خطبة الجمعة (201) 18 ربيع الثاني 1426هـ – 27 مايو 2005م
مواضيع الخطبة:
الرياء (2) + المصادرة لاتخلق حقاً + لا للطائفية. نعم للحقوق + مشاريع قادمة
والمقاومة للفكر التغريبي والمشاريع التغريبية تفرض علينا أن يكون لنا مشروعنا الإسلامي الحضاري العام بحيث يكون متبلوراً في أذهاننا وأفئدتنا، وأن تتضافر جهودنا العملية المكثفة والمنسّقة لتربية أجيالنا على ضوئه، وأن يكون لشعوب الأمة حضورها وفعاليتها السياسية ورأيها المحترم في القرارات المصيرية القطرية ، وفيما يتصل بكيان الأمة كذلك.
الخطبة الأولى
الحمدلله الذي لايُرجى إلا فضلُه، ولايُخشى إلا عدله(1)، ولايُعتمد إلا قوله، ولاتمسُّك إلا برحمته، ولانجاة إلا في طاعته، ولاطمع إلا في كرمه، ولاسعادة إلا في رضاه وجنّته.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم تسليما كثيرا كثيراً.
أوصيكم عباد الله ونفسي الأمارة بالسوء بتقوى الله ورحمة الضعيف من المسلمين، وتعليم الجاهل، وهداية الضّال، وإرشاد العاصي، والإحسان إلى المسيء، والتخلي عن فعل القبيح، وقول السوء، والسعي في الناس بالبغي، والمساعدة في الباطل. ومن اتقى كان له من تقواه حاجز من الشّرّ، ودافع إلى الخير، ولايحجز عن الشرّ، ويدفع إلى الخير، ويُطمع في ملازمته كالتقوى، ولايؤمن الشرّ، ولايؤمّل في الخير من نسي دينه وخلى قلبه من تقوى الله.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات، وتجاوز عن سيائتنا، وضاعف حسناتنا، واملأ قلوبنا حبّاً لك، وشوقاً إلى لقائك، واجعلها خاشعة لك، ساعية في رضاك ياكريم يارحيم.
أما بعد أيها المؤمنون والمؤمنات الكرام فإلى تتمة حديث الرياء تحت هذه العناوين:
الرياء شرك:
“اعلموا أن يسير الرياء شرك” عن أمير المؤمنين عليه السلام.
إنه ضربٌ من ضروب الشرك، ولون قد يكون خفيّا من ألوانه. وكما تقدم يعني الرياء تقديم المخلوق على الخالق على مستوى الطمع في العطاء، المنزلة في الناس، والخوف من الناس أكثر من الخوف من الله تبارك وتعالى، وكل ذلك من منبت الشرك، ومن منبع هذه الكبيرة التي ليس فوقها كبيرة.
“إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر، قالوا وما الشرك الأصغر؟ قال الرياء” عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
فليراقب أحدنا نفسه، ليعرف كم فيها من الشرك الخفي، وكم يزاحم إيمانه من هذا الشرك، وكم يتسلل إلى نفسه من هيبة الناس أكثر من هيبة الله فيها، ومن رجاء الناس أكبر من رجاء الله، ومن خوف الناس أزيد مما في النفس من خوف الله.
لنعرف أنفسنا.
ويأتي الكلام هنا عن علامات المرائي:
يقول الحديث عن الرسول صلى الله عليه وآله “أما علامة المرائي فأربعة: يحرص في العمل لله إذا كان عنده أحد، ويكسل إذا كان وحده…” تكثر طاعاته، وتنشط روحه للطاعة في محضر الناس، وتكسل وتستثقل طاعة ربّه عندما يكون وحده، وهذا كاشف عن أن طاعته الأولى عن تقدير للناس لا عن تقدير لله.
“ويحرص في كل أمره على المحمدة” في كل أفعاله ينتظرحمدا من الناس، ولايشبع نفسه، ولايلبّي تطلّعه رجاء الثواب من عند الله، يتجه تطلّعه دائما إلى أن يسمع منك الكلمة الشاكرة، كلمة الإعجاب، الثناء، وإلا شعرت نفسه بالفراغ، وحالة الفقد، وذهاب العمل، فمن المقدّر هنا؟ من المعبود هنا؟ ليس هو إلا غير الله.
“ويحسن سمته بجهده” يظهر التقوى، والتَّنَسُّك، والزهد، والتعبّد، ويخفض النظر عن المحرّم كلُّ ذلك طلباً للمنزلة في الناس.
أحاديث كيف تتلاقى
قد نقف عند أحاديث يحتاج فهمها إلى شيء من التأمُّل؛ إذ يظهر من حديث معنى ويبدو من حديث آخر معنى قد لايلتقي معه في بدو النظر.
والوصول إلى معنى مشترك يحتاج إلى نوع من التأمُّل.
عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام، قال سألته عن الرجل يعمل الشيء من الخير فيراه إنسان فيسرّه ذلك، قال لابأس، ما من أحد إلا وهو يحب أن يظهر له في الناس خير، إذا لم يكن صَنَع ذلك لذلك”.
الحديث فيما يظهر منه يقول بأن المرء قد يصنع الخير ليُذكر في الناس، فهذا رياء، وهو من العبادة لغير الله، وقد يفعل الفعل لله عز وجل لا للذكر، ولكن إذا وافق أن حصل ذكر له في الناس بالخير، سرّه ذلك، هل هذا السرور المترتب على ذكر الناس له بالخير يعدّ رياء؟
الجواب: لا، إن هذا ليس من الرياء. إذا جاء ذكر الناس له بالخير اتفاقا ولم يكن مقصوداً له، وسرّه ذكرهم هذا، فإنه لا يدخله في الرياء.
في الحديث الآخر: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: إني أتصدق وأصل الرحم ولا أصنع ذلك إلا لله، فيُذكر ذلك مني، وأحمد عليه، فيسرّني ذلك وأُعجب به – فكأنه يسأل: هل هذا رياء؟ هل هذا مبطل للعمل – فسكت رسول الله صلى الله عليه وآله ولم يقل شيئاً، فنزلت {… فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً}(2) وكأن في تنزّل الآية في هذه المناسبة إشارة إلى أن لونا ولو كان خفيّا من الشرك يتمُّ بفرح الإنسان وسروره بذكر الناس له بما فعل من الخير، وإن لم يكن منطلقه أصلا طلب ذكره في الناس.
وهذا لايلتقي في الظاهر مع ما سبق من معنى الحديث الأول.
قيل لرسول الله صلى الله عليه وآله: أرأيت الرجل يعمل العمل من الخير ويحمده الناس عليه؟ – يعني أتراه شركاً – قال: تلك عاجل بشرى المؤمن” يعني أنها البشرى المعجلة له في الدنيا، والبشرى الأخرى قوله سبحانه {… بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ …}(3).
الحديث الأخير عن رسول الله صلى الله عليه وآله يرى هذا الذكر من الخير مما يجزي به الله عبده الصالح في الدنيا إلى جنب الجزاء الأخروي الذي يفوق كل جزاء.
“عن عبدالله بن بكير، عن عبيد قال: قلت لأبي عبدالله عليه السلام – وهو الإمام الصادق – الرجل يدخل في الصلاة فيجوّد صلاته ويحسّنها رجاء أن يستجر بعض من يراه إلى هواه، قال ليس هو من الرياء”.
يكون مع المؤمن في صلاته من ليس بمؤمن، ومن يهتم دين المؤمن وليس المؤمن في دينه، ويقلّل من قيمة المذهب الحق، ومن هذا الدين الحق، فيجوّد المؤمن صلاته، ويحسّن عمله لا لأنه يرى غير الله إلهاً، لا لرجاء في غير الله تبارك وتعالى، وإنما ليعظّم دين الله والمذهب الحق في نفس الآخر، فهل هذا من الرياء؟ قال ليس هو من الرياء.
الصورة فيما يظهر والله أعلم أن الحديث الأول الذي نفى أن يكون ذكر الخير اللاحق للعمل والسرور به رياءً يفهم في ضوء الحديث الثالث هو إنما لم يكن كذلك لأنه لم يُغن في نفس العبد عن الله، ولم يره جزاءا من الناس، وإنما يراه جزاء من الله تبارك وتعالى.
ويسرّ به لأنه من جزاء الله، ويستعين بهذا الذكر في الناس على طاعة أكثر، وعلى التمكين لدين الله. هذا الذكر في الناس لايستعمله للدنيا، ولايراه سلعة من سلعها، وإنما يكون آلة بيده للتمكين لدين الله، وأخلاقيات دين الله، وتقوى النفوس.
فحين يُتعامل مع ذكر المرء في الناس بالخير هذا التعامل فإنه لايعني شركاً.
والشرك في مثل هذا السرور أن يعتبره جزاءاً يغنيه عن جزاء الله تبارك وتعالى، أو أن يستفيض به عمّا عند الله، وأن يقع في نفسه في عرض الجزاء الإلهي، وتكون لهذا السرور قيمة في نفسه يستغني بها كما لعطاء الله وجزائه قيمة يستفق بها الصالحون.
ونجد الحديث الآخر يجعل هذا السرور من بشرى الله لعبده المطيع في الدنيا، وكأنه جزاء من الله يدلّ على القبول.
وهذا السرور الذي يراه العبد من جزاء الله وعطائه، لا يصرفه عن تعظيم الله إلى تعظيم غيره ولو قيد شعرة.
أما الحديث الأخير فهو يركّز على ضميمة عبادية إلى أصل العبادة، الصلاة عبادة لله، وهذا العبد يُحاول أن يضمّ عبادة أخرى تتمثّل في تحسين دين الله، وفي تركيز دين الله في نفوس الآخرين، إلى صلاته، وهو قصد بعيد عن طلب المنزلة في نفوس النّاس بالعبادة.
الناس بالعبادة:
هناك وسوسة، وهناك رياء، فينبغي للمؤمن أن يحترس من الخلط بينما هو وسوسة قد تصرف عن الطاعة ويتوسّل بها الشيطان الرجيم في نفس المؤمن لصرفه عن العبادة، وبينما هو رياء.
يقول الحديث عن الرسول صلى الله عليه وآله: إذا أتى الشيطان أحدكم وهو في صلاته فقال – أي الشيطان -: إنك مرائي، فليطل صلاته ما بدا له ما لم يفته وقت فريضة، وإذا كان على شيء من أمر الآخرة فليتمكث مابدا له، وإذا كان على شيء من أمر الدنيا فليبرح”.
تُقابل الوسوسة في النفس بمزيد من الإصرار على طول المكث في العبادة، وفي هذا جواب عملي صارف للشيطان، وتيئيس له من نجاح وسوسته.
فيجب أن أتعرّف أن هذا الذي يحدثني به الشيطان وأنا في الصلاة هل يتجه بي إلى أن أخرج من أدب الصلاة إلى حالة التساهل بالصلاة؟ ومن حال الخشية إلى حال عدم المبالاة، أو أنه يريد أن يطمعني في ثواب فلان وفلان؟ إذا كانت وسوسة الشيطان بداية للاتجاه الثاني فعلي أن أتمرد على هذا الاتجاه، وأن أحول الاتجاه إلى الاتجاه الآخر، وأن أتمكث في العبادة لله لا لعبيده، أما إذا كنت أعرف من نفسي أني لست على رياء في هذه اللحظة، وإنما الشيطان يريد لوسوسته أن تحولني من حال الخشية إلى حال عدم الخشية فلأعاند ولأكابر الشيطان ولأدخل في نفسه اليأس من نجاح وسوسته؛ فلا أتنازل عن حال الخشية وأدب الصلاة تحقيقا لمآربه الخبيثة.
عن أمير المؤمنين عليه السلام: قلنا يارسول الله: الرجل منا يصوم ويصلي فيأتيه الشيطان فيقول إنك مُراءٍ، فقال رسول الله: فليقل أحدكم عند ذلك أعوذ بك أن أشرك بك شيئا وأنا أعلم وأستغفرك لما أعلم.
هنا حينما يأتي حديث الشيطان بأني أرائي، فإما أن يكون ذلك مما ابتُليت به حقا في تلك اللحظة، أو كان ذلك وسوسة كاذبة من الشيطان، فهنا يكون اللجأ إلى الله عز وجل، أنا لم أكتشف من نفسي في تلك اللحظة أني على رياء حتى تبطل العبادة، ولكن لاأبرأ نفسي ولعل أمرا خفيا من هذا داخل النفس.
فإذاً فلألجأ إلى الله وأستعيذ به من أن أكون على رياء، وبذلك أدحر الشيطان، وإن كان فأنا مستغفرٌ لله مما لا أعلم من رياء قد يكون لامس خاطرة النفس، وبذلك أتخلّص من هذا الموقف الحرج الذي يريد أن يوقعني فيه الشيطان.
انقلاب العمل
حديث أخير عن الباقر عليه السلام:
“الإبقاء على العمل أشد من العمل، قال الراوي وما الإبقاء على العمل؟ قال: يصل الرجل بصلة، وينفق نفقة لله وحده لاشريك له فتُكتب له سرّا” ثم يذكرها فتمحى وتكتب له علانية، ثم يذكرها فتمحى وتكتب له رياءاً.
اتفق العبد سراً، قام بصلة رحم سرّا، كتبها الله له، ثم يذكرها العبد للناس فتُمحى فتُكتب له علانية.
عمل السر له قيمة عمل السر، وعمل السر أكبر قيمة من عمل العلن، لما ذكرت عمل السر الذي استحقيت عليه جزاء السر للآخرين انقلب في قيمته إلى عمل علن، فتنحدر القيمة إلى عمل العلن بذكره، وإن عملاً سراً في أصله، هذا الذكر الأول.
“ثم يذكرها فتُمحى وتُكتب له رياءً”. أنا أعطيت فلاناً، أنا أنقذت فلاناً يذكر ذلك للمرة الثانية فينقلب عمله الخالص إلى عمل رياء، وينقلب الثواب إلى عقوبة (4).
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا وعليهم إنك أنت التواب الرحيم. اللهم ارزقنا حسن النية، وصدق العمل، ودوام الطاعة، والبقاء على الإخلاص، ونقنا من الشرك، وطهرنا من الرجس، وزيّنا بالصلاح، واسلك بنا سبل الفلاح، واجعلنا من أهل رحمتك وإحسانك ورضوانك، يا أكرم من سُئل، وأجود من أعطى، وأرحم من استُرحم يا ولي ياحميد.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ (4) }
الخطبة الثانية
الحمدلله خالق الأنام، ذي المنن العظام والمواهب الجسام، الذي ينتهي إلى خلقه كلُّ خلق، وإلى إنعامه كلُّ إنعام، وإلى منِّه كلُّ امتنان، ليس كخلقه خلق خالق، ولا كرزقه رزقُ رزاق، ولا أمر إلا أمرُه، ولا تدبير إلا تدبيره.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وزادهم تحية وبركة وكرامة وسلاما.
عباد الله ألا فلنتق الله الذي لا إله غيره، ولا ربّ سواه، ولا مفرَّ منه إلا إليه، ولا خير إلا من عنده، ولا يتقى شرٌّ إلا به.
ألا إن تقوى الله من العالِمين واقية شافية كافية؛ تقي من مصارع الهوان وسوء العاقبة، وتشفي القلوب من أمراضها، والمجتمعات من أسقامها، وتكفي لسعادة الدنيا والآخرة. والجهل يمنع من التقوى أو يفسدها و{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء}(5).
اللهم اغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم. اللهم بصِّرنا دينك، وألهمنا تقواك، وأكرمنا بطاعتك، وامنحنا جنتك، وتفضل علينا بإحسانك، وأسعدنا برضوانك ياحميد يامجيد يارؤوف يارحيم.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبدالله، خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى علي أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصدّيقة الطاهرة المعصومة.
وعلى الأئمة الهداة الميامين الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم.
اللهم عجل فرج وليك الإمام المنتظر القائم، وحفه بملائكتك المقربين، وأيده بروح القدس يارب العالمين، اللهم انصره نصراً عزيزا، وافتح له فتحاً مبيناً، واجعلنا من الدعاة إليه، وأنصاره.
أما بعد أيها الأعزاء الكرام من المؤمنين والمؤمنات فإننا نلتقي مع أكثر من موضوع ولعلّه في أكثر من ساحة، هذه الموضوعات نمرّ بها ولو مرورا عابرا:
العناوين:
المصادرة لاتخلق حقّاً، لا للطائفية. نعم للحقوق، مشاريع قادمة
المصادرة لاتخلق حقّاً:
1. هناك أراض وقفية قالت عنها الصحافة أنها مصادرة، وقالت عنها دائرة الأوقاف أنها متداخلة مع أملاك لآخرين. وهذه الأراضي سيُعوّض عنها بعشرة ملايين موزعة على عشر سنوات.
2. والمصادرة تعني الغصب، وهو الاستيلاء على مال الغير أوعلى شيء من حقوقه ظلماً، وحكمه الحرمة. أما التداخل الذي تتحدث عنه الأوقاف ويجيز التنازل عن الأراضي الوقفية ويسبّب خروجها عن وقفيتها فلا أعرف له أنا شخصياً أي معنى.
والتداخل إذا كان بمعنى التجاور وإحاطة أراضي الغير لأراضي الوقف فهذا لايسقط وقفيتها رأساً. وإن كان بمعنى أن أراضي للغير سُجِّلت في أراض للوقف وبالعكس مع العلم بأصل العين والكم فكل شيء يعود إلى أصله، وإن فُرض الاشتباه فالمخرج ليس هذا التعويض.
3. وعلى تقدير المصادرة والغصبية فالأرض باقية على وقفيتها، ولا يغير الغصب من وصفها شيئاً.
والغاصب مطالبٌ بإعادة الأرض مهما أقام عليها من زرع أو بناء، وبأجرة استثماره لها أو تعطيله لمنافعها كل المدة التي قطعها استيلاؤه الغصبي عليها.
وتصرُّفه فيها لايحدث لها نقلاً ولا انتقالاً بأي ثمن، ولا يعطيه الحق في بقاء بنائه أو زرعه عليها.
وليس لمن له ولاية على الوقف أن يتصرف فيه بعيداً عن الأحكام الشرعية إذ لا ولاية لأحد خارج الحكم الشرعي.
والانتقال إلى دفع الغاصب المماثلَ للمغصوب أو القيمة عند فقده فرعُ تلف العين أو تعذر تسليمها.
ومن منطلق دقّة أحكام الوقف ولوجوه أخرى طالب العلماء بالإشراف الكامل على هذا المرفق المهم حفظاً للموازين الشرعيَّة، وسكت المسؤولون عن ذلك سكوتا طويلاً.
لا للطائفية. نعم للحقوق:
لا للطائفية شعاراً، دعوة، ممارسة.
لا للطائفية التي تستبيح الآخر، تنقص حقه، تحاول تقزيمه والإضرار به، تسترخص حقوقه، تستهدف تهميشه، ترتاح لمظلوميته، تتأخر عن نصرته عند ظلم مسّه.
لا لطائفية تمزّق المجتمع، تفصم عرى الألفة والمحبّة والأخوة بين أبنائه، تهدم الجسور وتحفر الخنادق، وتقطِّع الصلات، وتوسِّع الشُّقة، وتوهن الإسلام وتطمع فيه أعداءه.
ونعم للاعتراف بالحقوق والمشاركة العامة في المطالبة بها حتى إقرارها.
وإذا كنا شيعة وسنة فإن الإسلام يرعى حقوق الجميع، وإن المواطنية الواحدة قاعدة لحقوق ثابتة مشتركة.
وهنا ينبغي التنبيه على أمرين مهمين:
1) ينبغي أن لايتضايق الشيعة من وصول إخوانهم السنة لشيء من حقوقهم، وإنصاف الحكومة لهم والتوسعة عليهم في الوظائف والخدمات والمشاريع الدينية والثقافية وغيرها مما يشارك في راحة الحياة وتقدم المستوى.
والصحيح هو أن يفرح المسلم لخير أخيه المسلم. فهنيئا للأخوة السنة أن يُوسّع عليهم، أن ينالوا حقوقهم، أن يتقدم مستواهم.
2) من حق الشيعة بل من واجبهم أن يطالبوا الحكومة بكامل حقوقهم من حيث إنهم مواطنون كاملو المواطنية، وأن يصروا على تطبيق العدل والإنصاف بعيداً عن شعارات الطائفية، ولا يليق بالأخوة السّنة أن يحملوا هذه المطالبة بالحق من الشيعة على الطائفية فإن الحق أحق أن يتبع والإنصاف فيه خير الجميع، وسد لأبواب الشر، ولا يصح أن يسرّ أحداً ظلم أخوة له في الدين والوطن، وأن يقف من ذلك موقف المتفرج الذي لايعنيه من جرح أخيه شيء، ولا يسيئه اختلال موازين الحق والعدل والإنصاف.
وملخص القول أنه إذا أردنا أن نكون مسلمين كما يحب لنا الإسلام ويرضى فعلى الشيعي أن يفرح لخير أخيه السنيّ وأنه قد نال شيئاً من حقوقه في ذمة الحكومة، وعلى السني أن يُفزع لشر أخيه الشيعي، ويهب معه للمطالبة بحقه الثابت في ذمة الحكومة.
على أن الأمر لايعني المواجهة بين حكومة وشعب ولايتجه إلى خلق حالة توتر وصراع وإنما كل الأمر هو أن يؤخذ بالعدل، وتؤدي الحكومة وظيفتها الواجبة، ويعطى لكل ذي حق حقه في جو من المودة والمحبة والاطمئنان الذي يعم الجميع.
مشاريع قادمة:
المشاريع التخريبية المعادية للإسلام المناهضة له المستهدفة لهدمه في الساحة الإسلامية كثيرة متابعة متنامية.
منها ما الفته الساحة وتفاعلت معه وأخذ مكانه في نفوس عدد من المسلمين وقلوبهم وسكت عليه آخرون. ومن أمثلة ذلك بيع الخمر – الرقص المختلط – الاختلاط الماجن الفاحش والسفور المتهتك – والأحكام القضائية البعيدة كل البعد عن الإسلام. والقائمة طويلة.
ومنها مشاريع تدشن في بعض البلاد الإسلامية، ويُهيأ له البعض الآخرمن البلاد المسلمة، ومن الأمثلة في هذا المجال منع الحجاب كرهاً، الأذان الواحد لتسكت كل المساجد والمآذن. واليوم أذان واحد لمصر وغداً أذان واحد لعدد كبير من بلاد الإسلام المشتركة في الوقت وربما تعدينا هذا الأمر كذلك.
وخذ من هذه الأمثلة التدخل الأجنبي في منهج التربية الإسلامية والأحوال الشخصيّة، وإلغاء التربية الإسلامية نهائياً من المرحلة الثانوية كما في الجزائر.
وحكومات كثيرة مكلّفة بأن تفتح أبواب القلاع الإسلامية، وعقول أبناء المسلمين وأفئدتهم، وأن تعد الساحة إعداداً كاملاً لاستقبال المشاريع الأمريكية والأوروبية للتخريب الفكري والثقافي والخلقي لديار المسلمين.
وكل المشاريع التخريبية التي بدأ تدشينها في قطر أو أكثر من أقطار المسلمين هي في طريقها لتعمّ البلاد الإسلامية كلّها.
وإذا كانت مقاومةٌ لهذه المشاريع فلابد أن تكون مبكِّرة وقبل أن تطرق أبواب أي قطر يعتزم المقاومة.
والمقاومة تفرض علينا أن يكون لنا مشروعنا الإسلامي الحضاري العام بحيث يكون متبلوراً في أذهاننا وأفئدتنا، وأن تتضافر جهودنا العملية المكثفة والمنسّقة لتربية أجيالنا على ضوئه، وأن يكون لشعوب الأمة حضورها وفعاليتها السياسية ورأيها المحترم في القرارات المصيرية القطرية ، وفيما يتصل بكيان الأمة كذلك.
والتخلف في الحق السياسي يفتح كل أبواب الأزمات الحادة على هذه الأمة، وعلى كل قطر من أقطارها، ويستضعف الحكومات أمام الإرادة الأجنبية الغازية التي يتّكئ عليها وجود الأنظمة عند انفصالها عن إرادة الشعوب ومصالحها.
والمشاريع التخريبية الغازية المطروحة من الأجنبي مباشرة أو ممن يحملون رسالته الشيطانية الجاهلية ويُخلصون العمالة بألوانها المختلفة له من منتسبي هذه الأمة كثيراً ما تبتعد عن المجاهرة بعداء الإسلام، وتأخذ بالتستر برفع شعار الشريعة المنفتحة المتطورة المرنة متزيِّدة في الشريعة الإسلامية الحقّة، ومنقِصة منها، ومحرِّفة فيها، وكاذبة عليها ما اشتهت لها الأهواء، وأملته أغراضها المفسدة الخبيثة.
وهي تحاول بذلك عدم الاصطدام بغيرة المسلمين على شريعتهم واعتزازهم بها، وتحرُّجهم الإيماني من مخالفتها، والدخول في التآمر عليها، واستغفالهم ليُعطوا الرضى بالكفر بعد الإيمان من غير ضجيج.
وحين تتحول مسألة الانحراف عن دين الله إلى واقع على الأرض تألفه النفوس وتستسيغه، أو إلى قانون مدعوم بقوة العسكر والحديد والنار يكون قد أنهى الأمر، ومُرِّر المشروع، وفات القطار في الكثير من الحالات.
فلابد من وعي، ويقظة وبصورة مبكّرة، ولابد من حيوية في الإرادة، ولابد من واقع جهادي ثقافي وتوعوي، وحسٍّ انتمائي إيماني عام يحمي حاضر الأمة عن الذوبان، ومستقبلها من الكارثة القاضية.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، ومن أحسن إلينا فهم إحسانا خاصا، ولوالدينا وأرحامنا. اللهم اجعل حياتنا خير حياة، ومماتنا خير ممات، ومبعثنا خير مبعث، وانته بنا إلى خير دار، وأهنأ قرار، وأعلى منزلة، وأكرم مقام، يا أكرم الأكرمين، ويا أجود الأجودين.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – ذلك بمعنى أن عقوبة الله عزّ وجل لا يمكن فرضها من باب الظلم أو الخطأ أو الجهل أو دفع الخطر عنه سبحانه، وإنما عقوبته للعبد لها وجه واحد وهو استحقاق العبد، وعدل الرب.
2 – 110/ الكهف.
3 – 12/ الحديد.
4- وهذا الذكر الذي ينقلب به العمل الخالص إلى رياء، وثوابه إلى عقوبة فيه طلب للسمعة عند النّاس، وتقرّب إليهم بما لا تبقى أن يكون إلا الله.
5 – 28/ فاطر.