خطبة الجمعة (214) 3 شهر رمضان 1426هـ – 7 اكتوبر 2005م
مواضيع الخطبة:
الحلقة الرابعة من موضوع الذنوب + مسجد أو دائرة رسمية؟ + شهر رمضان المبارك كيف أراده الله، وكيف أراده الناس؟ + العراق + الشأن العام المحلي
أستكثر على أخواني من أئمة الجمعة والجماعة كل الاستكثار أن يصدق خبر أن المسجّلين لهذا الكادر قد بلغوا مائة وستين شخصاً (160).
الخطبة الأولى
الحمدلله الذي يخلق ولم يخلق، ويصف ولايوصف، ويَعلم ولايُعلم، يعلم خائنة الأعين وماتُخفي الصدور، ومايكن الليل وتصير إليه الدهور. يكفي من كل شيء ولايكفي منه شيء وهو على كل شيء قدير.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً كثيراً.
أوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله والمسارعة في الخيرات، والجود على النفس بإصلاحها، واستعمالها في طاعة المولى الحقّ رفعة لشأنها، وإكراماً لها، وإنقاذاً من الهلكات.
وماكانت الدنيا ونعمها، وما رُزق الإنسان من مواهب في نفسه وحياته فيها إلا ليطيع ربّه الذي لاربّ سواه تحقيقاً لغاية وجوده، ووصولاً لكماله. وطاعة الله لامَعْدِل فيها عن الأخذ بنهجه، واقتفاء أمره ونهيه، والتّلقّي من رسله والأوصياء الصادقين في غير استكبار ولاتردُّد.
اللهم صل على محمد وآل محد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، واملأ قلوبنا بنور معرفتك، وأنقذنا من عار معصيتك، وألزمنا طريق طاعتك، وأنلنا عفوك ومغفرتك، وأمطر علينا شآبيب رحمتك ورأفتك يارحمن يارحيم ياجواد ياكريم.
أما بعد أيها الأعزاء من المؤمنين والمؤمنات فهذه الحلقة الرابعة من موضوع الذنوب، والحديث تحت عنوان:
اتقوا المحقّرات:
إن من النفوس ما يسهل عليها كل ذنب بعد أن ساءت حالها، وتلوّث جوّها، وامتنعت عليها الرؤية، وهانت على ذاتها، ومنها ما يعظم عندها ذنب ويهون ذنب، وهي لاتزال تملك شيئا من المقاومة، ولكنها في معرض السقوط النهائي، وإن لم تتلاف الأمر، وتعزم العزمة الشديدة فإنها إلى خسار.
ومنها ماتستعظم كل ذنب، وتكبر عليها كل خطيئة، وتظلمّ الدنيا في مرآها عندما تقارف الصغيرة، وهي نفس على صفاء، تنعم بالنقاء، وفطرتها لازالت في صحوة، وضميرها لازال على حياة غنيّة، ورؤيتها لاتكاد تغيم.
ومع هذه الطائفة من الأحاديث في الموضوع:
“إن الله يحب العبد أن يطلب إليه في الجرم العظيم، ويبغض العبد أن يستخف بالجرم اليسير” الحديث بريء من الدفع إلى أي جرم، وهو ضدّ كل جرم، ويستعظم الجرم الصغير فضلا عن الجرم الكبير لأن الجرم الصغير إذا كان فيه خروج على أمر المولى الحق كان كبيراً.
والنفس قد تضعف، وقد تستولي عليها غفلة… الجواد قد يكبو، والسيف قد ينبو، والشيطان ليس بعيدا عن الإنسان، فقد يحصل أن النفس تسقط فتفيق، فترى من نفسها أنها قد وقعت في خسران عظيم، ويقوم في داخلها حكم على ذاتها بالهوان، وهي ترى عظمة الخالق، وخبيث ماجنت على نفسها فتجأر إلى الله، وتلجأ إليه، وتستغيث به، وتريد جادّة أن تفرّ مما وقعت فيه من سوء النظرة إلى ذاتها وهي نظرة الحقارة.
هذه نفس تكون قد فقدت المقاومة لحظة، واختلس منها الشيطان رشدها، فوقعت في الخطيئة لكنها لم تخسر كل النقاء، ولم يهن عليها أمر المعصية حين أفاقت، فهي إلى خير إن شاء الله.
لكن العبد يأتي بالجرم مما سُمّي فقهيا من الصغائر، ويهون على نفسه أن أتى بهذا الجرم، ويستخف بالخطيئة، ولايرى من نفسه أنه غادر الصحيح. هذا الموقف موقفٌ تعيش فيه النفس جهلاً، وتعيش النفس من خلاله استخفافا بالمولى الحق، وهي تفقد من نقائها، ومن استقامتها، ومن رشدها، ومن وعيها، ومن هداها أكثر مما أفقدته إياها معصيتها. فلذلك يقول الحديث “إن الله يحب العبد أن يطلب إليه في الجرم العظيم..” إنه لهذا الطلب الجاد، لهذا الاحتراق النفسي للمعصية، لهذه المعاناة المرة، لهذا الاكتشاف لسقوط الذات، لهذا التمرد عل الذات، لهذه النهضة من العثرة يحبّه الله. “لامصيبة كاستهانتك بالذنب، ورضاك بالحالة التي أنت عليها” الذنب كارثة، الذنب مصيبة، ولكن ما هو مصيبة أكبر، وما هو كارثة أشد وأعمق أن يستهين عبد بذنبه، لأن هذه الاستهانة تنطوي على أمر خطير. الذنب كما قد سبق قد يكون عن لحظة غفلة، قد يكون عن غلبة شهوة، لاعن استهانة بالله، قد يكون عن ضعف مقاومة، أما الاستهانة بالذنب فهي استهانة بالله، وهي استكبار أشد، وهي تمرّد أكبر. إذاً لامصيبة كاستهانتك بالذنب ورضاك بالحالة التي أنت عليها، وأن نمكث على الذنب رضىً به. إذا مكثت على الذنب فمعنى ذلك أني أستهين به، وأني أعيش الرضا به، وأني لاألتفت إلى عظمة المولى، وأني أتعامل مع المولى باستخفاف.
“لاتستصغرن سيئة تعمل بها فإنك تراها حيث تسوءك” إن استيقظتُ في هذه الحياة حكمتُ على نفسي بالسوء والهوان لمعصيتها، وعشتُ عذاب ذكرى معصيتي، وذكريات المعاصي عند اللبيب معذّبة، والضمير الحي متعبة، لاتُخفّف منها لذات الحياة، ولاشهرتها. وإن لم أُفق في هذه الحياة فسأراني خاسراً، سأراني حقيرا عند الله، سأراني قريبا من النار، سأراني في فوج المجرمين، سأراني في قوافل أهل النار، فكم سيسوءني أن أرى نفسي العزيزة قد أُخذ بها إلى جهنّم؟!
“يا ابن مسعود لاتحقّرن ذنبا ولاتصغّرنه واجتنب الكبائر فإن العبد إذا نظر إلى ذنوبه دمعت عيناه قيحا ودما” يوم أن تنكشف ذواتنا لنا، يوم أن نواقع الحقيقة، يوم أن نشهد مصارعنا، يوم يقوم الحساب، يوم لاينفع مال ولابنون إلا من أتى الله بقلب سليم تدمع العين قيحا ودما للذنب، وإن كان اليوم لانأبه بالذنب نرتكبه ونقيم عليه.
من تمام الحديث يقول الله تعالى { يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَاللّهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ}(1) الآية الكريمة في نظر الرسول كما في الحديث فيها إشارة إلى أن النظر إلى ذلك اليوم إلى الذنب تدمع من أجله العين قيحا ودماً.
أطرح هذا فيما أستشعره من الآية وأستغفر الله لي ولكم.
“إن المؤمن ليرى ذنبه كأنه تحت صخرة يخاف أن تقع عليه، وإن الكافر ليرى ذنبه كأنه ذباب مر على أنفه” الذنب قبيح في نظر المؤمن، ثقيل، مُر، مهدّد، سقوط، رداءة، حقارة، خطر شديد، فإذا أذنب الذنب كأنه يشعر بأن ذنبه من فوق رأسه صخرة ليس بينه وبين أن يهلك إلا أن تسقط عليه، وهي ساقطة عليه مالم يغفر الله ذنبه.
أما الكافر فيرى ذنبه كأنه ذبابة مرت على أنفه من غير مكثٍ عليه. من أين هذا الشعور للكافر؟ هذا الشعور قد يبقى للكافر لبقية من فطرة مطمورة، ولبصيص باهتٍ جدّاً بعدُ لم ينطمس من نور الفطرة، أما إذا ران على قلبه ذنبه كل الرين فقد لايبقى من ذلك شيء والله العالم.
“إن الله أخفى سخطه في معصيته فلاتستصغرن شيئا من معصيته فربما وافق سخطه وأنت لاتعلم”، “إن الله تبارك وتعالى إذا أراد بعبد خيرا جعل ذنوبه بين عينيه ممثّلة، والإثم عليه ثقيلا وبيلا، وإذا أراد بعبد شرا أنساه ذنوبه” هذا عن رسول الله صلى الله عليه وآله، فلنكتشف أنفسنا.
كيف نشعر بثقل الذنب إذا أذنبنا؟ هل يبقى لنا أنسنا النفسي؟ هل تبقى لنا نظرتنا القيمية لذواتنا؟ أأبقى محترماً نفسي عندما أسقط في حمئة الذنب؟ أم تسوء في ناظري الحياة، وتظلمّ الدنيا، وأسقط في حكم نفسي، إن كان الثاني فأنا على شيء من الخير، وإن كان الأول فلا حول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم، قد سقطتُ، قد سقطت،…
اللهم صل وسلم وزد وبارك على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم. ربنا اجعلنا مهديين غير ضالين، ذاكرين غير غافلين، حامدين شاكرين غير جاحدين، متقين عابدين غير مستكبرين، واجعلنا في درعك الحصينة، ومن الآمنين يوم الدين لاخائفين ولافزعين يارب العالمين، ويا أرحم الراحمين.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2) كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4) كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6) ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ (7) ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8)}
الخطبة الثانية
الحمد لله الواحد الماجد، الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفؤاً أحد، العزيز الكريم الحنّان المنّان، سميع الدعوات، وكاشف الكربات، الفعّال لما يريد.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وزادهم تحية وبركة وسلاماً.
أوصيكم عباد الله ونفسي الأمّارة بالسوء بتقوى الله فإنها تمدُّ النفس بالبصيرة {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ}(2) وتَسترها من العيوب، وتصونها من الفضائح فعن أمير المؤمنين عليه السلام:”من تعرَّى عن لباس التقوى لم يستتر بشيء من أسباب الدّنيا”(3)، وهي حصن من الشيطان، ووقاية من العار والنّار إذ نقرأ عنه عليه السلام “التقوى أوثق حصن، وأوقى حرز”(4) وما اتّقى من أطلق للسانه القول، وكثيراً ما نطلق لألسنتنا القول يا أهل الأنترنت لاتطلقوا لألسنتكم القول ولعينه النّظر، وليده أن تبطش، ولشهواته أن تفجر.
أعاذنا الله من سيّء القول، وقبيح العمل، وخبث السريرة، وغفر الله لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وأحسن عاقبتنا ورفع درجتنا عنده، وبوّأنا المنازل العالية مع أوليائه في دار كرامته.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك خاتم النبيين و المرسلين محمد بن عبدالله الصادق الأمين، وعلى علي أمير المؤمنين، وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصديقة الطاهرة المعصومة.
وعلى الأئمة الهادين المعصومين الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي القائم المنتظر.
اللهم عجل فرج ولي أمرنا القائم المنتظر، وحفه بملائكتك المقربين، وأيّده بروح القدس يارب العالمين، واجعلنا من أنصاره في غيبته وحضوره.
عبدك وابن عبديك الموالي له، الممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين وفقهم لمراضيك، وسدد خطاهم على طريقك.
أما بعد أيّها الأخوة والأخوات في الإيمان فهذه بعض كلمات مختصرات:
مسجد أو دائرة رسمية؟
مشكلة كادر أئمة الجمعة والجماعة ليست مشكلة مالية، التخريجات التي تتجه لتصحيح أخذ المال تتحدث عن موضوع ليس هو محطّ النظر المطلوب.
المشكلة هي مشكلة أن تعيين إمام الجماعة والجمعة يكون بيد الدولة، وأن المسجد من خلال هذا التعيين الذي ترتبط به وظائف خاصة تُوضع على كاهل إمام الجماعة والإمام الواعظ، سيتحول إلى دائرة رسمية، سيكون المسجد لله بقدر ما ترى الدولة، وسيكون المسجد للحكومة بقدر ما تريد، وسيفرض عليك إمام الجمعة والجماعة في منطقتك شئت أم أبيت، عادلا كان أو غير عادل، ونظام الكادر لايشترط في الإمام العدالة، والعدالة لاتشخّصها الجهات الرسمية. والمسجد أمانة في عنق المؤمنين كل المؤمنين، هو مسجد لله، ومسجد رسول الله بما هو رسول الله وبما هو عبدالله، هذا مسجد الإسلام، قلعة الإسلام، حصن الإسلام، مدرسة الإسلام، منارة الإسلام، منبع الإسلام، صوت الإسلام.
ولنقرأ في ذلك في بعض المواد:
1. أن يجتاز الامتحان المقرر لشغل الوظيفة الشرعية.
امتحان تضعه الدولة، وأنتم تعرفون بعض امتحانات الوظائف الرسمية. أحياناً تكون هناك أسئلة لاعلاقة لها بالناحية العلمية، وقد تكون لها علاقة بالسيرة الشخصية لالتفاتات سياسية خاصة.
2. ألا يكون قد سبق الحكم عليه بعقوبة جنائية أو مقيدة للحرية في جريمة مخلّة بالشرف أو الأمانة ما لم يكن قد رد إليه اعتباره.
ردّ الاعتبار رسميا يكفي لغسل الجريمة. فيصح تعيينه إمام جماعة وجمعة.
3. ألا يكون قد سبق فصله من الخدمة بحكم قضائي أو بقرار تأديبي نهائي مالم تمض على صدوره ثلاث سنوات على الأقل.
إنه معرّض للفصل، ويوم أن يقول كلمة حق قد لاتوافق هوى الحكومة سيواجه الفصل، وسيأتي مكانه من لايقولها.
أنا لن أتحدث بالترتيب لعدم سعة الوقت. سأقرأ بعض المواد وأعلّق عليها وإن كان على خلاف ما كان في تفكيري.
4. يتأكد من الإعلانات قبل وضعها في المسجد من ناحية مطابقتها للأنظمة والقوانين ويعمل على إزالتها بعد انتهاء الفترة الزمنية المحددة لها، وذلك بالتنسيق مع إدارة الأوقاف.
موظف داخلية، إمام جماعتنا وجمعتنا موظف داخلية.
5. يؤدي ما يسند إليه من مهام أخرى في مجال عمله الموضحة في استمارة الوصف الوظيفي.
صفقة مجهولة. يدخل إماما ويوقع على أن يؤدي ما يسند إليه من مهام أخرى لاتعلم، وإن كانت موضحة في استمارة الوصف الوظيفي. وسيأتيه يومٌ يُكلّف بإلقاء خطبة معيّنة أعدها غيره سلفاً.
هذه بعض مواد، وهناك مواد أخرى فيها تعليق.
أستكثر على أخواني من أئمة الجمعة والجماعة كل الاستكثار أن يصدق خبر أن المسجّلين لهذا الكادر قد بلغوا مائة وستين شخصاً (160).
أخوتي من أئمة الجمعة والجماعة تداركوا الأمر والتفتوا قبل أن يفوت الأوان، وقبل أن يخسر ديننا الكثير.
شهر رمضان المبارك كيف أراده الله، وكيف أراده الناس؟
باختصار أراده الله شهرا للقرآن، والقرآن هدى ورحمة للعالمين، أراده للمغفرة، والعتق من النار. يأتي شهر رمضان ونحن نستحق النار فنعيش شهر رمضان ونتعامل معه كما يريد الله فننعتق من النار.
أراده لرمض الذنوب – حرقها -، للطهارة، للتمحيص، للقيام، شهر يغربل ذاتك، ويصفّيها، ويخرج بها نقيّة طاهرة. هكذا أراده الله.
شهراً لضيافته الكريمة، وعيدا لأوليائه، وكرامة للعباد. أراده شهرا للورع عن المحارم، لمضاعفة الأجر، لتصفيد الشياطين، خلقا للأجواء النقية الطاهرة المساعدة على الطاعة، لانتصار الروح على البدن، والعقل على الشهوة، والهدف على الوسيلة.
أراده شهرا للعلم والتلاوة والوعي للذات والحياة.
وكيف يريده الناس؟
شهرا للتخمة، للهو، لقتل الوقت عبثاً، لليالي الفسق والفجور والفحش والخمور، للعربدة الحرام، ومسلسلات الحرام، لفنادق تسهر عاصية لله حتى الصباح. والأرض غنيَّة بهذا.
وهل هو أيها الأخوة للرياضة البدنية العادية؟ قطعاً شهر رمضان ليس للعب المستهلك، ثم هو لم يُعدّ للرياضة البدنية الصارفة عن بناء الروح، المخطّطة للهروب بعقول الشباب وأرواحهم من مجالس الذكر والعلم والتلاوة والوعي للذات والحياة.
لم يُعد لرياضة ملهية للناس عبر التلفاز تلهيهم وتغويهم في كلّ مواقعهم. في البيوت والمجالس وأماكن الارتياد، ثم إن لك لوقتا واسعا طوال السنة تتروّض فيه الرياضة الهادفة التي لاتنسيك واجباتك، ولاتتحول في نفسك إلى هدف مقدّس، واعطِ أكبر وقتك في شهر رمضان لرياضة روحك، لبناء روحك، لتدارك أخطائك، للسمو بذاتك، لعبادة الله، لتنظيف هذا القلب، لشفافية هذا القلب، لسمو روحك.
العراق:
ياكتّاب وياأنظمة، وياأمة..
لاتحرّضوا عراقياً على آخر فتحرقوا العراق، ويشقى بكم أهله، وكم شقي أهل العراق بنداءات بعض الأنظمة، وبتآمر بعض الأنظمة، وبطمع بعض الأنظمة، وبجاهلية بعض الأنظمة، وبجاهلية أقلام كثيرة تغذي الطائفية في العراق، وتستعجل احتراق العراق.
أنتم أيها المحرضون لاتحبون من العراق شيعيا ولاسنيا، لأنكم تعرفون أنّه مااستبيح دم السني إلا ليستباح دم الشيعي، ومااستبيح دم الشيعي إلا ليستباح دم السني. إني على علم ويقين بأن دم الشيعي والسني عندكم لايساوي دم بعوضة.
هل خفتم من عراق قوي موحد يقوم نموذجاً بمقدار لأخوّة صادقة، ومساواة وعدالة، وأخذٍ بقيم؟ إني لأشعر بذلك، أين حرمة المسلم على المسلم؟ حرمة دمه وعرضه وماله؟ ومن ذا الذين أخرج أهل الشهادتين من الإسلام حتّى يخرج العراقيون الشيعة تخصّصاً من هذه القضية، يخرجون موضوعا من هذه القضية؟!
أقرآن جديد؟ أسنة غير سنة محمد صلى الله عليه وآله؟ أم هي إدارة ظهر للقرآن والسنة؟
الشأن العام المحلي في كلمة مختصرة:
ركود الصيغة الدستورية المختلف على شرعية ولادتها، وبقاء التوزيع الشاذ الظالم للدوائر الانتخابية، واستمرار ملف التجنيس السياسي، والتمييز الطائفي، والفساد الإداري، والتركيبة التشريعية الخاوية، وتراكض القوانين التعسفية وتكاثفها، والبطالة المفروضة لايبقي طعما ولالونا ولا رائحة مما يُناسب قضية الإصلاح ومع الأسف.
وإنه ليسلبها مقوّماتها نظريا وعمليا، ويحبط الآمال التي ولدت في ظل شعاراتها الزاهية، فلابد من تحريك مسار الإصلاح الحقيقي الصادق، ومعالجة الأمور بجدية وسرعة لتأخذ اتجاهها الصحيح على طريق العدل والمساواة، رعاية لمصلحة وطن الجميع، وحماية له من آثار الإهمال واللامبالاة والظلم. ومهما كانت الصعوبة في عملية تحريك هذا المسار، إلا أنها غير مستحيلة ويجب أن تكون متواصلة، ومحل إصرار شعبي، وإذا اختلف الناس الخيّرون على الأساليب والوسائل فهم لايختلفون على المطالب الحقة، والوسائلُ السلمية غير مفقودة، وفيها تعددية خصبة.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم. اللهم أصلح لنا أمرنا كله، ولاتشقنا أبدا، ولاتجعلنا للمضلّين عضداً، ولاتشمت بنا أحدا، وآونا إلى رحمتك، وأنزل علينا من بركاتك، وارزقنا كرامتك يا أكرم الأكرمين، ويا أرحم الراحمين.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – 30/ آل عمران.
2 – 201/ الأعراف.
3 – ميزان الحكمة ج10 ص624.
4 – المصدر نفسه