خطبة الجمعة (303) 28 شوال 1428هـ – 9 نوفمبر 2007م
مواضيع الخطبة:
*متابعة موضوع المعاد *المعروف والمنكر *صاروخان لا مرحباً بهما
لا شك أن الحكومات تملك إمكانات هائلة، وتملك الخبراء والميزانيات الضخمة، والاختصاصيين والخبراء لتنفيذ مشاريعها، لكن مع ذلك أؤكد لك بأن الأمة التي ترفض المنكر تغلب الحكومات، وأنّ الحكومة المتصدية لنشر المنكر لا تستطيع تنفيذ خططها إذا واجهت وعياً وإرادة صلبة وتصميماً من أي شعب وأي أمة على محاربة المنكر.
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي أخرج الموجودات من عدمِها، وأبدعها على غير مثالٍ سابقٍ لها، وواءم بين تكوينها وغاياتها، وحدَّد مسارات وجودها إلى نهاياتها، وجعل لكل شيء قدراً، ولكل مخلوق أجلاً، وجعل البعثَ حقّاً جازماً، والحسابَ قَدَراً قائماً، والجنّة والنار جزاء لازماً.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً كثيراً.
أوصيكم عباد الله ونفسي الظّالمة لنفسها بتقوى الله، والنّظر في أمر الدنيا نظرَ اعتبار حيث إنّها ليست دار قرار، ولا تهادنُ أهلها طويلاً، ولا تدوم على حال، ولا تمثّل الغاية الكبرى لخلق السماوات والأرض، ونظامِهما الدقيق، وتصميمهما الهادف، وما عليه تجهيز الإنسان في تكوينه بما يتجاوز حاجات هذه الحياة وآمالها، ويُعدّه لحياة أخرى خارج إطارها، وما تبلغه من امتداد.
ومن اعتبر لا تكون الدنيا همَّه، ولا يرضاها غايةً ينتهي إليها سعيُه. فالجدَّ الجدَّ على طريق الحياة الأخرى، فهي الحياة الغاية وهي الحيوان لو كانوا يعلمون.
اللهم أعذنا من الاغترار بالدّنيا، ونسيان الآخرة، واجعل تنافسنا على دار البقاء لا الفناء، وأنِر بصائرَنا في دينك، واهدنا لما اختُلف فيه من الحقّ، ولا تجعل للشيطان طمعاً فينا يا كريم. اللهم أيئِسهُ من أن يُنال منّا مبتغىً له، أو يجد إلى قلوبنا سبيلاً، اللهم اغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، وصلّ على محمد وآله الطاهرين يا أرحم الراحمين.
أما بعد فالحديث في المعاد:
إنّه كلّما صحّت العقيدة وحقّت وسمت، وكلّما اقتربت النّفس من اليقين بالمعتقد الصحيح، كلّما كان الاطمئنان، وكانت الراحة النفسيّة، والهدوء والسكينة، وكلّما استقامت النفس وقويت وصلُب عودُها على طريق الجهاد، وكلّما تجاوزت صغائر الأمور وتوافهها، وامتدّ البصر بعيداً، وانفسحت الرؤية، وكبُرت المشاعر، وتعملقت النفس سموّاً، وازدادت نقاءً وصفاءً وشفافيّة. ما أحلى اليقين بعقيدة صحيحة سليمة. وإن السعادة كلّ السعادة في يقينٍ بمعتقد صحيح.
ولكن هل مجاهدةُ النفس على الطريق القويم، وعلى الاستعداد للآخرة متوقّفٌ على اليقين الجازم بالآخرة؟ هل لابدّ من يقين ثابت أكيد بعقيدة الآخرة حتى أُقاوم النّفس وأجاهدها على طريق الله وطريق الآخرة؟
لاشكَّ أن المطلوب الكبير هو اليقين، وأنّ عطاءات اليقين لا يملكها الظنّ ولا الاحتمال، ولكنّ عقيدة الآخرة يكفي لأن يتجاوب معها المرء، وأن يقاوم النفس على ضوئها بأن يكون هناك ولو احتمال، لماذا؟ إمّا خسارة لا تُعوّض، وإما ربح لا يبلغه ربح.
أنت حيث تحتمل في هذه الحياة الدنيا أنك تربح في تجارة مليون دينار في يوم واحد، وقد يكون احتمالك بمقدار عشرة في المائة أو بمقدار خمسة في المائة، هذا الاحتمال الضعيف يدفعك لأن تدخل في هذه التجارة، على عكس ما لو كان محتملُك أنك تربح مائة فلس، المحتمل أنك تربح مائة فلس وهي لا تمثل عندك قيمة، واحتمالك هو عشرة في المائة أو حتى ثمانية في المائة فإنك هنا لا تجهد نفسك، ولا تحمل عليها نصباً،وماذا يساوي مليون الدينار من جنّات الخلد التي أعدها الله للمتقين؟! فافرض أنك تحتمل الآخرة بمقدار عشرة في المائة، هذا كافٍ جدّاً لأن تجاهد النفس لتستقيم على طريق الله وطريق الآخرة.
وإذا احتملت أن في الطريق أسداً مفترساً، ومقدار هذا الاحتمال خمسة في المائة، تسلك هذا الطريق أو لا تسلكه؟ العقل والعقلاء يقولون لك لا تسلك، لأن المحتمل خطير جدّاً، أما لو احتملت أن ديكاً في الطريق يقفز في وجهك فيخدشك قليلاً، واحتمالك خمسون في المائة، ثمانون في المائة، هل يوقفك هذا عن سلوك الطريق؟ لا يوقفك، ونار الآخرة لا يُساوي افتراس الأسد منها شيئاً، عذاب الأبد، والخلود في الشقاء احتمال يردع العاقل عن أن يسلك الطريق إليه ولو كان بمقدار اثنين في المائة.
والمسلم وهو يقرأ آيات الله عزّ وجلّ، ويسمع عن مائة وأربعة وعشرين نبيّاً يُنذرون بالآخرة ويُبشّرون بها، وهو يلاحظ في الوقت نفسه أن ليس شيء في هذا الكون قد خُلق عبثاً، كم يحتمل صدق الوعد والوعيد بالآخرة إن لم يكن من أصحاب اليقين؟!
فلنتّق الله في النفس، ولنشفق عليها، ولنخلص لها، وقد خان نفسه وظلمها من لم يأخذ بها على طريق الجنّة، ولم ينأ بها عن طريق النّار.
والآن نقف مع بعض الآيات الكريمة التي تتحدث عن عقيدة المعاد:
للتشكيك في عقيدة المعاد مناشئ، والآيات الكريمة تسدّ أبواب هذه المناشئ، وتُبيّن بطلانها حتى لا يعتري عقيدةَ الآخرة شكٌّ مقبول عند انسان
من مناشئ التشكيك في الآخرة ويوم المعاد أنّ هذا الكون قد خُلق عبثاً، لكن الآية الكريمة تبيّن أن لا احتمال للعبثية في خلق الكون، ولا وجه يدعو لهذا الاحتمال أساساً {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ}(1).
الآية الأولى تربط بين عدم الرجوع إلى الله عزوجا بين عدم الآخرة وبين العبثية، فحيث لا آخرة تثبت عبثية الخلق، ونقبل بأن هذا الكون بما يغنى به كلّه وكلّ ذرة فيه من دقّة وتصميم فائق ومعجز إنما خُلق عبثاً، وبلا حكمة، وفاقداً للهدف، ونسلم بأنّ الله تبارك وتعالى مثالُه على تقدير عدم الآخرة والبعث والمعاد مثال البنّاء العابث الذي يبني القصر وحال ما ينتهي من بنائه يهدمه، وهكذا دأبه يبني القصر فيهدمه، ثم يبني آخر فيهدمه تقدّس ربنا عن ذلك وعلا علوّا كبيرا.
فهناك تلازم بين أن يكون الكون هادفاً والله حكيماً، وبين أن يكون بعث ومعاد، وحيث تتخلّف نتيجة البعث فلا حكمة في هذا الكون ولا هادفيّة، وإنما هو عبث ولعب، وحاشا الله أن يكون من اللاعبين.
الآية الكريمة الأخرى تُركّز على تنزّه الله عزّ وجلّ وتقدّسه- لأنّه الله- عن أن يكون عابثا، فلا تناسب العبثية الله عزّ وجلّ أي مناسبة، الله هو الذّات المستجمعة لكلّ صفات الكمال والجلال من غير أن تكون هناك تعدّدية بين الذات والصفات، أو بين الصفات نفسها.
وأين الكمال والجلال وانتفاء النقص، أين التقدّس والتنزّه والعظمة من العبثية، وأين العبثية من ذلك كلّه؟! وكيف لا يكون بعث؟ أمن عجز؟ إنه الملك الذي له الأمر والنهي التكوينيان، ملكيّة الله من مستوى آخر، من نوع آخر يختلف عن ملكيّة الخلق، ملكية الخلق بالقانون والاعتبار، وهي مجرد ثوب يلبسه الاعتبار العام أو الخاص شخصا من الأشخاص، وليست الملكيّة صفة ذاتية لهذا الملك أو ذلك الملك، بينما ملكية الله عزّ وجلّ ملكيّة تصرّف مطلق في كلّ الأشياء خلقاً، رزقاً، تدبيراً، ملكيّة قاهرة، تملك نواصي الأشياء؛ بدأها، استمرارها، مصيرها، ذاتها، أثرها، كلّ شيء فيها. وإذا كان كل شيء ملكا لله وله التصرف التكويني المطلق فيه فأين تخلّف القدرة؟!
والله هو ذات الحق، وكل من عداه وما عداه باطل إلا به، وليس الله عزّ وجلّ شيئاً يتّصف بالحقّ، ويعرضه الوجود، هو عين الوجود تبارك وتعالى، والوجود حقّ والعدم باطل، والحقّ لا يصدر منه إلا الحق، والعبث باطل، واللعب باطل، فينتفي اللعب والعبث عن الله عزّ وجلّ.
أمن مقاوم لله عزّ وجل حتّى يريد اللهُ البعثَ فيمنعه الغير؟ أقدرةٌ تقاوم قدرة الله حيث تتجه قدرة الله عزّ وجلّ إلى بعث العباد، وتتجه القدرة المغايرة إلى عدم البعث فتتعطّل قدرة الله؟! لا إله إلا هو، وأولوهية الله عزّ وجلّ من ربوبيته، ولا ربّ غيره” هو ربّ العرش الكريم” عرش التصرّف، التدبير، الخلق، الرزق، العطاء، المنّ، الفاعلية الشّاملة في هذا الكون. فأبواب التشكيك في البعث ومناشئ هذا التشكيك مسدودة.
{وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً}(2).
فتّش أيها الإنسان ما تريد أن تُفتّش، وما تستطيع أن تُفتّش، فإنك لن تجد في هذا الكون خللاً، وفضولاً لا معنى له،ولن تعثر على شيء من فوضى.
{وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً} والباطل هو العبث أو اللعب، ذلك {ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا} ليس ظنّ النّاس الموضوعيين، ليس ظنّ من يتّبع العلم إنما هو ظنّ من يجحد، من يكفر، من يُغطّي الحقيقة، والكفر تغطية الحقيقة، وطمس الحق {ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ}.
{أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ}(3) المتّقي، الباذل في سبيل الله، الخاضع لإرادته، المتمشّي مع أحكام شريعته، القابض على دينه كما يقبض صاحب الجمر في يده على الجمر يحيى ويموت، والفاسق الفاجر المفسد المعربد يحيى ويموت، وقد تفوق حياة المفسد نعيماً ماديّاً مئات المرات في هذه الحياة ما عليه حياة المتّقين. أعقل يقبل؟ إذا كان عقلك ووجدانك لا يقبلان هذا فكيف بعدل الله، وكيف بحكمة الله تقبل مثل هذا؟!
ولنتلفت إلى أنّ الآية الكريمة تجمع مع الإيمان العمل الصالح لتقابل بين صاحبهما والمتوّفر عليهما معاً وبين المفسدين في الأرض، فالإيمان بحيث يكون معه العمل الصالح هو سبب النجاة من النار، والفوز بالجنة.
{أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} سؤال استنكاري يوّجه الى من يذهب إلى المساواة بين فريق صاعد وآخر ينحدر الى الحضيض، وفيه تعجيب ممن يقول بهذه المساواة، فإنه قولٌ على خلاف العقل والعدل والوجدان، وعلى خلاف سيرة العقلاء فإنهم لا يُساوون بين هذا وذاك.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبدالله وعلى آله الطيبين الطاهرين. اللهم اغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم أقبلْ بقلوبنا عليك، واجعل شوقَها إليك، ونقِّها مما نقَّيتَ منه قلوب الصالحين من عبادك، الصادقين في معرفتك، المخلصين في الولاء لك، المبرَّئين من الشرك بك يا من هو على كل شيء.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ (4)}.
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي تحكم الكونَ قوانينُه، ولا مهيمن عليه غيرُ إرادته، ولا ناقض في الخلق لشيءٍ من سُنَنِه، ولا يُفرّ من قضائه إلا إلى قدره، ولا يُلجأ منه إلا إليه، ولا يُستعان على غضبه إلا برحمته.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وزادهم تحية وبركة وسلاماً.
عباد الله الذي لا إله غيره، ولا ربّ سواه علينا بتقواه؛ فلا خسارة مع رضاه، ولا ربح مع سخطه، ولا آكد من التقوى سبباً بين العبد وبين الله ينال به رحمتَه ورضوانَه فعن عليٍّ عليه السلام:”التقوى آكد سبب بينك وبين الله إن أخذت به، وجُنّة من عذاب أليم”(4).
والتقوى معراجُ الكرامة حيث يقول سبحانه:{… إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ…}(5) فاطلبوا عباد الله رحمته، ورضوانه، والمنزلة الرفيعة عنده، وشرف الكرامة لديه بتقواه، والاستقامة على طاعته، ومفارقة معصيته.
اللهم صلّ وسلّم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبدالله خاتم النبيين والمرسلين، وصل وسلم على علي أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصديقة الطاهرة المعصومة، وعلى الأئمة الهادين المهديين المعصومين: الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم.
اللهم صل على محمد وآل محمد، وأعنّا على أنفسنا كما أعنت الصالحين على أنفسهم، واسلك بنا سبيلاً سهلة إليك حتى لا ينقطع بنا السعي عنك، ونحرم معرفتك، ونخسر رضاك، ونُمنع رحمتك، ونكون في الهالكين.
اللهم صل على محمد وآل محمد، وعجل فرج ولي أمرك القائم المنتظر، وحفه بملائكتك المقربين، وأيده بروح القدس يارب العالمين.
عبدك وابن عبديك، الموالي له، والممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين وفقهم لمراضيك، وسدد خطاهم على طريقك، وامنحهم رضاك، وانصرهم نصراً عزيزاً قريباً مبيناً.
أما بعد فهذه بعض شؤون:
المعروف والمنكر:
المعروف بمعنى أعم من معناه الشرعي الاصطلاحي نمطٌ من الرّأي والسلوك الذي يدعمه العقل أو الدين أو العرف العقلائي والعادات والتقاليد المتجذّرة في مجتمع معيّن، ولكل أمّة معروف ومنكر حسب اختلاف الدين والحضارة وموروثات التاريخ وغيرها.
هناك معروف ومنكر في كلّ أمّة بغض النظر عن العنونة وإن كان بين الأمم على ماهو المعروف، وما هو المنكر اختلاف باختلاف المناشئ.
معروف هذه الأمّة المباركة هو أرقى معروف والأحق بهذا العنوان، والمنكر في مفهومها هو أنكر منكر، وأخسّ منكر وميزان ماهو معروف وما هو منكر عندها أدق ميزان، لأنّ مرجع معروفيّة المعروف ومنكريّة المنكر في الأمّة الإسلامية هو موافقة الرأي والسلوك لكتاب الله وعدم موافقته، موافقته للعقل وعدم موافقته، وليس فوق كتاب الله وسنّة رسوله صلّى الله عليه وآله والمعصومين عليهم السلام وهي بيان للقرآن وتطبيق له، وكذلك العقل مقياس.
مقياس المعروف والمنكر في الأمة الإسلامية كتاب الله وسنّة نبيه والمعصومين عليهم السلام والعقل،وليس هو العقل الشخصي، وإنما العقل النوعي العام ببديهياته، بمقاييسه المغروسة فيه من الله عزّ وجلّ، في بعده النظري والعملي الذي يمثل الضمير الحي في وجود الانسان.
كلّ أمة، وكل شعب يهتمّ بتثبيت المعروف وبنفي المنكر، وإن اختلفت مصاديق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بين الأمم.
الأمة في انتمائها، في ذاتها الحضارية إنما تجد نفسها من خلال التشبث بما عليه مواضعاتها، وأعرافها، وتقاليدها، ومقدّراها، ومقدّساتها، فلذلك تهتمّ بما هو معروف في نظرها وأن يبقى، وبما هو منكر في نظرها وأن يُنفى.
ومنكر التفسّخ الخلقي والتعرّي والفحشاء منكرٌ سيّءٌ قبيحٌ شديد القبح في نظر الإسلام.
وهذه لقطة من هذا الوباء في بلدنا:”صرّح نائب رئيس مجلس بلدي العاصمة ممثّل الدائرة الأولى طارق الشيخ للوسط – كما هو النقل عن الوسط – بأن الوضع السياحي العشوائي في الدائرة- وليست هي الدائرة الوحيدة المتفردة بهذا الوضع في البحرين- أدّى إلى تحوّلها إلى منطقة تعيش على وقع الانحرافات اللاأخلاقية، مشيراً إلى أن الأهالي يستغيثون من ممارسات مروّجي الفساد الأخلاقي التي باتت تهدّد الاستقرار الأمني والاجتماعي في الدائرة”.
والفساد يتحول إلى ظاهرة طافحة في كل شبر من أرض هذا الوطن، وإن اختلفت المستويات بعض اختلاف.
ظاهرة التعرّي ونفي الحجاب مقصود أن تنتشر في كل شبر، وقد يُستخفّ بمسألة الحجاب، ولكن علينا أن نقرأ هذا الخبر:”وكان تقرير رويترز نشرته العربية نت الأربعاء ذكر أن نجيب ساويس- ملياردير مصري مسيحي- أعلن الثلاثاء 6/11 نيّته تدشين قناتين فضائيتين أخريين بالإضافة إلى قناة (أوتوفي) لمواجهة ظاهرة الحجاب في الشارع المصري وما وصفه بتزايد النزعة المحافظة اجتماعيا ودينيا في مصر.
والرجل يتأذّى جداً من أن الشارع المصري في حجابه كاد يحاكي الشارع الإيراني في قضية الحجاب”.
للحكومات دور وللشعوب دور في تركيز الأمر بالمعروف أو مواجهته، وفي نفي المنكر أو تركيزه، أيهما الغالب؟
لا شك أن الحكومات تملك إمكانات هائلة، وتملك الخبراء والميزانيات الضخمة، والاختصاصيين والخبراء لتنفيذ مشاريعها، لكن مع ذلك أؤكد لك بأن الأمة التي ترفض المنكر تغلب الحكومات، وأنّ الحكومة المتصدية لنشر المنكر لا تستطيع تنفيذ خططها إذا واجهت وعياً وإرادة صلبة وتصميماً من أي شعب وأي أمة على محاربة المنكر.
وحتىحكومة كحكومة علي بن أبي طالب عليه السلام لا تستطيع أن تُركّز المعروف، وأن تنفي المنكر إذا لم تجد تجاوباً من الأمّة، وقاومت إرادتها الشريرة الإرادة الخيّرة لعلي بن أبي طالب عليه السلام.
مرة توجد الظاهرة بقوّة في منطقة من المناطق فتحتاج مقاومتها إلى جهد كبير، ومرّة تحاول أن تجد لها موطئ قدم في منطقة كالترويج للمشي في الشوارع من غير لباس فيه حشمة، كتعرية السيقان والصدر والرأس وما إلى ذلك، كل ظاهرة بعدُ لم تنتشر الانتشار الكبير في القرى مثلا، نستطيع أن نفتح لها الطريق والضوء الأخضر، ونستطيع أن نُشعل في وجهها الضوء الأحمر.
تنبيه من هذا، تنبيه من ذاك، تحقير للسلوك المنحرف ولا يلزم من ذلك التحقير للشخص، كلمة “هذا أمر غريب”، “هذا أمر شاذ” هنا ليس أمريكا، هنا ليس فرنسا، هنا ليس انجلترا، كلمات، تنبيهات، تذكيرات خفيفة تتكاثر الى المائة، والمائتين لا يمكن أن تثبت معها ظاهرة متركّزة فضلاً عن ظاهرة تبحث عن موطئ قدم لها في منطقة.
كلما كثر الناهون عن المنكر، الآمرون بالمعروف كلّما وجد المعروف فرصته لأن يعيش في المجتمع، وواجه المنكر الصعوبة الشديدة في أن يكون له موطئ قدم، وكلّما خفت الصوت كلّما انتشر المنكر.
يريد منا الإسلام أن نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، ومن السمات الرئيسة لهذه الأمة أنها أمة آمرة بالمعروف، ناهية عن المنكر.
بهذه المناسبة يُلفت نظر الشباب حفظهم الله بأن لبس ربع السروال، والتمشّي في الشوارع ذهابا إلى ساحة كرة القدم أو إياباً منها، أو إلى أي مكان آخر ليس في صالح الدين، ويجب أن يعرف الشّاب بأن هذا يبعد به عن الوقار وعن الحشمة، وعن أن تكون شخصيته محل احترام الآخرين. فرق بين لباس ولباس، أنت تذهب إلى وظيفة معيّنة فينظر في هيئتك ولباسك، ويقّيم شخصيتك من خلال لباسك وهيئتك. وازنوا أيها الشباب المبارك بين هذا اللباس في درجة قربه للاسلام والشخصية الإسلامية وحشمتها ووقارها، وبين درجة قربه إلى لباس الطبقة العادية في الغرب. ركّزوا العرف الإسلامي ما استطعتم، وانفوا المنكر ما استطعتم.
صاروخان لا مرحباً بهما:
صاروخان مرفوضان لا مرحباً بهما. صاروخ ينطلق من أرض خليجية عربيّة إلى إيران، وصاروخ ينطلق من إيران إلى أرض عربيّة خليجية أو غير خليجيّة.
أيهما يُرتقب أن يكون الأول؟ صاروخ ينطلق من أرض خليجية عربية؟ أو من إيران؟ المرتقب أن يكون البادئ الأوّل، وبإرادة من؟ ولصالح من؟ بإرادة أمريكية، ولصالح أمريكا، وبقرار أمريكي.
الصاروخان مدمّران لأرض الإسلام، وللإنسان المسلم، والثروة الإسلامية، الصاروخان سيظلّ أثرهما السلبي الهائل ممتداً إلى مسافات زمنية غير محسوبة على مستوى الإنسان والثروة، البنية الاجتماعية، النسيج الاجتماعي، ووحدة الأمّة، على الصعد الماديّة والمعنوية.
الإدانة ستكون للصاروخ الذي ينطلق أولاً، والصاروخ الثاني إذا انطلق فإنما ينطلق لمؤسسات تحتضنها أرضنا الخليجية وهي لصالح أمريكا التي ستبدأ الحرب إذا كانت حرب.
فالمستهدف من الصاروخ الأول هو إيران، مصالحها، إنسانها، بنيتها الصناعية، كل بنيتها التحتية، أما المستهدف من الصاروخ الثاني فهو المؤسسات الأجنبية على أرضنا الإسلامية.
لا أظن أن الرسميين يقدّرون مصلحة في هذه الحرب لأحد من المسلمين أو العرب أو خصوص الخليجيين.
وإذا كانت استجابة للموقف الأمريكي فهي استجابة الضعيف المستسلم، ولا ينبغي الضعف هنا ولا الاستسلام لأن الموقف مدان إسلامياً وضدّ المصلحة الشخصية للخليج بنسبة 100%.
هل نحن كلنا بما نحن عرب، وهل السنّة بما هم سنة وعرب، أقرب رحماً جواراً محترماً، وشعوراً وفكراً وديناً ومصلحة إلى إسرائيل وأمريكا من قربهم إلى إيران؟! إن كان فارق بين السنّة والشيعة- وهو فارق لا يصح لأي حال من الأحوال من ناحية اسلامية أن تقوم عليه حرب، أو أن يُبرّر به خذلان- ولكن أقول إذا كان فرق بين السنّة والشيعة فهل هو أكبر من الفرق بين العرب وإسرائيل،بين السنة واليهود؟! فلننصف.
هناك وعي نابه، وحسٌّ مشكور تجدونه في جريدة الخليج يمثله الدكتور عبدالصبور المفكر المعروف والأستاذ بكلية العلوم المصرية حيث يدعو إلى تشكيل حلف إسلامي مضاد للتحرك الغربي والعدوان السافر المتوقّع على إيران.
ويمثله الدكتور محمد رأفت عثمان عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر حيث يقول “إن مساندة أمريكا في ضرب دولة مسلمة مثل إيران هو نوع من الحمق بلا جدال”.
ويمثله الدكتور صبري عبدالرؤوف أستاذ الفكر بجامعة الأزهر حيث يؤكد أنه من المقرر شرعاً أنه إذا وقع عدوان على أرض الإسلام ولم تستطع أهلها صدّه وجب على كل المسلمين أن يهبّوا لصدّ العدوان ونجدة أخوانهم(6).
وقد حذّر الدكتور محمد بن عبدالمنعم البري الرئيس السابق لجبهة علماء الأزهر من اتّخاذ البعض للخلافات المذهبية مبرّراً لمساندة غير المسلمين في العدوان على المسلمين.
وصحيفة الخليج فيما تنقل نشرة المتابعات للمجلس الاسلامي العلمائي تتحدث عن كلمات بهذا الشأن ليست أقلّ وزناً مما ذكرت.
هذا هو الموقف الإسلامي الصحيح والذي يعيه مثل هؤلاء العلماء، ويؤمنون به، ووراء ذلك فهم صحيح للإسلام، وغيرة على الإسلام، وحسٌّ إسلامي صادق.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى وعلى آله الطيبين الطاهرين، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التوّاب الرحيم.
اللهم من أراد أهل طاعتك بسوء فأرده، ومن كادهم فكده، ومن كان عليهم حربا فكن عليه حربا، وانصر من نصر الدين، واخذل من خذل الدين، وأحلل غضبك بالقوم الظالمين، وأنزل عليهم نقمتك، وامحقهم محقا، واسحقهم سحقا، وأذللهم إذلالاً، واهزمهم هزيمة قاضية، وأورثهم عاراً عظيما يا قوي يا عزيز، يا من هو بالمؤمنين رؤوف رحيم.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – 116/ المؤمنون.
2 – 27/ ص.
3 – 28/ ص.
4 – ميزان الحكمة ج 10 ص 631.
5 – 13/ الحجرات.
6 – هتاف جموع المصلين بـ(معكم معكم يا علماء).