خطبة الجمعة (313) 14 صفر 1429هـ – 22 فبراير 2008م
مواضيع الخطبة:
*متابعة موضوع الخوف *جرم متكرر*لأذان الواحد *خط ساخن ومأوى هانئ
إنه من البلاهة والغباء ممن أراد أن لا يُمسَّ بأذى على الإطلاق أن يُدمي قلوب مليار ونصف المليار أو أزيد من المسلمين بالإساءة إلى الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم، وأن يتكرر منه ذلك، والقانون الذي يُطالب أهلُه المسلمين ببرودة الأعصاب بإزاء مثل هذه الإساءات هو قانون غير قابل التطبيق على كلّ النّاس.
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي لا ينقطع الرّجاءُ في رحمته، ولا يُخاف منه إلا عدلُه، ولا يأسَ من عفوه، ولا يجيرُ أحدٌ من غضبه، ولا يَنالُ سوءٌ من أجاره، ولا يخيب سائله، ولا يُشبه نوالٌ نواله.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم تسليماً كثيراً كثيراً.
عباد الله علينا بتقوى الله الذي لا خير يرجى إلا منه، ولا شر يخاف إلاّ وهو القادر على دفعه، ولا مأمولَ مما نحبه إلا وهو المالك له، ولا معطي، ولا مانع، ولا دافع غيره. ولتكن الدّنيا وسيلتَنا إلى الآخرة، ونِعَمُها عندنا ثمناً للجنّة، وإن لم نفعل لم تذهب من يدنا كأن لم تكن فحسب، وإنّما ستنتهي بنا إلى أسوء مصير، وأشدِّ عذاب، وأشقى شقاء بغيض.
عباد الله: الساعي للدنيا يتعب ويستريح، ويحزن ويفرح، ويأمن ويخاف، وكذلك طالبُ الآخرة فهما سواءٌ في تقلّب الأحوال، وعوارضِ الخيرِ والشّرّ، وتداول الأيّام في هذه الحياة، ولكنَّ خسارة الأول في الآخرة لا تُقاس بها خسارة، وربحُ الثاني فيها لا يُقاس به ربح، فليكن خيارنا خيارَ رشد لا من خيار السفهاء. ألا إن السفه كلُّ السفه أن يُقدِّم أحدنا دنياه على آخرته، وأن يشتغل بها عنها ليخسر الإثنتين معاً.
اللهم أعذنا وإخواننا المؤمنين والمؤمنات من أن يذهب منَّا العمر في لهوِ الدُّنيا وهمِّها، والانصراف عن الآخرة وشأنها، وأن نكون في الغافلين الأشرار، والسالكين درب النّار. ربنا اغفر لنا ولكل مؤمن ومؤمنة، و مسلم ومسلمة. وصلّ على محمد وآله الأطهار الأبرار.
أما بعد فهذه متابعة للحديث في موضوع الخوف:
“(من وصايا الإمام عليه السّلام إلى ابنه الحسن عند الوفاة): أوصيك بخشية الله في سرّ أمرك وعلانيتك”(1).
السرّ قد يُغري بالمعصية، والعلن قد يضغط في اتجاه المعصية؛ فحيث لا تَرى عين مخلوق، النفسُ تشعر بالأمن من كل المخلوقين فلا يبقى إلا الخوف من الخالق. في العلن يتدخّل الخوف من المخلوقين في التوقّف عن كثير من القبائح، إذا كان الوسط منكراً، وإذا كانت العقوبة متوقَّعة. أما في السرّ فالجوّ خالٍ من كل هذا الضغط، فهل لله في النفس مقام فتخافه؟ أو لا مقام لله العظيم في هذه النفس الخسيسة فتجرأ على المعصية؟
وفي العلن ضغط في اتجاه المعصية في بعض الأوساط، التوقّف عن المعصية في هذه الأوساط المنحدرة يحتاج إلى إيمان وثبات وصلابة، فهل يتحدّى الإنسان المؤمن الوسطَ المتسافل الذي يغري بالمعصية، ويعيّر بالنزاهة والالتزام، فيواجه المؤمن هذا التحدّي بتحدٍّ إيمانيٍّ أكبر فيلتزم بما أوجب الله، ويكفّ عمّا حرّم؟ كان على الطالب الجامعي المهاجر للعلم في سنوات خلت أن يواجه بقوة وثبات أشدّ التحدّيات من أجل أن يصوم، من أجل أن لا يقترب من الفحشاء، من أجل أن لا يشرب الخمر، وقليلٌ من كان يصبر.
فخشية الله كما تختبرها عند العبد ظروف الإغراء في السرّ والبُعدِ عن رقابة المخلوقين, فكذلك تختبرها ظروف الضغط في العلن أحياناً التي تُواجِهُ قضية الالتزام بالطاعة, أو تدفع في اتجاه المعصية, وتعيب التوقف عنها.
“إنّ الله إذا جمع النّاس نادى فيهم مُنادٍ أيّها النّاس إن أقربكم اليوم من الله أشدُّكم منه خوفاً”(2).
من كان أشدَّ خوفاً من الله في الدّنيا فهو الأقرب إليه يوم الآخرة، لماذا؟ ذلك لأن الخوف من الله مؤدّبٌ مهذّب، وآخذٌ للنفس على طريق كمالها، فمن خاف من الله سبحانه طلب رضاه، ورضا الله في كمال العبد ورفعته وسموِّه، في طهره وزكاته وعفّته ونزاهته، ونفسٌ عفيفة نزيهة طاهرة هي النفس التي يحبّها الله سبحانه وتعالى، وهي النّفس القريبة منه.
“خف الله كأنّك تراه (فإن كنت لا تراه)(3) فإنّه يراك، فإن كنت ترى أنّه (لا) يراك فقد كفرت، وإن كنت تعلم أنّه يراك ثمّ استترت عن المخلوقين بالمعاصي وبرزت له بها، فقد جعلته في حدّ أهون النّاظرين إليك”(4).
أي رؤية من العبد تمكن لله عزوجل؟ المرشح لرؤية الله في الإنسان ليس هو إلا قلبُه. والقلب الذي يرى الله هو قلب طاهر، قلب تزكّى، قلب شفّ بالبُعد عن المعصية، والتزام طريق الطّاعة بالمجاهدة، بالكفاح ضد وساوس النفس، ووساوس النفس لا تدعو إلاَّ إلى الانحطاط.
إذا كان قلبٌ لا يرى الله، لا يرى فاعليّته الحاضرة الشّاملة، لا يرى رقابته الدائمة، لا يرى عظمته التي لا عظمة مثلها تُتصوَّر، وإذا كان العبد لا يرى الله سبحانه وتعالى مالكاً لوجوده، لحياته، لنبض قلبه، لكلّ ذرّة من ذرّات وجوده وذلك لموت قلبه, فإن هذا لا ينفي أن الله يرى العبد وأنه مطّلع على جميع أحواله. ومن كان في قلبه شيء من حياة فإنّه لابد أن يكون على علم وعلى شعور وعلى يقظة بأنّ الله يراه.
“فإن كنت ترى أنّه (لا) يراك” لا يعلمك، لا يحيط بك، وكيف لا يحيط الله عزّ وجلّ بمخلوق من خلقه وخلقُه بيده؟! ووجوده يتدفّق عليه كلّ لحظة من فيضه؟! ورزقه لا يصل إليه إلا بأمره؟! وأي حركة منه لا تتمّ إلا عن طريق قدرته؟! يستحيل على الله عزّ وجل أن لا يرى شيئاً من مخلوقاته. يمدّه بالوجود، يمدّه بالحياة، يمدّه بالعلم، يمدّه بالحركة، وهو لا يراه؟! لا يعلمه؟! ورؤية الله للشيء، وسمع الله له بمعنى علمه به وحضور الشيء عنده سبحانه وتعالى.
” فإنّه يراك، فإن كنت ترى أنّه (لا) يراك فقد كفرت، وإن كنت تعلم أنّه يراك تمّ استترت عن المخلوقين بالمعاصي” المخلوقون الأقزام، المخلوقون الصغار بالقياس إلى الله سبحانه وتعالى، المخلوقون الضعفاء، المخلوقون العدم بلحاظ أنفسهم تراهم فتهابهم، ثم تجرأ على الله سبحانه وتعالى، إذاً جعلت الله عزّ وجل في حدّ أهون ناظر، لو أن أحدنا كانت تنظر إليه نملة وهو على معصية ما اكترث، أتجعل الله أيها العاصي على حدّ هذا المخلوق الضعيف؟! إنك لتستحي من طفل له شيء من الإحساس والشعور بما تقترفه، فكيف لا حياء من الله، كيف لا خوف من الله؟!
أرأيت كيف تنحطّ النفس، كيف تفقد وعيها، كيف تعمى حتى تكون في مأمن من نظر الله عزّ وجل حسب ما هي عليه من موت الشعور؟ {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء}(5)، يخشون الله عزّ وجلّ لأنّهم يرونه، يرون عظمته رؤية لا يراها غيرهم، يرون حضور علمه، ومالكيّة فاعليته، وشمول سلطانه، وأنّ نواصيهم مملوكة له، يخشونه لأنهم يرون وجودهم بيده، حياتهم بيده، علمهم بيده، كلّ شيء فيهم بيده، فلا يملكون إلا أن يخشوه. وهم الذين يخشون الله في قبال جاهل قد يرى الله بعض رؤية إلا أنه لا يجيد كيف يخشى الله، كيف يتعامل حسب مقتضى الخشية من الله عزّ وجل، فيقتل المسلم، ويغصب المال، ويضرّجُ أطفالا وشيوخاً ونساء في بحر من دم، وكل ذلك من منطلق الاستجابة لأمر الله حسب ما قد يتصور هذا الجاهل.
فربما نعطي الآية الكريمة هذا المعنى وهو أن الخشية من الله لا يجيدها عملاً إلا العالمون. هذا بالإضافة إلى المعنى الظاهري الأوّل والله العالم.
“أعلم النّاس بالله سبحانه أخوفهم منه”(6).
الخوف من الله يحتاج إلى علم، يحتاج إلى رؤية شفّافة، يحتاج إلى بصيرة، يحتاج إلى عقل نافذ، وكلما دقّ النظر، وكلّما استقبلت النفس الحقائق ووعتها كلّما صارت أشدّ خوفا من الله سبحانه وتعالى. يقظة الروح، وشفافية القلب، وبصيرة العقل هي الركيزة للخوف الشديد من الله سبحانه وتعالى.
“المؤمن بين مخافتين: ذنب قد مضى لا يدري ما صنع الله فيه، وعمر قد بقي لا يدري ما يكتسب فيه من المهالك(7)، فهو لا يصبح إلاّ خائفاً ولا يصلحه إلاّ الخوف”(8).
من منّا يتقدّم ليقول بأن حياته التي مضت كانت كلّها نظيفة؟ ومن منّا من يجزم بأن ذنبه السابق قد غُفر؟ لا هذا، ولا ذاك. وشخص كهذا لابد أن يخاف من الله.
العمر الذي قد بقي، الأيام التي ستأتي، هل لي ضمانة بأن لا أزلّ فيها؟ بأن لا تأتي على يدي المعصية؟ لا شيء من ذلك، ولا توفيق إلا بالله سبحانه وتعالى، وكلّما حدّثت النفس نفسها بالاتّكال على غير الله سبحانه وتعالى في الصمود، في مواجهة التحدّي، في مقاومة المعصية كلّما سقطت في المعصية فعلاً.
لابد أن نخاف من الله عزّ وجل خوفا يتعلّق بالماضي فنتوب إليه توبة بعد توبة، ولابد أن نخاف من الله سبحانه خوفا يتعلق بالمستقبل فنتعلّق بأذيال رحمته سبحانه وتعالى كل لحظة ليكفينا، ليعصمنا، ليقينا، ليدرأ عنا الوقوع في المعصية.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا مغفرة جزماً حتماً ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم ارزقنا العلم النافع، والعمل الصالح، ونية الخير، والخلق الكريم، ورغبة الطاعة، والخوف من المعصية، واجعلنا من صالحي العباد، وأصدق العبَّاد، وأهل الزهد في الدّنيا، والطمع في الآخرة، ولا تجعل في قلوبنا غلاًّ للذين آمنوا، وقنا عذاب النّار. يا من لا يسأل العباد مثله غنى وجوداً وكرماً ارزقنا خير الدنيا والآخرة وجنّبنا شقاءهما, ولا تخيب آمالنا التي ترضى يا رحمن يا رحيم.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) }
الخطبة الثانية
الحمدلله الذي بعُد فلا يُرى، وقرُب فَشَهِد النّجوى، له الأسماء الحسنى، تبارك وتعالى، لا تحويه أرض ولا سماء، ولا ابتداء له ولا انتهاء، ولا شبيه له في الأشياء، ولا إحصاء من غيره لآلائه، وليس لها انقضاء، ولا تعويل إلاَّ عليه في الشدّة والرخاء.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم تسليماً كثيراً كثيراً.
أوصيكم عباد الله ونفسي المقصّرة بتقوى الله، وتجنّب الخسران، ومنازل الخِسَّة والهوان بالإيمان، والعمل الصالح، والتواصي بالحقِّ، والتواصي بالصبر؛ إذ لا ربح ولا كرامة ولا رفعة على غير هذا الطريق، ولن يخرج أحد من هذه الدنيا إلا بنفس قد زكّاها أو دسّاها، زكّاها بالتوجّه إلى الله سبحانه وطاعته، أو دسَّاها بوضع يده في يد الشيطان ومتابعته. زكّاها لتكون أهلاً لجنة النعيم، أو دسّاها لتكون من أهل الجحيم. وهذه الدنيا ومِتعها زائلة، والوزن كلُّ الوزن للعاقبة، “والعاقبة للمتقين”.
اللهم اجعلنا وإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين من أهل الثبات على دينك، والإخلاص في طاعتك، والصادقين في محّبتك، والمجاهدين في سبيلك، والساعين إليك، والفائزين برضوانك، والآمنين عند كلّ مفزع بدفعك ومنعك ورحمتك.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى الصادق الأمين، خاتم النبيين والمرسلين، وعلى علي أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصديقة الطاهرة المعصومة.
وعلى الأئمة الهادين المعصومين: الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم.
اللهم صل على محمد وآل محمد، وعجل فرج ولي أمرك القائم المنتظر، وحفه بملائكتك المقرّبين، وأيده بروح القدس يارب العالمين.
عبدك وابن عبديك، الموالي له، الممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين وفقهم لمراضيك، وسدد خطاهم على طريقك، وأعزهم بعزك، وانصرهم بنصرك يا قوي يا عزيز.
أما بعد فهذه عدّة مواضيع التحدث فيها بقدر الوقت:
جرم متكرر:
1. من منطلق غرور الغرب واستهتاره واستخفافه بالقيم، وبالآخر، ومن منطلق تبعثر أمّة الإسلام، ووهن الكثرة الكاثرة من حكومات شعوبها صارت تتكرر الإساءة إلى شخصية الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله من بلهاء الغرب وسقطته وسفلته، وفي كل أمة بلهاء وسقطة وسفلة.
2. الإسلام لا يكره أحداً على الإيمان به، أو على إكبار شخصية الرسول (ص) والذي هو الأول ممن يستحق الإكبار، ولا يؤمن بالعنف قاعدة في تعامل المسلمين مع الآخر، ولكن من حق الإسلام أن يدفع بالمسلمين في اتجاه الدفاع عنه وعنهم، وعمّا له من قيم ومقدّسات بغض النظر عمَّا يذهب إليه الآخر، قدّر مقدّراتنا أو لم يقدّر، قدّس مقدساتنا أو لم يقدّس. أنا عندي مقدّسات، أنا عندي قيم، أنا مسؤول عن الدفاع عن قيمي ومقدّساتي، وافقت قوانين الغرب أو لم توافق قوانينه، سمحت قوانينه بالتهتّك والاستهتار بقيمي أو لم تسمح، وبرغم ما تقوله قوانينه ومواضعاته.
3. وإذا كان الغرب يضع حدّاً للحرية لحماية المال والبدن لأفراده وجماعاته، ولا يفتحها في هذا المجال بالصورة المطلقة لأنه يقدّر حياة البدن، ثم يطلق الحرية للتعدي على المقدّسات فإن هذا المنطق لا يصح للأمة الإسلامية أن تسمح بتطبيقه على مقدّساتها وهي تقدِّم حياة الروح على حياة البدن، فإذا أصرّ الغرب على استهتاره بمقدّسات الآخرين مسلمين وغير مسلمين من باب حريته التي لا تقيدها عندهم القيم فإنه بهذا يختار الدخول مع كل العالم الآخر مسلمين وغير مسلمين في مواجهة.
4. إنه من البلاهة والغباء ممن أراد أن لا يُمسَّ بأذى على الإطلاق أن يُدمي قلوب مليار ونصف المليار أو أزيد من المسلمين بالإساءة إلى الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم، وأن يتكرر منه ذلك، والقانون الذي يُطالب أهلُه المسلمين ببرودة الأعصاب بإزاء مثل هذه الإساءات هو قانون غير قابل التطبيق على كلّ النّاس، وأهله إنما يمارسون غباء سيئاً جدّاً بهذه المطالبة.
أيها الأخوة والأخوات، أيها المسلمون في هذا الوطن العزيز كلّ قادر مدعوّ للمشاركة في المسيرة الاحتجاجية على عدوان الصحافة الدنماركية بالإساءة إلى الرسول صلى الله عليه وآله ودعمها من جانب النظام الرسمي هناك والتي تستهدف – أي المسيرة – مع ذلك تحميل الأنظمة الرسمية في أمتنا بالموقف الذي يناسب حجم هذه الأمة وحجم الإساءة الموجهة إليها وإلى رسولها العظيم صلى الله عليه وآله في قبال هذه الهجمات الشرسة الباغية المتكررة والذي يختلف في حجمه وأسلوبه عما تسمح به الأدوات التي تملكها الشعوب في هذا المجال ولا ويؤدّي إلى مواجهات حضارية تخطط لها الصهيونية العالمية وقوى الشر المعادية لإنسانية الإنسان ومصلحته.
الأذان الواحد:
يريدونه أذاناً واحداً لا ظاهرة واسعة، وشريطاً ميّتاً لا رفعا حيّا للأذان.
هذه بداية تقلل من شأن الأذان، تحرم الكثيرين من ثوابه، تسهّل استهدافه مستقبلاً في أصله، تضعه في يد القرار الرسمي، والقرار الرسمي في هذه الأيام في كثير من أنظمة الأمّة غير مأمون على دين الله.
يمكن لنا غداً أن نتطور إلى شريط إمامٍ هو الأحسن قراءة، والأجود صوتا إلى حدّ الإطراب… شريط إمامٍ يأم جموع المصلين في الجماعة والجمعة.
قرار الأذان الواحد من مجموعة قرارات مستهدفة للإسلام حتى في الشأن العبادي، وهي من تخطيط غير محلي لنقض الدين حجراً حجراً حتى آخر حجر(9).
على عموم المسلمين التنبّه والرفض القاطع لمثل هذه القرارات الجائرة التي لا تنتهي إلاباستئصال إسلامنا العزيز الذي لا حياة لنا بدونه.
خطّ ساخن ومأوى هانئ:
خط ساخن لوزارة التنمية الاجتماعية لاستقبال شكاوى العنف الأسري. وتوفير مراكز إيواء للنساء المعنّفات وأطفالهن، وتحريض للزوجة، للبنت، للولد ضدّ الزوج، ضدّ الأب، ضدّ الأخ قولاً وعملاً.
العنف المعني هو عنف يد، وعنف لسان، وعنف متعة فراش بين الزوج وزوجه.
عنف اليد الذي يستوجب التدخل في شأن العائلة ما حدّه؟ عنف اللسان ماحده؟ أن يطلب الزوج زوجه في فراشهما الخاص عنف، وأن تُستغفل فتاة فترضى بالفاحشة ليس عنفاً!! هذه لغة حضارة المادة، حضارة الغرب، أعراف الغرب. صورة الحياة الغربية بكل ما فيها من خسّة وانحطاط وانحراف يراد أن تُطبّق هنا تماماً.
خطّ ساخن لنقل خصائق العوائل، ودقائق الأمور في إطار الأسرة لموظّف لاندري ما مستواه، لموظفة لا ندري ما مستواها، هما مثال عقلانية؟! مثال حكمة؟! مثال خلق نبيل؟! مثال أمانة وإخلاص وحفاظ على صفاء الجو العائلي؟! أم هما سارقان من السرّاق؟! وخائنان من الخونة؟! ومفتّشان عن عيوب النّاس؟! ومتآمران على سمعة العوائل؟! وربما هما من مخابرات الدولة للتعرف على دقائق أمور كل عائلة، ولفتح الخط مع المرأة المسكينة، مع البنت الضعيفة للتآمر من الداخل على زوج مقاوم، على زوج منكر للمنكر، آمر بالمعروف: عملية جمع معلومات دقيقة عن كلّ عائلة عائلة، الوقوف على الصغيرة والكبيرة من شأن العوائل ومحاولة نفوذ للولد, للبنت, للزوجة، ودسٌّ للأنف في كل كبيرة وصغيرة مما حرّم الله عزّ وجل أن يُتتبّع, وعمل على توتير العلاقات الأسرية وتخريبها من الداخل.
الآية الكريمة تفرض أن يكون (حكم من أهله وحكم من أهلها)، وهذا الإجراء يفرض أن يكون متلصص لا من أهله ولا من أهلها.
وراء هذا القرار سياسة دولة, وجمعيات نسائية تتحرك في فلك الدولة، نسأل: أين غيرة هذه السياسة والجمعيات النسوية التي تسندها على المرأة والطفل والمواطنين الأبرياء من العنف الذي تمارسه قوات الشغب في حق الشعب رجاله ونسائه وأطفاله وشيوخه؟ من خنق مناطق بالغازات السامة، من العنف اللفظي القذر، ونشر الفتنة الذي تمارسه الصحافة المحسوبة على الجهة الرسمية؟! أين أولئك من مأساة الشعب الذي تفرضه عليه ملفات الدستور، والتجنيس، والتمييز، والتمييع، والتآمر على أمنه ووحدته ونسيجه الاجتماعي من مثل القضية التي يتحدث عنها تقرير البندر.
مع هذا نقول هناك ظلم في إطار الأسرة، هناك تبعثر وفقد أخلاق، وتعدٍّ باليد قد يكون من رجل وقد يكون من امرأة وفي الأكثر هو من الرجل لأنه الأقوى في هذا الجانب، هناك تعدٍّ باللسان من الرجل والمرأة، وتسمح الأخت المرأة بأن أقول بأن الكلمة المؤذية هو سلاحها في الأكثر في معركة البيوت بين الرجل والمرأة، ومن الرجال من يتجاوز قسوة النساء في هذا الجانب، هناك منع للحقوق يمارسه الرجل وتمارسه المرأة. من أين جاء هذا؟ من إسلام نطالب بتشريعات جديدة وإجراءات جديدة مكانه, أو مما جد على الساحة من صديد حضارة الغرب؟! أين موقعنا من الإسلام؟ هل نحن مسلمون بالحق؟ متمسكون بأخلاقية الإسلام؟ نعرف فقه الإسلام؟ نتقيد بالإسلام لتحسب سيئاتنا على الإسلام ونحتاج إلى إصدار تشريعات صالحة تحل محل التشريعات الإسلامية الفاسدة وحاشا الإسلام من ذلك؟! نحن نعيش حالة فقدان لروح وقيم وأخلاقيات الدين، حالة جهل بفقه الأسرة والحقوق الزوجية، والحقوق الأخرى لأعضاء الأسرة.
والمشكلة تزداد بالنأي المخطط له عن ساحة الدين عقيدة وأخلاقا وفقها وارتباطا نفسيا، وكلما تغلغلت قيم الحضارة المادية وأخلاقياتها وتوجهاتها كلّما تمزقت الأسرة، ودخلتها الخيانات، وسادها الظلم، وحالة الفوضى، وكلما ازدادت أرقام حالات الطلاق، وتصاعدت وتيرتها.
هذه المستوردات الأخلاقية والمستوردات المفاهيمية، والمستوردات التشريعية في مصر، في الجزائر، في تونس، في المغرب، في البحرين ماذا أعطت من نتيجة؟ كل يوم تزيد أرقام حالات الطلاق وتتفكك الأسرة ويتسيب الأولاد. إن السر كل السر وراء هذا التدهور في وضع الأسرة كما هي الحالة في كل ساحاتنا الفردية والاجتماعية هو البعد عن الإسلام، والركض وراء المستورد من توافه الغرب وسقطاته.
العلاقة بين الزوج والزوجة في ظل الحضارة المادية هي علاقة شهوية، علاقة تجارية، لاتقوم على قيم، لا تقوم على خشية الله، لا تقوم على احترام أمر الله ونهيه. والروح تجف في ظل هذه العلاقة، ويتضاءل حياء النفس، وتتضاءل تقواها، وتتضاءل إنسانيتها,، وتتضاءل قدرتها على أداء الحقوق. في ظل علاقة زوجية لا تقّدرُ إلا الشهوة, ولا تفهم وزناً إلا للمادة. كيف تعز زوجة على زوجها بعد أن لم يعُدْ له فيها مطمع ؟! وكيف يعزُّ زوجٌ على زوجته وفيه صار إلى ضعف بعد قوة , أوفقر بعد غنى؟! وكيف يحرص أحدهما على الآخر وعلى علاقته به. وقد وجد من يفوق صاحبه مالاً أو جمالاً أو دلالاً؟! وهل هو وقد خلا من القيم إلاّ طالب شهوة ومال ومنفعة مادية ومتاع؟!
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
يا من لا يخيب آمله، ولا يرد سائله، نسألك لأمة الإسلام الحفظ والعزة والنصر، ووحدة الكلمة والاعتصام بحبلك المتين، ودينك القويم. اللهم اكشف همومنا وغمومنا، وفرج عنا، وشافنا وشاف مرضانا، واقض حوائجنا، واستر عيوبنا، وأصلح نفوسنا وشأننا كله، وكذا كل مؤمن ومؤمنةن، ومسلم ومسلمة برحمتك يا أرحم الراحمين.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – بحار الأنوار ج 42 ص203.
2 – بحرا الأنوار ج 75 ص41.
3 – في نسخة.
4 – بحار الأنوار ج67 ص386.
5 – 28/ فاطر.
6 – ميزان الحكمة ج3 ص177.
7 – مهالك الروح، مهالك الإنسانية.
8 – بحار الأنوار ج67 ص365.
9 – هتاف الشيخ وجموع المصلين بـ(لبيك يا إسلام) و(بالروح والدم نفديك يا إسلام).