خطبة الجمعة (304) 19 ذو القعدة 1428هـ – 30 نوفمبر 2007م

مواضيع الخطبة:

*متابعة حديث المعاد *مناسبتان مؤلمتان *تقاعد النوّاب *أنابليس *المصارحة والمصالحة

كان طبيعيا أن ترفض الوفاق المشروع الرشوة، وكان غريبا عليها وكبيرا على الجمهور المؤمن لو أعطت موافقة على ذلك، وهو ما يبعد على وعي المخلصين فيها ورساليّتهم.

الخطبة الأولى

الحمد لله الذي تجري المقادير بأمره، ولا فاعلية للأسباب إلا بفيضه، ولا ظهور لشيء إلاّ بإظهاره، ولا انبثاقةَ وجود، ولا استمرار لشيءٍ إلا عن وجوده.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم تسليماً كثيراً كثيراً.
أوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله الذي لا نجد إلى خير من غيره سبيلاً؛ إذ لا خير إلا من عنده، ولا فاعل لشيء إلا بإذنه، ولا لدفع شر من دون رحمته حيلة؛ إذ لا حول إلا حوله، ولا قوة إلا قوته، ولا استقلال لقدرة عن قدرته.
وما اتّقى الله من خالف شريعته، وما أطاع اللهَ من سلك طريقاً غيرَ الطريق الذي ارتضى لطاعته، وما أجرأ العبد على ربّه العزيز الحميد أن يردّ عليه شيئاً من دينه، وأن يستكبر على ما جاءت به رسله.
اللهم صلّ على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
ربَّنا اهدنا بهدى من عندك لا نضلُّ بعده أبداً، وثبّتنا على طريقك القويم وصراطك المستقيم، واجعلنا في درعك الحصينة التي تجعل فيها من تريد.
أما بعد فهذه حلقة أخرى من حديث المعاد.
والمعاد عقيدة متجذّرة في قلب الإنسان وعقله وتاريخ حياته وحضاراته، وهي إذا أُلغيت فسدت بإلغائها الحياة، وانقسم الناس إلى مستكبر ظالم، ومستضعف مظلوم، وغنيّ مترف وفقير محروم، ومغرور تائه، ويائس مأزوم. وقد ينحرف فهمها عند فئة من النّاس فيشلّ حياتهم ذلك إلفهم، ويجعلهم عالةً على الآخرين، وتخلو منهم ميادين الإعمار والجهاد التي تُقوِّم أوضاع الحياة، وتستقيم بها على الطريق، وتردّها عن الانحراف والزيغ والظلم والضلال.
وأمَّا إذا استقامت عقيدة المعاد أمَّدت الحياة بروح الحركة الصالحة، وقوّمت أوضاعها، ودفعت بها على الطريق الصحيح بما تُعطيه من إعمار للروح، وتهذيب للقلب، وأملٍ في النفس، وتوقُّعٍ للجزاء. إنها عندئذ لتنشيط الحياة وصلاحها وسعادتها، ولكسب الآخرة كذلك.
ولنواصل الآن استعراض جملة من النصوص التي تتحدث عن عقيدة المعاد:
قوله تبارك وتعالى:{أًمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاء مَّحْيَاهُم وَمَمَاتُهُمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ، وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ}(1).
الآية الكريمة تتحدّث عن منشأ من مناشئ استبعاد الآخرة، والحكم بعدمها مما قد يُطرح عند الفئة الكافرة من النّاس، وأن يداعب عقولهم القاصرة وقلوبهم الضّالة.
الآية الكريمة تطرح مسألة بديهية، وهي أنه لا يستوي إنتاج العمل الصالح، وإنتاج العمل الفاسد، فكما لا يستوي السمّ والعسل عطاء لا يستوي العمل الصالح والعمل الفاسد في كذلك.
هذا بذر وذاك بذر، أحدهما حنظل والآخر تفّاح، وثمرة بذرة الحنظل ليست هي ثمرة بذرة التفّاح، للعمل الصالح إنتاجية خاصّة على مستوى الروح، والإرادة، وللعمل المفسد إنتاجية أخرى معاكسة، فكيف يستوي الذين اكتسبوا السيئات مع الذين آمنوا وعملوا الصالحات؟! والمقابلة تأتي في الآية الكريمة كما في سابقتها ليس بين الذين اجترحوا السيئات والذين آمنوا إنما بين الذين اجترحوا السيئات من جهة وبين الذين آمنوا وعملوا الصالحات من جهة أخرى، فلابد من العمل الصالح للنجاة، والفوز بالجنّة.
في الحياة الدنيا يختلفان، وفي الحياة الكبرى وهي الحياة الآخرة يختلفان، العمل الصالح في الحياة يزيد في البصيرة، ويستتبع الطمأنينة ويقوم عليه سلوك قويم، وشعور بالرضا، أما العمل الفاسد السيء فله إنتاج آخر لا تجد معه النّفس طمأنينتها في هذه الحياة، ولا تعيش حالة الرضا المطلق، وآمالها مهما امتدّت تكون آمالاً منقطعة. فإن مسافة هذه الحياة هي مسافة أمل الكفار، والمسافتان منقطعتان.
أما مسافة الأمل عند المؤمن فهي مسافة غير قابلة للانقطاع، ونفس مؤمّلة غير نفس يصيبها اليأس، وينقطع بها الرجاء.
{سَاء مَا يَحْكُمُونَ} هذه المساواة بين من اجترح السيئات وكان كسبه في الدنيا القبائح، وبين من عمل الصالحات، ونشر الخير في الأرض، وعمل لصالح الروح والبدن، وأقام العدل في الأرض، ودعا إليه، تمثّل حكماسيئا جائراً باطلاً، بطلان الحكم الذي يساوي بين ما يعطيه الحنظل والتفاح… بين ما ينتجه العسل والسم.
{وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ} وأين حكم الذين كفروا وعملوا السيئات بالمساواة بينهم وبين الذين آمنوا وعملوا الصالحات من خلق السماوات والأرض بالحق، إن ذاك باطل، وخلق السماوات والأرض إنما هو بالحق، ولا يخالطه شيء من الباطل. {وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ}.
إن الظن بالمساواة بين مجترحي السيئات وبين الذين آمنوا وعملوا الصالحات هو الظن السوء بالله، واتهامه عزوجل بعدم الحكمة أو بالإخلال بالعدل، وتعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً.
ونواصل مع بيان بطلان المناشئ {أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ….} وتستمر الآية ليأتي تعقيبه تبارك وتعالى { ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6) وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَّا رَيْبَ فِيهَا}(2).
وهذا المنشأ يتمثّل في الريب في قدرة الله عزّ وجلّ على البعث،ولكن أيُشكّ في قدرة الله على البعث. ولكن وهو إعادة النشأة بعد أن خلق هذا الإنسان من تراب؟! إنه بعث حياة من جديد، وكانت الحياة لهذا الانسان معدومة ابتداءً، والتراب لا يحمل حركة، ولا قدرة على الحياة، ولا يُعطي أملا في الحياة بحسب ذاته.
فمن أين هذه الحياة الابتدائية للانسان؟! من أين تحوّل التراب عقلاً كبيراً؟ ومشاعر حيّة وثّابة؟ وإرادة فاعلة؟ وطموحات كبيرة؟ وهادفيّة وتصميما؟!كم هي مسافة النقلة التي تحدثها حركة الحياة في التراب بين ترابية الإنسان وبني إنسانيته؟
أليس هذا من الله؟ أبعد هذا يُستبعد على الله عزّ وجلّ أن يعيد لهذا الإنسان الحياة؟! وكيف يُستبعد ذلك والله هو الحقّ؟ { ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ} وكون الله هو الحقّ نفسه غير أن يكون شيئاً متّصفاً بالحقّ كما سبق، إنه سبحانه ذات الحق، ومحض الحقّ، وعين الحقّ، وصفو الحق، وليس شيئاً يعرضه الحقّ ويمكن أن يزول عنه، والحق وذات الحقّ هو الوجود الكامل الذي ليس بعده كمال، ولا يشوبه نقص من نقص الإمكان، وكيف يعيا الحق، كيف يعجز الوجود الكامل، الحياة الكاملة، العلم الكامل، الإرادة المطلقة عن أن يعيد لهذا الإنسان الحياة، وأنه يحيي الموتى؟! وأمامنا إحياء للموات، الأرض ميتة فتتنزل عليها أسباب حياة من الله فتنبثق فيها الحياة، وتخضرّ. إنها عملية إحياء يشهدها هذا الإنسان في هذه الحياة في أرضه.
وكيف يُستبعد على الله عزّ وجلّ أن يبعث الحياة في الإنسان من جديد وهو على كلّ شيء قدير؟! إنها شهادة تؤديها الحياة الحاضرة وما تزخر به من المخلوقات العديدة التي لا تعدّ ولا تحصى، وفي ظاهرة الحياة التي تتجدد في انبثاقتها الأولى في كل لحظة على أنك أنت وأنا كل لحظة نحيا بحياة جديدة. وأنّ النبات والحيوان في كلّ لحظة، وفي كلّ آن يحيا بحياة جديدة، دفق الحياة لا يتوقّف، ولو توقّف دفق الحياة هذه اللحظة لما أغناك زادك من الحياة اللحظة السابقة. أنت تقوم وجوداً، وتستمرّ حياةً بعطاء مستمر دفّاق لا يتوقف ولا يفتر، ولو انقطعت عن مصباح الكهرباء طاقة الكهرباء لانطفأ نوره، ونور الكون كلّه ينطفئ لحظة أن ينفصل عنه المدد الإلهي غير المتوقّف.
{وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَّا رَيْبَ فِيهَا} فاستعدّوا للساعة، ولا تلهكم أي ساعة عن تلك الساعة.
{وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم 3} هذا كلام ليس كلام فلسفة يلفه الغموض، هذا كلام يجيبك بما تكنّه، وتعيشه فطرتك، ويظهر في تجليات عقلك، كلام لا يستطيع أن ينكره صغير ولا كبير.
{وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ }(4) عظام بالية تقادم عليها الزمن، {قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ}(5) أنسي خالق العظام خلقه للعظام؟! العظام التي لم تكن أساساً، وما كان لها حياة، وأوجدها بارئها وألبسها الحياة، أبعدما اعتراها البلى بعلمه وتقديره يعسر عليه أن يعيد لها الحياة؟!
{أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى (36) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى (37) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (38) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى (39) أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى}(6).
هذه النقلات، هذه التطورات، هذه الوجودات المرحلية من أعطاها للإنسان؟ أليس الله تبارك وتعالى؟! هنا قدرة وحكمة، كل مرحلة سابقة من المراحل المذكورة تمهّد للمرحلة اللاحقة، والمرحلة اللاحقة تمثّل الغاية للمرحلة السابقة، وعلى هذا المنوال فمرحلة هذه الحياة الدنيا إنما هي مرحلة مقدّمية لحياة أخرى تتمّ بها غاية الخلق. وهذا مما يدل عليه ارتباط كل مرحلة من مراحل وجود الانسان في الدنيا بغاية يكون تطورها على طريق تلك الغاية والوصول إليها.
إنه لو كانت نطفة بلا أن تجد سبيلها للتحرّك والتطوّر حتى تكون علقة، ثم أن تكون مضغة، وهكذا، لكانت النطفة بلا غاية، ولو لم تؤدِّ العلقة إلى المضغة لكانت العلقة بلا غاية، فكيف إذا استوى الإنسان واكتمل في هذه الحياة تحوّل إلى تراب وإلى شيء منسيٍّ تماما فعاد الى وجود من الوجود اللعب وبلا غاية؟!
{فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِن مَّاء دَافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (7) إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ}(7).
ماءٌ كان يمكن جدّاً أن يضيع في ما تحتويه المزابل أو المراحيض، هذا الماء الهيِّن الحقير يتحول إلى هذا الإنسان ذي الشأن الخطير، هذا الوجود السامق، المتحرّك الفعّال، المريد، الشاعر، من صنع كل هذا؟ استنطاق للفطرة، وكل الآيات في هذا المجال تستنطق الفطرة، ليقف الإنسان أمام هذا الاستنطاق لا يستطيع أن يعطي جواباً غير الجواب الذي استهدفته الآيات.
{وَيَقُولُ الْإِنسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً (66) أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً}(8).
أنت الذي لم تكن شيئاً قد خلقك الله، أو بعد أن تكون شيئا لا يعيدك؟! المنشأ الثاني لاستبعاد الانسان لليوم الآخر القائم على اتهام قدرة الله عزّ وجلّ بالقصور، تستنطق الآيات الكريمة بشأنه العقل والفطرة، وكذلك تحيلك على المشهود، وتدعوك للاستقراء وتقدّم لك وسائل إيضاح، تتحدث لك عن واقع تعيشه أنت الذي لم تكن فكنت وتلفت واعيتك الى ظاهرة الحياة بعد الموت في النبات. وتثير الانتباه الى أن الشجر الاخضر يخرج الله منه ناراً، هناك نوعان من الشجر على خضرتهما وطراوتهما، يُقدح أحدهما بالآخر فينتجان ناراً، فمخرج النار من الماء، ومعيد الأرض بعد موتها إلى الحياة هو الذي يبعث الحياة من جديد ويعيد الارواح للأبدان.
اللهم صلّ وسلّم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد وآله الطيبين الطاهرين، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم اجعل إيماننا أكمل الإيمان، ويقيننا أفضل اليقين، وانته بنياتنا إلى أحسن النيات، وبأعمالنا إلى أحسن الأعمال، ولا تُزلّ لنا قدما عن طريقك الحقّ يا عليّ يا قدير، يا رحيم يا كريم.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3) }

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي يخضع لعظمته العظماء، وكيف لأحد لا يخضع له ووجوده وحياته ورزقه وحركته وسكونه بيده، ولا يوجد إلى شيء من ذلك سبيل إلاّ من عنده وبالتعلق به؟! الحمد لله الذي لا شبيه له في كنهه، ولا مضادّ له في ملكه، ولا منازع له في سلطانه، ولا مناهض لقدرته، ولا رادّ لقضائه، ولا ناقض لقدره، ولا مُعطِّل لمشيئته، ولا معقِّب لحكمه.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وزادهم تحية وبركة وسلاماًً.
أوصيكم عباد الله ونفسي الغافلة بتقواه وهو الذي لا غنى لأحد عن مرضاته، ولا شفيع إليه كالاستقامة على طاعته، والإخلاص في عبادته، والجهاد في سبيله، والانقطاع إليه، والتذلل بين يديه، والاطمئنان إلى رحمته، والخشية من عظمته، والخضوع لشريعته، والرِّضا بما قضى، وملازمة ما يحبّ ويرضى.
ألا لا يُطلب رضا الله عز وجل ببدعة تُبتدع على خلاف دينه، ولا بطريقة تُخترع على خلاف الطريقة التي دعا إليها كتابُه، وجاءت بها سنة نبيه، وأوصياء النبي من آل بيته صلّى الله عليه وعليهم أجمعين.
اللهم اغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم. واجعلنا لا نحلّ إلا ما حلّلت، ولا نُحرّم إلا ما حرّمت، ولا نحبّ إلا ما أحببت، ولا نكره إلا ما كرهت، واجعل سعينا إليك، وجهادنا في سبيلك، وحياتنا كلها مبذولة في رضاك.
اللهم صلّ وسلّم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبدالله خاتم النبيين والمرسلين، وعلى علي أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصديقة الطاهرة المعصومة، وعلى الأئمة الهادين المهديين المعصومين: الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم.
اللهم صل على محمد وآل محمد، وعجل فرج ولي أمرك القائم المنتظر، وحفه بملائكتك المقرّبين، وأيده بروح القدس يارب العالمين.
عبدك وابن عبديك، الموالي له، والممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين وفقهم لمراضيك، وسدد خطاهم على طريقك.
أما بعد أيها الأعزاء من المؤمنين والمؤمنات فهذه بعض مناسبات وشؤون:
مناسبتان مؤلمتان:
رحيل سماحة الشيخ جعفر الخال وهو الرجل المؤمن الغيور على الدين، المهتم بنشر الثقافة الفقهية والخلقية والتربوية ما وسعه ذلك. إنه فقيد العلم والتربة الإسلامية الهادفة، رحمه الله وقرّبه وأسكنه فسيح جنانه. وعظم الله ولي العصر والعلماء الأبرار والمؤمنين من أبناء هذا البلد والأمة بمناسبة رحيل هذا الرجل العزيز الغالي.
ذكرى رحيل سماحة العلامة المجاهد الشيخ عبدالأمير الجمري الذي لا ينسى هذا الشعب دوره الكبير في خدمته وخدمة الأمّة، ولا تنفصل ذكراه عن معاناة هذا الشعب ومطالبه الحقّة، والتي لم يتحقق منها شيء بوضوح حتى الآن، رحمه الله وأجزل ثوابه، وأعلى الله مقامه، وأقرّ عينه برحمته.
تقاعد النوّاب:
كان طبيعيا أن ترفض الوفاق المشروع الرشوة، وكان غريبا عليها وكبيرا على الجمهور المؤمن لو أعطت موافقة على ذلك، وهو ما يبعد على وعي المخلصين فيها ورساليّتهم.
المشروع فيه تكريس للطبقية الفاحشة، ومقايضة خسيسة، ومسايرته منافية للتوجّه الرسالي الواعي، والحسّ الإسلامي الحيّ، ومسقطة لسمعة الدين ، ومضعفة للواقع الديني على الأرض حاضرا ومستقبلا وهذا ظلم فاحش كبير.
أنابليس:
ماذا أعطت العرب، وماذا أخذوا منها؟ إسرائيل أعلنت سرورها للحضور العربي المكثّف في لقاء أنابليس. وأمريكا كذلك طارت فرحاً بهذا الحضور. والشعب العربي أُصيب بالإحباط(9).
أخذ العرب وعداً بإطلاق المفاوضات من جديد على أن أمر هذه المفاوضات ما تبقّى من ولاية بوش حسب ضمانته، وضمانة بوش معروفة قيمتها. وكأن قبول إسرائيل بمجرد الجلوس عند طاولة المفاوضات نصر ليس بعده نصر، وهدف تنقطع عنده الأهداف. أمنيتنا أن تقبل إسرائيل الجلوس معنا عند طاولة المفاوضات.
وماذا لو بقيت إسرائيل على تشددها وكونها تريد أن تأخذ ولاتُعطي؟ وهل لم تكن لقاءات متكرّرة من رئيس السلطة الفلسطينية الذي ترضاه أمريكا وإسرائيل ولم تنتج شيئاً، وحتى أن هذه اللقاءات المكثّفة في الآونة الأخيرة لم تؤدِّ إلى بيان مشترك فيما يرتبط بلقاء أنابليس؟
أخذ العرب وثيقة تفاهم ختاميّة حُذف منها ذكر قضايا الوضع النهائي، كقضية عودة اللاجئين، أما ما أعطاه الحضور العربي فهو درجة من التطبيع الفعلي مع إسرائيل، وأشهد على ذلك كلّ العالم، التخلّي عن الخيار العسكري باسم الأمّة، وإدانة وتجريم الخطّ المجاهد مثل حماس.
التأسيس لإحداث قتال داخلي بين الفلسطينيين لكون إسكات المقاومة شرطا ثابتا تشترطه إسرائيل على حكومة محمود وهذا ما سيشعل فتيل الاقتتال، على أنّ هذا الحضور وما انتهى إليه فيه إيذان لإسرائيل بأن تغزو غزّة.
الحكم الذي ارتضاه العرب في لقاء أنابليس ووثقوا فيه هو أمريكا وما أدراك ما أمريكا هذا الحكم المحايد المنصف الذي لا زال يصرّح مرة بعد مرّة بلزوم تفوّق إسرائيل على جميع أقطار المنطقة.
المصارحة والمصالحة:
كلامٌ مرّ في الصحافة قبل ما يزيد على أسبوعين، فنعم للمصارحة والمصالحة مع شرط الجديّة لا الاستغفال والتمويه والتسويف وتضييع الوقت.
تقرير البندر والتجنيس وهما في مقدمة ما يجب أن تكون حوله مصارحة وهما غير قابلين للدفن والنسيان.
التقرير يدل على مؤامرة على طائفة معيّنة، ولكنها ليست مؤامرة طائفة على طائفة، ولذلك لا ينبغي أن تكون المؤامرة التي يتحدث عنها تقرير البندر مدخلا لخلاف طائفي.
ماذا يحوّل الاطمئنان بوجود المؤامرة، وهو اطمئنان شعبي عام إلى الاطمئنان بالعدم؟ ماذا يطمئن بأن الخطة التدميرية قد تُخلّي عنها عملاً على الأقل؟
‌أ- التخلي عن المشاريع الشاهدة على هذه المؤامرة وهي شواهد شاخصة لا تكف الحكومة عن التمسّك بها وتفعيلها كالتجنيس والهجمة على القوى الدينية كالمجلس العلمائي الذي يكرر التقرير ذكره، وكالتمييز في مختلف قطاعات الدولة، والمحاصرة لوجود طائفة معيّنة على مختلف الأصعدة.
‌ب- أن لاتتجدد هذه المشاريع بصور وأساليب أخرى.
‌ج- عدم تمكين رجال الخطة من رقاب الناس وأمانة الوطن وإقصاؤهم عن مواقع التأثير.
‌د- المحاسبة القانونية للمشاركين في الخطة.
بهذا يمكن التصديق بالتخلّي عن الخطّة الخبيثة.
ماذا نريد لهذا البلد؟ هذا البلد هو وطننا، ووطن آبائنا وأمهاتنا والأجداد والجدّات، ولا وطن لنا غيره، ولا جنسية أخرى نحملها مع جنسيته، ولذلك يهمّنا أمره، ونشفق عليه، ونعتزّ به، ونذود عنه، ونحترق بأزماته، ولا نرضى له سوءا ومكروها، ومن حقّنا أن نتحدث عن مشكلاته، ونطالب بتحسين أوضاعه، وتنقية أجوائه، والأخذ به على طريق الإصلاح.
أما ما نريد لهذا البلد فهو:
1- أن يسوده العدل والإنصاف، ويؤخذ بمبدأ المساواة في حكم أبنائه.
2- أن يكون له دستور عادل متوافق عليه، وأن يكون من بين مؤسساته الرئيسة مجلس نيابي يمثّل رأي الشعب بحقّ، ولا يكون ذلك إلا مع توزيع عادل للدوائر الانتخابية، ومع عدم التدخّل في عملية الانتخاب، ومساندة طرف على حساب طرف.
3- أن يحافظ على هويّته وانتمائه الإسلامي، وأخلاقياته الإيمانية، وشرف ونزاهة الأعراض وأمنها فيه.
4- أن لا تلاحق وتعاقب الكلمة الصادقة الواعية الناصحة والمطالبة بالعدل والاستقامة، ولا يُطلق للكلمة الساقطة والفاحشة والباغية أن تنطلق معربدة بلا حدود. وخصوص الصحافة التي تنتسب إلى الدولة تمارس هذا الدور بلا رادع.
5- أن لا يؤخّر المواطن الذي تمتد جذوره في هذه الأرض إلى قرون مضت، وهو مقدّم، ولا يقدّم مواطن من الأمس القريب ممن أُعطيت له المواطنة إضراراً بالشعب وهو مؤخّر، وأن تُقنّن مسألة التجنيس التقنين الذي يضعها في المسار الصحيح، وعند الحد الذي يخدم هذا الوطن ولا يهدمه.
6- أن لا تكيد السياسة بأبناء هذا الوطن من الطائفتين الكريمتين، فتذكي روح الصراع بينهم، وتعمل على تمزيق صفهم تمزيقا، وتزرع بينهم الكراهية والبغضاء ظلما وعدوانا.
7- أن تُظلّل جميع أبنائه أجواء الاحترام والتعاون على الخير، وأن تصدق روح المحبّة بين الطائفتين الكريمتين.
8- أن لا تُنهي الحكومة فاعلية أسلوب الحوار، ولا تسقط قيمته العملية، فتزرع بذلك في النفوس قناعة عامة بعدم جدواه وجدوى التجربة النيابية فتفتح الباب على مصراعيه بمواجهات مؤذية مكلفة للجميع، والتي لا ينبغي فتح بابهاومن سدّ باب الحوار الفاعل المجدي، ولم يرتّب أي نتيجة إيجابية فقد اختار فتح أبواب أخرى ضارة بالوضع كلّه، ودفع في اتجاه الانزلاقات الخطيرة التي يتوجب أن يتوقاها كل العقلاء ويقيموا من دونها السدود.
9- أن تصحح الاوضاع السياسية، ومجمل الوضع العام بحيث تحلّ الثقة محل الشك في العلاقة بين الشعب والحكومة.
10- أن يُبنى على الإرادة الجدية المشتركة للوصول إلى التعددية السياسية المأخوذ بها في البلدان المتقدّمة في ديموقراطيتها.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم اهد ضالّنا، وعلّم جاهلنا، واغن فقراءنا، وشاف مرضانا، واكشف كروبنا وهمومنا، وزوّج عزّابنا وعزباواتنا، وادفع عنّا، وانصرنا، واجعلنا من أهل جنتك وكرامتك يا أكرم الأكرمين، ويا أرحم الراحمين.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – 21، 22/ الجاثية.
2 – 5، 6، 7/ الحج.
3 – 78/يس
4 – 78/ يس.
5 – 79/ يس.
6 – 36، 37، 38، 39، 40/ القيامة.
7 – 5، 6، 7، 8/ الطارق.
8 – 66، 67/ مريم.
9 – هتاف جموع المصلين بـ(الموت لأمريكا) و(الموت لإسرائيل).

زر الذهاب إلى الأعلى