خطبة الجمعة (207) 1 جمادى الثانية 1426هـ – 8 يوليو 2005م

مواضيع الخطبة:

 

 الرزق + انصر أخاك +تفجيرات لندن + مؤتمر عمّان + تعاون لاحرب + إغلاق جمعية العمل الإسلامي إداريا

ندائي: أن لاتُوصد الأبواب أمام العاطلين عن العمل، بالأمس قلتم بأنه لا اعتصام قرب الديوان وساعدنا على ذلك، رجعتم وقلتم بأنه لااعتصام عند رئاسة الوزراء، وغداً تقولون لااعتصام عند وزارة العمل، وغداً تطاردون الاعتصام والمسيرة في كل شبر من
هذه الأرض.

الخطبة الأولى

الحمدلله الرازق للأجنّة في بطون أمهاتها، والوحوش في فلواتها، وفِراخ الطير في أوكارها، وصغار الأسماك في بحورها، والهوامِّ في جحورها، المقدِّر لكل ذي حاجة حاجته، ولكل ذي قوت قوته، ولكل ذي رزق رزقه.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلّم تسليماً كثيراً كثيراً.
أوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله ربِّ السماوات والأرض وما فيهن وما بينهن من شيء والذي لارب غيره. يَرزُق ولايُرزَق، ويُخاف ولايَخاف، ويُحاسِب ولايُحاسَب، ولاخير لنفس إلا من عنده، ولاشرَّ يصيب أحداً خارج إذنه.
ومن تقوى الله غضُّ البصر، ومغالبةُ الهوى على النظر إلى الحرام، وكفُّ اليد عن الأكل بالباطل، وعدمُ الاستباحة لأموال النّاس إلا بما أحلّ الله، وأجازت شريعته العادلة.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وسهِّل علينا طرق الحلال، وجنّبنا سبل الحرام، وأقبل بنا على مايرضيك، وذُدنا عما يُغضبك، واجعلنا أدلاّء على الخير، وقدوة حسنة في النّاس ياكريم يارحيم.
أما بعد فهذه متابعة للحديث السابق عن الرزق وهي في عناوين:-
أولاً: رزقان:-
تُقسّمُ الأحاديثُ الرزق إلى نوعين من الرزق من أكثر من حيثية:
أ. طالب ومطلوب:
من حيث طلبه الرزق رزقان؛ طالب ومطلوب. فمن طلب الدنيا طلبه الموت حتى يخرج عنها، ومن طلب الآخرة طلبته الدنيا حتى يستوفي رزقه منها.
لن تبقى الدنيا لأحد، لن يجدي الإصرار على الاستمساك بها أحداً، فإن الموت آتٍ آتٍ.
فهو طالب للإنسان مهما حاول الفرار منه.
وطالب الآخرة لاتفوته الدنيا، وطلب الآخرة لايعني العزوف نهائيا عن الدنيا. فطالب الآخرة تطلبه الدنيا، وتطرق عليه الباب، وليس المعنيُّ بذلك دائما بأن يتدفق عليه المال بصورة مباشرة.
فإن فرص العمل قد يسعى البعض من أجلها فلا تتأتّى له، وفرصٌ من العمل سهلة مجدية مربحة يمكن أن تطرق على الشخص بابه.
إن الرزق رزقان: رزقٌ تطلبه، ورزقٌ يطلبك، فإن أنت لم تأتهِ أتاك، فقد تأتيك الفرصة التجارية، قد تأتيك فرصة العمل، وأخوك يركض ليله ونهاره من أجل فرصة تجارية رابحة فلاينال ذلك. وقد يبذل باذل من أجل فرص العمل والوظائف الكبيرة ما يُتعبه إلا أنّه لايأتي بالنتيجة التي قد تحصل لأخٍ له لم يسع كل ذلك السعي.
ب. محتسب وغير محتسب:
وهناك رزق يُحتسب، ورزقٌ لايُحتسب. رزق تتوقّعه؛ فقد يفلت من يدك، وقد يحصل لك، ورزق لاتتوقعه ويمكن أن تتوفر عليه.
و”عن محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن قول الله عز وجل {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}(1) – سؤال محمد بن مسلم أن هذه الآية تعني الآخرة أو تعني الدنيا؟ ونفهم هذا بقرينة الجواب – قال – أي الإمام عليه السلام -: في دنياه” فالرزق الذي تعنيه الآية وهو غير محتسب عند المرء رزقٌ في مساحة الدنيا.
وما معنى عدم الاحتساب؟ بعض الأحاديث توضح هذا المعنى:
“من أتاه الله برزق لم يخط له برجله، ولم يمد إليه يده، ولم يتكلم فيه بلسانه، ولم يشد إليه ثيابه، ولم يتعرض له كان ممن ذكره عز وجل في كتابه {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}(2)”.
فالحديث يتكلم عن رزق لم يكن وراءه تخطيط من العبد ولاسعي، ويأتيه برغم ذلك. وفيه هذه القضية:
لاجتنابك الحرام ثمن عند الله. لتوقّيك عن ظلم العباد وسلب ما في أيديهم من غير حق أجرٌ عند الله، فالله بهذا التوقّي، وهذا التجنّب يرزقك من حيث لاتحتسب.
“لو أنكم تتوكلون على الله حق توكّله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا” الطير لايملك الحيلة الكبيرة، وليس له تدبير تحضيرٍ لرزقه، ولكن الله عز وجل يرزقه، ويهيئ له من الأسباب ما يجعل رزقه قريباً، ومأخذه سهلاً، ويلهمه طريقه إلهاماً.
أنتم لو توكلتم على الله عز وجل لسهلت عليكم طرق الرزق، ويسّرت لكم تيسيراً. وليس التوكل اللفظي لأننا سنشك ونقول بأننا كثيرو التوكل على الله، وكثيرا ما نقول توكلت على الله، ولكن رزقنا لايأتي على طريقة ما يأتي الطير من الرزق. التوكل المعني توكّلٌ قلبي صادق، لايرى مع الله رازقاً، ولايرى قوة من القوى يمكن أن تمنع ما قدّر الله، ولايرى قوة من القوى يمكن أن يُستعان بها فيأتي الرزق من غير تقدير الله، إنه توكُّل قلبٍ لايرى للأسباب من بعد الله إلا غطاءاً لقدرته تبارك وتعالى، ولسببيته الفاعلة الوحيدة في هذا الكون. لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا.
ولنأخذ بهذا الإلفات:
هناك نوع من الرزق غير المحتسب قد يحصل من غير أن يلمسه العبد بصورة حسّية، ورزق غير محتسب إذا حصل يلمسه بصورة حسيَّة. تأتيك الفرصة التجارية، فرصة الوظيفة، المال بصورة مباشرة من حيث لاتتوقع فهذا رزق غير محتسب وهو مكشوف لك بصورة حسّية.
لكن أن يُرشّدك الله، ويفتح عليك أبواب الحكمة في الإنفاق، ويجنّبك الخسائر، والأمراض التي تستنزف مالك، والتعدّيات التي تسلبه فهذا نوع من الرزق غير المحتسب ولكنّه بصورة غير مكشوفة.
“يقول الحديث: في قوله تعالى {وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}(3) أن يبارك له فيما آتاه” عن الباقر عليه السلام.
فمئتا دينار في يد قد تكفي للعائلة من خمسة أشخاص، والألف في يد قد لاتكفي العائلة من خمسة أشخاص. هناك سوء تدبير، هناك إسراف وإضرار بالصحة، وإضرار بالشرف من خلال البذل غير الحكيم وغير الشرعي.
وثلاثمائة دينار يمكن أن تُسعد في الحياة على يدٍ وألف دينار يمكن أن تكون الحياة معه حرجة على يد أخرى، والعائلة بقدر العائلة وذلك لفارق الرشد والحكمة وتجنيب الله العبد الخسائر والفوادح.
ثانياً: امتحان:
“ينبغي لمن عقل عن الله أن لايستبطئه في رزقه، ولايتّهمه في قضائه. يقول الله سبحانه وتعالى:”ليحذر عبدي الذي يستبطئ رزقي أن أغضب فأفتح عليه بابا من الدنيا” ليس في الله بخل، ولا في قدرة الله ضيق، ولايقف سبب من الأسباب دون نفاذ إرادة الله سبحانه وتعالى فبماذا يضيق ما في يد فلان من المؤمنين؟ بحكمة إلهية وراء ذلك.
في هذا الضيق امتحان، فيه رفع درجة عند الصبر على الامتحان، فيه كشف واقع للمرء نفسه عند السقوط في الامتحان، فيه عدم تغرير بالآخرين بهذا المتظاهر بالإيمان عند السقوط في الامتحان.
في أحسن الظروف الاقتصادية، وفي ظل الاقتصاد العادل، والرخاء الاقتصادي تتفاوت الأرزاق. فيكون من بيده عشرة آلاف دينار ضيّق الرزق بالنسبة لمن في يده مائة ألف دينار، هل يصبر صاحبنا أو لايصبر؟
فليس معنى الضيق دائماً هو أن يعجز الدخل عن القيام بأعباء الحياة المعقولة “ينبغي لمن عقل عن الله أن لايستبطئه في رزقه، ولايتّهمه في قضائه” وأن يعقل عن الله بمعنى أن يعلم وأن تمتلئ نفسه إيمانا بأن الله ليس ببخيل، وليس بعاجز، ولا يفعل عن غير حكمة.
نقرأ هذا الحديث ثانية يقول الله سبحانه وتعالى “ليحذر عبدي الذي يستبطئ رزقي أن أغضب فأفتح عليه بابا من الدنيا” حينما لم يفتح الله بابا واسعا من الدنيا عليك ربما كان ذلك رحمة بك فإن الناس أوزان، ومن الناس من لايتحمل المال الكثير، ومن الناس من يسقط عند الشهرة العريضة، ومن الناس من تفتك بإنسانيته صحته، فقد يُبتلى المرء ولو إلى حين بشيء من مرض، وقد يُبتلى المرء ولو إلى حين بشيء من فقر، وبشيء من بلاء آخر.
يتهدد الله عز وجل هذا العبد الذي يستبطئ رزق الله أن يفتح عليه باباً عريضا واسعا من أبواب الدنيا وخيراتها الظاهرة فيكون في ذلك هلاكه.
ثالثاً: رضا ورضا:
نقرأ تحت عنوان رضا ورضا:
“من رضي باليسير من المعاش رضي الله منه باليسير من العمل”.
“مكتوب في التوراة(4) من رضي من الله بالقليل من الرزق قبل الله منه اليسير من العمل، ومن رضي باليسير من الحلال خفّت مؤونته، وزكت مكسبته، وخرجت من حد الفجور”.
“من رضي بما رزقه الله قرّت عينه”.
الناس على أقدار في الصحة، في المال، في العلم، في كل المكتسبات، في كل الموروثات، ولايستوي عند الله قويّ وضعيف، أو غنيّ وفقير، أو صحيح ومريض، فلكلٍّ حسابه، وحساب المرء على قدر ما رزقه الله من نعمة، وعلى قدر ما عرف نعمة الله عنده، فمن رضي باليسير من المعاش رضي الله منه باليسير من العمل، فكما رضي عن الله عز وجل وهو أقلّ من الآخرين معاشاً فإن الله عز وجل يتسامح معه في حسابه، ويرضى منه باليسير من العمل.
واليسير من الحلال لايعني المال الذي لاينهض بالحاجة، عليك أن تسعى جادّا كل الجدّ لتحصيل المال بما يكفي لمؤونتك ومؤونة عيالك، ويحفظ عليك دنياك وآخرتك وشرفك وكرامتك.
والمنهي عنه أن تتعلّق هذه النفس بالدنيا، وأن تُخدع بالدنيا فتتفه، وتهزل، وتذوب في الدنيا، وتخرج منها صغيرة ضئيلة حقيرة.
رابعاً: مباركات:
نحن نطلب المزيد من الرزق، هل هناك طرق لطلب المزيد من الرزق والسعة في الرزق؟ طرق منها ماهو معروف بالحسابات المادية، ومنها ما ليس معروفا بالحسابات المادية، وإذا جاء غيب في المسائل الصغيرة فلاتستكثر فإن كونك كله قائم على الغيب، وإن هذه المادة التي تملأ السماوات والأرض لو لم يكن وراءها غيب لما كانت شيئا.
“من حسُن برّه بأهل بيته زيد في رزقه” إذا بررت بأهل بيتك خاصة من تعول فلم تقتّر عليهم، ولم تتركهم تفترسهم الحاجة، وقد يدخل عليهم الانحراف لتضييقك عليهم فهذا باب من أبواب سعة الرزق، كيف يكون الأمر؟ هذا أقرب إلى الغيب ولكنك لاتعيش لحظة من لحظات حياتك إلا بالغيب.
“حسن الخلق يزيد في الرزق” وهذا واضح في أمر التجارة وأمر الوظيفة.
“في سعة الأخلاق كنوز الأرزاق” هذا واضح كما سبق في التجارة في الزراعة، في الصناعة كلّها، في الوظائف كلّها وحتى بالنسبة للفقير المحتاج فإنه حين يكون فظّاً غليظاً قد ينفر منه أهل العطاء.
“الرزق أسرع إلى من يطعم الطعام من السكين في السنام” أرأيت كيف تفعل السكين في سنام الجمل بسرعة، وتخترقه اختراقاً كبيراً، الرزق أسرع إليك لو أطعمت وكان الإطعام(5) لوجه الله تبارك وتعالى، وإن أطلق الحديث مما يكون معه الإطعام لسجيَّة الكرم مسرعاً بالرزق مباركاً له.
“مواساة الأخ في الله يزيد في الرزق” فواسوا إخوانكم المؤمنين تزدادوا رزقا بالوعد من أهل الصدق عن الله عز وجل.
“استعمال الأمانة يزيد في الرزق”.
“عليك بالدعاء لإخوانك بظهر الغيب فإنه يُهيل الرزق” أرأيت التراب المنثور كيف يُهال باليد بسرعة، عليك بالدعاء لإخوانك بظهر الغيب فإنه يزيد الرزق، ويُهيله كما يُهال التراب بسهولة.
قال رجل للنبي صلى الله عليه وآله أُحبّ أن يُوسّع عليّ في الرزق، – يعني ماذا أفعل؟ – قال: دُم على الطهارة يُوسّع عليك في الرزق”.
“أكثروا من الصدقة تُرزقون”، “الزكاة تزيد في الرزق”.
“من حسنة نيّته زيد في رزقه”.
والحمدلله رب العالمين.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
إنا نسألك من الرزق ماكفى وستر وصان عن الابتذال وذلة السؤال، وأنقذ من سوء الظن بكرمك، والثقة بكرم عبادك، ومن الانصراف عن وعدك إلى وعد المرتزقين من رزقك. ونعوذ بك من رزق مفسد، ومال ملهٍ، وغنى مُطغِ، ومن الاستغناء بمن لاغنى له عنك، ولاحول ولاقوة له إلا بك ياأكرم الأكرمين، وياأرحم الراحمين، يامن هو على كل شيء قدير، وبالإجابة حقيق جدير.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ (4)}

الخطبة الثانية

الحمدلله مالك الأكوان ودقائقها، والعوالم ومُجرياتها، والعقول وتفكيرها، والنفوس وإراداتها، والقلوب ومشاعرها، وهو الرب الذي ليس له بديل، ولايزاحم تقديره تقدير.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وزادهم تحية وبركة وسلاماً.
أوصيكم عباد الله ونفسي الأمارة بالسوء بتقوى الله، ومراقبته في الشعور والنية والقول والعمل، وأن لانركب الهوى، ونستسلم للنفس، ونصغي للشيطان الرجيم، وأن لايشغلنا اليومُ عن الغد، وحاضرنا عن المصير، وما نحن عنه في إدبار عمّا نحن عليه في إقبال معتبرين بما سلف من الأيام، وتقضّى من العمر، وتصرّم من المدَّة المعدودة المحدودة، وبمن سبقنا من الأحبة والأخلاء، وأهل الجوار والأصدقاء، وبما يُفصح عنه لسان الأمراض والأسقام التي تعتري الأبدان، والتضعضع والوهن الذي يلمُّ بها.
وإنه اليقين الذي لايخالطه شك أننا إلى رحيل، وأن الناس فريقان: فريق إلى الجنة وفريق إلى السعير.
أعاذنا الله وإخواننا المؤمنين والمؤمنات من سوء المنقلب، وخزي الدنيا والآخرة، وعذاب النار، ووقانا عاقبة الظالمين. اللهم اغفر لنا ولأهل الإيمان وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبدالله خاتم النبيين والمرسلين، ووصل وسلم وزد وبارك على علي أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصدّيقة الطاهرة المعصومة.
وعلى الأئمة الهادين المعصومين الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم.
اللهم عجل فرج ولي أمرنا القائم المنتظر، وحفه بملائكتك المقربين، وأيده بروح القدس يارب العالمين، اللهم انصره نصراً عزيزا، وافتح له فتحاً مبيناً.
عبدك وابن عبديك الموالي له، الممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى،والعاملين من المؤمنين والمؤمنات، وسائر المؤمنين والمؤمنات وفقهم لمراضيك، وسدد خطاهم على طريقك.
أما بعد أيها الكرام من الأخوة والأخوات من المؤمنين والمؤمنات فإلى كلمات قصار:
انصر أخاك:

انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً. تعرفون أن هناك تفسيرين لهذه المقولة؛ تفسير جاهلي وأن الكلمة تُعطي أن أقف مع أخي الظالم أُناصره في ظلمه، أُعينه على ظلمه ليدخل وأدخل معه النار.
وتفسير إسلامي يقول بأن الكلمة تفرض على المؤمن أن ينصر أخاه المظلوم بالسعي لرفع ظُلامته، وينصره ظالماً بأن يقف في وجهه عن تنفيذ ظلمه.
الوقفة مع الأيام تنطبق مع أي تفسيرين؟ الوقفة مع الأيام فيما نشرته من كاريكاتير؟ والاسئساد في هذه الوقفة، والاستنفاذ والتجييش في هذه الوقفة من أي الوقفتين؟ فليراجع الناس أنفسهم.
ما كان ينبغي كل هذا الاستنفار، ولا كل هذا الاصطفاف الضخم لأمر أقرّ فاعله بخطئه فيه، وأقرّت جهة أخرى بخطئه.
يجب أن يقول الجميع بأن الأيام أخطأت، يجب على الأيام نفسها أن تقول بأنها أخطأت لتنتهي المشكلة.
على الجميع أن يقرّوا بخطأ من أخطأ، وأن يقفوا في وجه التمادي في الخطأ. وأن يكون في ردود الفعل شيء من التجاوز فليُقل عنه أيضاً بأنّه خطأ؛ فيُدانُ الخطأ من هذا الجانب، ومن ذلك الجانب.
انصرفت الحملة عن مؤاخذة الأيّام ولمناصرة الأيام لمواجهة ما قيل عنه بأنّه قد حصل من تهديد، ونحن لسنا مع التهديدات، ولسنا مع التوعّدات، واللسان قد يزل، والكلمة قد تخطئ، وينبغي للجميع أن يتراجع عن خطئه.
وإذا كانت حرية التعبير التي تُدافع عنها الحملة المجنونة المسعورة عن الأيّام تعني في قاموس هؤلاء الشتم والسخرية والبذاءة والتصرف المطلق في شخصيات الآخرين، والنيل من كرامة الدين والرموز الدينية، والتطاول على كل المقدسات فهي حرية مرفوضة دينا وحضارة وذوقا إنسانيا، ويجب أن نبذل كل جهد في سبيل الوقوف ضدّها.
وأمَّا العلاقات بين وطننا البحرين وكل بلاد الجوار، وكل البلاد الإسلامية فيسرّنا دائما أن تكون علاقات إيجابية، ويسوءنا دائما أن تُخالط هذه العلاقات أجواء التوتّر.
تفجيرات لندن:
لاينبغي التوقف عن إدانة مثل هذه التفجيرات، أين كانت، ومن أيٍّ كانت، من مسلم أو غير مسلم، من قريب أو بعيد. هكذا يقول لنا إسلامنا، وهكذا تقول لنا إنسانيتنا، وهكذا يقول لنا ذوقنا الذي تربّى على مسار القرآن، وسنة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
هذه اللغة لغة التدمير اللامسؤول، ولغة التعدّي المجنون، لغة الاستباحة المطلقة للدماء، لغة تحرق الأرض، ولاتُبقي حرمة ولا أمنا لأحد، ولا مكتسبا من مكتسبات الإنسان ومنجزاته إلا أتت عليه بالتدمير. ما هكذا الإسلام على الإطلاق، وما هكذا هي النفسية المتربية على الإسلام على الإطلاق، وليس هذا من عطاء مدرسة القرآن الكريم والسنة المطهّرة، وماكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مفسدا في الأرض وحاشاه، وما تقدّم الإسلام بهذا الإسلوب، وما عرض أهل الإسلام الإسلام على الناس بهذه الطريقة، وماكان يمكن أن تقوم للإسلام قائمة لو كانت هذه هي طريقته.
والإرهاب له مناشئ؛ ومن مناشئه الفكر المنحرف. فالفكر المنحرف منشأ خطير من مناشئ الإرهاب وأي انحراف آخر. ومسؤولية المدارس الفكرية في الإسلام أن تُراجع فكرها، ليكون منضبطا مع خط القرآن الكريم والسنة المطهّرة.
ولابد من التخلّص من النظرة التجزيئية في فهم الإسلام، والتخلّص من النظرة العوراء لمقررات الإسلام وقضاياه وأحكامه وتعاليمه.
الوضع المتسلّط منشأ آخر من مناشئ الإرهاب، والوضع المتسلّط الظالم المستبيح لحرمات الناس المستولي على جهودهم ونتاج عرقهم سائدٌ في الأرض، فلماذا لانرتقب إرهاباً؟
إذا كان كل شبر من أكثر الأرض يعاني من ظلم، ويعاني من طاغوتية، ويعاني من نهب، ويعاني من جبروت فلماذا لانتوقع إرهابا في الأرض؟
الصحافة السيئة، ونحن نعاني من الصحافة السيئة منشأ من مناشئ الإرهاب، ويُخاف على هذا البلد الآمن أن تعتريه موجات إرهابية عارمة لما ترتكبه الصحافة المحلية من خطأ، ولخيانتها لأمانة الأمن الوطني، ولأجواء المحبة والإخاء في هذا البلد الكريم.
الإرهاب في لندن يحدث ضجة، ونحن مع هذه الضجة، ولكن لماذا لايحدث الإرهاب في العراق كل هذه الضجة؟! أين لندن؟ أين أمريكا؟ أين فرنسا؟ أين روسيا؟ أين العالم العربي؟ أين العالم الإسلامي من الإرهاب في العراق؟
إيانا والطائفية الدينية، والطائفية المذهبية فإنها محرقة عامة، وإرهابها أشرّ إرهاب. والطائفية المذهبية ليست على يد الحكومة فحسب، وإنما على يد كتّاب وكتّاب، وهي تُرسّخ في هذا البلد، وعلينا أن نعمل جاهدين لتخفيف الوضع الطائفي، وبثِّ ثقافة التسامح، وثقافة الإخاء، وثقافة المحبة، وأخوة الإسلام والمحبة في الله تبارك وتعالى.
وعلى الحكومة أن تعدل، أن تُنصف، أن تساوي بين مواطن ومواطن لئلا تشتعل نار الفتنة.
مؤتمر عمّان:
عرفتم أن مذاهب ثمانية اجتمع بعض علمائها وفقهائها ومفكّريها في عمّان وأجمعوا في وثيقة مشتركة على عدم جواز التكفير لأهل هذه المذاهب.
واستند عدم جواز التكفير إلى فتاوى كبار الفقهاء والمفكّرين في هذه المذاهب.
خطوة مباركة، وهي خطوة في الاتجاه الصحيح، وماكان ينبغي التأخر بها كل هذا التأخّر، وإلى أن تتمزق البلاد الإسلامية، وإلى أن تستباح الدماء، وتُهتك الأعراض، وتُغتصب الأموال وكل ذلك يحدث باسم الإسلام ومن أجل الجنة.
وعلى جميع المذاهب أن تُتابع خطواتها في هذا الاتجاه الصحيح، وأن تُكثّف من وعي الأخوة، ومن وعي المحبة بين صفوف أهل هذه الطوائف.
ثالثاً: تعاون لاحرب:
ما يحتاجه الوطن هو تعاون لاحرب، ومن جهتنا فإننا نعمل على التعاون لا الحرب.
والحكومة مسؤولة عن تنشيط دور الإصلاحات، وجدّية الإصلاحات، ومواصلة الإصلاحات، وصدق الإصلاحات من أجل أن تُبرهن على أنها في اتجاه التعاون لا الحرب.
وندائي: أن لاتُوصد الأبواب أمام العاطلين عن العمل، بالأمس قلتم بأنه لا اعتصام قرب الديوان وساعدنا على ذلك، رجعتم وقلتم بأنه لااعتصام عند رئاسة الوزراء، وغداً تقولون لااعتصام عند وزارة العمل، وغداً تطاردون الاعتصام والمسيرة في كل شبر من هذه الأرض.
الحجج واهية، تعطيل المرور، مضايقة الناس، التأثير على راحتهم، حجج واهية نجدها لاتساوي شيئا عندما تريد الحكومة أن تُعبر الجماهير عن فرحتها بأي مناسبة تراها هي، وعندما تريد أن تُقيم أي فعالية من الفعاليات لايدخل في حسابها شيء من هذا كله.
ولمرور وزير واحد يمكن أن يتعطّل المرور، ويمكن أن تتجمد المصالح، ويمكن أن يموت المريض في الطريق، ويمكن ويمكن..
تعطيل الاعتصام، تعطيل الفريق المشترك بين الوزارة والعمّال، هذه الخطوات مرفوضة كل الرفض، والوعود لاتفيد، والمطلوب عملٌ جادٌّ على الأرض لحل مشكلة البطالة والمشاكل الأخرى.
إغلاق جمعية العمل الإسلامي إدارياً:
الغلق الإداري لجمعية العمل الإسلامي لمدة خمسة وأربعين يوماً لم تحمل البيانات الرسمية عنه ما يبرِّره، ونحن ضد هذا الغلق، ومع جمعية العمل الإسلامي في مطالبتها بإلغائه، وهي بادرة خطيرة تُهدد كل الجمعيات السياسية، وتهدد أي فعالية من الفعاليات التي قد لاترتاح لها الحكومة، على أننا لسنا مع أي تصعيد، ولا مع أي كلمات تُحدث حالة من التوتّر.
هدم جدار العزل:
هنا تأتي إشارة إيجابية في سياق الإصلاح، وهي الإشارة التي يحملها هدم الجدار العازل.
أؤكد أن المشكلة في تخلّف الإصلاحات الذي يحدث حالات من الاحتقان الذي يتفجر في صورة كلمة، أو اعتصام، أو مسيرة يمكن أن يحصل فيها شذوذ؛ هذا الشذوذ أو أي شذوذ آخر.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم أصلح ما فسد من أمور المسلمين، وانصر وأعز عبادك المؤمنين، واجعلنا ممن تحيي به دينك، وتظهر به شريعتك، وتنتصر به للمستضعفين من أوليائك، وتمكّن به للمنتظر من حججك، ويسعى بالصلاح والإصلاح في بلادك وعبادك ياحنان يامنان ياقوي ياعزيز.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – 2، 3/ الطلاق.
2 – 2، 3/ الطلاق.
3 – 2، 3/ الطلاق.
4 – قد تكون التوراة الصحيحة وليست هذه التوراة.
5 – وهو القدر المتيقّن من ذلك.

 

زر الذهاب إلى الأعلى