خطبة الجمعة (148) 12 صفر 1425هـ – 2 ابريل 2004م
مواضيع الخطبة:
حضارة الإسلام (1) – مؤتمر القمة – وضعنا الداخلي – لا تحرقوا العراق
ونحن من أهل هذا البلد التاريخيين بلا أدنى لبس نريد أن نعيش محافظين على سلامته وأمنه وعزه وإيمانه وكرامته وتقدمه وأن تكون علاقاتنا الوطنية إيجابية تعاونية في كل ما هو خير ونافع ، وأن نسهم بأقصى ما يمكن وبأكبر طاقة نملك في بناء هذا الوطن
الخطبة الأولى
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله الذي أنزل من السماء ماءً فأحيا به الأرض، وآتى كل نفس هداها، وألهمها فجورها وتقواها، وبعث الرسل مبشرين ومنذرين فأنار بهم سبل طاعته، وأوصل بهم إلى مزيد معرفته. أشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله منّ الله به على الأمم، وكشف به ظلمات الغمم صلى الله عليه وآله وسلم تسليماَ كثيراً.
أوصيكم عباد الله ونفسي الأمارة بالسوء بتقوى الله فإنها تقي من الذنوب، وتستر العيوب، وتزين النفوس، وتضيء القلوب، وتفتح سبل الخير، وتغلق أبواب الشر، وتنجي يوم الحساب، ويطيب بها المنقلب والمآب.
ألا أيها المؤمنون إنَّ الدنيا قد أذهبت حياة الكثيرين سدى، بل حوّلتها إلى أشر بلاء، وانتهت بأصحابها إلى جهنم وبئس المأوى. وان العقلاء لم تستوقفهم زينتها وهي زائلة، واتخذوا منها دار ممر إلى الجنان، ومن الصالحات فيها معراجاً إلى الكرامة والرضوان، ورأوا في الآخرة عن الانكباب عليها غنى، وفي بناء ذواتهم بناءً يرضي الله سبحانه عن الولوغ في شهواتها شغلا، وفي ما وعد الله عباده الصالحين عن مواقعة حرامها عوضا. هذا فريق وذاك فريق، وهذا طريق وذاك طريق، وهذه غاية وتلك غاية، فمن أي الفريقين أنا وأنت؟ وأي الطريقين نختار؟ والى أي المصيرين نصير؟ صالحون وطالحون، طريق جنة وطريق نار، جوار رسل الله في أعلى عليين، وقعر الشقاء مع الشيطان الرجيم.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واسلك بنا وبإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين سبل الهداية والنجاة، واجعلنا في عبادك الصالحين، وتفضل علينا بجنة النعيم.
أما بعد أيها الأحبة في الله..
فقد تقدم الحديث عن حضارة الإسلام، وأنها حضارة الجد لا اللعب، والحديث الآن عن هذه الحضارة المباركة الراقية النابهة، وأنها حضارة الذكر والوعي واليقظة وحيوية الانتباه والتفطن، لا حضارة التخدير والإلهاء والإغواء وصرف النظر عن الحقائق الكبرى، وأمهات القضايا، والاستغفال، والإغراق في النسيان. ولا تكون الحضارة جادة ما لم تكن ذاكرة، والحضارة التي لا تملك وعي الحقائق الكبرى، ولا تعطي لأبنائها فرصة استحضارها فيكونون في غفلة عنها لابد أن تكون لاهية مستغرقة في لعبها.
حضارتان حضارة من بناء الإيمان على خط الإسلام القويم وحضارة من بناء الجاهلية، الأولى حضارة الذكر، وحضور الوعي. والثانية حضارة النسيان، وغياب الوعي، والسبات.
ولقد كان ظلماً عظيماً أن قيل: بأن الدين أفيون الشعوب إلا أن يكون ديناً حرّفه الهوى، ولوّنته أطماع الطغاة، وأعانهم على ذلك طلاب الدنيا ممن يقال عنهم: خطأَ وزوراَ بأنهم علماء. حضارتانتبرزهما نصوص الكتاب وتدعو لحضارة الهدى منهما، وتحذّر من حضارة الضلال وهذا بعض تفصيل:-
الذكر علم في مرحلة الاستمرار، والنسيان جهل في هذه المرحلة، فمن ذكر ما علم أبقى له ذكره علمه، ومن نسي ما علم عاد به نسيانه من بعد علمه الى جهل. قد يكون الانسان عالماً في الابتداء إلاَّ أنه بعد أن ينسى يكون في حكم الجاهل لا ينفعه علمه.
أتحدث أولاً عن أنواع من الحقائق:
حقائق كبرى، وحقائق صغرى: وجود نملة في المنزل ووجود أسد؛ هذه حقيقة. وتلك حقيقة كنز من ذهب ومخزون من خزف؛ هذه حقيقة وتلك حقيقة. الشمس والشمعة؛ الشمس حقيقة والشمعة حقيقة. لكن هذه الحقائق على تفاوت هائل. لا يفزعك وجود نملة في المنزل كما يفزعك وجود أسد، ولا يكون الحساب لوجود النملة كما هو الحساب لوجود الأسد، يهمّك من كنز الذهب ما لا يهمك من مخزون الخزف. وإذا انطفأت الشمس فالكارثة غير ما إذا انطفأت شمعة. هذه حقائق لكن من هذه الحقائق ما هو من الحقائق الكبرى الحسية، ومنها ما هو من حقائق حسية أصغر.
وفي المعنويات حقائق ومن حقائق المعنى ما هو أكبر من بعض آخر منها. وكبرى حقائق المعنى هي أكبر الحقائق على الإطلاق، وكل حقيقة كبرى خالقها أكبر منها، فلست تجد حقيقة أكبر من حقيقة الله سبحانه وتعالى. تأتي حقائق الرسل، واليوم الآخر والملائكة إلا أن حقيقة هي الأكبر على الإطلاق ليست هي إلا الله سبحانه وتعالى؟
هناك حقائق بعيدة، وأخرى قريبة؛ أسد في غابة قصيّة، وعقرب ينام مع أحدنا في الفراش. العقربحقيقة ليست بمستوى حقيقة الأسد، ولكن قرب العقرب يعطي له أهمية ليست لأسد يعيش في غابة بعدها عنك مئات أو ألوف من الكيلومترات. بستان غني في بلد ناءٍ، وشجرة مثمرة قريبة أي الحقيقتين أولى باهتمامك في المثل الأول؟! العقرب يفزعك بما لا يفزعك الأسد. وفي المثال الثاني تنال الشجرة من اهتمامك ما لا يناله البستان.
أيضاً هناك حقائق دائمة وأخرى منقطعة؛ شر أو خير من شأنه أن يكون عابرا يلفت نظرك، يشغل بالك ولكن شرّا أو خيراً من شأنه أن يقيم ينسيك الشر الأول والخير الأول.
حقائق حاضرة، وحقائق غائبة حاضرة. حقائق الحس حاضرة مشهودة وحقائق الغيب حقائق غائبة ولكنها قد تكون أكثر حضوراً من حقائق الحس. غائبة بذاتها بكنهها، بمعناها ولكنها حاضرة بفاعليتها وتأثيرها. الله حقيقة لا تدركها العقول ولكن ليس شيء أقرب من الإنسان ويحول بين المرء وقلبه كما هو الله سبحانه وتعالى. والحقائق التي تمتلك الفاعلية الكبيرة أو التامة بالنسبة للإنسان وليست على مرأى من عينه ولا في محيط حسه لابد أن تنال اهتماماَ أكبر عند العاقل لموقع تأثيرها المتميز، ولعروض الغفلة عنها([1])
فالله العظيم سبحانة وتعالى أقرب الحقائق لنا تأثيراً وفاعلية ولا وجود لنا ولا حياة للحظة وأقل من لحظة إلاّ به ومع ذلك تغفل عنه كثيراً، وننسى سلطانه علينا كثيراً لنقص في نظافة القلب، وصفاء الروح، وزكاة في النفس. الحقيقة ذات التأثير الكلي على الإنسان والغائبة عنه عليه دائماً أن يتذكرها عليه دائماً أن يستحضر وجودها الهائل الذي لا يقاس عليه دائماً أن يطلب رضاها عليه دائماً أن يشتغل قلبه بها لأن انصراف هذا القلب لحظة عمن يملكه وعمن يقربه إعراض القلب لحظة غفلته لحظة تعني انفصاله عن مصدر الفيض بالنسبة إليه عن مصدر العطاء عن القادر المطلق سبحانه وتعالى. إن الحقائق الغيبيَّة المؤثرة في وجودنا وحياتنا ومستقبلنا كثيراً وعلى رأسها الله سبحانه وتعالى المالك المطلق لكل مخلوق والمهيمن المطلق على كل شيء يتطلب استحضارها والتعامل اللائق معها حضوراً واعياً دائماً، يعيشه القلب، وصفاء وشفافية تتمتع بها الروح، لأن ما يمكن أن ترى به حقائق الغيب بدرجة وأخرى إنما هي عين القلب وناظرة الروح.
وهناك حضارتان، حضارة تعمل ليلاً نهاراً على فصلك عن وعي الحقائق الكبرى وإلهائك عنها، على أن تشغلك بحدث بسيط دوني، وتستهلكك، وتستغرقك وتنتهبك عن وعي ربك، وعن وعي ذاتك، وموقعك، و دورك، ونهايتك. ونحن في الكثير نستغرق في أحداث صغيرة، وفي علاقات محدودة وفي هموم حقيرة بحيث ننسى الله، وننسى ذواتنا، وننسى المصير الخطير، وننسى كل مهم. تستحوذ علينا مشاعل من مشاعل الأرض، وقد تستحوذ علينا أحداث لا تمس حياتنا بشيء، وقد تكبر في نفوسنا أحداث لا تعود علينا بشيء، ونكون في متابعة دائمة لهذه الأحداث منصرفين ساهِين لاهين عن يومنا، وعن غدنا، وعنذواتنا وعن ربنا الجليل سبحانه وتعالى. الحضارة الإسلامية لا تلهيك بالصغير عن الكبير، وبالحقير عن العظيم وبما هو منقطع عمّا هو دائم، وبما هو بعيد عن ما هو قريب. الحضارة الإسلامية تعطي الاهتمام الأكبر للحقيقة الأكبر، والحضارة المادية الجانبية تنفصل بنا وعياً تنفصل بنا شعوراً، تنفصل باهتماماتنا، تنفصل بطموحاتنا، تنفصل باشتغالنا عن أكبر الحقائق وتنقلنا الى أشياء تافهة، وإلى ما يشبه لعب الأطفال وذلك لغرض أن ننسى الله، وننسى أنفسنا، والإنسان إذا نسي الله سبحانه وتعالى قَبِل بغيره، وإذا نسي نفسه، واحتقرها، واستصغر قابليات النفس وما يمكن لهذه الذات أن تصل إليه من مستوى إنساني محلق فحينئذ ومع استصغار النفس يبيعها رخيصة، ويقبل أن يعبد غير الله، وأن يسجد لغير الله. إنه حينئذ يرى في دينار الغني ثمناً لنفسه، ولا يرى نفسه أكبر من ذلك.
أكتفي بهذا المقدار والحديث متواصل إنشاء الله.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين ولوالدينا ولأرحامنا وجيراننا وأصدقائنا ومن أحسن الينا احساناً خاصاً من المؤمنين والمؤمنات. ربنا لا تزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب. اللهم لا تخلنا من ذكرك، ولا تعرنا من فضلك، ولا تهتك لنا سترا، ولا تفضح لنا أمرا، ولا تسلمنا للبلاء، ولا تتركنا للمحن يا ملاذ من لا ملاذ له، ياقوي يا عزيز، يا رحيم يا كريم.
بسم الله الرحمن الرحيم
{ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2) كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4) كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6) ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ (7) ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ(8)}
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي دلالة خلقه عليه بدلالته، وهداية الفطرة إليه برحمته، وكل آيات جلاله، وبيناتجماله إشعاعها إنما هو بقدرته؛ فهو الدال بذاته على ذاته، وليس لشئ سواه فضل الدلالة عليه. أشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله الأخيار الأبرار، الصالحين الأطهار. أوصيكم عباد الله ونفسي الغافلة بتقوى الله فمن اتقى نجا، ومن استكبر وطغى كبا، وفي كبوته النار. وهي بكل ما تعنيه أكبر العذاب وأشد الشقاء، ولا يأتي على الإنسان يوم عذاب، أو ساعة كرب وخزي وذل وحقارة وغربة وهوان كما هو حاله في النار، فويل لمن النار مقره غدا، ويا لشقاء من كتب عليه عذابها أبدا.
أيها الناس إذا غاب الرقيب فرقابة الله لا تغيب وما قيمة أن يغيب الضعيف المملوك والقوي المالك علمهُ محيط؟! وما قيمة الاستتار بالذنب عمن يموت حين لا حيلة عن الاستتار عن الحي القيوم الذي لا يموت؟! وما قيمة أن يغيب من يُستغفل، ومن يضلل ويغالط إذا كان من لا يغفل ولا يضِلُّ ولا ينسى ولا يغالط مطلعاً على الأمور؟! ألا فلنتق الله في الخلوات، وحين لا ناظر ولا سامع ولا رقيب من الخلق؛ فان الخالق البصير السميع، الخبير العليم، الرقيب الحفيظ لا يغيب عن علمه شيء، ولا تستر منه ظلمة ولا حجاب. وكيف يستتر منه من لا وجود ولا حياة له إلا به ووجوده وحياته تتنزل عليه استمراراً مقدَّرة بإذنه؟!
اللهم أعذنا وإخواننا المؤمنين والمؤمنات من أن يكفَّنا عن الذنب الحياء من غيرك، ولا يكفَّنا عنه الحياء منك، أو لا يكفَّنا عن القبيح حياؤنا منك إلا بأن يكون لنا حياء من سواك، اللهم اجعلنا نراك كما أنت بالحق أعظم ناظر، وأحق من يخاف ويخشى، ويؤمل ويرجى، وأجلّ من أمر ونهى.
اللهم صل وسلم على البشير النذير، والسراج المنير محمد بن عبدالله خاتم رسل الله المجاهد في الله، وصل وسلم على علي أمير المؤمنين وإمام المتقين، وصل وسلم على فاطمة الزهراء التقية النقية، وصل وسلم على الحسنين الزكيين الوليين الطاهرين المعصومين. وصل وسلم على أئمة المسلمين، والسفينة للنجاة يوم الدين علي بن الحسين زين الدين ومحمد الباقر وجعفر ابن محمد الصادق وموسى بن جعفر الكاظم وعلي بن موسى الرضا ومحمد بن علي الجواد وعلي بن محمد الهادي والحسن بن علي العسكري القادة الميامين. وصل وسلم على القائم المؤمل والعدل المنتظر محمد بن الحسن المنقذ المفتخر، اللهم عجل فرجه وسهل مخرجه، وأنقذنا به واجعلنا من أنصاره، والمستشهدين بين يديه. اللهم عبدك الموالي له الممهِّد لدولته، والفقهاء العدول والعلماء الصلحاء والمجاهدين الغيارى أيدهم وسددهم لمراضيك.
أما بعد أيها الأخوة والأخوات في الإيمان فموضوعات الحديث هي:
1- مؤتمر القمة.
2- وضعنا الداخلي.
3- لا تحرقوا العراق .
4- أصارَ شرفاً.
مؤتمر القمة : جمد مؤتمر القمة في تونس إلى أجل غير محدد، وذلك لغة في الإلغاء، ثم نشأ نزاع من جديد على مكان القمة إذا كانت ستستأنف. إنه مظهر مزرٍ أمام شعوب الدنيا وأممها، مظهر من الضعف والتفكك والاختلاف في الرأي وعدم القدرة على التفاهم، والمهم هو أن نسأل: أن الخلاف هل هو على مصالح الأمة، أو هو خلاف منشأه مصالح الأنظمة؟ فيما يجمع عليه الرأي العام في الأمة هو أن خلاف الأنظمة في الكثير الأكثر إنما هو خلاف من منشأ مصالح الأنظمة نفسها، وليس من منشأ مصالح الأمة، وهذا مؤلم محزن مؤسف. أن يحصل مثل هذا الإجماع في الرأي العام – على الأقل – يعني مؤشرا خطيراً جداً.
ونسأل سؤلا آخر: متى تتحد المصلحتان ؟ مصلحة الأنظمة ومصلحة الأمة؟ لا يكون ذلك إلا عندما تكون الأنظمة نابعة من رضا الأمة، وتنال قناعتها، وجاءت باختيارها وعندما يكون اتحاد على المبادئ والخطوط العريضة لسياسة الأمة، وتكون مصالحها هي المنظورة أولاً وبالذات قبل مصلحة الأنظمة. وهذا الإتحاد في المصلحتين يمكن أن يأتي بعد أن يكون اعتماد الانظمة على الله سبحانه وتعالى أولاً، ثم على الأمة وشعوبها وجماهيرها، أما إذا كان اعتماد الانظمة في استمرارها على الدعم الامريكي وعلى الاحتضان الأمريكي وعلى الرضا الأمريكي، فلا شك أن مصلحة الأمة في وادٍ ومصلحة الانظمة في واد آخر، فإن أمريكا ليست صديقة الأمة، وليست الأمينة على مصالحها.
وأمةٌ تتعدد قياداتها من غير أن تكون لهذه القيادات مرجعية أخيرة هي ليست أمة وإنما ألف أمة، ومليون أمة. نحن لسنا أمة واحدة في الواقع العملي. نحن أمم بقدر ما لنا من قيادات. إذا كانت هذه القيادة مشرقة والأخرى مغربة وكانت ثالثة إلى الجنوب ورابعة إلى الشمال، فأين الأمة الواحدة؟! أنا في اتجاهي إلى الجنوب لست مع الأخ المتجه إلى الشمال خطاً ولا هدفاً ، ومن اتجه إلى الغرب غير من اتجه إلى الشرق قبلةً وهدفاً، والأمة إنما تكون أمة واحدة بأن تكون على خط واحد، إلى هدف، واحد ومن منطلق واحد.
وضعنا الداخلي :
الوضع الديني والوضع الثقافي والوضع الاقتصادي والوضع السياسي والوضع الأمني، كلها أوضاع مترابطة..إذا دخل الخلل على أحدها عمّها الخلل كلها، ولا يسلم أي وضع من هذه الأوضاع إذا ابتلي أحدها بسوء.
الأوضاع الاجتماعية جسم مترابط، ومركب عضوي يتأثر بعضه بالبعض الآخر، والوضع الأمني واحد من أهم هذه الأوضاع .. فإذا تدهور انعكس بأثره السيئ، وبالفوضى فيه على كل بعدٍ آخر وكل وضع آخر من أوضاع المجتمع. نحن نقدر هذا ونفهمه، وعلى يقين منه.
والعلاقة الطبيعية بين الشعب وبين الحكومة هي علاقة التفاهم والحوار والتعاون، لا المواجهة. إنما تنشأ الحكومات من أجل مصالح الشعوب، والحكومات التي ترعى مصالح شعوبها يثبت حقاً على الشعوب بأن تدعمها، وتدافع عنها، وتكون حصناً واقياً لها، فالعلاقة الطبيعية بين أي حكومة وأي شعب محكوم لها في الأصل هي علاقة الالتئام والتوافق والاتساق والتعاون. وإذا كان شيء فحوار وتفاهم.
العلاقة الأخرى علاقة الخلاف، وعلاقة التصادم علاقة استثنائية مرضية يجب أن لا يمكث عندها، وأن لا تُقر وأن يكون السعي للخروج منها إلى العلاقة الطبيعية : علاقة الإلتئام والتعاون على الخير.
والمظاهرات والمسيرات يجب أن لا تمثل شغل المواطن، ولا هوايته، وأن لا تكون للتحدي وهي في تقييمي ضرورة تفرض نفسها أحيانا ومن أجل التعبير عن الرأي حين لا تكون وسيلة أخرى ممكنة أقل منها صخباً.
أقول للأبناء من الشباب .. وللناشئة ولمن هو أكبر : أن اعرف منطلق المظاهرة ، هدفها .. منوراءها .. قبل أن تشترك فيها. أعيذك بالله أن تكون إمعة ، لا تدري إلى أي هدف تقصد، وأي طريق تسلك ووراء من تمشي .
نحن أبناء الإسلام ، والإسلام هادف ، والإسلام واعي ، ويريد من أبنائه دائمًاً أن يكونوا وعاةهادفين الهدف الصحيح .
نقطة أخرى : هي أن في البلد مشاكل متراكمة ، وللحكومة أخطاؤها الكثيرة، الموروثة ، وحل المشاكل كلها لا يأتي في ساعة واحدة ، ولكن قطار الإصلاح ينبغي أن لا يتوقف ، وأن لا يتلكأ ، والضرورة قاضية بأن ينطلق بسرعة ، وفي انطلاقته السريعة المطلوبة يجب أن يلاحظ خصوصية الأرض التي يقطع طريقه فيها. الأرض أرض قيم وأرض إسلام ، ومن أنبت قيم هذه الأرض هو العدل والمساواة والإنصاف .
ولست تجد قيماً قادرة على الحفاظ على الأمن ، كما هي قيم السماء وهذه البلد قيمها قيم السماء ، فلو روعيت لحفظت الأمن وليس من حافظ للأمن كما هي هذه القيم .
نقطة أخرى في هذا السياق : قضايا العالم والأمة لها إنعاكسها علينا ، وتفرض علينا واجب التعبير ، لكن لا يعني ذلك أن تتحول معارك الخارج إلى معارك داخلية بين الشعب والنظام . ثم إننا نريد بما أننا شيعة في هذا البلد أن نعيش مع أهلنا ومع إخواننا بقية المواطنين ، ونحن من أهل هذا البلد التاريخيين بلا أدنى لبس، ونريد أن نعيش محافظين على سلامته وأمنه وعزه وإيمانه وكرامته وتقدمه وأن تكون علاقاتنا الوطنية إيجابية تعاونية في كل ما هو خير ونافع ، وأن نسهم بأقصى ما يمكن وبأكبر طاقة نملك في بناء هذا الوطن البناء الذي يرضى الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم ، ويرضاه المؤمنون وينفع كل مواطن .
علينا أن لا ننشئ العداوات ولا نساعد على استمرارها، وعلينا كذلك التمسك بالعدل والإنصاف والمساواة والمطالبة الواعية المدروسة السلمية بحقوق المواطنة الكاملة.
وأنا شخصياً استنكر المزايدات على الناحية الأمنية، ممن يتوفرون على أكثر من جنسية ولهم أكثر من وطن وأمامهم الفرص المتوفرة لترك هذه الأرض في قبال مواطنين يتمسكون بهذه الأرض ولايجدونشبراً واحداً من غيرها وطناً لهم وقد عاشوا وسلسة طويلة من آبائهم وأمهاتهم وأجدادهم على تراب هذا الوطن.
وإن أساليب التعبير السلمية والقانونية عن الرأي السياسي بحرية مكفولة دستورياً وحسب الميثاق وحسب تصريحات متكررة في خطابات الملك، والمتمسك بهذا لا يلام ، والآخذ بالتعبير بالطرق السلمية يجب أن لا يؤاخذ، والتعبير بالطرق السلمية عن التظلم، وعن المطالبة بالحق، وعن الخلل الحاصل داخلة في باب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر وهو باب لا يسد أبداً حسب الإسلام ، وإلا عم الفساد وهلك الحرث والنسل .
2- لا تمزقوا العراق:حرق العراق من الداخل أو حرقه من الخارج سيحرق المنطلقة بكاملها، وإذا صُدِّر لها اليوم الإرهاب فغداً ستصدر الإرهاب، وفرض أمريكا نفسها.. قيمها.. مصالحها.. حضارتها المادية الباغية ..أصالة أو وكالة على العراق يعني حرباً حضارية واسعة ستعاني منها المعمورة ما تعاني. شعب العراق ليس ألف شخص ، شعب العراق شعب ملاييني، وشعب له قابليات ، والعراقيون معروفون بشدة الغيرة وشدة الحمية، ورجال فرسان، لا يمكن ان يدمر العراق ، ولا يمكن أن يذل العراق ولا يمكن أن يحكم العراق قهراً ، وتبقى الأرض آمنة.
بعث الخط الصدامي من جديد محرقة للمنطقة ، وسبب فوضى في العالم وصدام المعني ليس شخصاً وإنما نظام وحزب. إذا كان من القصد أن يبعث صدام حزباً ، أوصدام نظاماً من جديد فإن الأرض ستكتوي بهذا الحزب ، وهذا النظام كما اكتوت من قبل. ولا تعجبوا من احتمال أن يبعث صدام نظاماً أو حزباً من جديد، فإن ديمقراطية أمريكا مفتوحة وبلا ضابطة وتقبل صدامأً من جديد ، تقبله شخصاً فضلاً عن أن تقبله حزباً أو نظاماً ، إذا كانت المصلحة الأمريكية في ذلك .
اللهم صل على محمد وآل محمد واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين ولمن أحسن لنا منهم احساناً خاصا ، ولوالدينا وأرحامنا وجيراننا وأصداقائنا ، ياكريم يا رحيم.
اللهم بك نلوذ، وبك نعوذ فاقبلنا، وأعذنا من شر الدنيا والآخرة، ولا تجعلنا فريسة لهم ولا غمٍّ ولا خوف ولا حزن، ونجنا مما يعمل الظالمون في الأرض ، ويكيدون بالعباد، وارزقنا الرشاد والسداد يا خير مسئول وأكرم مأمول ، يا رحمن يا رحيم .
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}النحل/90
[1]– الحاضر بذاته وهو لا يؤثر إلاّ َبمن كان غائباً بمعناه بعيد نتيجةًً، والغائب بكنهه وهو لا يملك شيء تأثيراً إلا بإذنه قريب حقيقة. والحقيقة المؤثرة وهي غائبة عن الحس الظاهري لابد لاستحضارها وتقديرها في الموقف النفسي والعملي من تفتح أكبر في العقل، وتوجه أشد من النفس، وطهارة عالية في الوجدان، وصفاء بالغ في الروح.