خطظبة الجمعة (208) 8 جمادى الثاني 1426هـ – 15 يوليو 2005م
مواضيع الخطبة:
الرزق + العراق والديموقرطية + مرجعية لمن؟ + الأحوال الشخصية
الإسلاميون المعتدلون والطبقات المستضعفة: سنة وشيعة وعلى اختلافهم في التفاصيل موقفهم يتمثل في: نعم للديموقراطية… وأملهم أن يمكّنوا للإسلام والعدالة في العراق.
الخطبة الأولى
الحمدلله الذي بقدرته تقوم السماوات والأرض، ولولا قدرته لزالت، وبحكمته تنتظم الأشياء، ولولا حكمته لتبعثرت، وباستمرار رفده تدوم الموجودات، ولولا رفده لفنيت، وبرزقه تبقى حياة الأحياء، ولولا رزقه لانتهت؛ إذ ليس مع قدرته قدرة، ولابجنب حكمته حكمة، ولادون رفده رفد، ولا من غير الحياة من عنده حياة.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم تسليما كثيراً.
أوصيكم عباد الله ونفسي الخطاءة بتقوى الله، وملازمة نور الكتاب، وهدى السنة، والأخذ بما أحقّاه، وأمرا به، والتخلّي عما أبطلاه وردّا عنه؛ فلم يُحقا باطلاً، ولم يأمرا بسوء أو فساد، ولم يبطلا حقّاً، ولم يردّا عن خير أو صلاح.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين. اللهم اهدنا فيمن هديت، ولاتضلّنا فيمن أضللت، وأكرمنا فيمن أكرمت ولاتُهِنا فيمن أهنت، وأسعدنا فيمن أسعدت، ولاتشقنا فيمن أشقيت يا متفضّل يارحيم ياكريم.
أما بعد أيها الأعزاء من المؤمنين والمؤمنات فهذه تتمة أخيرة للحديث عن الرزق:
نقرأ تحت عنوان:
ممحقات:
“إن العبد ليُذنبُ فيُزوى عنه الرزق”. كما أن هناك مباركات للرزق، وأسباباً لإدراره على العبد فهناك ما يُبطئ بالرزق، ما ينقص منه، مايحبسه، وهذا سبب من أسباب نقص الرزق بأن يكون الرزق مكتوباً، لكن يأتي مانعٌ من وصوله للعبد، وذلك من ذنب تقترفه يداه.
“إن العبد ليُذنبُ فيُزوى عنه الرزق” وما كان ليُزوى عنه، وماكان ليُحرمه لولا أن كسبت يداه من الإثم ما كسبت.
“من حبس عن أخيه المسلم شيئا من حقّه حرّم الله عليه بركة الرزق إلا أن يتوب”. قد يكون للمسلم حق مكتوب في دين الله أصلاً من زكاة أو خمس أو غير ذلك، وقد يكون له حق ثبت بعارض من بيع أو عمل أو غير ذلك، فيمنع المسلم أخاه صاحب الحق حقّه، فيكون من جزاء الله تبارك وتعالى له أن يحرمه بركة الرزق بأي معنى من معاني البركة.
“كثرة السحت يمحق الرزق” والسحت هو المال من الحرام، فكثرة السحت لاتقلل الرزق فقط وإنما تمحقه بحسب تعبير الحديث، وكأنها تأتي عليه إتيانا كبيرا.
ترفّع المؤمن:
من وصايا أمير المؤمنين لابنه الحسن عليهما السلام:”وإذا استطعت أن لايكون بينك وبين الله ذو نعمة فافعل، فإنّك مدركٌ قسمك، وآخذٌ سهمك، وإن اليسير من الله سبحانه أكرم وأعظم من الكثير من خلقه، وإن كان كلٌّ منه”.
لك رزق مكتوب لاتُحرمه، وأنت بالخيار بين أن تأخذه من يد الله تبارك وتعالى في كرامة وحفظ شرف وعزّة، وبين أن يسيء العبد ظنّه في الله تبارك وتعالى ويُبدي الذل بين يدي العبد، ويظهر من المسكنة ما يستعطف به عواطف الآخرين لينال رزقه، وبهذا يناله، ولكنه يناله مغموسا بالذلة والهوان، وأين رزق يأتيك من الله عز وجل بلا منّ من عبد، ورزق آخر لايأتيك إلا بمنٍّ وإهانة وقد تلقى منه يوماً إساءة تأسف لما كان منك بسببها.
على أن الرزق ليس منه ماهو من العبد مستقلا وإنما كل الرزق من الله عز وجل أصلاً.
عن عبدالأعلى مولى آل سامٍ قال:”استقبلتُ أبا عبدالله عليه السلام في بعض طرق المدينة في يوم صائف شديد الحر فقلت: جُعلتُ فداك حالك عند الله عز وجل وقرابتك من رسول الله صلى الله عليه وآله وأنت تُجهد نفسك في مثل هذا اليوم؟ – أنت صاحب المقام الكبير، صاحب الشرف العالي، وصاحب المنزلة القريبة إلى الله عز وجل ما حاجتك إلى هذا الجُهد تبذله، والجَهْدِ تقع فيه؟! – فقال: ياعبدالأعلى خرجت في طلب الرزق لأستغني عن مثلك”. فاحذر كثيرا وأنت المؤمن أن تذلّ نفسك بالحاجة إلى الناس بسبب من التكاسل، وبسبب من طلب الراحة لغير ضرورة.
الحرام يأكل الحلال:
{قُل لاَّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ}(1) وكل حرام خبيث، والحلال طيّب.
إذاً من الرزق ماهو خبيث وماهو طيب. وهل يسعى الإنسان إلى الخبيث فيناله، ثم يسلمُ له الطيب؟! لايجتمعان كما تقول الأحاديث الآتية.
فإن ماوصلت له اليد من حرام ينقص من مالها من الحلال بقدره.
تقول الرواية عن الإمام الباقر عليه السلام:”ليس من نفس إلا وقد فرض الله لها رزقها حلالا يأتيها في عافية، وعرض لها بالحرام من وجه آخر” هناك طريق حلال كُتب لك رزقك منه، لكن هذا ما يعادل هذا الرزق مفتوح عليك من طريق آخر هو طريق الحرام فإن تناولت اليد من الحرام شيئا قاصها به من الحلال الذي فرض الله لها “وعند الله سواهما فضل كبير” كما تقول تتمة الحديث.
لكنك قد تسأل: أصحاب المليارات هذا رزقهم في الأصل؟ لو لم يجمعوا من الحرام ما جمعوا لكانت هذه الأرقام الهائلة هي رزقهم من الحلال في الأصل؟ قد أقول لك لا. إن هذا فوق الرزق المكتوب، ولكن أخي هذا الذي بيدهم ليس برزق إنما هو متعبة ومهلكة ووقود عليهم في النار، والوقود على المرء في النار ليس رزقا. الرزق ما يُنتفع به، الرزق ما يبنيك، ما يحفظ لك شرفك، ما يقدم لك الصحة، ما يوصلك إلى الجنة، ما يستوي بإنسانيتك على أشُدِّها، والمليارات التي بيد سرّاقها ونهّابها والمتحايلين من أجلها هي مليارات تأكل شخصيتهم وتأكل صحتهم، وتنتهي بهم إلى النار. المليارات من الحرام إنما تفعل كل ذلك.
“دخل عليٌ عليه السلام المسجد وقال لرجل: أمسك علي بغلتي – احفظها – فخلع لجامها – الرجل المؤتمن – وذهب به ليبيعه، فخرج علي عليه السلام بعدما قضى صلاته وبيده درهمان ليدفعهما إليه مكافئة له فوجد البغلة وُطلى – ليس معها اللجام – فدفع إلى غلمانه الدرهمين ليشتري بهما لجاما فصادف الغلام اللجام المسروق في السوق قد باعه الرجل بدرهمين، فأخذه بالدرهمين وعاد إلى مولاه – الغلام اشترى اللجام المسروق من علي عليه السلام بدرهمين وعاد به إلى علي عليه السلام – فقال علي عليه السلام: إن العبد ليحرم نفسه الرزق الحلال بترك الصبر(2) ولايزداد على ما قُدّر له”. فهنا الشاهد.
للحياة لا للمهاة:
الرزق لا للمهاة وإنما هو للحياة. نقرأ:
من دعاء أمير المؤمنين عليه السلام:”اللهم صن وجهي باليسار، ولاتبتذل جاهي بالإقتار فأسترزق طالبي رزقك وأستعطف شرار خلقك وأبتلى بحمد من أعطاني، وأفتتن بذنب من منعني وأنت من وراء ذلك ولي الإعطاء والمنع إنك على كل شيء قدير” فاليسار مطلوب، والفاقة مرفوضة، ولله اللجأ من الفاقة لما فيها من الامتحان الصعب، والتي قد تجرُّ الذلة والهوان، وتعطّل الدور الحياتي الكبير في وجود كثير من الناس.
لكن المطلوب اليسار، وليس المطلوب المال في نفسه بحيث يتجه النهم إلى الأرقام المتصاعدة من المال بلا أن تشبع النفس أو تتوقف عن بذل الجهد بعد الجهد لا لبناء الذات وإنما لجمع المال.
نقرأ في سياق ما هو المطلوب وما هو المرفوض من قضية المال:-
كان من دعاء علي بن الحسين عليهما السلام في مكارم الأخلاق ومرضي الأفعال:”وأغنني وأوسع علي من رزقك ولاتفتني بالنظر وتوّجني بالكفاية، وسمني حسن الولاية، وهب لي صدق الهداية، ولاتفتني بالسعة، وامنحني حسن الدعة، ولاتجعل عيشي كدا كدا”.
هناك كفاية تسهل الحياة، وتصون الشرف، وتعين على الآخرة، وتنقذ من الذلة والهوان، وهي مطلوبة، وهناك سعة مفتنة، سعة قد تجرّ إلى الويلات، وتهتك العرض، وتذهب بالشرف، وتفسد الأهل، وتنحرف بالولد، وتنتهي بالذات ومن تولّت عليه أو من رعته إلى جهنم، هذه السعة من المال التي تفسد ولاتبني مرفوضاً.
“وصن وجهي باليسار، ولاتبتذل جاهي بالإقتار، فأسترزق أهل رزقك، وأستعطي شرار خلقك فأتتن بحمد من أعطاني”.
وأقرأ:”ما قلّ وكفى خير مما كثر وألهى” فالمال ليس ملهاة في حياة الإنسان المسلم.
حين يتحول المال إلى ملهاة، وإلى هدف في نفسه تضيع حياة الإنسان، ويكون هذا الإنسان مصدر شر لأنه يطلب جمع المال من كل وجه، ويستبيح من أجل أرقامه الهائلة كل محرّم، شرف الآخرين، عرض الآخرين، راحة الآخرين، حياة الآخرين.
ركض وراء السراب:
لماذا نطلب المال؟ نطلب المال في الحياة من أجل الراحة. لكن هل الراحة في الدنيا هدف معقول؟
تقول الأحاديث إنه هدف مستحيل.
في حديث عن علي بن الحسين عليهما السلام:”ثم أقبل رجل من جلسائه فقال له: اتق الله وأجمل في الطلب ولاتطلب مالا يُخلق. فقال له: وكيف يطلب ما لم يخلق؟ فقال: من طلب الغنى والأموال والسعة في الدنيا إنما يطلب ذلك للراحة والراحة لم تخلق في الدنيا ولا لأهل الدنيا إنما خُلقت الراحة للجنة ولأهل الجنة”.
الفقير يأنس ويستوحش، يحزن ويفرح، يطمئن ويضطرب ويُغمّ، والغنيُّ كذلك، وقد تأتي الساعة الواحدة على الفقير سعيدا في فقره وعلى الغني شقيا في غناه. قد ينام الفقير ليلته هانئا، وقد ينام الغني ليلته مرهقا متعبا.
إذا كان جمع المال من أجل الراحة في الدنيا، فإن الراحة في الدنيا أسبابها ليست متوفرة بالكامل وفي كل الأحيان، والمال قد يكون سببا واحدا من أسباب الراحة، لايكفي لتحصيلها وقد ينقلب المال إلى سبب من أسباب التعب.
“قيل للصادق عليه السلام أين طريق الراحة؟ فقال عليه السلام: في خلاف الهوى. قيل فمتى يجد العبد الراحة؟ فقال عليه السلام: عند أول يوم يصير في الجنة”.
اشتروا ما فيه الراحة، وخذوا للدنيا التي لايمكن أن توفر كل الراحة ماهو ضروري وماهو نافع وما يوصل لآخرة سعيدة.
“أوحى الله لداوود عليه السلام ياداوود إني وضعت خمسة في خمسة، والناس يطلبونها في خمسة غيرها فلايجدونها… وضعت الراحة في الجنة وهم يطلبونها في الدنيا فلايجدونها” هذا وعد الله ونبأه.
عن الصادق عليه السلام أنه قال لأصحابه:”لاتتمنوا المستحيل. قالوا ومن يتمنّى المستحيل؟ قال: ألستم تمنون الراحة في الدنيا؟ قالوا: بلى. فقال: الراحة للمؤمن في الدنيا مستحيلة” والحديث لايحمل معنى أن الراحة للكافر ممكنة، الحديث كما يقولون لامفهوم له، الحديث كما يقرر أن راحة المؤمن في الدنيا مستحيلة يقبل أن يأتي حديث آخر ليقول أن الراحة في الدنيا مستحيلة للمؤمن والكافر.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، اللهم احمنا من الضلال، وادرأ عنا السوء، وأغننا من الفقر، وأنقذنا من الأسقام والأمراض وادفعها عنا، وتولّنا بخير ما تولّيت به عبادك الصالحين في أمر الدنيا والدين، واجمع لنا خيرهما يا أكرم الأكرمين، وياأرحم الراحمين.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2) كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4) كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6) ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ (7) ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8)}
الخطبة الثانية
الحمدلله نور السماوات والأرض الذي من نوره كلّ نور، ونوره فوق كل نور، وقبل كل نور، وبعد كل نور، لاتطفئه السنون، ولاتُنقصه الدهور، منزّهٌ عن كلِّ متصوّر من النور. تُضيء بنورك ربّنا كلَّ ظلمة، وتكسر به كل شدَّة، وترد كل شيطان مريد، وتقهر كل جبار عنيد، وتؤمن كلّ خائف، وتكشف الضر، وتشفي من السقم، وتفرج الكرب. إنك على كل شيء قدير.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم تسليما كثيراً كثيراً.
أوصيكم عباد الله ونفسي الأمّارة بالسوء بتقوى الله، وعدم الاغترار بمال أو قوة، أو صحة، أو جاه، أو كثرة من بنين وبنات، وأهل، وأحبة، وأصدقاء، وعشيرة وقوم، فليس شيء من هذا كلِّه بدائم للمرء، ولانافع له من دون الله، ولادافع لعذاب أراده به. وهل لشيء من غير الله حول وقوّة في ذاته حتى تكون الاستعانة به، ويصح اللجأ إليه، ويُعقل الاستغناء به، والاستئناس لدعمه؟!
أعاذنا الله وإخواننا المؤمنين والمؤمنات من الانخداع بالدنيا، والغرور بمكائدها، والاستئناس لحبائلها، وغفر لنا ولهم وتاب علينا جميعاً إنّه التّواب الرحيم.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبدالله خاتم النبيين والمرسلين، وعلى علي أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصدّيقة الطاهرة المعصومة.
وعلى الأئمة الهادين المعصومين الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم.
اللهم عجل فرج ولي أمرنا القائم المنتظر، وحفه بملائكتك المقرّبين، وأيده بروح القدس يارب العالمين، اللهم انصره نصراً عزيزاً، وافتح له فتحاً مبيناً.
عبدك الموالي له، الممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والعاملين في سبيل الله، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين وفقهم لمراضيك، وسدد خطاهم على طريقك.
أما بعد أيها الأكارم من مؤمنين ومؤمنات فإلى هذه المجموعة من المحاور:-
1. العراق والديموقراطية.
2. مرجعية لمن؟
3. الأحوال الشخصية.
العراق والديموقراطية:
1. اختيار الشعب العراقي بكل مكوّناته بحرية ومن غير تدخل خارجي، ومن غير محاصصة مفروضة، وكذلك اختيار حكومته، ومجلسه الوطني بالطريقة الحرة نفسها من يريده ومن لايريده؟
أمريكا: إنما تريد ديموقراطية مصنوعة على عينها تؤمن بحضارتها وطرحها وتوجهها ورموزها وأخلاقيتها، وتؤمِّن مصالحها وموقعها في البلاد الإسلامية. ولماذا عدم احتضان الدكتاتورية؟
الآن وكأن أمريكا لاتحتضن الديكتاتورية، وتسعى لفرض نوع من الديموقراطية. ذلك لا لأنها تختار الديموقراطية على الديكتاتورية في الأصل للآخرين.
أمريكا تركب كل مركب، وتستبيح كل طريق إذا كان هذا الطريق هو المحقّق لمصلحتها. ولأن الشعوب العربية والإسلامية ملّت من الديكتاتورية وقد دخلت صراعا جدّيا معها، وقفز الوعي بحيث لاصبر على الديكتاتورية، وتمسّك أمريكا بالديكتاتورية سيطردها من البلاد العربية والإسلامية فهي تسلك طريقا آخر وتحت شعار الديموقراطية لتثبّت قدمها في البلاد الإسلامية.
الأنظمة العربية: لا لأي ديموقراطية في أي مكان من البلاد العربية ولا الإسلامية.
وتقف هذه الأنظمة ضد الديموقراطية بقوة، ويقول مدير الوكالة الأمريكية للتنمية “أن الحكومات العربية كانت الأكثر مقاومة للجهود الأمريكية الرامية إلى تعزيز الحريات السياسية”(3).
ومعروف أن المصلحة الأمريكية أهم عند أمريكا من مصلحة غيرها، والأنظمة العربية لاتقوى على مقاومة الرغبة الأمريكية إلى الأخير إذا كانت متجهة إلى التغيير بما يوافق مصالحها. ولذلك يقول المصدر نفسه “إن هذا يتغير وإن الدول العربية لم يعد في وسعها التدخل في اختيار الجماعات والمنظّمات المدنية التي تمولها واشنطن”.
الدول العربية لاتقاوم أمريكا فيما تريده، ولكنها تقدّم بدائل عن الديموقراطية المعروضة من أمريكا.
من هذه البدائل:
1) علاقات متطورة مع إسرائيل.
2) رفع شعار حرية المرأة ومساواتها بالرجل – لا لسواد عيني المرأة ولكن هذا الشعار يريد أن تُساوي المرأة الرجل على الطريقة الغربية إرضاء للغرب وإسكاته – والدفع ببعض النساء من جبهة الموالاة أو فئة خاصة أخرى إلى بعض المواقع الوزارية. ولايدفع بالنساء من المعارضة، ومن أصدقاء الشعوب في الغالب إلى المواقع الوزارية.
3) قصقصة الوجود الديني حسب الممكن.
4) إعطاء تمدد في الحريات الشخصية التي لاتطال الناحية السياسية.
5) تنازلات تجارية وسياسية وثقافية للقوى العالمية الضاغطة وفي مقدمتها أمريكا.
حزب البعث: حرب من أجل الدكتاتورية إلى آخر نفس، لأن مصالحه ضائعة في ظل ديموقراطية حقيقية في العراق.
القوى التكفيرية: حرب استئصالية. بتصور تحكيم الدّين في صورته التي يؤمنون بها.
والدعم لهذه القوى من البعث ودول معيَّنة أمرٌ آني لاغير. ولو اختلّت المعادلة في العراق لصالح البعث لقضى على القوى الإسلامية التي تتجه اتجاها تكفيريا بمعونة كل الدول العربية والإسلامية الأخرى.
الإسلاميون المعتدلون والطبقات المستضعفة: سنة وشيعة وعلى اختلافهم في التفاصيل موقفهم يتمثل في: نعم للديموقراطية… وأملهم أن يمكّنوا للإسلام والعدالة في العراق.
مرجعية لمن؟
وكيل وزارة الشؤون الإسلامية له تصريح قريب في هذا الأسبوع. هذا تصريحه “إن المجلس الأعلى يمثل المرجعية الإسلامية في البحرين”(4) هذا نص التصريح.
معنى المرجعية الإسلامية: المرجعية الإسلامية هي التي ينتهي عندها القول من ناحية رأي الإسلام، ويكون رأيها ملزماً.
وإذا كان المعنيُ هذا فمرجعية المجلس إما أن تكون مرجعية للحكومة فتأخذ رأي الإسلام منها وتلتزم به، وبذا ننتظر أن المجلس يعلن رأي الإسلام بحرمة الخمر والربا وأكل المال من الفاحشة فتلتزم الحكومة. لكن أيُصدّق هذا؟!
وإما أن تكون مرجعية مفروضة على المحكومين لا الحاكمين، وتفيد أن الإسلام رأيه وفتواه عند المجلس لا عند الفقهاء العظام؟ وأمرٌ كهذا لا أفظع منه، وهو قاصم لظهر الإسلام؟ لئن وافق عالم أو طالب علم على الدخول في مجلس رسمي بمستوى هذا المجلس الأعلى الذي يُعطي نفسه هذا الدور فليخلع عمامته قبل أن يدخل، وليقل للدين هذا فراق بيني وبينك، ويقل له المؤمنون هذا فراق بيننا وبينك.
الأحوال الشخصية:
1) كان الرأي من أول يوم هو أنه لا للتقنين الوضعي لهذه المساحة المتبقية من شرع الله، ولا للتقنين باسم الشريعة لها إذا كان ذلك مدخلاً لتسرب الأحكام الوضعية.
2) وقبل أشهر عدة أعلنتُ من هذا المنبر أن ما يمكن في هذا المجال في المذهب الجعفري هو التقنين للأحكام الشرعية في الأحوال الشخصية على أن يكون ذلك ابتداءاً واستمراراً، في مرحلة التأسيس والتغيير تحت نظر المرجعية الدينية في النجف الأشرف. هذا قد مر في خطبة من خطب الجمعة من هذا المنبر.
وقد ذكر سماحة الأستاذ آية الله السيد محمود الشاهرودي في أثناء زيارته للبحرين موضوع الأحوال الشخصية على أثر حديث لبعض المسؤولين معه في هذا المجال وكان الرأي الذي طرحته في الحديث هو الرأي الذي ذكرته سابقاً وقد وافى رضاه. هذا مع ضمانة البقاء للصيغة المتبناة تتكفل بها مادة دستورية غير قابلة للتّغيير. والمسألة ليست مسألة سياسية وإنما هي مسألة دينية صرفة وحدّية غير قابلة للنقاش لكون ماهو دين صريحاً كذلك، ولايمكن التصرّف فيه إطلاقاً.
والمسألة الفقهية بعيدة كل البعد عن مسائل الخصومات والصداقات، والاحترام والتقدير.
ولايسع أي طرف ديني تقي ورع عارف بالإسلام حريص عليه أن يضغط وحاشاه على أحد في الاتجاه المعاكس.
غفر الله لي ولكم.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم لاتدع لنا أمراً إلا أصلحته، ولاسقماً ولامرضاً إلا شفيته، ولاهماً ولاغمّاً إلا كشفته، ولابلاء إلا رفعته ودفعته، ولاخيراً إلا يسّرته، ولاشرّاً إلا سددت بابه وأبطلته ياأقوى من كل قوي، وياأرحم من كل رحيم.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – 100/ المائدة.
2 – هذا لو صبر لأعطيته الدرهمين أجرة على حفظه البغلة واللجام ولكنه لم يصبر ليصل إلى الرزق الحلال وتعجّل رزقه عن طريق الحرام.
3 – الخليج 14/7/2005م.
4 – عن الوسط 10/7/2005م.