اللقاء الجماهيري لسماحة آية الله قاسم في العدالة بالدراز 2009م
اللقاء الجماهيري لسماحة الشيخ في مأتم أنصار العدالة بقرية الدراز
12 جمادى الثانية 1430هـ، الموافق 12-6-2009
المحور الأول: في رحاب المولد
أعدّ الحوار وأجراه سماحة الشيخ حسين الأكرف
المحاور:
نترك الكلمة لسماحة الشيخ في رحاب مولد فاطمة الزهراء صلوات الله وسلامه عليها كلمة قصيرة نفتتح بها هذا اللقاء المبارك:
سماحة الشيخ:
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الغوي الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، الصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين والطاهرين واللعن على أعدائهم إلى قيام يوم الدين، اللهم أهدنا بهدى محمد وأل محمد، وثبتنا على ولايتهم، اللهم واجعلنا من حملة رايتهم، واحشرنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
نحن أمام مثل إنساني رفيع، يأخذ موقعه من بين الصفوة الخاصة على مستوى العالم الإنساني، ذلك المثل المتجسد في فاطمة الزهراء صلوات الله وسلامه عليها، مثلٌ من صنع الرسالة، وصوغ القرآن، وتربية محمد صلى الله عليه وآله وسلم، محضن أئمة هدى لا يستغني عنهم العالم، فاطمة عليها السلام إنسان تحتاجه الإنسانية في مسيرتها استهداء واقتداء، ولا يلحق بها من بعد المعصومين عليهم السلام لاحق من ذكر أو أنثى، والمثل الإنسانية الرفيعة من هذا الطراز لا يصيبهم التقادم بتقادم الزمن، ولا يخفت من بريقهم مر الدهور، فاطمة عليها السلام تبقى المثل الإنساني المشع الذي لا تستغني القرون عن إشعاعه، وسيدة نساء العالمين، أو سيدة نساء الأمة، أو سيدة نساء الجنة كما ألسنة الروايات الواردة بشأنها. يجد الجاد، ويسعى الساعي ليلحق فاطمة عليها السلام، معالم شخصية، مستوىً إيماناً، وعياً، بصيرة، هدى، إنسانية محلّقة، فيدرك ما يدرك، ويصل ما يصل، إلا أنْ يصل إلى فاطمة فذلك لا يكون، تلك هي المرأة التي نحتفل بذكرى ولادتها صلوات الله وسلامه عليها.
المُحاور:
إن من المشهور في الفقه الإسلامي عدم أهلية المرأة لمنصب القضاء والحكومة والمرجعية الدينية، كيف يمكننا تفسير الزهراء قيادة وقدوة في ظل هذا الرأي الفقهي؟
سماحة السيخ:
ذهاب رأي فقهي هو السائد إلى عدم تسنم المرأة على مكانتها الإنسانية لمركز الحكومة والقضاء، شيء لا يسلب من موقعيتها، المسألة هنا مسألة اختصاص وليست مسألة تفوق إنساني، بدليل أن فاطمة الزهراء عليها السلام معصومة، ونهاية رحلة الإنسان إلى الله عز وجل، والنضج الإنساني، وتكامل الشخصية الإنسانية وكمالها أن تصل إلى حد العصمة، وإن كان ما بعد العصمة يتفاوت المعصومون عليهم السلام (فيه) قرباً من الله، إلا أنه بالقياس إلى المستوى الإنساني العام، فإن قمة ما يمكن أن يصل إليه الإنسان هو العصمة، ففاطمة عليها السلام تمثل درجة النضج الإنساني، والسمو الإنساني، والكمال الإنساني، بالنسبة لغير المعصومين. فبلايين من الرجال على مر العصور (هم) دون مستوى فاطمة عليها السلام في البعد الإنساني، وما به مفخرة هذا الإنسان، وما به شأنه الكبير هو إنسانيته، وليست المواقع، وليست العناوين، وليست الثروة.
وفاطمة عليها السلام مع كمالها المتمثل في العصمة، لم يرشحها الإسلام إلى منصب القضاء، ولا إلى منصب الحكومة، ففاطمة عليها السلام معصومة ولكنها ليست بإمام بما في الإمامة من بعد الحكومة و القضاء، فاطمة عليها السلام ليست قيادة بالمعنى الذي يجعلها حاكماً للدولة الإسلامية، ولكن فاطمة قدوة للإنسانية، فاطمة مثال قرآني تام، وقدوة تقدمها الرسالة للوصول إلى أهداف الرسالة، إلى وعي الرسالة، إلى هم الرسالة،إلى خلق الرسالة. فاطمة عليها السلام قدوة ومن قدوتها أنها المرأة التي مثلت الإسلام يوم المباهلة، كما مثل الرجل المتجسد في رسول الله صلى الله عليه وآله، وعلي والحسنين الرسالة على مستوى الذكور، فإن فاطمة قد مثلت الإسلام على مستوى النساء.
ما معنى القدوة؟ معنى القدوة أنك إذا أخذت بفكر، ووعي، وهدف، وأخلاقية، وسلوك مَن تقتدي به فقد أخذت بالإسلام، إذا كانت القدوة قدوة شاملة في الصالح من الناس بأي مستوى من الصلاح قدوة جزئية، وقد يكون الشخص قدوة في بعد دون بعد آخر، في مساحة دون مساحة أخرى، أما القدوة الشاملة وبالدرجة الكاملة -قدوة في كل الأبعاد (العليا) وبالدرجة الأعلى- فتتمثل في خصوص المعصومين عليهم السلام، وفاطمة عليها السلام واحدة من أولئك.
خذ بموقف فاطمة تكون قد أخذت بموقف الإسلام، خذ برأي فاطمة عليها السلام تكون قد أخذت برأي الإسلام، خذ برؤيتها، خذ بسلوكها، خذ بمصداقيتها، خذ بانحيازها إلى موقف سياسي، خذ بإقرارها لسلوك معين تكون أخذت بالإسلام، أنت في تعاملك مع الزهراء عليها السلام اقتباساً واستهداء واقتداء تكون قد تعاملت مع القرآن الكريم، هذا معنى القدوة في معناها الشامل الكامل، فاطمة عليها السلام تمثل هذا المعنى وإن لم تكن إماماً بمعنى القيادة السياسية، وإدارة شأن المجتمع الإسلامي.
المحاور:
هل أن العصمة لا تقتضي الإمامة في ذاتها، أم أن المسألة خاصة بالزهراء عليها السلام كامرأة، أن عصمتها لا تقتضي بالضرورة الإمامة، هل هناك قاعدة تقول: أن العصمة تقتضي الإمامة بالضرورة؟
سماحة الشيخ:
ليس كل معصوم بإمام فعلي على الأقل، هناك أنبياء لم يكونوا أئمة سياسيين وقادة فعليين للمجتمع، الحسين عليه السلام كما كان معصوماً بعد وفاة الإمام الحسن عليه السلام كان معصوماً في حياة الإمام الحسن عليه السلام، لكن لم يكن هناك إمامان في زمن الإمام الحسن عليه السلام، الإمام واحد دائماً، وفي زمن الحسنين عليهما السلام كان الإمام الحسين عليه السلام محكوماً بالرأي الفعلي الولائي للحسن عليه السلام، و رأيهما في الموضوعات واحد، ولكن الآمرية السياسية، والآمرية العسكرية كانت للإمام الحسن عليه السلام على الإمام الحسين عليه السلام في زمان اجتماعهما.
المحاور:
إن صورة الزهراء المقاومة، المطالبة بالحق، المدافعة عن الخلافة والإمامة، هي من الصورة الواضحة المشرقة، وكذلك صورة جنوح الإمام علي عليه السلام للسلم رغم كل الإنتهاكات والتحديات كانت واضحة ومشرقة، كيف يمكن لنا قراءة هاتين الصورتين المتفاوتتين في فترة قد لا تزيد على الشهر؟ هل انتهت مقاومة الزهراء عليها السلام بسلم الإمام علي عليه السلام ؟
سماحة الشيخ:
فاطمة عليها السلام إمامُها علي عليه السلام، وما كانت فاطمة عليها السلام لتأخذ بموقف أو رأي خارج ولاية الإمام علي عليه السلام ، كانت ولاية الأمر والنهي – ليس من الناحية الزوجية، وإنما من ناحية الحكومة الإسلامية – لعلي عليه السلام على فاطمة عليها السلام. موقفها السياسي المعارض ما كان خارج إرادة علي عليه السلام، فنستطيع أن نقول أنه موقفه، ولكن على لسان فاطمة عليها السلام.
وعلي عليه السلام كانت له معارضته السلبية في البدء حيث لم يرضَ بالبيعة، ومن بعد حين أتى تصريح علي عليه السلام ومعارضته الايجابية على مستوى الكلمة، والتفاوت في وقتٍ ما بين الأسلوبين راجع فيما يظهر إلى أن علياً عليه السلام وفاطمة ما كان في عزمهما أن يفجرا الوضع الأمني للحالة الإسلامية؛ لأن في ذلك ضرراً كبيراً على الإسلام بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وتربص المتربص بالإسلام.
والكلمة المعارضة تجري على لسان فاطمة عليها السلام، لا يمكن أن تفجر الوضع – بحسب الموقع- بقدر ما تفجره كلمة أمير المؤمنين عليه السلام. وكلمة أمير المؤمنين عليه السلام لو كانت خشنة وقوية جداً في البدء، لأمكن جداً أن يتفجر الوضع الأمني، ويتبع الكلمة السيف، وما كان هذا مراداً لا لعلي عليه السلام ولا لفاطمة عليها السلام، فلقد كانت مصلحة بقاء الإسلام بهذه الدرجة وتلك، هي الهدف المركزي والأهم والذي لا يعادله هدف، ولا يمكن أن يُتنازل عنه بثمن عند أمير المؤمنين عليه السلام وفاطمة صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
وكلمات فاطمة لم تفجر وضعاً أمنياً، وكان هذا المحذور الذي هو عند أمير المؤمنين، وما كان المسلمون فيما يفهمون وليس فيما يمكن أن يُحدث الأثر الخارجي التصعيدي، لم يكونوا يفرقون بين كلمة تخرج من علي عليه السلام وهو المعصوم، ومن كلمة تخرج من فاطمة عليها السلام، وهم كذلك يعرفون أن فاطمة لا يمكن أن تخرج عن رأي علي عليه السلام فيما تقوله من كلمة، أو تقفه من موقف.
المحاور:
لا يخرج إحياء مواليد أهل البيت عليهم السلام عن إطار الاهتداء و الإقتداء بتعاليمهم و بناء الفرد و المجتمع بناءاً إيمانياً عبر الثقافة التي ينبغي أن تزخر بها هذه المحافل. لكننا اليوم نشهد أسلوباً آخر في إحياء هذه المناسبات المباركة، و هو التركيز على الفقرات التي تبعث على إيناس النفوس و الترويح عنها بحيث أصبح الطابع العام لمواليد أهل البيت عليهم السلام هو الأنس و الفرح. كيف تقيمون مثل هذا التحول؟ و ما هي الصورة المثلى لإحياء مواليد أهل البيت عليهم السلام.
سماحة الشيخ:
أولاً و على مستوى الملاحة والتملح، سدوا باب التغني نكفى الشر. العيد عيد ولكن التعامل مع العيد في الإسلام غير التعامل مع العيد عند الآخرين، العيد في عرف الحكومات المنتشرة في العالم -الإسلامية حتى- يتحول إلى فرصة لغو وغناء وعبث وعبق من خمرة وانتشار المنكرات، أما العيد في الإسلام فإحياءه يكون بمثل الصلاة، وبمثل التزاور، ببرنامج لا يخرج بالإنسان المسلم عن هدفه، يوفر له الفرحة، يوفر له الشعور بالطمأنينة، يوفر الشعور بالتفوق، ولكن في حدود الهدف الذي يرسمه الإسلام،وهو الرقي بإنسانية الإنسان.
العيد ليس فرصة لغو، وفرصة عبث، وتخل عن القيمة والأخلاق في عرف الإسلام، العيد تعبير عن النصر على النفس، الانتصار على النفس، إن صُمْتُ استطعتُ أن أواجه الشيطان، أواجه رغباتي، أواجه شهواتي، وتحقق الانتصار بالصوم الذي يكرهه لي الشيطان والنفس الآمرة بالسوء.فإذن لابد أن أفرح الفرح الذي يلتقي وهدف الصوم، ولا يفصلني عن هدف الصوم، صمت ثلاثين يوماً لأتقرب من الله، أأتي يوم العيد لأتباعد عن الله عز وجل، هذا على خلاف الهدف.
يأتي عيد الحج في انتصار أمة ، أمة مكلَّفة بأن تحيي موسم الحج وتقصد بيت ربها تبارك وتعالى، وتبذل المال والجهد الجهيد في سبيل أداء الفريضة، أقامت الأمة فريضة حجها فانتصرت على الشيطان في طريقها لله سبحانه وتعالى، فيأتي العيد ، وهذا العيد يجب أن تكون برامجه تعبيراً عن فرحة الروح الهادفة، الروح الواعية، الروح الصاعدة، المقتربة من الله تبارك وتعالى.
بالنسبة لاحتفالات مواليد الأئمة عليهم السلام، الأئمة عليهم السلام رموز هدى، مشاعر نور، عباد قضوا حياتهم في سبيل التقرب إلى الله عز وجل، جاءوا لينقذوا البشرية، ليرتفعوا بمستواها، ليصححوا ومسارها، ليعطوها دفعاً هائلا متواصلا في مسارها الإنساني إلى الله تبارك وتعالى، هؤلاء تناسب ذكرياتهم العبث واللهو والغناء والتهريج ؟!!
مرة بلد من البلدان تستقبل مغنياً، كيف تستقبله؟ بما يناسبه. ومرة يقال لك أن أبا ذر أو أن سلمان المحمدي سيأتي هذه المنطقة، يستقبل بالطبول والزمور؟ سلمان المحمدي، يستقبل بما يناسبه، بوقار، بأساليب مهيبة، بأخلاق رفيعة، بمظاهر ملتزمة، يجب علينا في إحياء مناسبات المواليد أن نراعي قضية بمن نحتفل؟ ما يناسب علي بن أبي طالب عليه السلام هو الغناء؟! -و حاشاه-، وكلمات الفحش، والتسيب، والاختلاط الفاحش، كل ذلك أساليب بعيدة عن ساحة علي بن أبي طالب عليه السلام، فإن ساحته طاهرة ونقية وصافية من شوب الأخلاق الرذيلة.
الإسلام لم يأت ليقضي على الفرح، يريد من الإنسان أن يفرح، يريد للإنسان أن يهش، أن يبش، أن تتخلق عنده أجواء أنس، ولكن كل ذلك يجب أن يتحرك في إطار الهدف، وفي الإطار الخلقي الذي يناسب إحياء ذكر أهل البيت عليهم السلام، لا نقول دائماً بأن الإحياء يتمثل دائماً بالمادة الفكرية من الوزن الثقيل، يجب أن يكون هناك فكر وفكر مبسط يمكن أن يفهمه العامة، وأن تكون هناك أجواء فرحة عامة بحيث يتخلق جو يؤنس النفوس على المستوى الدنيوي مثل النشيد الملتزم، الرَّدَّة الجميلة التي تعدّ في مثل هذه المناسبات وتكون مشبعة بالقيم والمعاني الخلقية، وبالأداء الغير الغنائي.
المحور الثاني: المجتمع الإسلامي
المحاور:
كيف تقيم العلاقة بين الدين والمجتمع، هل هي في تقدم أو تراجع؟
سماحة الشيخ:
يمكن أن ألخص الجواب أن الإنسان المسلم الآن يعيش حالة انقسام في الذات، يعيش معركة في داخل نفسه، حالة من الانشطار الذاتي، حالة من الصراع بين شيء وشيء في داخله، بدأ الإنسان المسلم يحب إسلامه، يفهم عظمة الإسلام، يرى إنجازاً خارجياً باهراً للإسلام، بدأ يشعر بأن لا عزة لهذه الأمة ولا كرامة ولا استعادة لمجدها إلا من خلال الإسلام، يريد أن يطبق الإسلام، يحب أن يرضي الله عز وجل، ولقد صار يسمع الكثير من الدروس التي تفتح بصيرته على الدين وعلى عظمة الدين، بدأ يعشق الكلمة الإسلامية، والفكر الإسلامي، والسلوك الإسلامي، بدأ ينشدّ إلى نماذج من مثل الإمام الخميني والشهيد الصدر أعلى الله مقامهما، تجده يعبر عن ضمير صادق، وعن التفات روحي بدرجة ما بالإسلام من طريق تقديم الحب والعشق لرموزه الكبرى كالشهيد الصدر والسيد الإمام،و الموجودين على مستوى قيادة الأمة في إطارها العام. كل هذا صحيح، لكن من جهة أخرى أمامه جاهلية تفرض نفسها على الأوضاع من حوله، وتضاعف من كلفة الالتزام مليون مرة، نريد أن نلتزم الإسلام ولكن صارت كلفة الالتزام بالإسلام ثقيلة، طريق الحلال في المال أمامه مسدود، وطريق الحرام مفتوح، طريق الحلال أمام قضاء حاجته الفطرية الجنسية طريق الحلال إن لم يكن مسدودا فهو صعب وشاق، وطريق الحرام ميسر. يستطيع أن يبلغ الموقع، ويحصل الدفاع الصحفي للإعلام العام على خطه، وسيواجه حربا شعواء إذا التزم خطا آخر، سيجد الآمن ودفء الأمن على خطه، وسيجد المطاردة وسيلاحقه الخوف، ويهدده السجن على طريق آخر.
الآن صعُبَ شيء وخفّ شيء، قبل سنوات الصحوة قبل خمس وثلاثين سنة تقريباً دخول الشاب المسجد يمكن في بعض الأوساط أن يعيّر به على أنه عجوز، الحج المبكر أيضا يكون محل استغراب، من يصلي من الجامعة – جامعة الخارج- ينظر بنظرة احتقار. لا يصلي الشاب (في) بعض الجامعات إلا وأجواء الفسق والمجون وفرص الحرام قد هُيئت له لاصطياده. الآن خف هذا وجاءت أمور أخرى.
أقول هذا الجو الضاغط على الالتزام، من جهة يوجد شوق نفسي، يوجد إدراك عقلي لعظمة الإسلام، عقلي يقول لي الإسلام عظيم، يقول نجاتك بالإسلام، يقول شرفك بالإسلام، إذا أردت أن تنتشل أمتك من هذا الوضع المزري فخذ أنت وأمتك بالإسلام، الصدق، الحق، الأمانة، الإخلاص، الوفاء، التقدم الحقيقي، عز الأمة، نصر الأمة، كرامة الأمة في الإسلام، هذا كله يدركه عقلي. لكن على خط الالتزام سيوف، أشواك، عقبات، تهديدات ، على الخط الآخر إغراءات، ملهيات، مسكرات، فتن مجتذبة، وعود معسولة، أبهة دنيوية كبيرة حالة تفتِك بإنسانية الإنسان، وتجهض حركة الأمة ..هذا موجود، هذا يخلق حالة صراع داخل النفس، بين أن يكون السلوك مع الواقع أو مع العقل، الآن أنت تجد مليون ديناراً حلالاً على بعد كيلو متر، عقلك يقول لك عليك أن تقطع هذا الكيلو متر إنه سهل، لكن مع وجود أسُود، وجود عقارب، وجود صعوبات على هذا الطريق، وجود تهديدات أقل من هذا، سيكون هناك صراع، فرص مغرية، الكلفة باهظة، أين أذهب؟
حال الإنسان المسلم اليوم، الكثير من أبناء المسلمين، كلنا نحب العلم، الطالب الابتدائي، أو الطالب الثانوي يجب أن يكون بروفسور، لكن كم سهر؟ كم تعب؟ لا يذهب لساحة اللعب، لا يذهب مع أصدقائه. الكلفة باهظة، أن يقضي ليالي وأيام في بيته يذاكر من مكتبة إلى مكتبة، أنس الشباب، ولهو الشباب كلها تذهب من عنده، فالمطلب جميل، فالهدف جميل يؤمن به، يؤمن بقيمته، لكن ليس كل ما آمنا به صبرت النفس عليه، من لا يشتهي أن يكون العباس بن علي بن أبي طالب عليهما السلام، لكن مسافة بيني و بين أن أصل إلى مستوى العباس مسافة متعبة جدا، هذا هو الواقع في الحقيقة، وهذا ما يدركه الكفر، وأنه يحارب الصحوة بالتشكيك وغيرها، يحاربها على المستوى العام بالمغريات من جهة، وبالتواعدات والتهديدات من جهة أخرى.
المحاور:
ما هي سمات المجتمع الإسلامي؟
سماحة الشيخ:
المجتمع الإسلامي الذي استهدف الإسلامُ صُنعه، الذي جاءت الرسالات من أجله، ماذا تريد الرسالات؟ أي مجتمع؟ القرآن ماذا يريد في المجتمع؟ (يريد) مجتماً علمياً، ما معنى مجتمع علمي؟ ليس أن يعب بالمعلومات الجزئية، (لكن) أن يحمل علماً وأن يتقيد بالعلم، ويقيم حياته على العلم، أيّ خطوة يخطوها، يخطوها على العلم، أن يكون ذا علم وأن يطوّع كل حياته وخطواته للعلم، أن يجعلها محكومة لإشارة العلم، وليس الهوى -ليس في قبال العلم إلا الهوى، علم وحكمة في قبالهما جهل الهوى-، يريده مجتمعاً علمياً بهذا المعنى، له علم كثير، يسابق على العلم، يسبق في العلم، وأشرف علم هو علم المعرفة بالله عز وجل، دين الله، ويفتح بصيرة الإنسان، ويدفع بالإنسان على كل مسارات العلم النافع، يريد من الأمة أكثر من الأمم تقدماً في جميع جوانب العلم النافعة، هذه واحدة. وأقول: أن أتقيد بالعلم، (يعني) أن أنطلق دائما من العلم ولا أخالف العلم.
يريده مجتمع إيمان، وهناك تلاقي بين مجتمع العلم بالمعنى الذي طرحته ومجتمع الإيمان، فإن البحث عن الحقيقة، والتقيد بالحقيقة، وعدم الخروج على الحقيقة، والموضوعية في الرأي تقود إلى الإيمان بالله تبارك وتعالى، مجتمع علم وإيمان وعمل، على خط الإيمان والعلم، ويأتي التماسك الاجتماعي والبناء الواحد، ويأتي عنصر آخر مهم جداً، هذا مجتمع مؤمن عالم عامل، وبعدٌ مهم كبير آخر: آمر بالمعروف على مستوى الدنيا بكاملها، ناهي عن المنكر، آمر بالمعروف في داخله ناه عن المنكر في داخله، ويحمل أمانة الإسلام إلى الخارج، هذه سمات رئيسة في المجتمع الإسلامي.
المحاور:
الإعلام أداة فاعلة في صناعة الرأي العام الذي لم يعد مستقبلاً للمعلومة أو الخبر فقط، بل أصبح يتفاعل ويتأثر معها عقلياً وفكرياً وسلوكياً ، الأمر الذي بات يشكل خطراً على سلامة الرأي العام من ناحيةٍ إسلامية في الكثير من القضايا الفكرية و السياسية و السلوكية ، خصوصاً في ظل القدرة الهائلة للإعلام العلماني الشرقي و الغربي ، .. ما هي وسائل صيانة الرأي العام و تناغمه مع الرؤى الإسلامية الصحيحة؟
سماحة الشيخ:
نحن نواجه إعلاماً شرساً للإسلام، الإسلاميون يواجهون إعلاماً شرساً يملك مقدورات هائلة من المال والخبرة والفن والرجال والتخطيط، يملك من كل هذا الشيء الكبير الهائل، كل الإسلاميين ومن هم أكثر حظاً في التوفر على القدرة الإعلامية هم دون هذا المستوى من الإمكانات، لا الإمكانات المالية، ولا الإمكانات الفنية توازي إمكانات الآخرين. ولكن الله تبارك وتعالى أعطى لكلمة الصدق بركة، وهذا دليل واضح موجود، قيسوا كلمة الحق في إمكاناتها الإعلامية إلى كلمة الباطل، اليوم في هذا الزمن كم يملك الحق من وسائل وقدرات إعلامية؟ وكم يملك الباطل؟ وقناة المنار يسد الغرب نوافذه عليها، المنار قناة واحدة، مئات الآلاف من القنوات في الغرب ويخاف من قناة واحدة. هناك طريقة إسلامية وهي طريقة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتعليم الجاهل، لدينا واجبات تعليم الجاهل، عليك أيها المسلم أن تعلّم الجاهل بدينه إذا كان يحتاج، هذا لا يعرف الصلاة، ليس بينك وبينه نسب ولا صداقه، لكن لأن هذا المسلم لا يعرف الصلاة وأنت تعرف الصلاة يجب أن تعلمه الصلاة، حجُّه، غسل الجنابة،الوضوء وكل العبادات، لا يعرف الأئمة عليهم السلام، أو معرفته متزلزله، يجب عليك أن تعرفه الواجبات الإسلامية، هذا واجب على كل واحد، و واجب على واحد أولاً أن يتعلم شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ثم يمارس عمليه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
في الدراز لو تصدى مائتا شخص فقط من البنين والبنات للقيام بهاتين المهمتين، -مئتان فقط وهو واجب على كل واحد- لكن لو قام بهذين الواجبين مائتا شخص من الذكور والإناث، كم سيتغير الوضع هنا؟ بعد أن نجيد كيف نعلم الجاهل، وبعد أن نجيد أسلوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. هذا لو اتبعه المسلمون في كل مكان، استطاعوا أن يواجهوا الترسانة الإعلامية الدولية المخفية، إلى جانب تنمية قدراتنا الإعلامية على كل الأصعدة.
المحور الثالث: الدور العلمائي
المحاور:
يتهم العلماء من بعض المثقفين باستصغارهم لآراء الآخرين من غير العلماء خصوصاً، وأن العلماء يتعاطون بدكتاتورية وبتزمت مع النخب حين الاختلاف في القضايا والمسائل المشتركة تخصصاً إلى الدرجة التي أشعرت بعض النخب في اليأس من القدرة على التفاهم مع العلماء، ما هي خلفيات ومسببات هذه النبرة وهذا الشعور؟
سماحة الشيخ:
على كل حال هذا من التشهيرات غير الصحيحة، لا أدري إذا كان هناك نفر، ولكن يستبعد إذا كان هناك عالم يعرف قدره (رحم الله امرء عرف قدره)، وأن يعرف الإنسان قدرة فيعرف إيجابياته وسلبياته، ماذا يستطيع وما لا يستطيع. ليس هناك رجل يستطيع أن يدير الدنيا ويحركها بجهده الخاص فقط، رسول الله صلى الله عليه وآله كان مركز التغيير، ولكن كل التغيير لم يحدث بشكل مباشر على يده، كان له دعاة، مبلغون، رجال، خبراء في جنبات أخرى، في جنبات ميدانية فيرسلهم إلى الأماكن ويعتمد على خبرتهم في تلك الأماكن. هذا ضرب من الجنون أن يتصور عالم من نفسه أنه على كل شيء قدير، وأنه يسبق الآخرين في كل شيء، هذا من التشهير الوسخ القذر. أن يتصور نفسه هو الطبيب، وهو المهندس، وهو الطيار، هذا ليس تصورا صحيحا.
نأتي للجمهورية الإسلامية، بدءاً من السيد الراحل الكريم الخميني -أعلى الله مقامه- هو حرك الثورة وحرك الساحة استعان بجهود الآخرين أم لا؟ استعان بالخبرات أم لا؟ قامت الدولة بمختلف التخصصات، أو صارت من دون تخصصات؟ هل السيد الإمام استغنى عن كل التخصصات وطردها؟ نعم، حتى في مسألة رئاسة الجمهورية، تعرفون أن الحكومة المؤقتة أعطاها لبازركان، وبازركان ليس من الخط الديني المتشدد، بازركان منفتح. أتيحت الفرصة إلى بني صدر، هو كان يريد أن تكون العمائم مشرفة من بعيد بلا مناصب متقدمة، وأرت التجربة العالم أن المثقف البعيد عن الثقافة الإسلامية، وروح الإسلام، الذي لم يتربَ في أجواء الإسلام تربية صحيحة تجري على يده سرقة الإسلام، و بيع الإسلام. لو استمرت حكومة بني صدر ماذا سيكون؟ تنتهي الثورة الإسلامية وأهدافها، والدولة تنتهي، وتتحول إلى غربية، إذا كان في الشأن القيادي الخاص فلابد من دين، لابد من خبرة دينية، ومستوى ديني، وتقوى دينية، وهذا قد يحصل عند غير المعمم، إذا حصل عند غير المعمم على العين والرأس. وإذا حصل له ينبغي له أن يتزيا بزي الدين. رجائي لم يكن طالب علم، كان مدرس لكنه احتضن الثورة، وقامت به ثورة، وعز به الإسلام، ونجاد هذا ليس عمامة صغيرة ولا عمامة كبيرة. هذا كلام أتصور أنه إعلامي استغفالي ويستعمل حتى في الغرب للإساءة للإسلام، وانتقل لساحاتنا الخاصة.
أذكِّر بالتوعية الإسلامية مثلا، وأذكِّر بالمجلس العلمائي الآن، هو مجلس علمائي لكن يبحث عن الخبرة التي يحتاجها عند أي شاب مؤمن، وعند أي شخصية مؤمنة، والتوعية الإسلامية كانت كذلك.
المحاور:
العلاقة بين العلماء والأمة تختلف شدة وضعفاً، وربما كثرت القراءات لطبيعة وما ينبغي أن تكون عليه العلاقة ، في نظركم سماحة الشيخ ما العلاقة التي ينبغي أن تكون بين العلماء والأمة.
سماحة الشيخ:
التي ينبغي أن تكون، أم كيف هي الآن؟ هذا أمر آخر. على مستوى من المستويات هي موجودة. ما ينبغي أن تكون عليه هو أن يكون العالم أميناً على أمر الأمة، حريصاً على سعادتها، خادماً لها، وأن تكون الأمة عضداً للعالم، وعوناً للعالم، وسيفاً يضرب في وجوه أعداء الله -العالم الحقيقي- أنا لا أتحدث عن العالم أي عالم، أتحدث عن العلماء الحقيقيين، فالعالم بالإسلام الذي لا يعمل إلا بالإسلام. ليس عندنا معصوم الآن، المعصوم مغيب صلوات الله وسلامه عليه، أن يجاهد كل المجاهدة في الله، تنسجم كلمته ، فكرة ، مشاعره، موقفه مع الإسلام.
العالم الحقيقي هو هذا: أن يعلم بشيء من الإسلام يتناسب مع وظيفته، مع موقعه، مع المهمة التي يباشرها في المجتمع، أن يكون له شيء من فهم الإسلام بهذا المقدار، وأن يعمل جاهداً على إحداث حالة انسجام واتساق بين أبعاد شخصيته وبين الإسلام؛ بحيث يحدث الانسجام بين ما عليه تفكيره وما يريه الإسلام، ما للإسلام من فكره، بين مشاعره وبين الإسلام، بين سلوكه وبين الإسلام، بين هدفه وبين الإسلام. نحن لا نعلم الغيب في الحقيقة فنقول هذا العالم هو على جهاد حقيقي مع نفيه في سبيل الله.أن تنسجم مع الإسلام، و إنه توفيق من الله أن حصلت له درجة من الانسجام مع الإسلام، نحن لا نعلم بالغيب ولكن نأخذ بالظاهر، الظاهر كيف؟ الآن يقولون من طرق إثبات العدالة المعاشرة، ويقولون أيضا: إذا سألت عن شخص في محلته، ما تقولون في فلان؟ تسمع الجواب: أن هذا لا نعرف منه إلا خيرا، هذا من عائلته ، وهذا ليس من عائلته، من حيِّه: (كلهم) يقولون لا نعرف منه إلا خيرا. في حواشي المنطقة: أيضا لا نعرف منه إلا خيرا. في مجاوراته: لا نعرف منه إلا خيرا. هذا مثبت من طرق إثبات العدالة، يعني تثبت عدالة الرجل بمثل هذا السؤال. يحدث اطمئنان عندي، هذه ليس عشرة يوم بالقرية أو بالمنطقة، أو بالمدينة، أو بالإقليم، لم يعاشر هذا الرجل لمدة يومين وثلاثة أو أربعة.
الإنسان يكذب على الناس، يمكن أن يغالطهم، يمكن أن ينافق، يمكن أن يغالط لشهر، شهرين، ثلاثة، أربعة، خمسة شهور، مع طول المدة، كلما طالت المدة ولم نر منه إلا خيرا، كلما ارتفع احتمال الصدق والتطابق بين المظهر وبين المخبر، أحدهم جربناه عشر سنين، غير من جربناه شهراً واحداً. فعادة في الأوساط العلمية في الحوزة العلمية كيف انتخب السيد السيستاني مثلاً؟ وكيف ينتخب فلان في قم؟ بماذا؟ هناك طول عشرة، هناك معاشرة وطويلة المدى، هناك عقول مفتوحة على هذا الرجل الذي ظهر بالأوساط، فبدأت تكون له شخصية في نفوس الناس وعقول الناس تعطيه مثل هذا الموقع.
فقضية أنه إذا حصل العراق على السيد السيستاني -حفظه الله وأيده- بعد حصول الاطمئنان، وأنه يحمل هم الأمة، وأنه يخلص للأمة، واستقرأ فيه المجتمع العراقي أن أمريكا لا تشتريه بملايين ولا بمليارات، ولا تستطيع أن تسحب منه تصريحاً في صالحها مما يغضب الله عز وجل بأي ثمن، هنا تبدأ العلاقة الوثيقة بين الأمة وبين العالم، فالبداية -بداية الصلة والثقة- يجب أن تكون من العالم؛ بحيث يعطي اطمئنان للمجتمع بأنه معه وليس عليه، وأنه للإسلام وليس ضد الإسلام، بالإضافة إلى قضية الخبرة والحكمة وحسن التصرف وغيرهم، هي تحصل في الأوساط الاجتماعية عن طريق الاختبار الطويل، بعد أن تعثر على مثل الإمام الخميني بالنسبة لمهمته الكبرى، أو على مثل الشهيد الصدر في مجتمعه وعلى مستوى الأمة، أو فلان العالم، مثلا الشيخ محمد مهدي الآصفي، السيد حسن نصر الله -حفظه الله وأيده ونصره- حينئذ على الأمة أن تحتضنه، أن تقف معه، أن تكون عوناً له في قضايا الأمة وقضايا الدين.
المحاور:
في عملية اختيار الأمة لعلمائها، بم تهتدي الأمة وأي وسيلة تعتمد في تشخيصها لعلمائها؟
سماحة الشيخ:
ليس مثل العشرة ممن يعرف، لمّا نقول العدالة، لو كان عاشَره في السفر رجل مؤمن وعاشره رجل جاهل لا يعرف القضايا الدينية أصلاً، فرأى منه موقفاً هو موقف حق، لكن هذا لجهله يراه موقف باطل مثلاً، الموقف لا يعرف أن يفسره، هو سيأتي ويشهد بأن هذا الرجل فاسق، أفرض أن هذا الجاهل عمل عملاً منكراً فزجره العالم -التقدير أن المفيد له الزجرة- فطبعاً لا يتحمله هذا، سيحكم عليه بالفسق.
لمّا نقول العشرة، عشرة من مجتمع واسع أو من أناس مختصين؛ ولذلك يقولون أهل الخبرة. يعني أن العالم نعرف علمه من أهل الخبرة، العادل أيضا في الحقيقة -بدرجة أدق أقصد- نعرف عدالته من أهل الخبرة بالأحكام الشرعية إلى جانب مشاركة الآخرين.
وإن لم يكن الطريق حصرياً تأتي الشهادة، هذا أمر وجداني وذاك أمر تعبدي، بمعنى أنا عاشرتك عشر سنوات لم أرى منك ما يسجِّل عليك معصية، الله العالم ، لك في الخلوات هفوات مثلاً ، ولكن لا تصل لحد المعصية مثلاً، هذا طريق أعطاني علماً بعدالتك. مرة لا أعرفك نهائياً ولكن مثل السيد حسن نصر الله والشيخ محمد مهدي الآصفي -حفظهما الله- شهدا عندي بأن فلاناً عادل، شهادة الأخوين الكريمين الرفيعين المستوى، العاليي القدر بأن هذا عادل، هل تعطي أثراً نفسياً ودرجة قناعة وجدانية في الداخل بقدر شخص أعرفه كالسيد عبدالله الغريفي مثلاً بالمعاشرة؟ لا تعطي. ذاك نسميه طريق تعبدي عليَّ الأخذ بقولهما، بشهادتهما وأرتب الأثر. أما هذا فإيمان وجداني.
مرة ترى الشيء واضح، أرى هذه المزهرية وأراها جميلة وأقيم جمالها، ومرة شيخ حسين هو الحاضر ويقول لي هناك مزهرية جميلة، درجة قناعي هل (هي) مثل النقل؟ لا يمكن، يجب أن يختلف. فالمعاشرة جداً مهمة، وتقييم الخبراء، الأشخاص الذين تربى عندهم شخص تربية علمية، أو عرفانية، أو أي نوع من أنواع التربية، إذا شهدوا له غير شهادة معاشر عادي.
المحور الرابع: الشأن السياسي العالمي
المحاور:
في قراءة قيمة لبعض كبار القادة السياسيين الإسلاميين في رهانات أمريكا في المنطقة، أن الرهان الوحيد والمعركة الأخيرة لأمريكا في الشرق الأوسط هي الحرب المذهبية بين المسلمين، وأنها إن خسرت هذه الحرب فلن تبقى لها رهانات أخرى، وقد طفح الغزل السياسي والثقافي في خطاب باراك أوباما الرئيس الأمريكي في القاهرة للمسلمين والعالم الإسلامي، ألا يعتبر هذا الخطاب خطوة تأسيسية لاختراق القوى الإسلامية وبالتالي التحريض المذهبي وقيام حرب مذهبية؟
سماحة الشيخ:
الطريق مسلوك قبل خطابه، أمريكا وأوروبا متبنية قسمة العالم إلى سني وشيعي، وإلى تركي وعربي، وإلى فارسي وعربي، وإلى مصر وسوريا، وإلى قطر والبحرين، متبنية مشروع التقسيمات التي لا تقف عند حد لهذا العالم الإسلامي حتى يكون ألف وألف عالم، ألف وألف همّاً، وألف وألف هدفاً، وألف وألف سلاحاً، وألف وألف ولاء، هذه خطة أوباما.
أوباما شخص، وأوباما حضارة، لا أتحدث عنه شخصاً؛ لأن معرفتنا الشخصية عنه صفر، والعالم الإسلامي لا زال لا يعرف أوباما شخصاً، في تكوينه الشخصي، مكوناته الشخصية، وخصائصه الشخصية، لا زال العالم الإسلامي يجهل الكثير من خصائص أوباما الشخصية. لكن لو حاولت أن تقرأه حضارياً -يعني كصناعة حضارية أمريكية، غربية- هذا مصنوع أمريكي، مصنوع للحضارة الغربية الأمريكية، وعنده حيثيتان، حيثية البعد الحضاري، التكوين الحضاري، أثر الحضارة التي عاشها على نفسيته، على فكره، على هدفه، على توجهاته، وهناك بعد ثاني وهو بعد المنصب، منصب الرجل الأول في بيت السياسية الأمريكية، وبيت السياسية الأمريكية بيت مؤسسة وأهداف وخطط إستراتيجية.
أنا لا أستطيع أن أفصله لا عن بعده الحضاري ولا بعد الموقع الرسمي الذي يتسنمه. ولما أن تريد أن تقرأه من هذين البعدين هو شيء غير مريح بالنسبة للأمة الإسلامية. أمريكا فلسفتها البرغماتية الواقعية تتحرك في الحياة من رؤية واقعية، وتؤمن بأن القيمة كل القيمة، والشأن كل الشأن للمنفعة واللذة المادية ،أساس التحرك كله للفرد وللأمة هو طلب المنفعة المادية.
أمريكا مستعدة اليوم أن تعادي الدين وتحاربه، ومستعدة أن ترفع شعار الدين، مستعدة أن تكفر بالديمقراطية بالنسبة للشعوب الأخرى، ومستعدة أن تروج للديمقراطية وتدافع عنها بحق في ظروف ثانية. أي محمل، أي قارب، أي سفينة، أي مركب يوصّل للمنفعة المادية لأمريكا هو الحق، هو الصحيح. فيوم أن تكون المنفعة الأمريكية تحققها بالتحالف مع المسلمين ضد إسرائيل، يمكن لأمريكا التحالف مع المسلمين ضد إسرائيل، ولكن هذا أنى يكون، كيف يكون؟ إذا انسلخ المسلمون من إسلامهم، وبقي الإسلام عندهم اسماً، يمكن أن تكون المصلحة الأمريكية متلاقية ومتوافقة مع التحالف مع المسلمين، أما مع كون المسلمين مسلمين حقيقيين يحملون الإسلام، فالبعد ما بين السماء والأرض.
أوباما يمكن أن يعطي كلاماً، يمكن أن يداعب عواطف الأمة، يدغدغ مشاعر الأمة، هو يطلب رضا الحكومات ورضا الشعوب، إذا حصل على رضا الحكومات ورضا الشعوب فهذا شيء ممتاز جدا، لكن نسأل المصلحة والمنفعة نسأل في أين؟ إذا كانت المنفعة في التحالف الاستراتيجي مع إسرائيل، ولا زال التحالف الاستراتيجي مع إسرائيل هو الأهم عند أمريكا بحسب تصورها لمنفعتها، فإن أوباما لن يسعى لصلح إلا فيه مصلحة إسرائيل، وفيه أمنها، وفيه تفوقها، وأن تكون بسلاحها النووي حاكمة في المنطقة، ومستأسرة للمنطقة.
بالنسبة للحكومات والشعوب، أمريكا لا تؤمن بأن الشعوب يمكن أن تعطيها أكثر مما تعطي للحكومات، وأنها مستعدة للتحالف معها والاشتراك معها في خندق واحد أكثر مما تفعله الحكومات، فالديمقراطية التي تشيدها الشعوب وتكرهها الحكومات، والحكومات هي الصديق الأوفى لن تعطى للشعوب على يد أمريكا.
المحاور:
يشكل منهج الإمام الخميني -قدس سره– في السياسة مرجعية هامة لدى الكثير من السياسيين الإسلاميين، ويرى البعض أن نهج الإمام قائم على الالتزام بالأحكام الأولية وتنفيذها دون التلكؤ فيها، والسعي وراء دراسة المصالح والمفاسد من أجل البحث عن فرص في الأحكام الثانوية، ومن جهة أخرى يرى البعض أن منهج الإمام كان يعتمد دراسة ظروف الزمان و المكان وما يترتب عليهما من رأي سواء كان رأياً أولياً أو ثانوياً، على أي المنهجين يقوم منهج الإمام قدس سره؟
سماحة الشيخ:
قبل الجواب: يأتي حكم يقول الخمر حرام، هناك حكم شرعي بحرمة الخمر، الخمر حرام، نحن عندنا موضوع وهو الخمر، وعندنا حكم وهو حرام، هذا الحرام ثبت للموضوع في ذاته، لموضوع الخمر، لذات الخمر، بلا لحاظ أي شيء آخر، الخمر في ذاته وبصفته الذاتية حكم عليه في الشريعة بأنه حرام ، هذا الحرام الذي يلحق بالموضوع في ذاته من غير لحاظ أي شيء آخر نسميه حكما أولياً. وشيخ حسين يتكلم عن الحكم الأولي والحكم الثانوي. لكن الخمر .. في يوم من الأيام مرض أحدهم مرضاً يؤدي به إلى الهلاك، فإما أن يشرب جرعة الخمر أو يموت؛ لأنه لا دواء آخر لمرضه، هذه نسميها حالة جديدة، ليس أمام حالة خمر فقط، وإنما أمام حالة خمر تتوقف على تناول قليلٍ منه الحياة، للوضع خصوصية من الخارج، مضطراً إليه. الميتة حرام، لكن سيموت، إما أن يأخذ قطعة لحم من الميتة فيبقي على رمق الحياة، وإما أن لا يتناول فيدفن، فيموت، هذه ميتة مضطراً إليها، هذه الميتة المضطر إليها جوزوا أن يأكل منها المضطر بمقدار ما يحفظ رمق حياته، لا يشبع، لا يستأنس ، بمقدار ما يحفظ رمقه، تلك الخمر أنه يتداوى بهذا المقدار بانحسار دواء ثاني، وصارت لديهم حالة اضطرار. هذا نسميه حكماً ثانوياً.
الصوم واجب لكن لما نضم إليه المرض يكون غير مجزي، وغير صحيح إذا كان يضر المريض، راح الوجوب وراحت الصحة.
السؤال يقول: هناك تصوران عن منهج السيد الإمام، أن السيد الإمام عنده حفاظ على الحكم الأولي، يعني وضوئي الشيعي هذا واجب، لكن في حال التقية يمكن أن أتنازل عن المسح للغَسل مثلاً، يمكن أن أنكس مثلاً ، الصلاة مع حالة التقية تختلف عن حالة الاختيار، حالة الاختيارية أصلي صلاتي ، في حالة التقية يمكن أن تتغير صلاتي بعض الشيء.
هذا الرأي يقول بأن السيد الإمام لا ينظر إلى العنوانين الثانية، إلى الطوارئ التي يفرضها تغير الزمان، أو يفرضها تعير المكان. معناه أني أمارس حياتي الإسلامية في موسكو الشيوعية في وقت شيوعيتها الشديدة جداً مثلما أمارسه في بيتنا، وأذهب هناك وأقول الله أكبر!! حاشا السيد الإمام أن يفعل هكذا، هذا لا يفعله إلا مجنون، و(هو) على خلاف الإسلام.
فالحكم الأولي في الإٌسلام حكم محترم، والحكم الثانوي في الإسلام حكم محترم، من أخذ بالحكم الثانوي في مورد الحكم الأولي فقد خالف الإسلام، ومن أخذ بالحكم الأولي في مورد الحكم الثانوي فقد خالف الإسلام. فلا نستطيع أن نقول بأن السيد الإمام يضحي بالحكم الأولي من أجل الحكم الثانوي، ولا نستطيع أن نقول بأنه يضحي بالحكم الثانوي من أجل الحكم الأولي؛ إنما هو عبد لله عز وجل يأخذ بالحكم الأولي في مورده ولا يتعداه، ويأخذ بالحكم الثانوي ولا يتعداه، وهكذا كل فقيه تقي، وكل عالم تقي.
المحور الخامس: الشأن السياسي المحلي
المحاور:
لدينا الكثير من الملفات ذات الأهمية الكبرى والتي لم يتم انجازها وحلحلتها بعد، رغم تقادم الزمن عليها، ما هو الطريق بنظركم لحلحلة هذه الملفات.
سماحة الشيخ:
كل الملفات ليست مستحيلة على الحل، ولكن ليس كل الملفات على مستوى واحد في مسألة الحل. أحدهم نهب مني ديناراً، وأحدهم نهبني مليون دينار، الذي نهبني الدينار حياته لا تتوقف عليه، وأطماعه وطموحاته لا تتوقف على هذا الدينار، شراسة منه ونوع من العبثية، يمكن بمجادلة بسيطة، بأسلوب لين، بأسلوب خشن نوعا ماً، بصفعة إذا كنت قادراً يعطيني الدينار. أبو مليون الدينار، وكل شهرته وكل بذخه مربوط بالمليون الدينار، وبنا أهدافاً كبيره، هنا سيدافع عن المليون إلى آخر نفس، فاستخراج المليون الدينار من عنده ليس بنفس السهولة كاستخراج الدينار من عند الأول، فلنعي هذا الشيء، وأن هناك ملفات إستراتيجية بالنسبة للشعب، وإستراتيجية بالنسبة للحكومة أيضاً، والشعب يحرص على حلها في صالحه، والحكومة تحرص ولو بأن تمدد الزمن، وتماطل، وتسوف، وتتراخى، وترتكب ألف حيلة للاحتفاظ بمكاسبها التي يوفيها لها هذا الملف.
هذا يأتي حتى في الحس، أنت اليوم قوتك توصلك إلى ركوب هذه التلة، هذه التلة يجب عليك ركوبها إذا كان فيها ربحك، ولا تتعذر بالقصور لأنك مستطيع وإن كنت ستتعب في صعودك إلى التلة. مرة تريد أن تصعد قمة إيفرست، متروض قليلاً ولديك عضلات، هنا يجب أن يكون عندك طموح إذا كنت تحمل الاستعدادات الداخلية، هنا أنت واقف غما أن تصر بإمكاناتك العادية أن تصل لقمة إيفرست، وأنت غير مؤهل بالواقع. وإما أن تقف وتقول أنا أحكم نفسي بالموت، أين أنا والصعود، وتتهيب وتقف، وإما أن تسعى تدرجياً لوصول قمة إيفرست.
نحن نريد حكومة من صناعة الشعب، من اختيار الشعب، نريد ملكية دستورية حقيقة، الصلاحيات العملية في يد الشعب، مطلب مشروع يتفهمه الوضع العالمي، حتى الإعلام المحلي والإقليمي لا يستطيع أن ينكر مشروعيته الأرضية، مشروعيته القانونية، العرفية.
لكن الحكومة مرة لديها بطالة، موضوع البطالة وموضوع الحكومة الشعبية في ظل ملكية دستورية، هذا مطلب وذاك مطلب، المطلبان ليسا بمستوى واحد، ثمنهما ليس واحداً، والطريق إليها ليس بمستوى واحد.
أحدهم يقول الملكية الدستورية بهذا المعنى مستحيل لا نسعى إليه، نقول له خطأ، ومرة يتحقق الآن في هذه الدقيقة، يقول إن شاء الله تكون ملكية دستورية في هذه الدقيقة، لا يكون. ثالث يقول عندنا مطالب، التجنيس لابد أن يقف، التمييز لابد أن يقف، ملكية دستورية بالمعنى الغربي يجب أن نسعى إليه، هذه أراء ثلاثة أختر رأياً منها.
المحاور:
هل ترون وجود توجه جدي عند الحكومة لتوافق وطني ينهي المشكلات الحادة؟
سماحة الشيخ:
إيماني بالعكس، الحكومة ليس لديها توجهاً جدياً لحد الآن في السعي لحالة توافق، لا أدري إذا كان مضمراً عندها، لا أدري. أما على مستوى الظاهر ليس موجود. إذا كان ضمن هذا وتريد أن تناور، وتسوف، وتفوت فرصاً، وتطول الطريق بعض الشيء، أو تحاول أن تيأس فتُسكِت، لا أدري. وعندها ضمير بنية أنها تعطي مكاسب، تخلق حالة من التوافق، وإلا في المستوى الظاهري الحكومة تثير مسألة الحوار على صعيد الصحافة، وفي الأجواء السياسية لمدة معينة وربما تنتهي سخونة الحملة بانتهاء أهدف الإثارة.
قد تبدأ فعلا مسألة حوار ثم تغلق الباب سريعاً؛ لأنها مؤقِتة سابقاً لمسألة الحوار، تأتي الظروف تفتح الحوار فيها على مستوى الصحافة، أو تتقدم خطوة على طريق بداية الحوار ثم تتراجع. يجب الإصرار والعمل السلمي الحكيم على المطالبة بالحقوق، وبالصورة الخاضعة للحكم الشرعي، والخاضعة للأساليب العقلائية، والتوقف عن المطالبة بالحقوق أمر حرام، ويجب المطالبة بالحقوق بما يرى الرأي المدروس بأنه موصل إلى الحقوق وليس مبعداً عنها.
أسئلة الحضور
المحاور:
هل لك أن تسلط الضوء على حقبة السبعينات خصوصا حقبة البرلمان ثلاثة وسبعين، كيف تقيم دور الكتلة الإيمانية في الساحة السياسية آنذاك؟ كيف كانت تتخذ قراراتها المصيرية؟
سماحة الشيخ:
هناك فاصلة معنوية كبيرة بين التجربة الأسبق وبين التجربة الحالية، بقدر ما هناك من فاصل زماني، هناك فاصل في المستوى، مستوى الشعب، مستوى الخبرة، مستوى العلم، كانت الكتلة الإسلامية عدد منها شبه أميين، أو بمستوى دون هذا المستوى الحالي الذي تعيشه الساحة، حتى الذين درسوا هو بمرحلة البكالوريوس، إذا كان القليل من الإخوان من الكتلة، هذا لحاظ لابد أن يلحظ، الحالة الإسلامية كانت هامدة، ليس حالة النواب، الحالة الإسلامية العامة، بعد لم يبدأ الإسلام السياسي في الساحة. وإذا كان له وجود فهو وجود ضيق وخفي ومحدود، ولا يكاد يكون مؤثراً، وكانت الجولة جولة اليساريين، الكلمة العليا في الساحة لليساريين، كان فكرهم غازياً للقرى والمدن.
بدأ الإسلام السياسي في البحرين في الظهور على الساحة، على السطح، وبدأ ذكره يدخل عالم الصحافة في تجربة المجلس، الكتلة كانت متراصة في عدد منها، وكان بعض لاحقاً، ليس من أصل الكتلة وإنما من أصدقائها في بعض المواقف، كبعض التجار إذا كانوا نواباً، لا يستطيع أن يدخل الكتلة الدينية، ولابد أن تكون له رؤاه وتقديراته المختلفة، لكن في موقف مذهبي يمكن أن يستفاد منه في الموقف، في الرأي، أو في المناصرة.
كان الطابع الإسلامي ظاهرا بشكل فاقع وواضح وغير متخفي أبدا، ظهر من الكتلة الإسلامية ما لم يكن يتوقعه اليساريون والقوميون بشكل عام، ما كانوا يتصورون أن دراسة النجف مثلاً تعطي قوة في الرأي، وصلابة في الموقف كالذي رأوه من الكتلة.
على تاريخ اليساريين الطويل، وعلى إمدادهم من الدول بمشاريع القوانين وبالرؤية السياسية، أما نحن فتستطيع القول بأننا عصفور بلا أجنحة، ليس لدينا أي إرتباط بأي مكان، وليس عندنا من يقدم لنا رؤية سياسية وتشجيعاً ولا أي شيء، كانت الكلمة المشجعة كلمة الشهيد الصدر أعلى الله مقامة، وكذلك الموافقة من الشيخ زين الدين. الشهيد الصدر رحم الله كان يشدد على النزول والمشاركة في تجربة المجلس التأسيسي.
كانت المواقف قوية وحادة في بعض الموارد، وكانت النقاشات الثنائية قد تمتد طويلاً مع وزير الخارجية محمد بن مبارك، النقاشات الثنائية في بعض الموارد كإسلامية الدولة، أو موقع الإسلام في المصدرية، مصدر رئيس، مصدر رئيسي، دولة عربية إسلامية، دولة عربية، ومثل هذه القضايا، كان النقاش يمتد لمدة طويلة.
حتى العضو الذي لم يستطع أن يقدم رأياً مؤثراً يمكن أن يكون له دور عملي فاعل، أتذكر من الحاج محمد بن ضيف الدمستاني كان عضواً في المجلس الأول التأسيسي، في مسألة مصدرية الإسلام، كان يهز الكراسي بين فسحة الجلسة -الجلسة مفصولة إلى فصلين- شيخ خالد بن محمد وزير العدل الأسبق أو أحد الآخرين يسأله: ماذا تفعل؟ قال أجهز خشب. وبدأ حضور الإسلام في الصحافة، في الشارع، مع بداية التجربة البرلمانية والمجلس التأسيسي.
المحاور:
ما هو دور الشباب الجامعي تجاه المواقف السياسية؟ أو الممارسة السياسية؟
سماحة الشيخ:
الصلاة واجبة على المسلم في أي موقع كان، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على المسلم في أي موقع كان، لكن لا بمعنى أن يتفرغ الطالب الجامعي للسياسة ويهمل دراسته، ولن ننجح سياسياً، ولن ننجح في أي بعد من أبعاد الصراع ليس الداخلي هنا في البحرين ، الصراع مع الآخر، إلا بسلاحين، لن نبلغ مبلغاً مُرضِياً في الصراع إلا بسلاحين، سلاح الإيمان والعلم. وليعي الطالب الجامعي أنه يخوض ميداناً من ميادين الجهاد الكبرى في دراسته، وإذا حمل هذه النية، نية أن يصنع من نفسه جندياً قويا للإسلام في بعد العلم، فإنه في طاعة، كأن يدرس الرياضيات،أو يدرس التاريخ، أو يدرس أي اختصاص من الاختصاصات الجائزة المباحة، مع محافظته على دينه، وتجنبه للشبهات، يكون في دراسته كأنه في المحراب، إذا كان يقصد من ذلك أن يصنع نفسه شخصاً قوياً تنحفظ به عزة الأمة ، وكرامة الأمة، وأصالة الأمة، ويحمي عن حماها ودينها، وهذا الطالب يمارس السياسية الناجحة على مستوى الدور التمهيدي. لن تكون القادر على التغيير بلا علم، فصبركم على الدرس، وبذلكم الجهد الكبير في الدرس مطلوب جداً لصالح الأمة وربحها. تشارك سياسياً، وتحمل الهم السياسي، وتأمر بالمعروف وتنهى عن منكر، وتكثر الجماعة الناهية عن المنكر الآمرة بالمعروف، ولكن كما أنه لو توقف البحار عن بحره للسياسية، والنجار عن نجارته للسياسية، والطبيب عن طبه للسياسية، والطالب عن دراسته؛ لتعطلت الحياة، وحينها لن نحتاج للسياسية، ضعفناً سيقضي علينا، أرجوكم جداً أن تعطوا اهتماماً كبيرا لدراستكم في المسارات الصالحة والمباحة، وأن تحملوا هم الأمة، ويوم أن يناديكم نداء الدين لساحة السياسية في موقف من المواقف تكونون الجنود الصادقين المخلصين.
المحاور:
عندما تتخذون رأيا في الشأن العام، هل تستشيرون نخبة معينة، أو يكون الرأي منفردا؟
سماحة الشيخ:
قرأت عن السيد الإمام ولا أدري دقة المعلومة لأي حد، ولا أقدم أن هذا صحيح إلا في حالات خاصة جداً يرى فيها (أن) الأخذ بخلاف رأيه خلافٌ للدين، كان يكتب شيئاً ويقول: تلقونه بما هو هو ولا تبدلون حرفاً واحداً، عندهم اقتراحات، النخبة، الصفوة، الكبار، بهشتي ومطهري، يقول لهم: لا تبدلون حرفاً واحداً، يشيرون عليه أنه يمكن هاهنا أحسن. هذا في المواقف التي فيها جزم وحسم واضح جداً بدقة الرأي فيه، في مواضع نادرة، وهذا سأصدقه في المواضيع النادرة، وفي المواضع التي يرى تحتم الأمر الديني فيها.
أنا عشت تجربة الجمعية وبقيت في رئاستها حتى الاعتذار، وإن شاء الله ما ضاق صدر أصحابي بي، ولو كنت دكتاتورياً لضاق صدرهم بي سريعاً، ودخلت تجربة المجلس (العلمائي) ومع صغر قدري، وضعف إدارتي وتقصيري، إلا أني كنت المعتذر لا المطرود من رئاسة المجلس، ولو كنت الخشن، الفظ، الغليظ، والمستكبر على الرأي الآخر لما كان هذا.
ولكن ليس كل ما يريد الآخرون أستجيب له، ولا أرضى أن أكون جملاً يركبني الآخرون، وكما يحترم الآخرُ رأيه، فعليّ إذا وثقت من الرأي أن أحترم رأيي، من حقي أن أحترم رأيي كما هو للآخرين أن يحترموا رأيهم. ولكن أقول: تجربتان هنا موجودتان ربما تشهدان بأني لست الفظ الغليظ الهازئ بالرأي الآخر والمستهزأ به.
والآن إذا كنت معروفاً بالارتباط بالوفاق وارتباط الوفاق بي، فإن الوفاق يؤخذ الرأي فيها بالدراسة، وحين تأتي الوفاق لتسمع مني شيئاً، لا تسمع مني إلا بعد أن أسمع منها، والرأي يؤخذ بالتعاطي، الرأي يُتبادل ويُتعاطى، وقد نذهب مشتركين برأي واحد، وقد نختلف في النادر، يجوز أن يختلف (الرأي) ، وإذا اختلف لابد لحاكميةٍ لأحد الرأيين على الآخر.