خطبة الجمعة (411) 27 جمادى الثاني 1431هـ – 11 يونيو 2010م
مواضيع الخطبة:
* متابعة حديث المعاد * مسؤولية
مشتركة * تجديد العقوبات *المؤمن القوي خير من المؤمن
الضعيف
إنَّ مزيداً من الضغط ومواصلته لابد أن يفكَّ الحصار، ولو عمَّ الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر، وإعلان استقباح القبيح، واستحسان الحسن في أوساط الناس
لزالت منكرات كثيرة، ومظالم كثيرة من حياة المجتمعات والعالم.
الخطبة الأولى
الحمد لله الموجود الأوّل موجد كلّ موجود، ولولاه لما كان موجود، محيي كل حي ولولاه لم يوجد حيٌّ، والعليم المعطي لكلّ علم، والقديرِ الواهب لكلّ قدرة، والعزيز الذي لا عِزَّ إلا به، والغنيّ الذي لا غِنى إلاَّ منه، وهو الذي تقوم به السّماوات والأرض، ومِنْ عنده يُرزق العباد.
أشهد أن لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له، ولا عديل، ولا خُلْفَ لقوله ولا تبديل، وأشهد أنّ محمَّداً عبده ورسوله أكرمه بالرِّسالة، وختم به النّبوّة، ورزقه الدّرجة الرّفيعة، وأنقذ به من الجهالة، وهدم به الضّلالة، وهدى به أفواجاً وأُمماً صلَّى الله عليه وآله وسلّم تسليماً كثيراً كثيراً.
أُوصيكم عباد الله ونفسي الأمّارة بالسُّوء بتقوى الله العليّ العظيم، العزيز الحكيم، العدل الذي لا يجور، والرّقيب الذي لا يَغفُل، والعليم الذي لا يجهل، والخبير الذي لا يُغالَط، والقدير الذي لا يُقاوَم، وأن نستجيب لما دعا إليه من اتّباع سبيله، والأخذِ بأحكام دينه، والمسابقةِ في الخيرات وصولاً إلى مراقي الفضيلة ومواقع الرِّضى، ومنازل الكرامة عنده وهو الرّؤوف الرّحيم، والجواد البرّ الكريم.
اللهم صلّ وسلّم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبد الله وآله الطيبين الطاهرين، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم. اللهم الطف بنا وارحمنا ولا تؤاخذنا بما أسأنا، وتجاوز عنّا، واقبلنا، وأكرمنا بطاعتك، ووفّقنا للمجاهدة في سبيلك، وانصرنا على أنفسنا، وعلى الشّيطان الرّجيم، وجندِه الغاوين، وأحسن حالَنا ومآلنا يا أكرم الأكرمين، ويا أرحم الرَّاحمين.
أما بعد فلنعُد لحديث المعاد المتواصل:
تقدّم الكلام عن عدد من الأسئلة التي تواجه الإنسان في قبره كما تذكره الكلمة عن الإمام زين العابدين عليه السلام. ومن تمام كلمته:”…. فخذ حذرك، وانظر لنفسك، وأعدّ الجواب قبل الامتحان والمساءلة والاختبار…”(1).
الوصية هنا أن لا نشتغل بشيء من عظائم أمور الحياة الدّنيا فضلاً عن تفاهاتها عن أمر الآخرة والإعداد لها(2). فكلّ ما عظُم في نظر الإنسان من شؤون هذه الحياة وأحداثها لا يُمثّل شيئاً بالنّسبة لأمر الآخرة، ولا يصحّ أن يصرف عنها، ولا يملك أن يُنقِذ من خَطَرِها، ولا يُحقِّق فوزاً فيها(3).
ولأنَّ المسافة بين يوم الدّنيا ويوم الآخرة قريبة، وأجلَ المرء لا يعلمه، ولا حدّ من زمن للحياة هناك صار إهمال شأن الآخرة غباءً وسفهاً وتفريطاً، وعدمُ الاستعداد ليومها المباغت تضييعاً، وفيه من الظُّلم للنّفس ما لا يرتكبه عاقل في حقّ نفسه. ولا تَدارُك بعد الموت لدفع الضّرر حيث يبدأ الحساب وينتهي العمل.
وإنَّ الإمام زين العابدين عليه السلام لينصح الإنسان وهو النّاصح المشفِقُ الحكيم بأن يحتاط في الحياة لمصيره، ويَحذر من أخطار مستقبله، ويُعِدَّ الجواب لأكبر امتحان يلقاه، ومساءلة يتعرّض لها، واختبار يواجهه، ومحاكمة يُرغم عليها مقهوراً بين يدي العزيز الجبَّار، العدل الحكيم يوم يلقى كتاباً بما كسب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلاّ أحصاها.
وعن الصادق عليه السلام في مساءلة القبر:”إذا مات المؤمن شيَّعه سبعون ألف ملك إلى قبره(4)، فإذا أُدخل قبره أتاه منكر ونكير فيُقعِدانه، ويقولان له: مَنْ ربّك، وما دينك، ومن نبيك؟ فيقول: ربي الله، ومحمد نبيي والإسلام ديني. فيفسحان له في قبره مدَّ بصره، ويأتيانه بالطّعام من الجنّة، ويدخلان عليه الرّوح والريحان…”(5).
جواب الميّت على أسئلة القبر ليس من لقلقة اللسان، ولا يجري فيه زيف ومغالطة وكذب، ولا ينطلق إلاّ من قلب عَمَرَه الإيمان، وصدقت فيه قضية التوحيد، وله خلفيّة من خُطى في الحياة الدنيا قادها دينُ الله، واهتدت بمنهجه، ولم يدخلها نفاق ولا رياء(6).
ولو قُدِّر(7) للجواب الصحيح بالحقّ أن يتمّ في ذلك العالم ولكن ليس وراءه قلب مؤمن بالله(8) في الحياة الدُّنيا، ما كان به اعتبار، ولا ينفع شيئاً. فالحساب إنما يكون على ما عليه العبد في دار الابتلاء، لا على ما صار يعايُنه في دار الجزاء.
ومرّ في الحديث ذكر قضية الطعام في القبر، والقبور لا حياة للأبدان فيها بالحياة التي عرفنا، ولا وجود فيها للطّعام الّذي ألِفْنا، ولا حاجة للحياة هناك ولا ربط لها بموائد من طعام وشراب وأسباب خاصّة مما كانت تعتمد عليها حياة الإنسان في دنياه. فما هو المُتوقّع في حياة القبور للمؤمن إنّما هي لذائذ روح وطيّباتها وموائدها، ورَوح وريحان تنتعش له، ويهنيها.
ويأتي الحديث عن الصَّادق عليه السلام ليدلَّ على أنّ النّاطق في القبر إنّما هو لسان الإيمان والعمل الصالح:”إذا دخل المؤمن قبره كانت الصلاة عن يمينه، والزكاة عن يساره، والبرُّ مطلٌّ عليه، ويتنحّى الصبر ناحية، قال: فإذا دخل عليه الملكان اللذان يليان مساءلته قال الصبر للصلاة والزكاة والبِرّ: دونكم صاحبكم(9)، فإن عجزتم عنه فأنا دونه(10)”(11).
هذه الأعمال الصالحة وغيرها من جنسها، وما لكل هذه الأعمال من خلفية الإيمان الصَّادق هي الرصيد الكبير بعد رحمة الله الواسعة، وهي فريق الدّفاع، ومنها تتأتّى الحُجّة، وتُتلقّى، ويتيسّر الجواب، وبها يسهل الامتحان، وتُتجاوز العقبة(12).
ولا ينفع صاحب القبر من بعد انقطاع عمله بُكاءٌ ولا نحيب من صديق ولا حبيب، ولكن ينفعه مثل ما جاء في الحديث عن رسول الله صلّى الله عليه وآله:”مرّ النبي صلّى الله عليه وآله بقبر دفن فيه بالأمس إنسان وأهله يبكون فقال: لركعتان خفيفتان مما تحتقرون(13) أحبُّ إلى صاحب هذا القبر من دنياكم كلّها”(14).
إنَّ بكاء الأهل لمفارقة حبيبهم هذه الدّنيا، وانقطاعه عن لذائذها، وتغييبه عنها. ولكن من فارق الدنيا وعاين الحقيقة صغُرت الدّنيا في عينه إلاّ ما كان فيها من عمل صالح فيه نجاة، بينما للركعتان شأن عظيم حيث تقدّمان زاداً كبيراً من زاد الآخرة. وليس بعيداً على معنى الحديث أنّ فرحة المؤمن في قبره بثواب ركعتين خفيفتين يُهدى له أكبرُ في نفسه وفي أثره الكريم مما لو أُعطي الدّنيا وهو فيها. فهنيئاً لعبد وَجَد من يصِلُه بِبِرّه من بعده مُضافاً لما قدّمه من الزَّاد الكريم المقبول عند الله لنجاته وفوزه في آخرته. وهنيئاً لمن برّ رحِمَه بمثل هذا البِرّ، أو برَّ به أحداً من المؤمنين.
ويُريدنا الإمام عليّ عليه السلام أن نأخذ الآخرة بمأخذ الجدّ، وأن نجعل الدنيا مركبنا إليها، وأنْ نتزوّد من أيّام نعيشها على الأرض ليوم الممات، ويوم المعاد. وتأتي كلمته في هذا المجال لتستوقف العقلَ، وتهزَّ القلب، وتلهب النفس بشعور الآخرة، وتثير توجُّهها إليها، وتُشعل اهتمامها بما بعد الموت. يقول في الكلمة عنه عليه السلام:”…. فإنكم لو قد عاينتم ما قد عاين من مات منكم، لجزعتم ووهِلتم(15) وسمعتم وأطعتم، ولكن محجوبٌ عنكم ما قد عاينوا، وقريب ما يُطرح الحجاب”(16).
والقائل خبيرٌ بدين الله وأمرِ الآخرة وإن لم يلقَ من أمرها شيئا، ومصدره الوحي المتنزل على رسول الله صلّى الله عليه وآله الذي لم يمسسه غبار، وبصيرةٌ من الله لا تزِلّ، وعلمُه لا تعرضه شبهة، ولا تصرف عنه غفلة، ولا يُكدّره هوى، ولا يقاربه شيطان.
وحقّاً لو عاين أحياءُ النّاس ما عاين أمواتهم من هول الموت وما بعد الموت، ومن كُرُبات، وغصص، ومضائق، وتكشّف حقائق وغوامض لما أَعْرَضَ مُعرِضٌ عن خطابٍ من خطابات الكتاب الكريم، ونداءٍ من نداءات السّنة المطهَّرة، ولما تخلّف متخلفٌ عن تكليف(17)، ولسهل على النفس ما صعب عليها من أحكام.
ويوم الآخرة التي تبدأ بيوم الموت ليس ببعيد، وما بيننا وبين يوم الرَّحيل الذي نشهد فيه عالم الآخرة ليس على حدِّ ما بيننا وبين يوم البعث الذي قد يطول على أنَّ كل آتٍ قريب، وأنّ طبيعة يوم النّشور ستتكشّف لها معالم في عالم القبور.
اللهم صل وسلّم على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم اجعلنا ممن بصّرته فأبصر، ووعظته فاتّعظ، وهديته سبيلك، وأدّبته بأدب دينك، وزيّنته بالتقوى، وأنقذته من الرَّدى، واخترته لحزبك، ومنحته رحمتك، وكتبته من أهل جنّتك، وشرَّفته برضوانك يا من هو على كلِّ شيء قدير، وبالإجابة حقيقٌ جدير، يا من لا يوجد مسؤول مثلُه جوداً وكرماً وحناناً ورأفةً ورحمة، يا الله يا عظيم.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ}.
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي لا تختلُّ موازينُ عدله، ولا تميل أحكام شرعه، ولا تتخلّف سُنَنُه، ولا تتهافت قوانينه، ولا مغيّر لإرادته، ولا مُغيّر لسلطانه، ولا هادم لأمانه، ولا ناقض لما قدّر، ولا مُبدِّل لما حَكَم.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وزادهم تحية وبركة وسلاماً.
عباد الله علينا بتقوى الله الذي لا غِنى لأحد عن رحمته ورأفته، ولا طاقة له بغضبه ونَقِمته، ولا يقوم شيءٌ لسخطه وعقوبته. وإنّ تقوى الله في الأخذ بطاعته، وتجنُّب معصيته. ومرجعُ تفاصيل الطّاعة، ودقائق المعصية إنّما هي شريعته. ولا عبادة لله إلا بما شرّع، ولا طاعة إلا بما أمر، ولا معصية إلا في ما نهى. فلنطلبْ علمَ ذلك من دين الله، ولنأخذ فقهنا من شريعته. ولا تُؤخذ الشريعة إلا من الطرق التي ارتضى، والأدلّة التي أوضح، والأئمة الذين اصطفى، والعلماء الذين وصف.
اللهم صلّ على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم. اللهم اغفر لنا ولوالدينا وأرحامنا وقراباتنا وجيراننا وأصحابنا ومن أحسن إلينا من مؤمن ومؤمنة، ومسلم ومسلمة.
اللهم اهدنا للتي هي أقوم، ولا تعدل بنا عن سبيلك، ولا تُزلّ لنا قدماً عن صراطك، ولا تجعل لنا ميلاً عن أئمة الهدى الذين ارتضيت، ولا ولاءاً لغير أوليائك، ولا حبّاً لغير ما أحببت، ولا بغضاً لغير ما أبغضت، ولا أخذاً بغير ما أذنت، ولا رغبةً في ما كرهت، ولا أُنساً في غير ما يقرّب إليك، ويؤدّي إلى رضوانك يا كريم يا رحيم، يا عليّ يا عظيم.
اللهم صلّ وسلّم على حبيبك المصطفى محمد بن عبدالله خاتم النبيين والمرسلين الصادق الأمين، وعلى علي أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصديقة الطاهرة المعصومة، وعلى الأئمة الهادين المعصومين المنتجبين: الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم.
اللهم صلّ على محمد وآل محمد، وعجل فرج ولي أمرك القائم المنتظر، وحُفّه بملائكتك المقرّبين، وأيده بروح القدس يارب العالمين.
عبدك وابن عبديك، الموالي له، الممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين وفِّقهم لمراضيك، وسدِّد خطاهم على طريقك، وانصرهم نصرا عزيزا مبينا ثابتا مقيما.
أما بعد فهذه عناوين:
مسؤولية مشتركة:
أصبحت مسألة كسر الحصار عن غزَّة وأهلها المظلومين مسألة ضرورية جدّاً، ومسؤوليتها تقع على كاهل كلِّ إنسان قادر على الإسهام في ذلك. وتتركّز المسؤولية وإن كانت تعمُّ العالم على المسلمين والعرب أنظمة وشعوباً. والإسلاميون يتحملون مسؤولية خاصَّة بدافع إسلامهم الذي لا يُقِرّ ظلماً، ولا يعذّر خاذِلاً للمظلوم ما دام يملك أن يدفع ظُلما، أو يشارك في دفع ظلم. وكلّما ازداد إسلام المرء أو الأمة كلّما ازداد الموقف المواجه للظّلم قوة واشتداداً وإصراراً.
وقد أصبحت إسرائيل تحت تأثير الموقف المنكر لعدوانيتها على قافلة الحرية وحصارها الغاشم وأنصارُها مضغوطين بفعل هذا الموقف العامّ وأقرب إلى الاستجابة إلى فكِّ الحصار أو تخفيفه وإن كانت البداية لذلك هزيلة مضحكة حيث السماح بدخول مثل المربّى والحلوى والفلافل إلى غزّة كما نقلت الأخبار، وكأن ما يضيق به صدور الغزّاويين المحاصرين ويؤثر على حياتهم سلباً بدرجة عالية هو توقف مثل هذه المواد.
إنَّ مزيداً من الضغط ومواصلته لابد أن يفكَّ الحصار، ولو عمَّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر(18)، وإعلان استقباح القبيح، واستحسان الحسن في أوساط الناس لزالت منكرات كثيرة، ومظالم كثيرة من حياة المجتمعات والعالم(19)، وإنه بالتفريط في هذه الفريضة الضرورية يعم الفساد، وتسوء الحياة، وتعلو كلمة الباطل، ويُغيَّب الحق. وبحياة هذه الفريضة يظهر الحق، ويُقهر الباطل، وتستقيم الأوضاع، وتنتعش الحياة(20).
وللأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمختلف مستوياته ضوابطه وشروطه وأحكامه التي تُراجع فيها الشريعة كأيِّ شأن من شؤون الحياة.
ويبدو أن العلاقات مع إسرائيل عزيزة على الوجود الرسميّ العربي لا يُضحّى بها، وأن مبادرة السلام أصبحت مفتاح الخير الذي لا بُدّ منه حتى لو أذلّت إسرائيلُ العرب وامتهنتهم، وفرضت عليهم الموت والحصار، وحتّى لو تعنتت واستعلت على الصُّلح والسَّلام، ووجهت لدعوة السلم من العرب مليون صفعة، ومليون إهانة(21).
تجديد العقوبات:
تصرُّ القوى النووية في الغرب والشرق على أن لا تكون مسبوقة في هذا المجال من بعضها البعض، مع حرص كل طرف منها على التفوق في ما يملك من ترسانة نووية، ولا يقبل أن يُفرِّط في هذه القوة على الإطلاق بما يُبقي احتمال تفوّق الطرف الآخر.
وتُنادي هذه القوى بقضية شرق أوسطي خال من السلاح النووي، وترفع شعار “عالم خال من هذا السلاح”. الشعار الثاني إعلامي دعائي تغريري ليس له واقع عملي جاد على المدى المنظور والمتوسّط إلاّ أن تحصل مفاجآت عالمية تُجبِر الجميع أو البعض على الإقدام على خطوة من هذا النوع.
والشعار الأول هدفه شرق أوسط خالٍ من سلاح نوويٍّ إسلامي فقط(22)، وأمّة إسلامية ضعيفة محكومة لإرادة أهل القوّة التدميرية الباطشة.
وتهمة السّلاح النووي الموجهة إلى إيران مفادها أنَّ إيران لا يكفي ما تقدّمه لهم من أسباب الطَّمأنة على أن ليس من نيّتها إنتاج السلاح النووي(23). على أنه لا يكفي لطمأنتهم هذه أي شيء حتى تصريحات المرشد الأعلى وكل المسؤولين، ولا فتح الأبواب لتفتيش الوكالة الذريّة العالمية، والاستعدادُ لتبادل اليورانيوم غير المخصّب بالمخصّب للأغراض السّلمية بضمانة طرف محايد. فالقضيّة أُريدك أُريدك ولو قسمت مليون مرة، وأعطيت من الضمان ما أعطيت(24).
ويؤلم المسلم أن تقف كلّ الأنظمة الإسلامية والعربية إلا النّادر منها موقفاً محايدا أو غير مبالٍ من قرار ظالم صادر أساساً عن الإرادة الأمريكية تتبعها الإرادات الاستكبارية الأخرى الحاقدة أو المشتراة ضدّ بلد مسلم يُمثّل جزءاً مهماً من أمة الإسلام. وهذا الموقف المحايد هو موقف ظاهري أمّا الموقف الباطني فلا يعلمه إلا الله.
ولأكثر ما تطرب نفوس من أبناء هذه الأمة إذا لحق سوء ببلد من بلاد الإسلام ولو على يد كافر. وما أبعد هذا عن الإسلام الحقّ، والمسلمين الصِّدق، ولقد آلم نصر الفرس المجوس المسلمين في صدر الإسلام على الروم المسيحيين للاشتراك في أصل الدين. فأين اليومُ من الأمس؟! وأين إسلامُنا من ذلك الإسلام؟!
المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف:
الإسلام دين القوّة الصالحة، ولا يرضى من أهله إلاَّ بأن يملكوا ناصية القوّة وأسبابَها، وأن تكون هذه القوّة على يدهم للخير والإصلاح. والعلم النّافع قوّة يفرض الإسلام طلبها على المسلمين ليكونوا هم الأقوى، وليكونوا عُمّاراً للأرض مصلحين.
ومن أراد لأمّته أن تعزّ، وتستقلّ، وتستعيد حقوقها، وتملك إرادتها، وتتمتع بكرامتها فلابُد أن يبذل قصارى جهده في طلب العلم.
ولا تقوى دنيا النّاس إلا بعلومٍ من علوم الدّنيا النافعة التي تبنيها، ولا يقوى دينهم إلا بعلوم من علوم الدّين التي تُعرِّف ققيمته، وتحافظ على أصالته، وتحميه من تسلُّل الخرافة، وتُجنّبه الوضعَ الكاذب، وتسمح بتطبيقه، وإعطائه النتائج الكبيرة المترتّبة عليه.
وتخلُّف الأمة عن علوم الدَّنيا تخلف لها فيها، وتخلفها عن علوم الدين يفصلها عنه، وينتج أن تُعاديَه(25).
وطلاب المدارس محتاجون أشدّ الحاجة، وأمتهم محتاجة إلى حدّ الاضطرار إلى أن يجدُّوا في طلب النافع من علوم الدنيا فلابُد أن يسابقوا عليها، ويكدحوا كدحاً شديداً في طلبها، ويُحقّقوا السّبق بعد السّبق فيها.
وهذه أيام امتحانات وهي من أيّام السّباق المحموم والجادّ والمصيريّ في هذا المجال.
والطلاب والأمة أشدّ حاجة لعلوم الدين وتربيته وقيمه وأخلاقه فإن تَوَفَّرَ هذا الزّاد للأمة ربحت عِلمَها وقوّتها وإلا أضرّت عطاءات العلم الدنيوي أكثر مما نفعت، وشقيت بها الحياة والإنسان، وخسِر الإنسانُ قيمته.
وعلوم الدين تُطلب اليوم من المسجد لا المدرسة والجامعة.
وتفتح المساجد والحسينيات ومراكز التعليم الديني أبوابها طول العام وفي العطلة الصيفية لتقوم ببعض الواجب في هذا المجال، وعلى الطّالب أن يعرف مسؤوليّته، وعلى أولياء الأمور أن يعرفوا مسؤوليّتهم أمام الله والمجتمع والأبناء والبنات.
ولا يقِلّ وزن الدين في نفس إلاّ أن تجهل نفسها، وتهبط عن مستواها فترى أنَّ لها وزناً وقيمة في غير الدين وكرامته.
أمَّا من عرف نفسه فلا يجد لها حفظا ووزنا وكرامة في غير الدين، ولا يرضى لها بطريق آخر.
اللهم صل وسلم على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التوّاب الرحيم.
اللهم اجعلنا من أهل الإسلام الذين لا يخونونه في شيء، ولا يقدّمون عليه شيئا، ولا يرتضون عنه حولا، ولا يرون دونه بدلا، ولا يوالون إلاّ من والاك، ولا يعادون إلاّ من عاداك، ولا ينصرون إلا من نصر دينك، ولا يخذلون إلا من خذله، ولا يشتركون في ظلم، ولا يساعدون على باطل. اجعلنا ربّنا ممن يقوم بالحقّ ويقوم بهم الحق، ويظهر على الباطل ويصرعه، وتنتشر بهم راية الهدى، ويعمُّ الخير والصلاح. وأنت أرحم الراحمين، وأكرم الأكرمين.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}(26).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- بحار الأنوار ج6 ص 223.
2 – أيّ عظيم من أمور الدنيا في نظرك، هو شيء لا يستحق أن يستوقف أحدا منا وأن يقطعه عن طريق الآخرة.
3 – الحروب، الزلازل، الكوارث العظمى، الأوبئة الجارفة كل آلام الدنيا لا يصح أن تُلهينا عن أمر الآخرة الذي هو أعظم.
4 – فرق بين موت المنافق وبين موت المؤمن، هذا تشيعه وتبشّره ملائكة الرحمة، وذاك تنذره ملائكة العذاب.
5 – الأمالي للصدوق ص365.
6 – خلفية الجواب الصحيح الحاضر هي هذه الخلفية. حفظيات، عبقريات، ذكاء كل ذلك لا دخل له في ذلك الجواب.
7 – قد لا يستطيع القول بأنه لا إله إلا الله إلا من عاش قلبه هذه القضية وصدّق بها.
8 – لو فرضنا أن شخصاً قلبه غير مؤمن بالله، واستطاع أن يقول باللسان ربي الله، نبيي محمد، ديني الإسلام، هل يفيده شيئا؟ القضية ليست قضية كلمات.
9- أجيبوا عنه، أعينوه
10- أنا أتكفّل بالإجابة.
11 – بحار الأنوار ج6 ص230.
12 – لا تحمل همّ أجوبة القبر وأنت على إيمان صادق، وعمل صالح.
13 – يعني لا ترون لهما وزنا، ولا فيهما ثقلا، تقولان ماذا تفعل هاتان الركعتان اللتان لا تأخذان إلا دقيقتين؟!
14 – ميزان الحكمة ج8 ط1405 ص: 13.
15 – وهِلَ: فزع.
16 – شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج1 ص 298.
17 – ولما أسفرت مسفرة، ولما تميّع متميّع، ولما لهى لاه.
18 – إسرائيل ظلّت لا تكترث في كلام الفلسطينيين لفك الحصار، ولكن لما جاء إنكار عام بدرجة معينة وحتى مع وجود الدعم الأمريكي لإسرائيل بدأت التفكير في التخلص من هذا الضغط، هذا يعطينا درساً.
19 – ولما تمكّن باطل في الأرض، ولما قُوِّض حق.
20 – فلنتعلم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن نواجه به أي ظاهرة شاذة لخط الإسلام بصورة مبكّرة.
21 – هتاف جموع المصلين بـ(الموت لإسرائيل).
22 – متخم بسلاح نووي إسرائيلي.
23 – ليست التهمة أن هناك سلاحاً نووياً، التهمة أنّ وسائل الطمأنة التي تقدمها إيران لبراءتها من السلاح النووي لا تُشبع تطلع الغرب، ولا ترضي ما يريدون.
24 – نريد حربك، نريد إيذاءك.
25 – “الناس أعداء ما جهلوا” (كما جاء عن الإمام علي عليه السلام – نهج البلاغة ج4 ص42.
26 – 90/ النحل.