خطبة الجمعة (491) 24 ربيع الأول 1433هـ ـ 17 فبراير 2012م
مواضيع الخطبة:
الخطبة الأولى: التربية بالآلام
الخطبة الثانية: لغة الذكرى
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي خلق فسوّى، وقدَّر فهدى، وأخرج المرعى، وهو سامع النّجوى، ومنقذ الغرقى، ومنجي الهلكى، ومدبّر ما في الأرض والسّماء، وهو الذي أضحكَ وأبكى، وأماتَ وأحيا، وخَلَقَ الزّوجين الذّكر والأنثى، ويعلم السِّرَّ وأخفى.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم تسليماً كثيراً كثيراً.
أوصيكم عباد الله ونفسي الجهولة بتقوى الله، ولنطلب الصِّدق في الدّين، وطُهْرَ السريرة، ونقاء الضمير، وجمال المعنى الذي تَزين به النفس، وتبلغ غايتها.
وما نَفَعَ امرءاً أن يكبُر في عيون الناس، ويَزينَ في ناظرهم، وهو الصّغير القبيح فيما يعلمه من نفسه. ولا يَسرُّ عاقلاً أن يرى يده نظيفة، وقلبه يستولي عليه القبح، وسريرته مأسورة للدّاء.
ولا ينفع أحداً عند الله سبحانه أن يَرضى الناسُ بظاهره انخداعاً، والله يعلم منه السّوء. ولا يضرّك أن يسوء بك ظنّ النّاس إذا كنت عند الله مَرضيّاً. ومن كان عَلَناً أجمل منه سرّاً فقد خالفَ الأمانة.
تقول الكلمة عن الإمام عليّ عليه السلام:”من طابق سرّه علانيته، ووافق فعلُه مقالته، فهو الذي أدّى الأمانة، وتحققت عدالته”(1).
اللهم صلّ وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبدالله وآله الطيبين الطاهرين، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أ جمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم أصلح لنا سرائرنا، ونقِّ قلوبنا، واشف صدورنا، ونوّر ضمائرنا، وطيّب حياتنا، وأحسن مثوانا، واجعلنا محلاًّ لرحمتك، وأهلاً لإنعامك وإكرامك يا رحيماً لا تبلغ رحمتَه رحمة، ويا كريماً لا يشبه كرَمه كرم، يا متفضّل، يا محسن، يا حميد، يا مجيد.
أما بعد أيها الأعزّاء من المؤمنين والمؤمنات أجمعين فالموضوع تحت عنوان:
التربية بالآلام:
كلُّ شيء في الكون خاضعٌ لإرادة الله، محكومٌ لقدره، ولا شيءَ منه يملك أمر نفسه مُستقِلاً عن حُكْم ربّه.
ولكن من قَدَرِ الله وحكمته أن جعل الإنسان مسؤولاً عن تربية نفسه بعد أن وفّر له الاستعداد، وأقدره، ووهب له الإرادة وخيّره، من غير أن يصير به ذلك إلى الاستقلال، والخروج عن إرادة بارئه.
والتربية في حياة الإنسان لا ترتبط بمرحلة دون أخرى من عمره، وإذا تحمّل مسؤوليةَ تربية الفرد قبل تكليفه غيرُه، فإنه يبقى هو المسؤول الأول عن تربية نفسه بقية حياته، وعن صناعة مستواه في حاضره ومستقبله(2).
والتربية دورٌ جهادي للخروج من القوّة إلى الفعل، ومن النقص إلى الكمال.
وتأخذ التربية هذا المسار: مسار معاناةٍ من نقص، وتطلُّعٍ إلى كمال يخلِّص من ضغط المعاناة، فحركة في اتجاه الهدف يوفّرها الاستعداد الموهوب من الله تبارك وتعالى.
والنقص الذي يغفُل عنه الإنسان لا يكون بداية حركة مفضية للكمال، ولا نقطةَ انطلاق لكسب القدرة والتفوّق.
فما يولِّد إرادة التغيير أن نُحسَّ بنقصنا، وأن يضايقنا هذا النقص، ويسبِّب لنا المشاكل، ولا نجدَ ما يُسعفنا معه للخروج من الألم ودفع الأخطار، والإحساس بالأمن والقيمة إلاّ بأن نتحرك في اتجاه تغيير أنفسنا قبل كلّ شيء آخر، وتحسين مستوانا وقدرتنا بالفعل.
ومن هنا يأتي الدور الإيجابي للمشاكل والأمراض والحوادث الطبيعية والأزمات الاقتصادية والتحدِّيات المختلفة في تحفيز الإنسان لتجاوز مستواه الفكري والروحي والنفسي والإرادي الفعلي بكلّ ما أُوتي من استعداد من أجل مقاومة التحدّيات وهزيمتها، وتحقيق المستوى الذي يُوفّر له القدرة على معايشتها والتغلّب على ما تُسبّبه من آلام ومتاعب وصعاب.
في ظلِّ الظروف الناعمة، والأجواء التَّرفية الحريرية، وسُكْر اللذة لا يتجمّد الإنسان عند مستواه الذي تحقّق له من الإنسانية والقوّة فحسب، وإنما يصير إلى ترهّل، وضعف، وتخلّف، وتآكل، وانحدار في كل مسارات إنسانيته من فكر، وروح، وإرادة، وفعل، وردّ فعل، ويكونُ المهزومَ في داخله، المسحوق أمام أيّ ظروف من ظروف الشدّة التي لا تفتأ تُواجه الأفراد والمجتمعات في ساحة الحياة.
إنَّ حياة الشّدائد إذا تعامل معها المجتمع التعامل الرشيد وعلى ضوء المنهج الإلهي القويم تلهمُه، وتثير مكنون طاقاته، وتصقل رؤيته، وتستنهض إرادته، وتُصلِّب مقاومته، وتُطلق قوة تفكيره، وتضعه على خطّ الإبداع والابتكار والتجديد، وتبني جميع أبعاده.
ولو ظلّ الفكر البشري بلا تحديات، والإرادة البشرية بلا مواجهات، والنفسية البشرية بلا صدامات لما وجد شيءٌ من ذلك طريقَه إلى النموِّ والقوّة والاشتداد.
يحتاج تقدّم الأفراد، وتقدّم الأمم إلى محفِّزٍ خارجي، وفي تحديات الخارج يجد الإنسان محفّزاً للحركة، وإلى استعداد داخلي إلى النموّ، وقد توفَّر الإنسان بفضل ربِّه على هذا الاستعداد، وإلى منهج ناجح يسير على هداه، وقد أوحى الله عزّ وجلّ بهذا المنهج لأنبيائه ورسوله، وورثه أولياؤه وأصفياؤه، والحملةُ المخلصون الصّادقون لرسالته.
وليس في حياة الدّعة والترف إلا ما يستتبع خمود الفكر، وهبوط الهمّة، وضعف الإرادة، وهشاشة الذات في كل أبعاد إيجابياتها. لا تُخرّج الدّعة والترف إلاّ أمة خاملة مائعة مهترئة، مغلوبة على إرادتها.
أمّا الأمّة القويّة، الفاعلة، النابهة، الصامدة فلا تُولَد إلا من مخاض المعاناة القاسية في معركتها مع ألوان وأكداس التحديات.
ومن رحمة الله بعبده أن يبتليه، ويهديه إلى السّبيل السويّ، ويعينه على تحمّل البلاء، وإلاّ أسَنَت نفس العبد، وجافت ذاته، ولم تترك منه حياةُ الترسّل واللين والاسترخاء فرصة نهوض إلاَّ وأتت عليها، وذهبت بطاقاته الخيّرة، ومواهبه الكريمة في مهبِّ الريح العاصف والضياع.
والدروس النظرية وحدها، والمواعظ الأخلاقية من غير عملية تحدٍّ للنفس، ومقاومة منها لها لا تكفي لصناعة ذات إنسانية قويّة على مستوى الفرد أو المجتمع.
وإلمامك النظري بكلّ ما كُتب حول السباحة أو أيّ رياضة بدنية أخرى لا يُكسبك قدرتها، ولا يوفّر لك ما توفّره نفسها من عوائد. ووصفك القوّة غير اتصافك بها.
والذين يعرفون قيمة الابتلاءات التي تعتري الإنسانَ في هذه الحياة، وما تنتهي إليه من فوائد جليلة لمن استجابوا لمنهج الله عز وجلّ في التعامل معها، وصبروا عليها، وأجادوا الاستفادة من مصنعها لا يستوحشون منها، بل إذا طال الأمد بينهم وبينها(3) أحسّوا بالحرمان، وأساءوا بأنفسهم الظنّ، وربما حنّوا إليها.
ولا يؤذي هؤلاء أن يعيشوا المحن التي يرون فيها بناء ذواتهم، وخروجهم منها رابحين بعد صبر، وبقوة أكبر وأجر عظيم. مثلهم في ذلك مثل من يشرب الدواء المرّ على طريق الشّفاء من مرض فيه هلاكه، وهو يرى أنَّ في هذا الدّواء دفعَ الهلاك، والموت المحتّم.
وكما يحلو الدّواء عند طالب الشِّفاء، والنجاةِ من الهلكة كذلك يحلو طعم البلاء والشّدائد بمختلف ألوانها عند من يشعرون أنّ علاج ضعفهم، واشتدادَ قوّتهم، أو خروجَهم من الذّلّ والاضطهاد فيها.
يبقى أن نعود إن شاء الله إلى جملة من النصوص لنتحدث في ضوئها في هذا الموضوع.
اللهم صلّ وسلّم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبدالله وآله الطيبين الطاهرين، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم اجعلنا راضين بقضائك وقدرك، صابرين على بلائك، غير مفارقين لدينك، وجنِّبنا مضلاّت الفتن، واجعلنا في درعك الحصينة التي تجعل فيها من تريد.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{وَالْعَصْرِ، إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}(4).
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي لم يخلق شيئاً عبثاً، ولا لحاجة منه لما خلق. لكلّ خلقه غاية تتّصل بتكميل ما خلق حسبما يتّسع من المخلوق له قَدْرُه، وتتحمّله مرتبة وجوده، وما يمكن له أن يبلغه. وكلٌّ متلقٍّ من جوده، مستقيلٌ من فيضه بقدر طاقته، وما عليه استيعاب ذاته، وسعة إنائه من غير نقص في الفيض، ولا ضيق في العطاء.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وزادهم تحية وبركة وسلاماً.
عباد الله التقوى، التقوى؛ تقوى الله الكافي عمَّن سواه، والذي لا يكفي عنه كلُّ من عداه. ومن عَرَفَ الله اتّقاه، ولا يُحرم تقوى الله إلاَّ من عَمِيَ قلبُه، وتعطّلت بصيرتُه، وطُمِرت فطرته، وغشّاه الضّلال(5).
وكيف لا يخشى قلبٌ وهو يرى الله ربَّه الملِكَ الحقّ المبين الذي لا شيء إلاّ وهو مِلْكٌ له، قائم به، خاضع لإرادته، محكومة لمشيئته، وكلُّ خيره وشرّه بيده، ولا منقذ له من غضبه، ولا مخلِّص له من عذابه وعقوبته؟!(6).
اللهم اجعلنا وإخواننا المؤمنين والمؤمنات ممن يراك، وارزقنا من معرفة عظمتك ما يجعلنا نخشاك، وأسعدنا بتقواك، ولا تُشْقِنا بمعصيتك، وخر لنا في قضائك، وبارك لنا في قدرك، واختم لنا بخير ختام يا رحمان يا رحيم يا كريم.
اللهم صلّ وسلّم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبدالله خاتم النبيين الصادق الأمين، وعلى علي أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصديقة الطاهرة المعصومة، وعلى الهادين المعصومين؛ حججك على عبادك، وأنوارك في بلادك: الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم.
اللهم صلِّ على محمد وآل محمد، وعجِّل فرج وليّ أمرك القائم المنتظر، وحفّه بملائكتك المقرّبين، وأيّده بروح القدس ياربّ العالمين.
عبدك وابن عبديك، الموالي له، الممهِّد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين، وفِّقهم لمراضيك، وسدِّد خطاهم على طريقك، وانصرهم نصراً عزيزاً مبيناً ثابتاً قائماً دائما.
أما بعد أيها الأعزّاء من المؤمنين والمؤمنات فإلى موضوع تحت عنوان:
لغة الذكرى:
انقضى عام على الرابع عشر من فبراير للعام الميلادي 2011، والبدايةِ للحركة الإصلاحية العارمة في حلقتها الجديدة، والمتّسمة بالتصاعد والاتّساع، والضّاربة في التجذُّر، والممتنعة على التراجع، والتقلّص، والانحسار.
وجاء يوم ذكراها يومُ الرّابع عشر من فبراير من عامنا هذا وهو 2012 ليعلن ناطقاً بلغة عملية فصيحة لا تقبل التشكيك بأنّ المسافة بين الحكومة والشعب تتباعد، ولا تتقارب، وذلك على خلاف المطلوب والمُتمنّى، وأنّ الحكومة على عنادها ومقاومتها لمطالب الشَّعب، وتمسُّكها بالعنف والردع بالقوّة، وأنّ الشعب على إصراره وإيمانه الراسخ بضرورة مطالبه، وحقِّه فيها، وعدم تنازله عن شيء منها، واستعداده المفتوح للتضحية من أجلها.
هذه هي اللغة الصريحة التي حملتها أحداث الأيام القريبة التي مرّت من خلالها الذكرى، وخاطبت بها الداخل والخارج على السّواء.(7)
إذاً لا أساليبُ الالتفاف والخداع السّياسي، ولا تخريجات الحلول السياسية الفارغة التي مارسها النظام عاماً كاملاً، ولا المناصرة العسكرية للمحيط الخليجي، ولا التشجيع الرسمي العربي، ولا الصمت الدولي أجدى شيئاً، ولا أيٌّ من أساليب الإرهاب والقمع التي صبّت على الشعب من قِبَل الحكومة فأذاقته صنوف الويلات قد فلّت من عزيمته(8)، أو نالت من تصميمه على نيل حقوقه بعض نيل، وإنما ضاعفت عزيمته، وزادت من تصميمه، ووسّعت شارع المعارضة، وقوّت صفوفها، وإنْ بَقِيَت الجهة الرسمية على ما هي عليه من تصلُّب وعناد لحدّ الآن إذا ما غضضنا النظر عن لغة الوعود الإعلامية الباهتة، والتصريحات المخادعة المؤقتة التي لا تلتقي مع الواقع، وتتنافى مع العمل، ويرافقها من قرائن المواقف على الأرض ما يؤكّد عدم جدّيتها.
ما قاله الرابع عشر من فبراير هذا الشهر للوضع الرّسمي المحلّي أنّه يمكنكم أن تُبيدوا هذا الشعب المعارض حتى آخر رجل منه وآخر امرأة، وآخر طفلة وطفل من بناته وأبنائه… أنتم تملكون آلة الفتك الكافية لذلك، ولكن لن تملكوا إسكات صوته وتعطيل مقاومته في سبيل حقوقه(9) ما دام شخص واحد منه يمشي على قدم، أو يمكنُ أن يرتفع له صوت(10).
وما قاله الرابع عشر هذا للمجتمع الدولي عليكم أن تُشرِّعوا للوضع الرسمي في البحرين أن يأتي على آخر رجل وامرأة وطفل وطفلة من أبناء المقاومة وبناتها هنا أو تحملوه على الإصلاح الذي يرضاه الشعب.
ولا خيار ثالثاً أمام الوضع الرسمي، والمجتمع الدولي غير ما ذكرناه. أمّا الخيارات الأخرى فهي من التلاعب المكشوف، ولن تكسر إرادة هذا الشعب، ولن تستغفل إرادته.
إذا كان الخيار الأوّل(11) هو الخيار الرّشيد، وترون أنَّ له نصيباً من الوجاهة الدينية أو الإنسانية، أو الحضارية أو الحقوقية فلتأخذوا به جميعاً ليتسجّل في التاريخ أنَّ شعباً قد أُبيد بقرار حكومته، وتشريعٍ دولي لأنّه طالب بحقوقه وحريته وكرامته، فيَشرُف بذلك تاريخكم، وتاريخ حضارتكم، وتاريخ الإنسان على الأرض(12).
إنَّ هذا الشعب ليس بصدد المقاتلة لعساكر الدولة، ولا يملك آلة المقاتلة، ولا يتّجه هذا الاتجاه، ولا يتبنّى هذه السياسة، ولا يسعى على طريقها، والناصح لا ينصحه بذلك، وهو نفسه أشفق على وطنه من أنْ تقوم على أرضه حرب طاحنة، أو يستهدفَها سوء من الداخل أو الخارج، ولكنه يملك يقيناً بحقّانية قضيّته، وعدالة مطالبه، ويغنى بروح التضحية العالية في سبيل أمنه واستقراره، وحريته، وعزّته، وكرامته.
ولنسأل ما هو الأبقى لأنظمة الحكم التي تحرص على البقاء؟
هل هو خنق حرية الشعوب حتى تتفجّر الشعوب غاضبة؟
هل هو التمييز بين إخوة الدّين والوطن، وحتى بين الفئات الاجتماعية المختلفة ديناً أو قومية لخلق الفتن؟
هل هو تشديد التضييق الدّيني والسياسي والمعيشي على الشّعوب حتى تكفر بقيمة الحياة في ظل الأنظمة الضاغطة؟
هل هو في الرد القاسي على احتجاجات الشعوب ومطالبتها بالعدل والحق واحترام إنسانيتها، وتمتّعها بحقوق المواطنة الكاملة بأزيز الرصاص، وهدير المدافع، وقصف الدّبابات، وبإسقاط مزيد من الشهداء؟
من تصوّر أن هذا هو طريق البقاء المريح والمستقر للأنظمة الحاكمة فهو يحاول أن يُصِمّ سمْعَهُ عن لغة الواقع القائم، ويُصْغي للغة أخرى من وحي الخيال، وينسى دروس الحياة الصّارخة.
وأيُّ حكومة مسلمة لو رأت واهمة أنَّ بقاءها مرهون بممارسة الظلم، والقهر، والعَسْف، والقتل الحرام لكان لها لو انسجمت بعض الشّيء مع الإسلام حاجز من إسلامها وخوف الله من الدّخول في الظلم فضلاً عن التمادي فيه، والإسراف في دماء المسلمين من أجل بقاء حكمها.
ليس أبقى للأنظمة من أن تتصالح مع شعوبها وتُنصف النّاس من نفسها، وتعدِل بينهم، وتنال مودّة من تحكم، ولا يكون ذلك إلا بإعطاء الحقوق، والاعتراف بقيمة الشّعوب، وإشراكها في أمرها، بل إرجاع أمرها إليها، واعتبار الشعوب الأصلَ، والنظر إليهم بما هم أصحاب الثروة، ومحطّ الاهتمام الإيجابي المخلص للسّياسة.
ما نريده لعالمنا الإسلامي والعربي ولمحيطنا الخليجي أن لا يبقى على تخلُّفه، وأن لا يُظلَم فيه إنسان، ولا تُهمّش شعوبه، وأن ينتهي فيه التمييز، والتضييق الدّيني والدّنيوي، ويعترف للشعوب بحقوقه في ممارسة دورها الإيجابي، وتحديد مصيرها. وألاّ تكون مجتمعاته مساحة للنزاعات، وصراع الشعوب والحكومات، وألاَّ تتفتت لحمته، وأن لا تدخل الحكومات في هذا العالم(13) في قتال بينيٍّ لمصلحة الأجانب.
وهذا سؤال آخر: لمن البحرين؟
البحرين لأبنائها كل أبنائها من شيعة وسنة، من كان في موقع من مواقع الحكم، ومن لم يكن من كبير وصغير، وذكر وأنثى.
هي لهم جميعاً بكلّ حبّة رملٍ فيها، وبكل خيرها، وبكل ما يفرِض كونُها وطناً لهم جميعاً من حقوق وواجبات.
هذا هو المنطق الصّحيح، وما يجب أن يجدَ تطبيقَه على الأرض.
أمَّا أن يقول قائل أيّاً كان أنَّ البحرين وطنٌ لفئة دون فئة، لطائفة دون أخرى، لعائلة دون عائلة فهو من كلام الخيال، ومنطق سقيم، مردود على صاحبه بكل المقاييس، ولا يُراد به إلاّ الفتنة والتمزيق.
اللهم صلّ وسلّم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبدالله خاتم النبيين والمرسلين وآله الطيبين الطاهرين، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم إنّا نعوذ بك من أن يهون على أنفسنا أن نظلم أحداً من خلقك، أو نستكين لظلم ظالم، أو نسلك غير طريق الحقّ، أو نطلب حقّاً بباطل، وعدلاً بجور، وصلاحاً بفساد.
اللهم لا تجعل لنا مفارقة لدينك، ولا مجانبة لرضاك، والطف بنا في ديننا ودنيانا يا قوي يا عزيز يا رؤوف يا رحيم.
اللهم ارحم شهداءنا وشهداء الإسلام جميعاً والموتى المسلمين، واشف مرضانا وجرحانا ومرضى المؤمنين والمؤمنات أجمعين وجرحاهم، وأطلق سراح سجنائنا وأسرانا والسجناء والأسرى من المسلمين والمسلمات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (14).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – غرر الحكم ودرر الكلم للآمدي، ص134، 4069.
2 – أنت أولى بنفسك من غيرك، وأنت المسؤول الأوّل عن أمر نفسك.
3 – أي تلك الابتلاءات.
4 – سورة العصر.
5- من رأى الله لابد أن يتّقيَه، من ذكر الله لابدّ أن يتّقيَه. القلب الغفول هو الذي لا يتّقي الله، القلب الأعمى هو الذي لا يتقي الله.
6 – قلبٌ يشعر بكلّ هذا ولا يتّقي الله؟!.
7 – لغة من الحكومة خاطبت الداخل والخارج، ولغة من الشعب هي كذلك خاطبت الداخل والخارج.
8 – هتاف جموع المصلين بـ(هيهات منا الذلة).
9 – هتاف جموع المصلين بـ(لن نركع إلا لله).
10 – هتاف جموع المصلين بـ(الله أكبر) (النصر للإسلام).
11 – خيار الإبادة.
12 – فلتستحِ الدول الكبرى، ولتستح كل الدنيا من هذه المظلومية القاتمة، والسحق لكرامة الإنسان، وهدر دمه في هذا البلد، والمجتمع الدولي يسكت على كل ذلك، بل يباركه.
13 – في عالمنا العربي والإسلامي والخليجي.
14 – 90/ النحل.