خطبة الجمعة (161) 13 جمادى الأولى 1425هـ – 2 يوليو 2004م
مواضيع الخطبة:
حضارة الإسلام (13) + مصدر صاف + الأوقاف والمساجد + الأمن العربي في غزة من أجل من؟
الأوقاف لن يصلحها شيء كما تصلحها الاستقلالية التامة، وهذا ما يتّسق مع الحكم الشرعي، ومنطلق الوقفي عند المكلّفين، وكل طرح آخر لا يفي بمقتضى الحكم الشرعي ولا يلبّي ما كانت عليه نية الواقف.
الخطبة الأولى
الحمد لله المبدئ المعيد، الغفور الودود، ذي العرش المجيد، الفعَّال لما يريد، القاهر الذي لا يُقهر، الغالب الذي لا يُغلب. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وزادهم جميعاً بركة ورحمة وسلاماً.
أوصيكم عباد الله ونفسي الخطّاءة بتقوى الله، والوفاء بعهده، والتصديق بوعده، والخوف من وعيده؛ فليس قبل عهد الله عهد، ولا حرمة لعهد إلا من حرمته، والوفاء بعهد يخالفه خيانة، والأمانة الناقضة له ليست بأمانة. وما من وعد وراءه ما يجعله وعداً صدقاً، وقولاً حقّاً كما هو وعد الله العليّ القدير، اللطيف الخبير، العدل المحسن الحكيم.
ووعيد الله لا يردُّه رادٌّ، ولا يقاومه مقاوم، ولا تُخلِّص منه وسيلة، ولا تدفعه حيلة إلا أن يؤوب العبد إلى ربّه خاضعاً ذليلاً، ويتوبَ إليه مستكيناً مستقيلاً.
اللهم أعذنا وإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين من كل ما يُبعِّد عنك، ويجلب غضبك، ويحرم من عفوك وغفرك ورحمتك، وصلّ وسلم على محمد وآل محمد وجميع أنبيائك ورسلك وملائكتك وأوليائك يا أكرم الأكرمين، ويا أرحم الراحمين.
أما بعد فهذه متابعة للحديث في الموضوع السالف الذكر “حضارتان: حضارة الطين وحضارة الإنسان”:
كان الكلام عن حقيقة الإنسان في ضوء الآية الكريمة:{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء} {إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِن طِينٍ (71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ}(1).
والإنسان حسب الآية نفخة من روح الله في جسد من قبضة من طين، ولا يشتبه على الناظر أن إسجاد الملائكة له بأمر الله التكريم فيه راجع إلى جنبة الروح… إلى إيمانها وعلمها وأشواقها الإلهية، وأهليتها للدور الخلافي عن الله عز وجل في الأرض، وبما لهذه الروح من خلاّقية وإبداع وحكمة وإعمار وعدل وإحسان كلّه يُفاض على الإنسان متدفّقا من ربّه الكريم.
وأما جنبة البدن الراجعة إلى قبضة الطين فهي مرجع الامتحان في الأمر بالسجود الذي انصاع إليه الملائكة، وواجهه إبليس بروح جاهلية تملّكها الاستكبار قال {قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ}.
وهذه الجنبة نفسها بما يتصل بها من دوافع ورغائب وشهوات ونزوات وطيش وانزلاق كانت الخلفية وراء تساؤل الملائكة بشأن خلافة آدم عليه السلام {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} وذلك في غيبة الالتفات إلى أهلية آدم عليه السلام للتكريم من خلال نفخة الروح وخصائصها المتميزة.
وقد احتاج الملائكة إلى درس إلهي تعلّق بتعليم الأسماء كلّها لآدم عليه السلام مما عالج خلفية تساؤلهم. وما تعلّم به آدم الأسماء إنما هو نفخة الروح الذاكرة المشرقة الملهمة الواعية، وليس قبضة الطين المعتمة المنغلقة الجامدة.
فهذا هو الإنسان باني الحضارة على الأرض معناه الكبير قرآنا في روحه الإنسانية المتميزة، وليس في كتلته المادية، ووجوده الطيني، وبشرته البارزة.
وفي التصور الآخر المقابل الجاهل؛ قُردٌ متطور تطورا لا يخرج به عن ضرورات القرد وحاجاته ورغائبه، ولا يخرج بمشكلاته ومعاناته عن معاناته ومشاكله، والعقل وأي طاقة أخرى عند الإنسان وسيلة متقدمة تخدم الضرورات والشهوات والنزوات التي يستوي فيها هو وإخوانه وأجداده القرود.
الإنسان هدفا: {إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ …}
الله عز وجل أفاض على هذا الإنسان الوجود برحمة منه لا لتتوقف رحمة الله عن هذا المخلوق، ولا ليشقيه إنما ليواصل رحمته به وإفاضاته عليه. الله عز وجل لم يخلق الإنسان للشقاء، إنما خلقه للسعادة، لأن يكتمل في ذاته بدرجة أكبر، لأن يصل إلى القرب الإلهي الذي لا يجد في ظلّه شيئا من الشقاء.
ما طريق الرحمة لهذا الإنسان في ذاته الإنسانية؟ تقول الآية الأخرى{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}.
المخلوق له الإنسان هو الرحمة به، هو أن تتواصل فيوضات الله تبارك وتعالى عليه، أما العبادة فطريق الاستحقاق، طريق التأهيل {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}.
هذه العبادة ماذا تفعل؟ {اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ …}.
يخرجهم من الظلمات إلى النور بمنهجه الحكيم الدقيق الرصين، الذي يعلم من الإنسان كلّ ذرة، ويعلم منه كل خلجة وكل خاطرة. يعلم منه كل قواه، وكل ما فيه من ضعف، وكل ما يعتريه من نسيان، وكل ما يعتريه من خطأ، ويعلم منه كل ما يعالج أمره، كل ما يضره وكلما ما ينفعه، ويعلم بمحيطه الضيق، وبمحيطه الكوني الوسيع في كل ذرة من ذراته، وفي كل جنبة من جنباته، وفي كل تأثير من تأثيراته.
وعلى طريق هذا المنهج تقول الآية الكريمة:{هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ}.
الآيات الكريمة تُركّز على هدف الخلق للإنسان والتربية الإلهية المتجهة به إلى ذلك الهدف.
والهدف هو الرحمة بالإنسان، وتدفق الفيض الإلهي عليه، وهو فيض أول ما يتعلق بالذات الإنسانية للإنسان بما يقوِّمها من عقل متطلع إلى الحق، باحث عن مصدر الوجود والحياة والنور والجمال، ومن قلب لا يعطيه الطمأنينة غير الإيمان، وروح لا تسعد إلا بمعرفة الله وعبادته والانشداد إليه.
وتعلّقه بحاجات الإنسان الخارجية إنما هو من أجل كمال الإنسان في نفسه لكون الرحمة بهذا الكمال هدفا لخلق الإنسان، وإلا فقضاء حاجة الأكل والشرب وما ماثلهما من حاجات الخارج للإنسان لا تكون غاية من خلقه وهي حاجات بدن لا يمثل حقيقة الإنسان؛ إذ أنّ البدن المشار إليه في الآية الكريمة بالبشر مخلوق من طين.
والطين لا يستمد الإنسان إشراقته وسموّه منه، وإنما يستمد ذلك من نفخة الروح، والروح هي التي تزداد سموا وتقبل الخلود، وتترقى في سيرها تجاه الله سبحانه وتعالى.
والبدن بعد اشتداده ينحدر وينهك، وتنهد قواه وتتبعثر بنيته، وتتشتت ذراته.
ويحتفظ المضمون الروحي عند الإنسان بما تحقق له من نضج ورشد وتبلور مع كل تحولات البدن، ويبقى الإنسان يعرف ثبات ذاته الإنسانية، ووحدة شخصيته العائدة للروح في كل أدوار حياته حتى لو تلف من البدن ما تلف، ورضاه عن هذه الذات لو وجدها نقية مشعة عارفة مهتدية، واعتزازه بها لا يتأثر بما يعانيه من نقص في بدنه.
تبقى أنت الكريم في ذاتك، الحقيق بالعزة في نفسك، المحترم في تقييمك، الأكبر من المادة السامقة التي تعظمك وتكبرك حين تجد من نفسك الروح المشعة، حين تجد من نفسك النية الصالحة، حين تجد من نفسك التطلّعات الخيرة، حين تجد من نفسك روحاً لا تعطي إلا الخير، وتتأبّى أبداً أن يصدر عنها شر.
هل أنا بدن؟ هل أنا روح؟ لي وجدان يميّز أني لست بدنا خالصاً، ولست روحا خالصة في هذا الوجود، ولكني في معناي الذي يمكن أن يكون محترما، في معناي الذي يمكن أن يكون أكبر من الجبال الشوامخ، ويمكن أن يكون مستحقا لأن تسخّر له السماوات والأرض، لست هذا اللحم والدم والعصب، إنما أنا روح إذا كانت تلك الروح موصولة بالله.
هذا الإنسان الكريم هو الروح إذا كانت تلك الروح موصولة بالله، هو القلب إذا كان ذلك القلب عارفا بالله، هو القلب إذا كان ذلك القلب ذاكرا لله.
وليس خفيا أن نعرف من أنفسنا الإثنينية الواضحة بالوجدان، فمن ضعف في بدنه بعد قوته، بينما زاد في عقله، وطُهرِ روحه، ونقاء سريرته، ومعرفته بالهدى وتمسّكه به، وبغضه للباطل، وانشداده للفضيلة، ونفوره من الرذيلة، وتم استيقانه بربّه، وكل الحق من عنده تراه يعرف من نفسه ذلك الضعف، وهذه القوة، وأن مركز ضعفه مباين لمركز قوته، وأنه لا يهون في نفسه بذلك الضعف، ما دام يجد من نفسه الإنسان القوي في إنسانيته.
وكذلك من عرضته القوة في البدن بعد الضعف، والوهن في الجانب الروحي بعد القوة لا يخفى عليه ما جدّ له في هذا وذاك، وأن ما قوي منه غير ما ضعف، وما ضعف غير ما قوي.
والتركيز على إنسانية الإنسان في حضارة القرآن من دون إهمال لشؤون البدن للتأثير المتبادل، ولمصلحة الإنسان وراحته في الدنيا إلى جانب الآخرة لا تجده في حضارة المادة التي لا تركيز لها إلا على حاجات البدن، وحجم المادة في الخارج وما يرتبط بأمر الدنيا {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ ..}.(2)
{وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ … }.
كتلة من لحم ودم وعصب وعضل ومجموعة أجهزة مادية تمرّ أياماً، شهورا، سنوات بهذه الحياة، بهذا الوسط المادي لتتلف فيه، وتذوب في ذراته، وينتهي كل شيء اسمه الإنسان.
هذه هي نظرة الحضارة المادية، وليس شيء عندها في هذا الإنسان وراء ذلك.
اللهم صل وسلم على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، ولوالدينا وأرحامنا وجيراننا وأصدقائنا ومن أحسن إلينا من كل مؤمن ومؤمنة، ومسلم ومسلمة.
اللهم إنا نعوذ بك من هوى النفس الأمارة بالسوء، ووسوسة الشيطان الرجيم، وأن تكلنا إلى شيء من خلقك، وأن تحرمنا توفيقك، وتسلمنا إلى خذلانك يا من إليه اللجأ، وعنده المهرب، وعليه المعتمد يالله يا قوي يا شديد، يا الله يا كريم يا رحيم.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)}
الخطبة الثانية
الحمد لله كما هو أهله. نحمده حمداً يرضاه ولا يحقُّ لأحد عداه، ولا يبلُغُه حمدٌ سواه.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم تسليما كثيرا.
عباد الله فلنتق الله، فقد حقَّ لله أن يُتّقى وهو الخالق الرازق المدبِّر المالك للأمر كله، الغنيُّ عن كلِّ شيء، والذي لا يستغني عنه شيء.
عباد الله فلنحذر يوم المعاد كما حذّر، ولنعدّ له كما أمر، ولنضرع إليه سبحانه طلباً للمغفرة فنعم من يغفر، ويستر، ويُفضِل، ويشكر.
اللهم اغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وارزقنا طمأنينة الإيمان، وسكينة الأمان، وسجيَّة الإحسان.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على عبدك ورسولك محمد بن عبدالله صلى الله عليه وآله وسلم، وصل وسلم على عليّ أمير المؤمنين، وصل وسلم على فاطمة الزهراء التقية النقية، وصل وسلم على الإمامين الزكيين الحسن والحسين، وعلى علي بن الحسين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، والقائم محمد بن الحسن المهدي، وعجّل فرج وليّك القائم المنتظر، وانصره نصراً عزيزاً، ومكّن له في الأرض طويلاً.
عبدك الموالي للإمام المنتظر، والممهد لدولته، والفقهاء العدول، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين وفقهم لمراضيك، وسدد خطاهم، وبلّغهم مناهم مما يرضيك.
أما بعد فإلى القضايا التالية:-
مصدر صاف:
فاطمة عليها السلام مصدر صافٍ للدين والخلق القويم، منه تُسترفد عناصر الشخصية الإنسانية الإيمانية الراقية، وعلى ضوء شخصيتها صلوات الله وسلامه عليها تستطيع أن تُخرّج الأجيال الشخصية الإنسانية الناجحة على مستوى الرجل والمرأة.
فيا أيتها الفتاة والمرأة المسلمة كوني من فاطمة:-
إيمانا وعلما، عفّة ونزاهة، إنسانية غزيرة، ثقة كبيرة، عبادة واعية، جرأة في الحق، دورا جهاديا، فهما سياسيا، موقفا بطوليا، بصيرة بالواقع والمستقبل، خلقا كريما، تعاملا اجتماعيا مخلصا، روحية عالية، ترفّعا على الترفيات، سباقا على المعرفة، نأياً عن الشبهات، زوجية صالحة، إعدادا لجيل الإيمان والعلم والعزة والشموخ.
الأوقاف والمساجد:
1. نعود للمطالبة بالاستقلالية التَّامَّة للأوقاف مع تقبّلنا التامّ بدور رقابي من الحكومة على حركة مال هذا المرفق.
وفي تقديري أن الأوقاف لن يصلحها شيء كما تصلحها الاستقلالية التامة، وهذا ما يتّسق مع الحكم الشرعي، ومنطلق الوقف عند المكلّفين، وكل طرح آخر لا يفي بمقتضى الحكم الشرعي ولا يلبّي ما كانت عليه نية الواقف.
وكفى لضرورة الحديث عن الأوقاف ومساءلة الأوقاف الكمّ الهائل مما نشر من مخالفات شرعية وتصرفات غير منسجمة مع الحكم الشرعي في الوقف، وإذا كان كل ما نشر – والكثير منه موثّق – مكذوبا على الأوقاف فلابد لها من الردّ الواضح الذي يكشف زيف ما نُشر، وإلا ثبت في نفس الناس وكانت الإدانة قائمة.
على أننا لا نريد أن ندين الأوقاف، وليس لنا مطلب في ذلك، ولا حاجة لتثبيت مطلب الاستقلالية في ذلك فإن مطلب الاستقلالية قائم انسجمت دائرة الأوقاف مع الحكم الشرعي أو لم تنسجم، كانت أخطاء أو لم تكن أخطاء، فإن الصيغة الصحيحة لوضع الأوقاف هو أن تستقل تمام الاستقلال كما سبق.
وفي نفس الوقت نطالب بعدم فرض الوصاية على المساجد والحسينيات والشؤون الدينية كافة. فهي وصاية مرفوضة بأصل الدين وسيرة المؤمنين، وهي وصاية تتصادم تصادما واضحا جدا مع شعار الديمقراطية والحرية.
وقد بدأت تكبر المضاعفات السيئة، وتشتعل الفتن هنا وهناك مما ترتّب على هذه الوصاية النشاز.
فلم يكن المسجد في البحرين ليعرف ما حصل الآن في أكثر من مسجد من فتن كان للأوقاف فيها يدٌ كما هو واضح..
2. الحل غائب بغياب الدين:
لا حلّ في الأرض بغير دين الله، ستبقى المشكلة الإنسانية تراوح مكانها ما دام الدين مفصولا عن ساحات الحياة الجادّة، وحركتها العارمة. عشرة بلايين دولار مختلسة من برنامج النفط مقابل الغذاء مما كان مرتبطا بالعراق، بالإضافة إلى سرقات الحزب ورئيس الحزب في العراق لأموال المحرومين.
مخصصات وأطعمة الجياع في المناطق المنكوبة في العالم تُختلس وتُسرق من الأمناء الذين تعتمدهم الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة، وكلما جعلت رقيبا عليك أن تجعل على الرقيب رقيباً في ظل غياب رقابة الضمير، ورقابة الضمير لا تحيا إلا في ظل خشية الله سبحانه وتعالى.
تُقيم المدير ليضبط العمل فإذا المدير يحتاج إلى ضبط، تقيم الرجل الذي ترى فيه أمانة ليكون أمينك ورقيبك على عدد من العمّال وإذا به يخونك، أقول باختصار كلّما نصبت رقيبا في الأرض تحتاج أن تنصب عليه رقيبا ما دام بلا دين.
ومن هم المختلسون والسّرّاق؟ أهم أصحاب حاجة، يأكل الجوع معدتهم وأمعاءهم؟ لا، إنهم أصحاب قصور، وأرصدة ضخمة، إنّهم ملّاك الأرض، وملاك كنوز الأرض، وملاك ما على الأرض، إنهم المترفون، إنهم أصحاب الثروة الهائلة.
وسرقات واختلاسات بطرق أخرى تعمّ الأرض، وتسيطر على القيم والمقدسات والخلق والضمير والعبادة والشرف والكرامة مستعملة عنوان التجارة والاستثمار.
وهؤلاء السرّاق الكبار يقفون صفا واحدا دون إيمان أي بلد بالحل الإسلامي، بل حتى بصلاحية الإسلام، وضد احترامه، وحتى الاقتراب منه.
3. أمن العدل؟ أمن النزاهة؟ أين الدفاع عن صندوق التأمينات والتقاعد؟
المطالبة براتب تقاعدي يستمر طوال العمر لخدمة أربع سنوات في المجلس النيابي لمن قد لا يُنتخب ثانية من مال الموظفين والعمّال، من عرقهم ونصبهم ورهقهم أو من مال الدولة (مال الشعب عامة) في أحسن الأحوال.
إذا ثبت هذا الأمر فستُتلف المهج غداً من أجل موقع النيابة، وسيكون الاقتتال على هذا الموقع الذي يعني أربع سنوات من الكلام أو بعض أربع سنوات من الكلام، وتستطيع الصمت في المجلس، وإذا أردت أن تتعب نفسك كثيرا فعليك أن ترفع إصبعك، وتستطيع أن تريح نفسك حتى من هذا.
أربع سنوات ومن بعد ذلك راحة العمر، والتقلّب في مال المحرومين والمستضعفين والمرهقين، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون من محبّي الشعب، والمخلصين له.
ويدخل على الخط تجّار من نوع خاص سيدعمون بالمال والموقف من يبيع الكلام والمواقف، وعاشت ديموقراطية تنافس الدكتاتورية على الدنيا في صورة صراع أو صلح مربح مريح.
الأمن العربي في غزة من أجل من؟
من أجل من سيكون؟ ومن سيرضي؟ ومن سيحارب ويلاحق؟ وأي فكر سيناصب العداء؟ وتحت أي مظلمة سيعمل؟
أسئلة مطروحة وسيأتي جوابها عمليا إذا كان هذا الأمر.
اللهم صل وسلم على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، ولوالدينا وأرحامنا ومن أحسن إلينا من إخواننا المؤمنين والمؤمنات.
اللهم إنا نرغب إليك في دولة كريمة، تعز بها الإسلام وأهله، وتذل بها النفاق وأهله، وتجعلنا فيها من الدعاة إلى طاعتك، والقادة إلى سبيلك، وترزقنا بها كرامة الدنيا والآخرة.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – 71 – 72/ ص.
2 -12/ سورة محمد