خطبة الجمعة (199) 4 ربيع الثاني 1426هـ – 13 مايو 2005م
مواضيع الخطبة:
تكملة موضوع الزهد + وعي وإنصاف + بين الحقوق والأطماع + الديموقراطية والدين
علينا أن نعرف الإسلام، علينا أن نعرف الله، علينا أن نعرف أنفسنا حتى لانبيع ذلك بثمن بخس، وكل الدنيا ومتعها ولذائذها ثمن بخس حين تكون ثمنا لشيء من تلك القضايا العظام.
الخطبة الأولى
الحمدلله الذي أضاءت لنور وجهه الكريم السماواتُ والأرض، وانكشفت له الظلماتُ، وصَلُحَ عليه أمرُ الأولين والآخرين، وليس من نور إلا به، ولا خير إلا من جهته.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم تسليما كثيرا كثيرا.
أوصيكم عباد الله ونفسي الغافلة بتقوى الله، وطلب الوسيلة إليه، بالتسليم له، وتفويض الأمر إليه، والتوكل عليه، والرضا بما قضى، وولاية أوليائه، ومعاداة أعدائه، والقلبِ السليم، والعمل الصالح، والاطمئنان إلى رحمته، والطمع في مغفرته. وأنعِمْ بذلك وسيلة إلى الله، ونيل رضوانه.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم أخرجنا جميعاً من كل كرب وهم وغم، ومرض وسقم، وأنقذنا من السوء، واجعل عاقبة أمرنا خيراً، ومنقلبنا إلى رضوانك ياكريم يارحيم.
أما بعد أيها الأعزاء من المؤمنين والمؤمنات فإلى استكمال حديثنا السابق عن الزهد في كلمات قصيرة:
من نتائج الزهد:
وهو عنوان قد تقدم الحديث عنه بعض الشيء، واستكمالا لهذا الحديث نقرأ من الكلمات الواردة عنهم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ما يأتي:-
3- تهوين المصائب:
عن رسول الله صلى الله عليه وآله:”من زهد في الدنيا هانت عليه المصيبات” فالزهد يهوّن المصيبات لأنه يصغّرها، إذ لو كبُرت الدنيا في عين الإنسان لكانت كل ثلمة منها وكل نقص مصيبة كبرى، لكن عندما يهون أمرها في نظر النفس فإن نواقصها وإن ثقُلت على الكثيرين إلا أن النفس التي نظرت إليها النظر الموضوعي والواقعي في ظل تصوير الإسلام للدنيا والآخرة، فإن هذه النفس لاتكبر في نظرها مصيبة الدنيا في ظل تلك النظرة.
الدنيا لها وزن، والآخرة لها وزن، حياة البدن لها وزن، وحياة الروح لها وزن، ونكون على خير كثير لو توفرت عندنا النظرة التي تزن الأمور بأوزانها، وتضع الأشياء في مواضعها.
للدنيا وزن لابد أن يُراعى لكن وزنها لايصح أن يتقدم في النظر على وزن الآخرة(1)، ولايستحق أن يجعل الإنسان يهلع كل الهلع من أجل أن يفقد من الدنيا شيئاً.
نعم، نظرة الزهد للدنيا، وعدم خضوع النفس لشهواتها، ولرغائبها، وعدم تغلغل أمانيها وآمالها في النفس يجعل ضغطها عليها النفس ضغطاً غير مؤذٍ، ويعظم ضغطها، وتكبر مصيبتها حينما ينظر إليها نفسها عظيمة كبيرة.
“الزهد في الدنيا يريح القلب والبدن، والرغبةُ فيها تتعب القلب والبدن” عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
الزهد يريح القلب والبدن لأن مؤونة الدنيا تخفّ على النفس التي تزهد فيها، فلا يتحمل القلب هما كبيرا من أجل الدنيا. كثير من مشاكل النفس، ومن عقدها، ومن مصارعها إنما يكون بسبب تهويل النظرة إلى الدنيا، وتعظيم النظرة إليها. حينما لاتقنع النفس بشيء من هذه الدنيا، وتطلب فوق حاجتها الكثير الكثير فإن الدنيا بملئها لاتكفي نفسا واحدة. حينما يتحول الطموح إلى طموح دنيوي فإن الدنيا تعجز عن أن تلبي هذا الطموح، وامرءٌ لا يجد ما يلبّي طموحه في تعب وفي شقاء، والنفس لايمكن أن تستريح في ظل الشعور بالحرمان الدائم، ونفس الطامع دائما يستولي عليها الشعور بالحرمان.
وفي الحديث عن الكاظم عليه السلام”إن أصبركم على البلاء لأزهدكم في الدنيا” قرأنا حديثا عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يقول بأن الدنيا تتقزم في نظر الزاهد بحيث لاتملك أن تضغط عليه الضغط الكبير الذي يهزمه، ومن ناحية أخرى قد تكون المصيبة عظيمة نسبيّا كفقد ولد، وكارثة تأتي على الأهل جميعا كزلزال عظيم يفقد المرء كل أهله وأصحابه وكل ما في يده، فهذا بلاء عظيم من بلاء الدنيا، ويحتاج إلى تحمّل كبير، إلى نفس عالية، إلى نفس تستند إلى ركن شديد غير الدنيا، وتستمد ثقة عالية من مصدر آخر، وتشعر بالأنس في ظل نظرة ثابتة عميقة متجذّرة توصل قلب الإنسان بأقوى الأقوياء، ونفس الزاهد وهي نفس تنظر لله أكثر من نظرها إلى أي شيء، وتغنى في داخلها أكثر من غناها بأي شيء، وتعيش هم الآخرة أكثر من هم الدنيا، وتشعر بالأنس، وبالقوة، وبالثقة من خلال صلتها بالله سبحانه وتعالى، نفس كفوؤة، ونفس قادرة لأن تتحمل مثل المصاب المذكور وهو مصاب مُرّ وثقيل وقتّال(2).
4- الزهد وحلاوة الإيمان:
نقرأ “حرام على قلوبكم أن تعرف حلاوة الإيمان حتى تزهد في الدنيا” عن الصادق عليه السلام.
في الإيمان حلاوة، في الإيمان عذوبة، في الإيمان أنس، في الإيمان شعور بالسمو، وشعور بالغنى والرفعة والتفوق، هذا الطعم في الإيمان والذي تستذوقه الروح، ويعيضها عن كل متعة أخرى لايجده غير الزاهد في الدنيا. الدنيا حين تكبر في النفس على وهم وبصورة خيالية خسارتها لاتُبقي شعورا بالربح من أي جهة أخرى، وربحها لايدع لأي ربح آخر أن تشعر النفس من خلاله بلذة، فإذاً “حرام على قلوبكم أن تعرف حلاوة الإيمان حتى تزهد في الدنيا”، ونحن لانتحدث عن زهد يوقف حركة الحياة، ولانتحدث عن زهد يفرّ بنا من ساحة الحياة، ولانتحدث عن زهد يساعد أهل الجشع على أن يلتهمونا في الحياة.
“الرغبة في الدنيا تورث الغم والحزن، والزهد في الدنيا راحة القلب والبدن” إذا كان للزهد في الدنيا أثر فإن للطمع في الدنيا أثراً، وهما أثران متقابلان، فالرغبة في الدنيا تورث الغم والحزن، وتفتح باباً للشعور بالمشكلات الضخمة، والرغبة في الدنيا تعقد النفس لأن نفساً طمعت في الدنيا لايمكن أن تجد كلّ ما ترغب، ولايُتاح لها أن تستولي على كل ما في أيدي الناس، ولها أمنية فوق ما تطيق هذه الحياة فلابد أن تتعب، ولابد أن تكون ثمناً لطمعها في هذه الحياة.
5- الزهد والمعرفة:(3)
تقول الآية الكريمة {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ}(4) يوسف العظيم، يوسف الذي تحتاجه الدنيا كل الدنينا، يوسف المنقذ، يوسف النبي الهادي، يوسف السراج المبين شروه (5) بثمن بخس دراهم معدودة، وأي ثمن من أثمان الدنيا يباع به يوسف، وأي عملة تملكها الدنيا تزن يوسف، وأي ملك من ملوك الدنيا يساوي شيئا من يوسف عليه السلام؟! ولكن شروه بثمن بخس حتى في النظر العرفي، وكان من أزهد الأمتاع ثمناً ذلك لماذا؟ لعدم المعرفة. ونحن نبيع العلاقة بالقرآن، والعلاقة بالإسلام، والعلاقة بالله، وبرسول الله وآل رسول الله صلى الله عليه وآله، ونبيع الآخرة بثمن بخس، بمنزل، بشهادة صغيرة، بابتسامة، بمنصب، وأي ثمن تفترضه بإزاء تلك الأمور المعالي، وتلك القضايا الضخام فلن تجده إلا ثمن بخساً.
نبيع مقدساتنا، بثمن بخس، ونعطي للدنيا الثمن الضخم. عقلي، وجداني، ديني، شرفي، كرامتي أُعطيه كلّه من أجل وظيفة، أعطيه كلّه من أجل قطعة أرض، أُعطيه كله من أجل دونية من دونيات الدنيا.
علينا أن نعرف الإسلام، علينا أن نعرف الله، علينا أن نعرف أنفسنا حتى لانبيع ذلك بثمن بخس، وكل الدنيا ومتعها ولذائذها ثمن بخس حين تكون ثمنا لشيء من تلك القضايا العظام.
{وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ}(6).
وتقول الكلمة عن أمير البيان، وأمير الحكمة، وأمير المؤمنين عليه السلام”لاتزهدن في شيء حتى تعرفه”، وتقول الكلمة الأخرى عنه عليه السلام”يسير المعرفة يوجب الزهد في الدنيا”.
ماذا أريد؟ ماهي أقصى أمنية لي في هذه الحياة الدنيا؟ أن أبني جسدا ضخما؟ وأن تكثر ممتلكات هذا الجسد؟ أمنية ساقطة. بعد حين طال أو قصر، وإذا بالعمارة التي صرفت من أجلها الحياة – أعني عمارة الجسد – جثة هامدة لا حراك فيها، وإذا بها جيفة نتنة، وإذا قد تلخصت الحياة، وتلخصت حركة الفكر، وتلخصت كل الإنجازات، وتلخَّص كل الجهد في هذه الخاتمة وهي أن نتج من خلال كل ذلك جثة هامدة،وجيفة نتنة.
حين أعرف قيمة الحياة الدُّنيا لا أحمل همها كثيرا، وإذا حملت لها هما فإنما أحمل هذا الهم من خلال رؤية الآخرة. جاهدوا في الحياة، اكسبوا، غالبوا على الدنيا، اعمروا الأرض، أشيدوا البنايات ولكن كل ذلك من أجل الله، من أجل بناء الروح، من أجل بناء الذات الإنسانية، من أجل القلب السليم، من أجل العقل الراقي، من أجل النفس الطاهرة. لا تسجنوا أنفسكم في زنزانة الحياة وانطلقوا إلى فسيح الآفاق للإيمان؛ آفاق الروح، آفاق الهدى، آفاق العقل، آفاق القلب، آفاق الخير، وفيوضات الله.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، ولوالدينا وأرحامنا وقراباتنا، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم. ربنا بصرنا أمر ديننا ودنيانا، ولقنا خير أولانا وأخرانا، وجنبنا شرهما، واجعل أيامنا وليالينا في طاعتك، وأنفاسنا في خدمة دينك وأهل ولايتك، وحياتنا معراجا إليك، وانتهي بنا إلى رضوانك.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2) كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4) كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6) ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ (7) ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8) }
الخطبة الثانية
الحمدلله بديع السماوات والأرض، بارئ النسمات، خالق مايُرى وما لايرى، مدبر الأمور، العالم بما في الدهور، الباعث لمن في القبور. حيٌّ لايموت، ودائم لايبيد.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم تسليما كثيرا كثيراً.
أوصيكم عباد الله ونفسي الأمّارة بالسوء بتقوى الله والرضا بما رضي لنا من دينه، والاستجابة إلى ما دعانا إليه من طاعته، وولايته وولاية أوليائه، والبراءة من أعدائه. فأولياء الله إلى نجاة، وأعداؤه إلى هلاك، وما اعتمد معتمد على الله فخاب، وما اتكل مُتكِلٌ على غيره ففاز.
ألا من كان طامعاً في الخير فليقصد الله، ومن كان حاذراً من الشر فليفرّ إلى الله. فلا خير يطلب بمعجزٍ لله، ولا شر يحذر يمكن أن يغلب قدرته.
اللهم اغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا جميعاً إنك أنت التواب الرحيم. اللهم أخرجنا من ولاية أعدائك إلى ولايتك وولاية أولائك، ومن طاعتهم إلى طاعتك، واجعل لواذنا بك، وثقتنا فيك، واعتمادنا عليك، ولجأنا إليك.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على عبدك المصطفى محمد الرسول الأمين، خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى علي أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصدّيقة الطاهرة المعصومة.
وعلى الأئمة الهادين المعصومين الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المنتظر القائم.
اللهم عجل فرج ولي أمرنا القائم المنتظر، وحفه بملائكتك المقربين، وأيده بروح القدس يارب العالمين، اللهم انصره نصراً عزيزا، وافتح له فتحاً مبيناً.
عبدك الموالي له، والممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين وفقهم لمراضيك، وسدد خطاهم على طريقك ياكريم.
أما بعد أيها الأعزاء من مؤمنين ومؤمنات فمعاً إلى هذه الكلمات:
أولاً: وعي وإنصاف:-
لقد وقف سماحة آية الله العظمى السيد السيستاني سدّاً دون اقتتال الأخوة من المسلمين من المذهبين الكريمين، ودون تمزق الأمة خدمة للإسلام والمسلمين.
وهذا مادعا قلم الصحافي جمال خاشقجي أن يُعجب بالموقف العظيم، ولقد كان في قلمه وعي وإنصاف.
ويسأل المرء لماذا تنصف رجالاتنا أقلام أجنبية كقلم توماس فريد مان، وتمنع روح الشتات والفرقة والعصبية في الأمة أن تنطق أقلام لنا بالإنصاف إذا كان الموقف العظيم من أهل مذهب آخر.
الموقف الكبير لسماحة السيد حفظه الله موقف تحتاجه الأمة، ويحتاجه الإسلام، وفيه رأب لصدع الأمة، ووأد للفتنة، ولمٌّ للشمل. وهو محاولة لإخراج هذه الأمة من حالة الشتات، وبه يُغاض أعداء الإسلام، ويُكبت أعداء السلام، وهو موقف يُقدِّم خدمة كبرى للإسلام الذي لايمكن أن يتقدم كثيرا إلا من خلال وحدة المسلمين.
موقف يربّي الأمة على حرمة الدماء والأعراض والأموال للمسلمين، ويُضحّي بالذات من أجل الآخر، ويُعلّم الدنيا درساً في التفوّق على ألم الجراحات، وفي التفوّق الإيماني على ضغط المأساة، ويعلّم الدنيا كيف أن المؤمن يستعلي على كل الأرضيات، وعلى كل الدنيويات ليرقى إلى أفق إيمانه فيكون مربّياً لهذه الدنيا على الخير والصلاح.
وكلام الصحافي السعودي جمال فيه تربية للأجيال على الموضوعية، وفيه شجاعة، وهو بادرة من بوادر الساحة الإسلامية التي تصلح أن تكون بداية انعطافة لصالح إنصاف الخطاب، وموضوعية الخطاب.
المواقف من مثل موقف السيد السيستاني حفظه الله والاقلام من مثل قلم جمال المذكور مواقف وأقلام تحتاجها الأمة أيما حاجة.
وسماحة آية الله العظمى السيد السيستاني في موقفه المشفق على الإسلام والمسلمين المترفِّع على روح التشفّي موقف يفهم الإسلام جيّداً، ويفهم معنى التشيّع لأهل البيت عليهم السلام فهما صحيحا، ويفهم مواقف أهل البيت عليهم السلام وهي مواقف مشفقة على الأمة، صبورة، مترفّعة، إيمانية، مضحّية، مؤثرة. وحين نفهم التشيع فهما دقيقا فإن فهم التشيع هذا الفهم يضعنا على طريق الصبر والمصابرة، والتضحية والإيثار، والشفقة على هذه الأمة، والتعقل والحكمة من دون أن نرتكب باطلاً وننسى متطلبات الحق، أو نتخلى عن نصرته، وندخل في خذلانه
ثانياً: بين الحقوق والأطماع:-
فرق بين الحق والطمع، بين المطالبة بالحقوق، والسعي وراء الأطماع. الحقوق – والكلام على المستوى الوضعي – مطالب يقرّها القانون في ذمة طرف لطرف آخر. والأطماع السياسية رغبات ومطالب تتجاوز حدود القانون بغض النظر عن كونه عادلاً أو ظالماً، وتستهدف احتلال مواقع الآخر ولو بالقوة.
وإذا اختلف الحق السياسي عن الطمع السياسي فلابد أن يختلف رد الفعل أمام المطالبة بالحق عن رد الفعل أمام السعي لتحقيق الطمع السياسي.
المطالبات القائمة في الساحة المتعلقة بالملفات المطروحة هي مطالب سياسية وليست من باب المطامع السياسية في شيء. وكأن الموقف الأخير للحكومة من الاعتصام الدستوري قد تفهّم للمسألة، وتعامل مع القضية التعامل مع المطالبة بالحق لا التعامل مع السعي لتحقيق الطمع السياسي.
وإن التعديلات الدستورية مطلب يدخل في باب الحقوق، ويؤكّده الميثاق، ويؤكّده الدستور أي دستور، وتؤكّده الأعراف السياسية، وكل ذلك بعد تأكيدات الدين الحنيف(7). وهو مطلب متفق عليه، ولم تبق جبهة من الجبهات التي تملك وزناً ملحوظا في الساحة إلا وهي تقف مع التعديلات الدستورية، وهذه التعديلات صارت تمثل ضرورة وطنية، والمسيرات والاعتصامات والأنشطة الأخرى السلميَّة ليست آليات تعديل في نفسها ولكنها مطالبات بالتعديل والفرق واضح، والخلط من بعض الوزارات أو الأقلام فيه مغالطة وتشويش إعلامي على الحقيقة.
الديموقراطية والدين:
– الدين رؤية كونية ومنهجة وتنظيم عام لكل مساحة الحياة وله طَرْحُهُ الخاصُّ في المسألة السياسية الذي يختلف عن الدكتاتورية وعن الديموقراطية بمفهومها الغربي.
– من الديموقراطية أن يُترك للشعوب أنت تختار نمط حياتها ونظامها السياسي وإن اختارت الإسلام أو غيره، الأمر الذي تتنكر له ديموقراطية أمريكا وأوروبا، ولا يمكن أن تلتزم به عملياً، وتقف في وجهه بكل قوة وصرامة وعنف وظلم واستبداد وعنجهية إذا جاء خيار الشعوب الإسلامية خياراً إسلامياً.
– ليس أمام الشعوب الإسلامية من ناحية عملية إلا أن ترحب بديموقراطية تعطيها الخيار الحر، وعليها من جهة أخرى أن تستجيب لأمر ربها باختيار الإسلام لا غيره، وأن لاتقبل الديموقراطية المشروطة بالنمط الغربي، وبقيمومة أمريكية أو أوربية، فبحسب الواقع أفضل طريق متاح للتغيير الآن هو الديموقراطية، وبحسب الواجب الشرعي لا خيار لمسلم في أن يختار على الإسلام شيئاً آخر.
– والديموقراطية شعار تستعمله أمريكا وأوربا غطاءً لإقامة واقع حضاري بديل عن الإسلام في بلاد المسلمين.
– والوعي الشبابي سلاح فاعل في إبطال اللعبة، وإفشال المخطط الأجنبي الماكر. والوعي لايأتي من فراغ، ولا من حاله حماس مجرَّدة، ولا التحاق نشط بالنشاط الإسلامي يفتقد الرؤية المركّزة والدرجة الكافية من الدراسة. الوعي يحتاج إلى فهم جيد لقيمة الإسلام وضرورته، وأصالته، وقدرته على الإنقاذ والتحرير وتوفير متطلبات الحياة العادلة الهانئة السعيدة، والتزامه بتحقيق كرامة الإنسان وحفظ مصلحته المستقبلية.
وهذا يحتاج إلى قراءة وإمعان ودرس وتدارس وحوارات ومطارحات، ويحتاج إلى معاهد وكليات وحوزات كفوءة وذات تخصصات كافية. وعلى العلماء والمؤسسات الإسلامية مسؤولية ثقيلة بالغة في هذا المجال كله.
اللهم صل وسلم على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين أحياءً وأمواتاً، ولوالدينا وأرحامنا وقراباتنا ومن أحسن إلينا من مؤمن ومؤمنة، ومسلم ومسلمة. اللهم نجنا والمؤمنين والمؤمنات أجمعين من مكروه الدنيا والآخرة، ولقنا خيرهما، واختم لنا بخير ختام، واجعل منقلبنا إلى رحمتك، ومأوانا جنتك، وسرورنا في رضوانك.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – ولا يساوى به
2 – والحديثان يلتقيان معنى فإنه لو عظمت الدنيا في نظر المصاب بها عظما كبيراً لما صبر على مصيبته، ويخف وزن المصيبة، وتستطيع النفس الصبر عليها بمقدار ما تخف الدنيا في النظر.
3 – قد يزهد الإنسان في الأمر العظيم لنقص في معرفته بقدره، وخطأ في النظر لشأنه، وقد يطمح في الشيء الزهيد لتوهم عظمته، وتخيّل رفعته.
4 – 20/ يوسف.
5 – بمعنى باعه اخوته.
6 – 20/ يوسف.
7 – في دعوتها إلى العدل ولإنصاف والاقتراب من هدى الشريعة.