خطبة الجمعة (292) 28جمادى الثاني 1428هـ 13 يوليو 2007م
مواضيع الخطبة:
متابعة التفقه في الدين + التفكّر + كلام كيهان + المخدرات غنى حرام وقتل ظالم + توضيحات لابد منها
أيها الشباب والشابات والناشئة في هذا الوطن الكريم اهربوا من من يحاولوا أن يأخذزا بكم إلى طريق المخدرات، طريق المرض والشقاء والموت وسقوط السمعة.
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي لا مُفقر لمن أغنى، ولا مُغنيَ لمن أفقر، ولا مذلَّ لمن أعزّ، ولا مُعِزّ لمن أذلَّ، ولا خاذلَ لمن نصر، ولا ناصر لمن خذل، ولا مُضِلّ لمن هدى، ولا هاديَ لمن أضلَّ، فعّالٌ لما يُريد ولا مُعطِّل لما أراد.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله. صلّى الله عليه وآله وسلّم تسليماً كثيراً كثيراً.
أُوصيكم عبادَ الله ونفسي الأمّارة بالسُّوء بتقوى الله، والتَّقوى ليست فِعلاً جميلاً وراءَه نيّةٌ سوداء، ولا كفٌّ عن قبيح لفقد مقدُرة، وإنَّما هي الفعل الحسن ابتغاءً لوجه الله، والتّنزّه عن السُّوء تقرُّباً إليه؛ وعن الرسول صلّى الله عليه وآله:”إذا عملت عملاً فاعمل لله خالصاً لأنه لا يقبل من عباده الأعمال إلاّ ما كان خالصاً”(1).
اللّهمَّ إنّا نعوذ بك من أن نشرك بك أحداً، ومن شرور أنفسنا، وسيّئات أعمالنا، ومن كيد الشيطان الرجيم.
اللهم صلّ على محمد وآله الطيبين الطاهرين، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتُب علينا إنَّك أنت التواب الرحيم، وأنزل علينا من بركاتك، وادفع عنّا ما نستحقّه من النّقمات بمنّك وفضلك يا كريم يا رحيم.
أما بعد أيها المؤمنون والمؤمنات فإلى تكملة من حديث التفقّه في الدين ثم إلى موضوع التفكّر:
التفقّه في الدين:
“إذا مات المؤمن الفقيه ثلم في الإسلام ثلمة لا يسدّها شيء”(2) عن الصادق عليه السلام.
وفي الحديث عن الكاظم عليه السلام:”إذا مات المؤمن… ثلم في الإسلام ثلمة لا يسدّها شيء لأنّ المؤمنين الفقهاء حصون الإسلام كحصن سور المدينة لها”(3).
سبق الكلام عن أهميّة الفقيه، ومقارنته بالعابد الذي لا فقه له. وهنا تُقدّم لنا الأحاديث الشريفة الفقيهَ حصناً من حصون الإسلام يقوم مقام حصن المدينة وسورها الذي يحميها من الغزو والعدوان.
الأمّةُ أيُّ أمّة مستهدفة لأممٍ أخرى، حكومات الأرض، وأمم الأرض وبأخلاقيّات الأرض، وتوجّهات الأرض همّها التوسُّع والغزو والعدوان، ومن أخطر أنواع الغزو كما تعرفون غزوٌ يفصل الأمّة عن هويّتها لتهون على نفسها، وتهون نفسها عليه. وهو الغزو الذي يريها أنها حقيرة، صغيرة دونيّة. وإذا غزى هذا الشعور شخصا أو أمّة سقط ضحيّةً للآخرين. فما أسهل على الإنسان فرداً كان أو مجتمعاً أو أمّة أن يبيع نفسه بأرخص الأثمان إذا سقط في نظر نفسه، وهانت عليه نفسه.
والأمة التي تشعر بهوان خطّها، وبدونية انتمائها هي أمة تكتنز شعوراً بالحقارة، وشعوراً بالدونية لا يقف بها دون أن تُستبعد وتُذلّ وتخدم الآخر.
هذا اللون من الغزو حُماة الأمّة منه وجنودها هم الفقهاء. الغزو الفكري، الغزو الحضاري حماة الأمّة منه، وذادة الأمة فيه، هم الفقهاء الذين مرّ وصفهم، وأي غزو آخر وكما تعرفون من تاريخ هذه الأمة في ليبيا، في الجزائر، في مصر، في إيران، في العراق، في افغانستان، في بلدان أخرى كالغزو العسكري كان الفقهاء في مقدمة أبناء الأمة وجنودها الذائدين عن حماها وعن دينها ومصالحها في وجهه.
فإذاً نحن أمام حالة واقعية نشهدها حالياً ونعرفها تاريخاً وهي من أن الفقهاء حصون الأمة.
هم حصون حصن بعد حصن، واحدهم حصن، فإذا كثروا كثرت الحصون، وقد يكون الواحد حصناً، بينما قد يكون العشرة حصناً، وذلك راجع إلى المستوى ودرجة الإخلاص والأمانة والصدق والدين.
هذا الفقيه الحصن إذا مات ظلّت الثغرة مفتوحة، أو انهدم حصن من بين حصون الإسلام والأمة.
من يسدّ هذه الثغرة؟ فقيه آخر، وهذا يفرض المسؤولية على الأمة أن لا تكفّ عن تخريج الفقهاء العدول الصالحين، وإلا انهدم كيانها، وذهبت في مهبّ الرياح.
المدينة بلا حصن من أي لون لاضمان لبقائها. الآن الدرع الصاروخي الذي تسعى إليه أمريكا حصن، وكان الجدار المحيط بالمدينة حصناً، اليوم القوة النووية، والسلاح الرادع حصن، وكل ذلك حصون مرئية ومحسوسة، وعلى المستوى المادي، وهي إنما تحمي الأمة من حيث الوجود المادي. أما الحصون التي تحمي الأمة معنويّاً، وتعطيها القوّة الماديّة أيضاً فهم رجال مخلصون واعون يحملون الأمانة ومسؤليتها بصدق وإخلاص.
ولكل فئة من الناس آفة، ونقطة ضعف، ومسلك يسلكه الشيطان إليهم ليستولي عليهم، ومن استولى عليه الشيطان خسر نفسه قبل أن تخسره الأمّة، وأفسد نفسه قبل أن يُفسد الأمّة، وما آفة العلماء يا أهل البيت صلوات الله وسلامه عليكم تقول الكلمة عن علي عليه السلام:”آفة العلماء حبّ الرياسة”، قد يتقدّم عالم في الأمّة، قد يتساوى فقيهان أو أكثر من فقيهين، والعلم والفقاهة وتقدّم المستوى في أي بعد من أبعاد الشخصية يغريها بأن تطلب المناصب، وهذا منفذ للشيطان كبير يستولي من خلاله على الإنسان، وينقله من ضفّة الجنّة إلى ضفّة النار.
“آفة العلم ترك العمل به” وبذلك يكون الإنسان كالحمار يحمل أسفاراً.
وليس هناك من علم يلزم العمل به، ولا تكتمل أمانته إلا بتطبيقه كعلم الدين، فإنه علم للعمل، فإذا كان هناك علم يمكن أن يأخذ الصفة الترفية فإن علم الدين يرفض هذه الصفة بالكامل.
“عن موسى بن جعفر عن آبائه عليهم السّلام قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: الفقهاء أُمناء الرّسل ما لم يدخلوا في الدّنيا. قيل: يا رسول الله ما دخولهم في الدّنيا؟(4) قال: اتّباع السّلطان، فإذا فعلوا ذلك فاحذروهم على أديانكم”(5).
اشتُروا، ومن اشترى لأهل الأرض لا يعرف قيمة الدّين، ولا يصلح لحمل أمانة الدين، فلابد من الحذر منه.
ما اتّباع السلطان ؟ المصداق الواضح من ذلك والظاهر من الكلمة الشريفة أنّه الدخول مع السلاطين في سياستهم كما يهوون طمعا في دنياهم أو خوفا حتّى من عقوبتهم بما لا يسمح به الشرع من تنازل، ومن ذلك أيضاً أن يستولي هوى السلطة على العالم، ومنه هوى الوجاهة، وهوى النفوذ الشعبي، وأن يستقطب الرأي العامّ من باب حبّ الظهور، ومن باب عبادة الأنا.
إنه هوى الرئاسة، إنه هوى السلطان، وهو لا يبقي قيمة دينية صامدة أمامه، يسحق كل القيم، ويحاول أن يتجاوز كل الأحكام الشرعية من أجل أن يتحقق “… فإذا فعلوا ذلك فاحذروهم على أديانكم”.
التفكّر:
أما عن الفكر فالإسلام يقيم الحياة على الفكر والفكر السليم، والإسلام يأخذ بالعلم والمنهجة العلمية ولا يرضى أن يكون أساس الدين أو أساس الدنيا ظنّاً زائفاً، وحدساً خائباً.
إن النصوص الدينية لتركّز كثيرا على نوع من المنهجية العلمية الصادقة، ولا خوف عليّ أن أصل إلى ما يخالف الحكم الشرعي إذا التزمت تلك المنهجية، ويُخاف عليّ حتى وإن وصلت إلى الحكم الشرعي الواقعي إذا لم ألتزم بتلك المنهجية.
“الفكر يفيد الحكمة”(6) عن علي عليه السلام.
هناك علم نظري يصل من خلاله نظرك إلى ما عليه الواقع، وإلى الشيء على واقعه، وكذلك أن تدرك القضية على واقعها. سواء كان المدرك مفردة جزئية أو كان المدرك قضية كليّة، مرة ندركه على ما هو عليه من واقع، ومرة ندركه على غير صورته في الواقع، والمطلوب أن نصل إلى الواقع على ما هو عليه. هذا فكر.
وهناك فكر يجعلك تقدّم الحسن على القبيح، وتختار الحقّ على الباطل، وهذا حكمة، الحكمة أن تختار الحقّ على الباطل، وليس كل من عرف الحقّ وعرف الباطل قدّم الأول على الثاني، والحكمة ليس أن تعرف الحسن والقبيح إنما ذلك ما يسمونه بالعلم العملي وهو أن تدرك حسن الشيء وقبحه، لكن أن تقدّم الحسن على القبيح فتلك مرحلة متقدّمة في المنزلة على العلم الأول وإن كانت متأخرة عنه في الترتب المنطقي، وهذا التقديم والخيار السديد هو الحكمة.
ماذا يوصلنا إلى العلم النظري والعملي وإلى الحكمة؟ الفكر أي التفكّر، التدبّر، إعمال الطاقة الفكرية. هناك طاقة فكرية نطلق عليها(فكر)، وهناك عملية تفكير أيضا يطلق عليها (فكر)، فالمقصود هنا عملية التفكير وليست الطاقة الفكرية.
الطاقة الفكرية قد تبقى في سبات، قد تبقى معطّلة غير منتجة ومثال ذلك أن شخصاً يتوفر على قوة عضلية هائلة، لكنه لا يستخدمها فلا تُنتج، وأن شخصاً آخر يتوفر على طاقة عضلية أقلّ مستوى ولكنّه يضعها على طريق العمل والإنتاج فإنه سينتج. صاحب الفكر العملاق إذا لم يدخل في عملية التفكير فإنه لن ينتج الكثير، وصاحب الفكر المتوسّط إذا جدّ واجتهد والتزم المنهجية العلمية في التفكير وبذل وسعه في عملية التفكير فإنه سينتج الكثير.
كيف نتوفر على العلم في بعده النظري؟ كيف نتوفر على العلم في بعده العملي؟ كيف نتوفر على الحكمة؟ “الفكر يفيد الحكمة” هذا الجواب عن السؤال والكلمة عن عليٍّ عليه السلام.
وكذلك عنه:”الفكر جلاء العقل”(7).
العقل يصدأ، العقل يغيم، العقل تحدث له ضبابية ولا يكشف ذلك شيء كالتفكّر.
اللهم صل على محمد وآله الطيبين الطاهرين، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، وأنزل علينا من بركاتك، وادفع عنا ما نستحق من النقمات بمنّك وفضلك يا كريم يا رحيم.
اللهم اجعل تنافسنا على الآخرة ومقاماتها، ولا تجعل تنافسنا على الدنيا وزخارفها وشهرتها وجاهها ومالها، واسترنا بسترك، وادفع عنا بدفعك، وألزمنا صراطك، ولقِّنا رضاك، وجنّبنا سخطك، فرضاك مغنٍ، وسخطك لا يُطاق يا أرحم من كل رحيم، ويا أكرم من كل كريم.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ (4)}
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي لا يأمن من أخاف، ولا يخاف من آمن، ولا يرتفع من وضع، ولا يتّضع من رفع، ولا يأنس من أوحش، ولا يستوحش من آنس، ولا مُعطي لمن منع، ولا مانع لمن أعطى، لا يكفي عنه أحد، ويكفي عن كل أحد، وهو العلي العظيم.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله. صلّى الله عليه وآله وزادهم تحية وبركة وسلاماً.
عباد الله علينا بتقوى الله، والطّمع في ما يده لا ما في أيدي الناس، فكل ما في أيدي الناس ملكه وتحت تصرّفه، ولا يملك أحد مما له سبحانه على الإطلاق، وإذا كان في الناس من كرمٍ فلا كريم كالله، وإذا كان فيهم من رحمة فلا رحمة كرحمته، وليس غنىً كغناه، وكل شيء مما آتاه عبيده إلى نفاد، وما عنده تبارك وتعالى لا ينفد. فإلى من يتوجّه الطلب، وإلى من يكون اللجأ، وممن يُسأل الغنى، لا يقصد عاقل في ذلك غير الله. ومن طلب العزّ فليطلبه من الله فلو اجتمع الجنّ والإنس على أن يسلبوا امرءاً ثوب عزٍّ كساه الله إياه لرجعوا خائبين، ولو أجمعوا على عزِّ شخص لا يريد الله له عزّاً لما كانوا يقدِرون.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى وعلى آله الطيبين الطاهرين، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم أعذنا من أن يقف بنا النظر عند الأسباب دونك يا مسبِّب الأسباب، وعند المخلوقين يا خالق المخلوقين، وأن نطلب الخير ودفع الشر من المربوبين ياربّ المربوبين، وأن نستجدي الرِّضى من المملوكين بغضبك يا مالك المملوكين، ويا إله العالمين.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبدالله خاتم النبيين والمرسلين، وعلى علي أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصديقة الطاهرة المعصومة، وعلى الأئمة الهادين المعصومين: الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم.
اللهم صل على محمد وآل محمد، وعجل فرج ولي أمرك القائم المنتظر، وحفَّه بملائكتك المقربين، وأيده بروح القدس يارب العالمين.
عبدك وابن عبديك، الموالي له، الممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين وفقهم لمراضيك وسدد خطاهم على طريقك، وانصرنا نصراً عزيزاً مبيناً.
أما بعد أيها الإخوة المؤمنون والمؤمنات فإلى هذه الكلمات:
كلام كيهان:
وهو الكلام الذي نُسب إلى حسين شريعتمداري في صحيفة كيهان الإيرانية بشأن البحرين. هذا ردّ مختصر في ثلاث كلمات:
1. هو كلام لا واقع له، فالبحرين بلد مستقلّ ولا سيادة عليه من دولة أخرى.
2. وهو على خلاف مقتضى المصلحة والتهدئة التي تحتاجها أوضاع المنطقة.
3. أي علاقة تفاهم أو اختلاف على بعض الأمور من شعب البحرين وحكومته -وهو موجود فعلاً- هي مسألة داخليَّة بالكامل وليس من الصحيح ولا الصالح ولا المقبول أن يأتي توتير لها من أي جهة أخرى.
المخدّرات غنى حرام وقتل ظالم:
عرّفوا المخدّرات بأنها كل مادة ينتج من تعاطيها فقدان جزئي أو كليّ للإدراك بصفة مؤقّتة، وتحدث فتورا في الجسم يجعل الإنسان يعيش في خيال واهم فترة وقوعه تحت تأثيره.
تؤثر المخدرات على متعاطيها على نحو خطير في بدنه ونفسه وعقله وسلوكه وعلاقته بالبيئة المحيطة.
يعاني من الإدمان على المخدرات أكثر من مئة وثمانين شخصاً في مختلف أرجاء العالم، ومحليّياً قالوا كما في بعض الصحف اليومية أن في البحرين البلد الصغير قليل السكّان 800 مدمن على المخدرات، هذا العدد من المدمنين لا يمثّل كل المدمنين وإنما هم الذين يتلقّون علاجهم في الطبّ النفسي حسب جريدة الوقت، وفي جريدة أخبار الخليج يزيدون على هذا العدد خمسين آخرين، هذا هو العدد الخاضع لتلقّي العلاج في الطبّ النفسي وليس كل المدمنين وليس كل المتعاطين، فطبيعي رقم المتعاطين اكبر حيث ينضم إليه من لم يخضعوا بعد للعلاج في الطب النفسي وإن كانوا مدمنين وغيرهم من المتعاطين بلا أن يصلوا إلى درجة الإدمان.
والقتلى لظاهرة المخدرات في الستة الأشهر الأخيرة بلغوا اثنى عشر شابّاً بحرينيّاً لتناولهم جرعات زائدة من هذه السموم بينما يبلغ مجموع القضايا المتعلّقة بهذا الوباء للمدة نفسها ثلاثمائة وتسعاً وعشرين قضيّة، فأمام أي قضية خطيرة مستفحلة نحن؟! وأمام أي مؤامرة قذرة من مستوردي هذه المواد القاتلة؟! ظاهرة توقع شباب هذا الوطن وشاباته وناشئته بين أنياب الموت، وفي متاهات الضياع، ظاهرة ومؤامرة تصب في جيوب المترفين، وتقتل وتعذّب وتشقي المغرّر بهم من طبقات الفقراء والمحرومين، هذا والمنافذ لدخول البحرين قليلة معروفة ومحيطها الجغرافي صغير، والحدود محروسة، والتعرف على مستوردي المخدرات ومروجيّها الكبار أمر لا يعسر لضيق الرقعة الجغرافية وقلّة السكّان، والظاهرة ليست بنت يومها، وكل ذلك يجعلك تسأل لماذا استمرار التزايد في تعاطي المخدرات، وقبل ذلك تدفّقها من الحدود مع كون التعاطي لها الطريق المفتوح على الإيدز بكفاءة عالية.
وبهذا الصدد كشف بيت الأمم المتحدة كما عن أخبار الخليج من خلال مسوحاته الميدانية وجود ثلاثمائة بحريني مصاب بمرض نقص المناعة، ستون في المائة منهم انتقل لهم المرض عن طريق حقن المخدرات.
وعجيب أن لا يسيطر على هذه الظاهرة ولا يحدّ منها، وعجيب أن لا يُهتدى للمستفيدين الكبار من مردودات هذا السمّ القاتل، أو لا يكون من بين المحكوم عليهم واحد من أولئك الكبار على الإطلاق؟! والكبار هنا كبار دنيا لا كبار آخرة.
جريمة من في الأصل هذه التي تحصد عشرات ومئات من أرواح المواطنين، وتهدم عوائل، وتخنق أمل شباب، وتسرق هناءتهم وصحتهم وسمعتهم، وتنهب منهم الحاضر والمستقبل؛ مستقبل الدنيا ومستقبل الآخرة، وتلغي دورهم المنتج الكريم في الحياة، وتزجّ بهم في المصحّات، أو تلقي بهم نفايا مجتمع في الطرقات، وتحولهم أدوات إضرار مخوفة ومكروهة من الناس، وإن كانوا مظلومين ظلماً لا يرفع عنهم مسؤولية قتل أنفسهم وإفسادها؟!
هل ليس وراء الظاهرة ولا متنفّذ واحد؟! ولا صاحب منصب كبير أو لقب يُشار إليه بالبنان؟! تمضي السنون والكثير من الناس المغمورين والمواطنين العاديين والمستأجرين في هذا المجال يُسحبون إلى السجون، ويودعون السجون باسم المخدرات، بينما لا نسمع عن شخص واحد من أصحاب الأوزان الضخمة الدنيوية بأنه متورط في هذا الجرم الفتّاك بشباب وشابات وناشئة هذا الوطن؟!
أمر يثير الشك والريبة، ويدعو للدهشة والاستغراب.
أيها الشباب والشابات والناشئة في هذا الوطن الكريم اهربوا من من يحاول أن يأخذ بكم إلى طريق المخدرات، طريق المرض والشقاء والموت وسقوط السمعة. اهربوا من أول جرعة، وعن أول تجربة للمخدرات لئلا تتحول حياتكم إلى هم وغم وسقم وعار وبؤس وضياع. إذا كنت كبيرا قادرا فازجر من يريد أن يوقعك في شقاء المخدرات، وانصحه بأن يطلب العلاج، وإذا كنت صغيراً لا تستطيع مواجهته فاستعن بأهلك لينقذوك من شره وسوئه وعبثه بحياتك ومصيرك، ولا تتكتّم على أمره على الإطلاق.
توضيحات لابد منها:
هذه التوضيحات تتعلق بما يدور حول موضوع العلمانية والإسلام في الساحة المحلّية هذه الأيام.
وُجد في هذا المجال تضليلان:
أ- فيما يتعلق بالبداية لهذا الموضوع، وأين كانت. أقول، وراجعوا الصحافة: إن الهجمة جاءت ابتداءً من الطرف العلماني. وجاءت الكلمات تهاجم الإسلام في أسبوع واحد، وكأنّ هناك تلاقي رأي على مهاجمة الإسلام.
ب- خلطوا خلطاً متعمّداً سيئاً لا ينبغي بين موضوع الاقتطاع وموضوع المناداة بعزل الإسلام والحجر عليه، والرد على ذلك. الاقتطاع موضوع، والرد على الهجمة الشرسة على الإسلام موضوع آخر، والخلط بينهما للتشويش والمغالطة. موقفنا من الاقتطاع كان واضحاً من أول كلمة لي في هذا الجامع، وقد ظلّ الموقف منسجماً ولم يتغيّر إلى الآن، وسيبقى هو هو، والبيان الرسمي للمجلس العلمائي متّسق مع هذا الموقف، وأننا نرفض الاقتطاع جملة وتفصيلا.
2- لماذا كلامنا نحن عن الوفاق؟ ولماذا الوقوف أحياناً مع الوفاق؟
أرى أن ضعف الوفاق اليوم وقوتها مؤثّرتان جداً سلباً وإيجاباً على مصلحة الشعب، وأن هدم الوفاق له نتيجة، واستمرار الوفاق وتدارك الخطأ الذي قد تقع فيه له نتيجة، الوفاق قوة للشعب، صوت جريءٌ يعبّر عن الشعب، الوفاق ليست معصومة، وليست عليّاً عليه السلام الذي يدور الحق معه حيثما دار ، ولكن في الوفاق رجال ثقاة مخلصون أوفياء لهذا الشعب حريصون على مصلحته، أصحاب دين وفهم، هذا تقييمي، ولا حجر لي على قناعات الآخرين.
قلت في هذا المسجد ومن هذا المنبر الشريف بأن موقفنا مع الوفاق مشروط، والأمر هو كذلك، نقف مع الوفاق ما وقفت مع الدين، وصدقت مع الدين، وأخلصت لأمر الدين، وما وقفت وأخلصت وتحمّلت بصدق ووفاء أمانة هذا الشعب. وقد تقدّم القول في خطبة من خطب هذا العام في هذا المسجد الشريف بأننا سنقف ضد الوفاق وسنسقطها إذا خرجت عن هذا الخط.
وضح بيان المجلس العلمائي في مسألة الاقتطاع أن الوفاق وبمقتضى عدم عصمتها قد يخونها التقدير الموضوعي، وهذا لا يمس إخلاصها ووفاءها للشعب، وتقديرها العام للموضوعات، وحرصها على دراسة المواقف.
3- لكل من الإسلام والعلمانية رأي في التدخّل في الشأن العام، وفي قضايا من مثل حدود الحرية الشخصية، والأحوال الشخصية، والمساحة التي يعمل فيها الدين، وإذا نفت العلمانية حقّ الإسلام في التدخّل في كل هذه الأمور فهذا يعني إسقاطاً للإسلام، بينما يعني إصرار الإسلام على التدخّل في هذه الأمور إسقاطاً للعلمانية، وهذا واضح جليّ جداً، هذا يسقط رأي ذاك، وذاك يسقط رأي هذا، هذا يقول بأن الحاكمية لله، وذاك يقول بأن الحاكمية للشعب وللرأي الغالب.
وحينما نقول بأن الحاكمية لله فهذا لا ينفي أن يُعطى الشعب خيار أن ينسجم مع إسلامه أو لا ينسجم.
والتسقيط من كل الطرفين قائم واقعا، والمناداة به بدأت في الصحافة من العلمانية، هناك اختلاف واقعي، وهناك تنافٍ من الطرفين في الواقع، بينما المناداة بالإسقاط بدأت من الجانب العلماني، فالإلغاء لرأي الإسلام معناه تحيا العلمانية ويسقط الإسلام(8).
فالإلغاء لرأي الإسلام معناه تحيا العلمانية عملاً وواقعا ويسقط الإسلام كذلك، وإصرار الإسلام على فاعلية رأيه معناه يحيا الإسلام وتسقط العلمانية رأياً، تسقط العلمانية واقعاً. هذا معنى تمسّك الإسلام بطرحه، وتمسك العلمانية بطرحها، والتزاحم على الساحة قائم، كل منهما يزاحم الآخر على الساحة، على إيمان الشعب بهذا أو ذاك على أن يأخذ هذا أو ذاك مساحة من التطبيق.
والهجمة في الحالة القائمة جاءت من العلمانية وبعدة أقلام وبلغة صريحة لا مواربة فيها.
4-كان مطروحي في أيام الانتفاضة ولا زال في العلاقة مع العلمانية يتركّز على قضيتين ولا أرفع يدي عن هذا المطروح:
أ- التوافقات العملية مع العلمانية أو غيرها والتي قد تقتضيها الظروف لا تعني أبداً التسامح في حرمة الإسلام أو الخروج على أحكامه.
ب- إن الاختلاف المبدئي لا يمنع من التوافقات العملية الداخلة في مساحة المباح والمحققة لمصلحة المجتمع المسلم، وهذا الوطن الكريم وطن مسلم مجتمعه مجتمع مسلم.
هذا وأشير إلى أن الكل يعرف أن هذا الطرف أو ذاك الطرف لم ينطلق في تحالفه مع الطرف الآخر إلا من خلال منظوره ومصلحته، وليس من منظور المقابل ومصلحته، فلا منّ للعلمانية علينا أن دخلوا في توافق معنا في بعض المسائل ولسنا الطرف الأضعف في المعادلة.
نعم، يأتي في هذا الإطار التنازل المتبادل أو من طرف واحد عن بعض المصالح ولكن بلحاظ الضرورة في الأكثر، ولو كانت هي ضرورة التحالف حدوثاً أو بقاءً. وكلمات المنّ على الشعب إما أنها لا مورد لها أساساً ولا موضوع أو أنها غير لائقة.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم. اللهم إن يلجأ الواهمون إلى غيرك فلجأنا ليس إلا إليك، وتوكّلنا ليس إلا عليك، وثقتنا ليست إلا بك، فاقبل يا إلهي لجأنا، وأصدق ربي توكّلنا، وثبّت سيدي ثقتنا، وحقّق فيك أملنا، ولا تجازنا بسوء عملنا، وارفع درجتنا في الدنيا والآخرة، واجعل همنا رضاك، ومحذورنا غضبك، وسعينا إليك، وطاعتنا مخلصة لوجهك الكريم يا أكرم الأكرمين، ويا أرحم الراحمين.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – ميزان الحكمة ج 3 ص 61.
2 – ميزان الحكمة ج 7 ص 535.
3 – المصدر نفسه.
4 – أن يأكلوا، أن يشربوا، أن يتوفروا على شيء من المال الذي يصلح حالهم؟ أن يعتنوا بصحتهم وبصحة أبنائهم ومن يدخل في مسؤوليتهم؟ لا.
5 – المصدر ص 536.
6 – ميزان الحكمة ج 7 ص 538.
7 – المصدر نفسه.
8 – هتاف جموع المصلين بـ(لبيك يا إسلام).