى في نفسه ذلك الكبير المحلق الذي لا تمسه يد الشيطان، أما الإسلام المتحرك في الأرض الذي يبني ويهدم، يصلح ويعادي، يحارب ويسالم، فهم إسلام من حجم الوجود العلمائي في كل العصور.
والأمة في دينها هي في الغالب من خلف مستوى علمائها، ولو هانت على العلماء أنفسهم فباعوها رخيصة، هانوا على الناس، النتيجة الثانية بعد هوان العلماء على الناس أن يهون على الناس دينهم، فما أثقل مسؤولية العلماء، وما أصعب موقفهم بين يدي الله، ولقد قالوا خطئت في العالم خطئت العالم، أعذنا الله من أن تهون علينا أنفسنا وديننا.
ولو أسقط العلماء ظلما عن أي طريق ولو كان طريق الإعلام الكاذب الزائف لسقط الدين في عين الناس كذلك، يوم أن تخس سمعة العالم في أوساط المسلمين وتسوء، ويراه الناس من أهل الدنيا -أي من طلابها-ولو ظلما، ولو نظرة خاطئة، فإن هذا يسقط دين الله في النفوس، فبعد سقوط الرمز، وضعف الرمز، وكذب الرمز المرموز إليه وهو الدين، يسيئهم ذلك الكثير في نفوس الناس، وأنتم ترون حرص الكفر وأتباع الكفر على بهز الثقة بالعلماء والفقهاء بقوة عاتية في نفوس أبناء الأمة، والمستهدف أن تسقط الثقة في الدين؛ لأنه يأتي في النفس أن الدين الذي لا يقوَّم دعاته ومبلغيه، ولا يستطيع أن يخلق منهم الشخصية الإنسانية الصامدة أمام الإغراءات وأمام التحديات هو دين كاذب، فكذبي، ضعفي، وهني، بيعي لنفسي وديني بعد أن لبست العمامة، يأتي في نفوس الكثيرين أن الدين بياع نفسه للدنيا، فكم يضرب أحدنا دين الله لاتخاذه شعار الدين ثم خيانته؟
والأمر الآخر هو لا عيش للدين بلا علماء من صنعه فكرا، ونفسا، ورؤية، وهدفا، ومشاعر. أخذت الدين، أخذت الرأسمالية، أو أخذت الشيوعية، أو أخذت البوذية، أو أخذت أي مبدأ، لا يمكن أن يقوم ويستمر على كواهل عامة الناس. ولذلك لضمان الإسلام وبقائه جاء قادته معصومين في حكمة الله تبارك وتعالى، وجاءت الوصية مشددة من رسول الله صلى الله عليه وآله ومن أئمة الهدى صلواته وسلامه عليهم أجمعين على أن تستمسك الأمة بعد الأئمة في غيبتهم بمن هم أقرب إلهم، نموذجية في الإسلام، من هم؟ الفقهاء العدول الورعون الأتقياء الذين يقرب أن يستحيل عليهم في العادة للعقل أن يبيعوا موقفا دينيا واحدا بالدنيا كلها، وليس بحامل أي راية باسم الإسلام، ولا بكل من تسمى باسم الفقيه، وأكبر الفقاهة بلا عدالة ولا تقوى، لا تساوي فلسا في هذا المقام.
ومن الصعب جدا أن تسبق الأمة كل علمائها في وعي الدين والتزامه والتخلق بخلقه. لا بقاء للدين ولأي مبدأ بلا علماء، يذوب الدين، وينتهي المبدأ، وتتبخر الأطروحة، وإذا بقي شيئا من ذلك تبقى خرافات، وتبقى عادات مدخولة من الجاهليات إذا بقيت أمة كان لها دين ولكن فصلها عن علماء الدين فاصل زمني طويل.
أمتنا هذه تنتهي في عشر سنوات –ربما- خاصة في هذا الزمن الذي تتركز فيه الدعاية ضد الدين، ينتهي في الدين لو توقف المدد العلمائي، لو توقف تناسل العلمائية، لو انفصلت الأمة لعشر سنوات عن العلماء، لكانت أمة ثانية. فكلما أنحط مستوى العلماء في أي بعد من الأبعاد علم أو تقوى، أو خبرة وكفاءة، كلما انحطت الأمة في أمر دينها، وما انحط أمر الدين إلا وانحط أمر الدنيا، لو وعينا لعرفنا ما انحط أمر الدين إلا وانحط واضطرب أمر الدنيا، فلا دين ولا دينا بلا علماء حقيقيين على كفاءة، من فهم الإسلام وبالمقدار الضروري في سير الأمة وليس ليوميات إنسان، المقدار الضروري لحاجة الأمة، لا دين ولا دنيا بلا نوع ممتاز من العلماء.
ويوم لا علماء دين بحق، لا أمة متدينة بحق، وهذا ما يلتقي مع أن العلماء حصون الأمة، ألف اختراق يأتي الأمة، ألف شيء، يُلعب بها لعبا بلا حصون، والعلماء ليسوا حصنا واحدا، حصون، والحصون تتفاوت متانة وقوة، وهما حصن مع حصن مع حصن، وهذا حصن مع هذه الحيثية، وذاك حصن لتلك الحيثية، العلماء حصون الأمة.
“الحوزة في البحرين واقعا”
الحوزة معروفة عنها أنها منطلق علم الدين، تستقي العلم من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وتبقى هي منطلق العلم في الأمة من هذين المصدرين، وإلا تبقى كنوز القرآن الكريم، وكنوز السنة المطهرة مختومة لا تستفيد منها الأمة.
والحوزة متنفس العلماء ومنشطهم، وهي محضن صناعتهم، فالمنطلق -منطلق علم الدين- يتعطل، ومنشط العلماء يسد بابه، والمحض يشل، يتوقف النشاط حين لا تكون حوزة وحوزة قوية.
فرق كبير بين بلد يزوره عالم من هنا أو هناك، وبين بلد يغنى بالعلماء. وفرق آخر بين بلد فيه علماء يأتون من قم أو النجف الأشرف، ثم تكون مواصلتهم عن طريق الجهد الشخصي، أو عن طريق اقتناص بعض الفرص الشخصية والمطالعات الشخصية، وبين بلد تغنى بحوزة قوية، تثار فيها الأفكار وتحتك، وتتواجه تواجه علميا وتتوالد، وتصحح، وتواصل سيرها إلى الأمام. ومن ناحية روحية فرق كبير بين بلد فيها حوزة يملئها أهل العلم والتقوى، وبين بلد تفتقر إلى ذلك.
الحوزة في البحرين كلنا يعرف أنها ذات جذور تاريخية بعيدة، وهي شيء من كيان هذا البد وهويته، ومكون رئيسي دائم من مكونات تاريخه الإسلامي، ويجب أن تكون كذلك في حاضره ومستقبله، على أن حاجة الحاضر وحاجة المستقبل تشتد يوما بعد يوم بمثل هذا الكيان الحصن، وهذا الكيان المولد لكهرباء الدين، و الطاقة الروحية والعلمية في أوساط المسلمين والمؤمنين.
كلما كبرت التحديات الجاهلية، وكنا محطة استيراد للفكر الجاهلي من كل أصقاع الأرض، كلما اشتدت الحاجة إلى حوزة قوية أمينة. والحوزة اليوم في البحرين وجود غير ناهض، وليس بمستوى الوظيفة المطلوبة ولا يثلج الصدر بشيء. هنا تعددية حوزية مرهقة معوقه، وهي فوق الطاقة، الطاقة في بعد المدرس، في بعد العنصر الإداري، في بعد الطالب بالخصوص. الحوزة هنا لا تخلق مستويات متقدمة، ولا تدفع بالكفاءات الجاهزة، ويأتي الطالب على حصيلة من مهجره العلمي الديني ليتحول إلى خطيب أو مبلِّغ عادي، وإلى متنقل من زواج إلى زواج، ومن مناسبة إلى مناسبة، الشيء الذي يفرضه المجتمع على كاهل الأخوة الطلاب والسادة العلماء، هذا كله يجب أن يعالج.
حوزة واحدة قوية ممكن أو غير ممكن؟ واجب أم غير واجب؟ أما الوجود فكأنه متحتم إذا كان مقدمة الإنقاذ المنحصرة كان لابد منه، الحوزة الواحدة القوية أمامها تحديات، وبعد العنصر النفسي وغيره أركز على عنصر الطالب واعتبره من أكبر التحديات إذا أردنا أن ننشئ حوزة واحدة في البحرين.
الطالب المطلوب هو طالب من النوع الممتاز فكريا، الممتاز روحيا، الممتاز نفسيا، الجيد بدنيا، حوزة قوية مادتها الطالب القوي، والمدرس القوي، والمنهج القوي. الطالب الذي تتقوم به حوزة قوية تواجه صعاب اليوم، وتتحمل أعباء المسئولية الدينية التي تواجه العلماء اليوم، هو طالب ممتاز فكريا، ممتاز نفسيا، ممتاز روحيا، تقرأ فيه أن يساوَم على أقل شيء من دينه فلا يعطي إلا الصمود والعناد، والمكابرة. وله صبر على العلم، وعزوف الدنيا بالمقدار الذي يضمن له أن يقطع المسافة التي تؤهله لأن يكون العامل الفاعل في الساحة بكفاءة لصالح الدين.
الجامعات الأخرى ماذا تطلب في الطالب؟ أن يكون ممتاز الذكاء، قد تتوفر للحوزة إنسانا ممتاز الذكاء، ولكن عليك أن ترفضه كل الرفض لضعف في نفسه، لجنبت تتصل بالروح، بالنفس، بقوة الإرادة.
طالب الحوزة عملة أصعب بكثير من طالب الجامعات الأخرى، جامعة الطب تقبل شخصا تمتحنه فتجده قادرا على الوصول لدرجة من الطب، عنده صفاء روحي؟ ليس عنده صفاء روحي، ليس مهما. عنده قدرة على مواجهة الإغراءات؟ ليس عنده قدرة على مواجهة الإغراءات، لا يوجد حساب تقريبا، طالب العلم في حساب.
كم يوجد هنا؟ دعني آخذ فقط بعد الذكاء؟ شخص ذكي، الحوزة تريده والجامعات التي تعد طلابها لسوق العمل المربح ماديا تريده، كم تعطي تلك الجامعات؟ وكم تعطي الحوزة؟ كم تعده؟ المهم عنده الوعد، هو مستعد هذا الطالب أن يبذل من جيب والده، أو أقاربه، أو من تبرعات أن يبذل كذا ألف دينار لخمس سنوات، لحساب أن يكون راتبه بعد ذلك ألف، ألفين، ثلاثة الآلف دينار، الحوزة تعده بما؟ هنا تأتي أهمية الروح، روح التضحوية المتعلقة بالله، فكم ستحصل أنت من هؤلاء الطلاب والجامعات الأخرى تنافسك؟
في الأمس كان الذي يجري يحس من نفسه عبقرية، يشعر من نفسه، مستو من ذهنه متوقدا، ولا يصبر على الجهل أين يذهب؟ في الزمن السابق زمن الشيخ الأنصاري وجماعته، أين يذهب؟ ليس أمامه إلا قم، النجف، فالعبقريات كان الطريق الوحيد أمامها لتلبي طموحها على الأقل، ولتعبر عن نفسها هو طريق الحوزة ، وذلك من غير إعداد دقيق حصلنا على أساطين، ليس للدقة الإدارية وتوفر الميزانية، ونجاح المناهج وغيرها، وإنما لوجود عبقريات تتجه إلى الحوزات. اليوم هذه العبقرية أمامها دراسات تلبي أكبر طموحات مادية عندها وشهرة عالمية، متى يأتيك إلى الحوزة؟
هذا عنصر يتحدى، ونحن هنا كثرة حوزات تتغالب على عدد بسيط من الطلاب، إذا كان هناك طرح عملي من أزمة الطالب، من شح الطالب الكفؤ بدرجة معينة هو أن نتجه إلى حوزة خليجية عامة واحدة، باختصار تتساند مع الحوزات الأخرى الأم وتستفيد من تجربتها، وتملك الطموح وتأخذ بالمحاولة، لتضيف إلى تلك الحوزات ولو من بعد حين.