خطبة الجمعة (197) 20 ربيع الأول 1426هـ – 29 ابريل 2005م
مواضيع الخطبة:
الزهد + يوم الوحدة الكبرى + مشاكل الداخل
إن لم نستطع أن نوحد صفوفنا ونكون أمة واحدة لا أقل من أدب الخطاب والكف عن لغة الشتم، وإيقاف نزيف الدم، والتعايش السلمي.
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي فتح لعباده أبواب الهداية، وسبل السلام، ومهّد لهم طريق الجنة، وحذّرهم من مسالك النيران.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم تسليما كثيرا.
أوصيكم عباد الله ونفسي الغافلة بتقوى الله والجد في طاعته والتجافي عن معصيته، والأخذ بمحبوبه، والفرار من مكروهه، فإنه لا أنفع لأحد من خلق الله من طاعته، ولا أضرّ له من معصيته، وكل ربح لمعصيتة موهوم، ومنتهٍ الى خسارة، وكل تعب في طاعته مخلوف على صاحبه ومثقّل لموازين ربحه وفوزه ونجاحه.
وإنما تطلب تقوى الله بمعرفته، وكلما تزيّنت النفس بالتقوى انفتحت لها أبواب جديدة من معرفة الله، وأكسبها تقواها أنواراً تزيد بها معرفتها، وما من عارف غير تقي، ولا تقيّ بحق غير عارف.
ربنا اغفر لناولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم. ربنا هب لنا معرفتك وتقواك، وتفضل علينا بلزوم طاعتك، والنأي عن معصيتك، والمجاهدة على طريق رضوانك، وصل وسلم على محمد وآل محمد وأدخلنا في زمرتهم، وأشملنا بكرامتك لهم يا أكرم الأكرمين، ويا أجود الأجودين.
أما بعد فهذه كلمة قصيرة عن الزهد:
1- الزهد ليس ضعفاً: والاسلام لا يحب الضعف، وهو دائما يدعو الى خلق القوة، ويرفض أخلاقية الضعف إلا إبداء ضعف أمام الله تبارك وتعالى، وفي الشعور بالضعف أمام الله مدد القوة، وفيه رفد النفس بأسباب النهوض والصحة.
أخلاقية الضعف مرفوضة إذ هدف الحياة أن تنبني هذه النفس، وأن تتصاعد وتتكامل وتقوى، وتتخرج من الحياة بأعلى درجة ممكنة من القوة والنور والكمال، فما يطفئ نور النفس، وما يبعد بها عن كمالها، وما يسقط من قواها الخيّرة كله مرفوض في الاسلام.
الآية الكريمة” لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم” والآية الأخرى ” لكيلا تأسوا على ما فاتكم…” .
وعن الصادق(ع): (( الزهد كله في كلمتين من القرآن: قال الله تعالى”” لكيلا تأسوا على ما فاتكم…” فمن لم ييأس من الماضي ولم يفرح بالآتي فهو الزاهد)).
وعن علي(ع): (( الزهد كلمة بني كلمتين من القرآن…)) والحديث في مضمونه يشبه الحديث عن الصادق(ع).
فالزهد حالة من القوة، وحالة من متانة النفس، وقدرتها على مواجهة خسائر الدنيا وأرباحها بموقف غير مهزوم. النفس الزاهدة لا تتأثر سلبا، ولا تنسى كمالها، ولا تنقطع عن ربها أمام مغريات الحياة وأمام مشكلاتها.
تأتي المشكلة على النفس الزاهدة فلا تحفر فيها، وتأتي النعمة الكبرى المبطرة من نعم الدنيا فلا تنال بضغطها من نفس الزاهد ما يعدل بها عن خط كمالها، وينسيها انشدادها الى الله تبارك وتعالى.
قل: نفس الزاهد هي أكبر في وزنها، وأغنى في مشاعرها، وأقنعبما هي عليه من كمال، وأشد من أن تميل ومن أن تضعف امام أي ظرف من ظروف الحياة الدنيا.
يخسر الانسان المؤمن ما يخسر من الدنيا فلا تشده خسائر الدنيا الى مأساتها، ولا تدخل في نفسه بالمأساة ذلك أنه يجد غنى أكبر من خسارته فيما يربطه بالله تبارك وتعالى.
وتأتي الأفراح فتستخف النفوس، تأتي مناسبات النصر، ومناسبات المال والموقع، ومناسبات أخرى من مناسبات تفقد أنفس كثيرة أمامها وزنها، ويبقى الانسان المؤمن على وزنه الثقيل من غير أن تشغله الدنيا عن وظيفته الأصل، وعن دوره الكبير في هذه الحياة ألا وهو يصعد دائما في اتجاه الله تبارك وتعالى.
2- الزهد ليس حرمانا:
تقول الكلمة عن الرسول صلى الله عليه وآله(( الزهد ليس بتحريم الحلال- بأن تحرم الحلال على نفسك، بأن تعذب نفسك، بأن تقسو عليها القسوة التي تحطّ قواها الناهضة بوظيفتك في الحياة- ولكن أن يكون- أي العبد المؤمن – بما في يد الله أوثق منه لما في يديه)).
حالة شعور إيجابي، وشعور بالقوة، وشعور بالغنى الدائم غير المنقطع، ثقة في الله تبارك وتعالى يفوق الشعور بالغنى في ظلها الشعوربالغنى من خلال الأرصدة المادية الضخمة، ومن خلال نعم الدنيا الغزيرة.
إذا كانت نعم الدنيا الغزيرة، والأرصدة الضخمة تشعر بعض الناس بالغنى، وبشيء من الطمأنينة ورضى في نفس المؤمن. وهو يغنى دائما بالشعور بالقوة، ويغني بالشعور بالثقة بالله تبارك وتعالى.
وليس يراد للمسلم- كما سبق- أن يعذب جسده، أو أن يعمل على نحولة ونحافة بنيته بحيث تقعد به عن وظائف الحياة.
وفي الكلمة عن الصادق عليه السلام(( ليس الزهد في الدنيا بإضاعة المال- وإضاعة المال مما تعنيه ان تضيع الفرص المالية الحلال التي تبني حياتك وحياة أسرتك وحياة مجتمعك. والمجتمع الذي يضيع الفرص المادية ليضعف أمام مجتمعات الكفر مجتمع ليس مضيعا لماله فقط وإنما هو مضيع لدينه كذلك- ولا بتحريم الحلال- سواء في المأكل والمشرب أو الملبس أو الحصول على المال- بل الزهد في الدنيا أن لا تكون بما في يدك أوثق منك بما في يد الله عزّ وجل)).
الزهد المطلوب منك هو أن ترى الله اكبر من الدنيا، وأن تغنى بوعد الله أكثر مما تغنى بالمال الفعلي في يدك.
وأن تجد نفسك فضلا عن ربك بما أنها موصولة بالله، منشدة اليه، راغبة فيه، تسلك الخط إليه أعظم من الدنيا وأكبر.
المؤمن الذي يشعر أنّ قصور الآخرين وحقولهم ومصانعهم أكبر منه لا يغني حقيقة الإيمان أن المؤمن وهو يألم من فقره ليعتز بذاته أكثر بكثير مما في أيدي كل الناس حتى أن كل ما في ايدي الناس لا يمكن أن يشتريه.
3- الزهد مراتب:
(( سئل الصادق(ع) عن الزاهد في الدنيا، قال الذي يترك حلالها مخافة حسابه ويترك حرامها مخافة عذابه)) وليس ترك الحلال هنا تركه بالمطلق، ترك التزيد في الحلال اذا كان استجماع الحلال لا لوجه راجح، واستغراق الانسان في طلب الحلال ناسيا دينه، ناسيا أسرته، ناسيا وظائفه الاجتماعية هذا هو المزهود.
والاستغراق في التقلب في الحلال مأكلا ومشربا وملبسا، يكشف عن شيء، يكشف عن أن هذه النفس تطلب معناها من خلال كثرة المأكل والمشرب والملبس والمسكن.
النفس التي يشغلها المسكن والمأكل والمشرب فيكون أكثر ما يستلفت نظرها في هذه الحياة لتعطيه المال والوقت والتفكير ناسية ما عليها من وظائف الاجتماع، ومن حق الرسالة نفس كبرت فيها الدنيا، وما تكبر الدنيا في نفس إلا وهي صغيرة، والنفس التي تكبر بهدى من الله وبثقة من الله لا يمكن أن تكبر في داخلها الدنيا.
وفي كلمة عن أميرالمؤمنين(ع) (( الزاهد في الدنيا من لم يغلب الحرام في صبره)) الحرام قد يتزين، ويزيد في زينته الشيطان، وهو على هذه الحال كثيرا ما يأسر نفوسا قد تكون في ظاهرها كبيرة، فينكشف أنها غير صبورة، والنفس الزاهدة هي التي يغلب صبرها الحرام، يعني أن الدنيا ليست في مذاقها في النفس المؤمنة كما هي على مذاق كبير، وعلى حلاوة شديدة في نفس غير المؤمن. لئن حلت الدنيا في نفس المؤمن فإن له من زاده من الايمان، وإن له من صلته بالله ما يفوق في حلاوته، وما يفوق في لذته ونعمته كل لذائذ ونعم الدنيا.
فالمؤمن كيف لا يصبر عن الحرام، وهناك في نفسه شاغل من لذة، وشاغل من متعة أكبر مما يتحدث عنها الحرام.
(( الزاهد في الدنيا من لم يغلب الحرام صبره، ولم يشغل الحلال شكره)) لا يكن الحلال محطتك النهائية في هذه الحياة، ولا يكن ملفت نظرك النهائي، ولا يكن كل انشدادك الى لقمة وكسوة، فليكن انشدادك لله، وليكن طلبك للمعاني التي عرج إليها أنبياء الله ورسله وأولياؤه صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. ما اللقمة، ما الكسوة، ما المسكن إلا وسيلة ، وحين تتحول في حياة أحدنا الى هدف يكون قد ضيع، ضيع ماذا؟ ضيع أغلى ما عنده، عمره، والفرصة الكبيرة في وجوده التي ترسم مستقبله الابدي، وتحدد مصيره الكبير.
4- زهد يحتاج الى تفسير:
عن الصادق(ع)(( الزاهد الذي يختار الآخرة على الدنيا، والذل على العز، والجهد على الراحة، والجوع على الشبع، وعاقبة الأجل على محبة العاجل، والذكر على الغفلة، ويكون نفسه في الدنيا وقلبه في الآخرة))
الزاهد من اختار الذل على العز لكن أي ذل وأي عز؟ الذل الذي هو عز في باطنه، والعز الذي هو ذل في حقيقته. ذل من أجل الله، ذل حبس، ذل طرد، ذل كلمات مهينة من ظالم، لعز في النفس، عز في الدين، استمساك بالهدى، حرص على العلاقة بالله، هذا ظاهره تقديم ذل على عز، أما في باطنه فهو تقديم عز على ذل.
من يقيس لك أنك ذليل أو عزيز قياسا لا ظلم ولا خطأ فيه؟ العبيد أم السيد؟ الخالق أم المخلوقين؟ الخالق يقول لك أنك في تقديمك عز الدنيا على عز الآخرة، والعز عند العبيد على العز عند الله تعيش نفسا ذليلة، نفسا جاهلة، نفسا خاطئة، وإن تقدم العز عند الله على العز عند العبيد فهذا هو العز حقاً.
الله صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم. اللهم اجعلنا وإياهم ممن استغنى بك عمن سواك، ومنعه رجاء ما عندك عن النظر الى ما في أيدي الناس، وشغله ذكر الآخرة وهمها عن ذكر الدنيا وهمها، ووفقته لطاعتك، ونجيته من معصيتك، وعزف عن حرامك، واكتفى بما ينفعه من حلالك يارحيم ياكريم.
بسم الله الرحمن الرحيم
” ويل لكل همزة لمزة* الذي جمع مالاً وعدده* يحسب أن ماله أخلده* كلا لينبذنّ في الحطمة* وما ادراك ما الحطمة* نار الله الموقدة* التي تطلع على الأفئدة* إنها عليهم مؤصدة* في عمد ممددة
الخطبة الثانية
الحمد لله العزيز الحكيم، القويّ المتين، مجزل الثواب، شديد العقاب. لايظلم أحداً عملاً، ولايجازي بالسيئة إلا مثلها. مضاعفُ الحسنات، كثير الخيرات، جواد كريم.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وزادهم تحية وبركة وسلاماً.
أوصيكم عباد الله ونفسي الخطّاءة بتقوى الله والرجوع فيما نفعل ونقول، وما نأخذ ونترك، وما نريد وما لا نريد إلى تعاليم دينه، وأحكام شريعته، وهدى رسله وأوليائه، فقد كثُر من المعتقدين بالدين من لايرجع في قوله وعمله إلى فقه، ولا يشعر بالحاجة إلى مراجعة الشريعة حتّى عظم الخطأ، وعمّت المعصية ممن يرى نفسه على طريق الدِّين، وأنه على إساءته وذنبه محسنٌ عملاً، ولن يشفع لأحد جهله بأحكام الشريعة، وقد فُتِح له باب العلم، ويُسِّرت له سبل المعرفة بها.
أعاذنا الله وإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين من الركون إلى الجهل، والمُضيّ في الضلالة والغي، وغفر الله لنا ولهم وتاب علينا جميعاً إنه هو التواب الرحيم.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد الصادق الأمين، وعلى عليّ أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصدّيقة المعصومة.
وعلى الأئمة الهادين المعصومين حججك على عبادك الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم.
اللهم عجل فرج ولي أمرنا محمد بن الحسن المنتظر القائم، وحفّه بملائكتك المقربين، وأيّده بروح القدس يارب العالمين. اللهم انصره نصرا عزيزا، وافتح له فتحا مبينا.
الموالي له، الممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين وفقهم لمراضيك، وسدد خطاهم.
أما بعد فهذه بعض كلمات:
يوم الوحدة الكبرى:
1. وهو يوم المولدين الكريمين؛ مولد رسول الله خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وحفيده الصادق.
يومٌ لو تمسّكنا بمعانيه، والتزمنا هداه لما كانت ضلالة ولا فرقة، ولما كان تبعثر وشتات، وكان الهدى، وكانت الوحدة على طريق الله تبارك وتعالى.
2. ولاوحدة في الحقيقة بغير دين قويم بفهم قويم. الدنيا كلها لاتجد فيها الآن وحدة حقيقية، تجمع القلوب، وتجمع الجهود على طريق الخير، وعلى الطريق الذي يبني الإنسان ويكسبه حياته، ويوفّر له سعادة هذه الدنيا وسعادة الآخرة.
الأمم الأخرى والدول الأخرى إنما تضبطها قوانين حديدية، وفيها كثير من الاختلاف وكل بلد تحكمه الجاهلية إنما يرقد على بركان يمكن أن ينفجر في أي لحظة من اللحظات ليبعثر الأمة، ويبعثر الدولة، ويبعثر الأقطار والشعوب.
والدين القويم يحتاج إلى فهم قويم. الإسلام دين قويم، ولكن حين ينحرف بالإسلام فهم الإسلاميين تكون مصيبة، والفهم القويم للدين لايكون من غير مرجعية كفوؤة مأمونة.
مقاتل متدرب على السلاح لايكاد يعرف من الإسلام شيئا يكون هو المرجعية، ومن هنا تكون كارثة، والمرجعية الكفوؤة المأمونة في أعلى درجاتها إنما هي في الإثني عشر صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وكلما قربت المرجعية إلى مواصفات المعصوم كان في الأخذ بها الأمن والنجاح.
3. ثم أنه لا أغنى من هذه الأمة في مقوّمات الوحدة، ولا أكثر تمزّقا منها، ولا أشدّ غابيَّة من بعض فئاتها. ذلك لبعد عن دين الله، ولسوء فهم لدين الله.
4. وللوحدة ركائز منها:
ركيزة العقيدة الواحدة: وهذه الأمة أمة التوحيد، والمفروض أنها تتبع رسولاً واحدا، وكتابا واحداً، وسنة نبي واحد صلى الله عليه وآله وسلم، وفي ذلك ما يكفي لحفظ وحدتها، ولتقديمها نموذجا رائعا على خط الوحدة في هذه الدنيا المقفرة.
ثم إن هناك أسباباً موضوعية تُحتّم على هذه الأمة أن تجتمع كلمتها ولو بالمقدار الذي يحافظ على مصالحها في الدنيا، ولايجعلها نهباً للأمم الأخرى.
أ- الحاضر والمصير المشترك بخيره وشرّه: أراد السنة والشيعة هذا أو لم يريدوه فإن حاضرهم ومصيرهم واحد من ناحية مايطرأ على هذه الأمة من خير وشر. إن تكن فتنة فهي فتنة للجميع، وإن يكن وئام فهو مريح للجميع، وفرصة نموّ وتكامل للجميع. إن يكن خير فسيعم، وإن يكن شرّ فقهرا سيعم.
مثل هذا النظر الموضوعي لابد أن يوحي بشعور الوحدة، ولابد أن يدفع في اتجاه الوحدة لو كنا على وعي.
ب- توحد الجبهة المعارضة: أعداء هذه الأمة من خارجها لايستهدفون الشيعة دون السنة، ولا السنة دون الشيعة، وكلما كانت جبهة معادية واحدة كلما كان من شأنها أن توحّد المستهدف، والمستهدف هو الأمة بكاملها ومن عدو شرس، وعدو قادر، وعدو خبيث فكيف لاتتوحد هذه الأمة في ظل هذه المعادلة المهلكة؟!
ج- أنت لماذا تحاربني؟ لتقضي علي؟ أنا لماذا أحاربك؟ لأقضي عليك؟ ايئس من أن تقضي علي، ولأكن يائسا أنا أيضا من أن أكون قادرا على القضاء عليك. هذا اليأس المشترك من القضاء على المقابل لابدّ أن يزهد في المقاتلة. لو نسينا كل مقومات وحدتنا، ونسينا ما يوجبه علينا ديننا، وتحوّلنا كلنا إلى أشرار فلنحسب حسابنا بأنك لست قادرا على أن تقضي علي ، ولست قادرا على أن أقضي عليك ، وقد بلغ الكل من التجذّر والقوة والقدرة على الإضرار بالآخر بدرجة كافية.
من شأن هذا الواقع أن يدفع الجميع إلى التراضي، إلى التصالح، إلى الوحدة بالمقدار الضروري على الأقل.
د- ألسنا نجمع بحسب مذاهبنا – إلا أن يكون هناك مذهب لايعرف القرآن ولا يعرف السنة – على صيانة دم المسلم وعرضه وماله، ويكفي في ذلك أن ينطق الشخص بالشهادتين من دون أن يظهر منه ما ينقض إسلامه!!
5. إلى متى ولماذا الجدار السميك العازل؟
أ- أما لماذا فلفهم سيء من بعض كل مذهب لمذهبهم. هناك سنّة لايعرفون مقتضى مذهبهم، وهناك شيعة لايعرفون مقتضى مذهبهم، هؤلاء لايعرفون حرص مذهبهم على وحدة المسلمين، وأولئك لايعرفون حرص مذهبهم على وحدة المسلمين.
ب- يُضاف إلى ذلك التربية المتعصبة: من عالم جاهل، ومن عجوز على سذاجة، ومن فئات ضالّة.
ج- المصالح المرتبطة بالإثارات المذهبية: لزعيم شعبي، أو لعالم أو لغيرهما.
د- ضعف الفهم السياسي: وإننا لانعرف ماذا يريد بنا عدوّنا، وماذا يكيد لنا عدوّنا.
ه- المواقف السياسية غير العادلة لبعض الحكومات التي تكون شعوبها من أكثر من مذهب. هذه المواقف السياسية غير العادلة تستثير المظلوم على المدلّل. إذا كان أتباع مذهب يدلّلون، وأتباع مذهب آخر يُظلمون فهذا الواقع بنفسه يستثير أهل مذهب على مذهب وإن كان ليس لهم شأن في ذلك.
و- سياسة التحريض التي قد تحتاجها بعض الحكومات، التحريض الإعلامي والتحريض المكشوف وغير المكشوف و التخويف، والترعيب.
ز- كون الأمة محكومة لأعدائها الأجانب مما يسهل عليهم إحداث الفرقة وتحذيرها.
ح- عدم أخذ الوحدويين الأمر على محمل الجد إلى الحد المطلوب.
ط- التمزق السياسي الرسمي للأمة المؤدي إلى تمزق اقتصادي، واجتماعي، وسياسي في الشعوب.
هناك تمزّقات مذهبية وتمزّقات قومية فعلية، والتمزق المذهبي غير أصل المذهبية، والتمزق القومي غير أصل القومية. هناك تمزّقات مذهبية، وتمزقات اجتماعية، وتمزقات قومية مبعثها التعددية السياسية في الدول.
6. المسؤولية الأشد تقع على عاتق العلماء المعتدلين، والتصحيح يجب أن يبدأ منهم.
7. تقدم بعض اقتراحات خفيفة في هذا الشأن منها: زيارات العلماء لبعضهم البعض، وكذلك الرموز السياسية من مختلف الطوائف – ندوات ومواسم ثقافية – مؤسسات اجتماعية وثقافية ومالية مشتركة – ونداءات موحدة.
8. إذا لم نستطع أن نوحد صفوفنا ونكون أمة واحدة لا أقل من أدب الخطاب والكف عن لغة الشتم، وإيقاف نزيف الدم، وتعايش سلمي.
والمواجهة السريعة للحالة المتدهورة كما تقدم في أسبوع سابق تتطلب إنكار أهل كل مذهب على أهل مذهبهم منكرَهم وبشاعاتهم، وفتاوى محرِّمة بحق الإرهاب تخرج من أهل كل مذهب لتخاطب أهل مذهبهم.
هناك فتاوى صدرت في الحالة السعودية، فلماذا لاتصدر فتاوى في الحالة الباكستانية؟ وفي الحالة الأفغانية؟ وفي الحالة العراقية؟
علماء السعودية حينما أفتوا – وجزاهم الله خيرا – بتحريم الإرهاب لماذا تأخروا في فتاواهم إلى أن يصل الإرهاب إلى السعودية؟ ألم يكن إرهاب في باكستان؟ سواء من الشيعة أو السنة، أولم يكن إرهاب في أفغانستان؟ ينبغي للعلماء من كلا المذهبين أن تصدر منهم الفتاوى الجريئة المحرّمة للإرهاب المذهبي.
مشاكل الداخل:
1. مشاكل من مشاكل الدين ومشاكل الدنيا تؤرّق عين المواطن وتقض مضجعه…. حلّها ليس في السكوت… وليس في تأجيج الصراعات بين الفئات ولا بين الشعب والدولة، وإضرام نار محرقة.
2. لابد من مطالبة، ولابد من الإصرار على المطالبة، ولن يسكت مغبون ما استطاع على غبنه، ولايحل له أن يرحِّب بظلمه.
3. وينبغي أن لاتدفع مشاكل الداخل المواطنين إلى ارتباطات سياسية مع أي من دول الخارج، بَعُد هذا البلد أو قرب.
وإنني واحد من كثير ممن يصرّون على أن مشكلات الداخل يُطلب حلّها من الداخل، وأمّا مخاطبة المنظمات الحقوقية العربية والإسلامية العامة والعالمية فهو أمر مفتوح الباب حسب المتعارف العالمي.
4. وأشدِّد على أنه كما ندين بكل قوة أي ارتباط سياسي على حساب أمن وطننا ووحدته ومصالحه بأي بلد آخر بعُد أو قرب، ندين بكل شدة كذلك أي همز ولمز وكلمات مشبوهة تُثار في السر أو العلن لتمس بعض الشخصيات أو الفئات من هذا الشعب بتهمة باطلة من هذا النوع لمصادرة المطالبة بالحقوق، ومن أجل إسكات الصوت الحر المتظلّم، ولابد من المصارحة الكافية في هذا المجال والتي تكشف الغطاء عن كل شيء، وتُجلّي الأمر بتمامه. إذا كانت عندك تهمة لأي شخصية، إذا كانت عندك مستندات لتهمتك لأي شخصية، ولأي فئة بالارتباط السياسي المشبوه بالخارج فقدّمها.
5. وأما ارتباط هذا الشعب كسائر شعوب الأمة بقضايا دينه وأمّته وتفاعله معها، وتلقّي فتاواه الدينية من مراجعه المعترف بهم فأمر غير قابل للمساومة، وهذا يختلف عن تصدير المشاكل أو استيرادها الأمر الذي لانوافق عليه على الإطلاق.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم اجمع كلمة المؤمنين على التقوى ووحد صفوف المسلمين، واجعل الموحدين يداً واحدة على رؤوس الضلالة في الأرض، ومنابع الفتنة، وجند الشيطان الرجيم. اللهم غير سوء حالنا بحسن حالك، وأنقذنا من كل شر يا من بيده الأمر كله وهو على كل شيء قدير.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}