خطبة الجمعة (146) 27 محرم 1425 هـ – 19 مارس 2004م
مواضيع الخطبة:
وقفة مع كلمة لأمير المؤمنين – كلمة عن الأحداث المؤسفة
لابد من حل جذري للمشكل حفاظاً على القيم الإسلامية الرفيعة، والأمن الديني والاجتماعي والسياسي والاقتصادي، ولن يتم هذا إلا باعتراف الحل بإسلامية الفكر والشعور والممارسة لهذا الشعب.
الخطبة الأولى
الحمد لله حمداً دائماً أبداً فوق حمد الحامدين، وتصوّر المتصورين، واجتهاد المجتهدين. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أحسنُ الخالقين، وربُ العالمين، والقاضي بالحق يوم الدين، ومجزي المحسنين، وغافر الذنب العظيم. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. أنقذ به من الضلالة، وهدى به بعد الغواية، وأغنى به بعد الشح، وأعز به بعد الذل، وكثر به الخير بعد القلّ. صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيرا.
علينا عباد الله بتقوى الله فإنها مورثة خير الدنيا والآخرة “ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض” 96/الأعراف، “… وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا والآخرةُ عند ربك للمتقين” 35/الزخرف.
والتقوى جامعة على المودة والصفاء، مبقية للخلة والوفاء “الأخلاء يومئذٍ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين” 67/الزخرف، وهي فاتحة لأبواب اليسر والبركة، دافعة للبلاء “ومن يتقِ الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب”.
عباد الله ما من نعمة إلا وهي من الله، وما من عبد يمكن أن يضع نعمة موضعها إلا بأن يضعها في طاعة الله، وما من نعمة وضعها واضعٌ في معصية الخالق إلا وانحرف بها عما خُلقت له. ولا تبني نعمة، ولا يبلغ بها صاحبها خيراً يبقى، ولا يعود عليه شراً، إلا بأن تكون في الوجه الذي أراده الله، وهي للهدم والشقاء وسوء العاقبة إذا استعين بها على معصيته.
فويل لعبد يجري عليه ربُه النعم فيخرج بها عن طاعته، ويستعين بها على مضادته، ويتخذ منها وسيلة إلى النار، ويشتري بها غضب الجبار.
وطوبى لعبد أحسن وضع النعم في موضعها من طاعة ربه، وإصلاح نفسه، وتكميل ذاته، فبلغ بها رضوان الله، واستحق المزيد من رحمته وكرامته وبركاته.
نعوذ وإخواننا المؤمنون والمؤمنات برحمتك من غضبك يا جبار، ونعوذ بحماك ربنا من شر الأشرار، وكيد الكفار، وطوارق الليل، وحوادث النهار، ومن العار والنار. اللهم اغفر لنا ولأهل الإيمان والإسلام، وتب علينا يا تواب يا غفار.
أما بعد أيها الأخوة والأخوات في الإيمان فبعض وقت في ظل الجملة الأخيرة من الكلمة السابقة عن أمير المؤمنين عليه السلام “ولم يرسل الأنبياء لعِبا” والحديث في أجواء هذه الجملة يأتي في نقاط.
نظرةٌ أساس:
هنا سؤال، وهو سؤال مهم وجذري: كيف ننفق الحياة؟ وسؤال آخر يأتي قبل هذا السؤال: الكون، الحياة، الإنسان، الرسالات، مبنية على الجد أو اللعب؟
إن كانت هذه مبنيات على اللعب فالحياة ينبغي أن تُتخذ لعِباً، وإذا كانت مبنية على الجد فالحياة ينبغي أن تُتخذ جداً.واللعب هو فعلٌ لا يحمل القصد الصحيح، قد يحمل قصداً إلا أنه القصدُ الذي لا يتناسب ومستوى الإنسان، وخط الحياة، ومسار الكون، ولا يتناسب مع دور الإنسان في الحياة. والعبثُ هو أن يخلط الإنسانُ في عمله بين الجد واللعب، فإذا كان العمل يحمل مع الجد لعِباً، فهو من العبث، فالجدُ إنما يكون مع كون الفعل يحمل غرضاً صحيحاً وهدفاً سليماً. والغرض الصحيح هو ما يتناسب مع الإنسان حجماً، ما يتناسب مع الإنسان دوراً، ما يتناسب ويتسِق مع خط الكون، والحياة، والوجود.
السؤال الأساس: الكون، الحياة، الإنسان، الرسالات، مبنية على الجد أو اللعب؟ ماذا تقول عنه النظرة العلمية؟ وماذا تقول عنه النظرة الفلسفية؟ وماذا تقول عنه النصوص؟ شيء سريع وسطحي:
* النظرة العلمية:
أجزاء الكون، جزئياته، ذراته، ما تأتلف منه الذرة، كل ذلك له مواقع محددة، علاقات مترابطة، مراتب وجودية منضبطة، أدوار متكاملة، مسارات ثابتة، غايات مرسومة. علامَ يؤكد هذا الواقع؟ قد فرغ العلم من تقرير هذه الحقائق، وأن الكون ليس أجزاءً متناثرة، وليس ذرات متناثرة. الكون يخضع لنظام دقيق من مجرته إلى ذرته وما هو أقل من الذرة. هذا الواقع علام يدل؟ يدل على اللعب أو يدل على الجد؟ يدل على العبثية أو يدل على الهادفية؟ لا شك أن هذا النظام المحكم الدقيق برهان الهادفية.
الإنسان نجده قوىً للتحريك المادي، وقوىً للتحريك المعنوي، وقوىً للضبط و التحكم والتوجيه. هذه القوى كلها متناسبة وترتبط بعلاقات محكمة، وهناك تناسب كبير، ودقيق ومحكم بين الإعداد في وجود الإنسان وبين الغاية، فما من شيء في تركيب الإنسان قد وقع فضولاً، لا على المستوى الجسمي، ولا على المستوى العقلي، ولا على المستوى النفسي، والمسألة واضحة كل الوضوح للذين خاضوا غمار العلم في هذه المجالات. على أن النظرة العادية للإنسان تعطي أن هذا المخلوق وجود متكامل، وصناعة محكمة. أي جهاز من أجهزة البدن، وأي جهاز من أجهزة النفس والعقل يحمل عجائب ودقائق تذهل المتأمل من العوام فضلاً عن العلماء الذين يخوضون البحث في هذه المجالات.
هذا الواقع ماذا يقول؟ هل يؤكد العبثية واللعب؟ أو يؤكد الجدية؟ تجدون تناسبا بين ما عليه مرحلة الإعداد الجنيني وبين ما هو مستقبل حياة هذا المخلوق على الأرض، وأن الجنين يُعدُّ إعداداً لو اقتصر نظر الناظر بالنسبة إليه على مرحلة الجنينية لوجد ذلك فضولاً، ولكن هذا الإعداد يأتي حكيماً ومتناسباً جداً مع لِحاظ مرحلة الحياة فوق الأرض. هناك إعداد آخر أيضاً في هذا الإنسان يتصل ببنيته مستوياً لا نستطيع أن نفسره في إطار الحياة الدنيا، و إنما يظهر أثره حينما نلاحظ حياة أخرى تعقب هذا العالم.
فالفكر البعيد الذي يتجاوز عالم المادة، والتطلعات الناظرة إلى الغيب، والطموحات المتجاوزة لعالم الدنيا، وهذه الأشواق للخلود الذي لا يمكن أن يحصل في هذه الحياة، أمور من هذا النوع. دوافع وطاقات يحملها وجود الإنسان من النوع الذي يتجاوز بوجوده هذه الحياة لا نستطيع أن نفسرها في إطار حياتنا الحاضرة، كما لا نستطيع أن نفسر كثيراً مما يدخل في بنية الإنسان في مرحلته الجنينية حينما يقتصر نظرنا على تلك المرحلة، هذا بالنسبة للإنسان.
بالنسبة للحياة؛ نجد الحياة فرصة للنمو والتكامل، وهي تعبّر عن مسافةٍ يعني قطعُها بمنهجٍ صحيحٍ الوصولَ إلى أعلى درجة نضج تتناسب وطبيعة المرتبة الوجودية للكائن الحي. صادقٌ هذا بالنسبة للإنسان، بالنسبة للحيوان، بالنسبة للنبات. النبات يبدأ بذرة، وحياته تصل به إلى شجرة مثمرة، الإنسان يبدأ نطفة، وإذا دخلت الروح في الجنين جاء النمو، وجاءت الحركة التي تصل به إلى حد الإنسان السوي، المريد الفعال. هذه هي الحياة، فالحياة موجُّهة، الحياة مهدفة، الحياة قاصدة، والحياة مرسوم لها مسار تصاعدي يبلغ بالحي إلى أقصى درجة نضج يطيقها. فالحياة هادفة، الوجود المادي هادف، الإنسان في وجوده، في تكوينه، هادف كوننا كله هادف.
أما الرسالات فهي أطروحة واحدة من حلقات متلاقية أسساً وثوابت، ومتحركة حسب متطلبات المسيرة التكاملية للمجتمع البشري، من أجل الدفع بحركة الحياة وقيادتها على الخط الصحيح، وتلبية حاجات الإنسان على الأرض، وتكميل ذاته الإنسانية في جميع أبعادها. وهي حركة تغييرية تنطلق من جذور الوجود والحياة الإنسانية، لتصوغ الإنسان على درب التكامل موجوداً عملاقاً مؤثراً.
الخلاصة:
هذه الأربعة الأمور: الكون، والإنسان، والحياة، والرسالات، خالية من اللهو، خالية من العبث، خالية من اللعب. فكيف تتخذ أنت حياتك؟ في ظل هذا الواقع الذي يؤكد الهادفية في كل شيء، وتعيشه المجرة، والذرة، والنبتة، والورقة والجذر من النبتة، وكل شيء في هذا الوجود، أنت الإنسان العاقل كيف تتخذ حياتك؟ أتتخذها سرفاً؟ أتتخذها لعباً؟ أتتخذها عبثاً وهزوا؟ مؤلمٌ جداً أن هذا الإنسان المتميز بمواهب كبيرة عملاقة من الله سبحانه وتعالى يكون أخس شيء في الكون، إذ كل شيء في الكون على مسار هادف، وهو ينحدر عن خط الهادفية!
النظرة الفلسفية:
النظرة العقلية الفلسفية تقول بأنه يستحيل على الكامل سبحانه وتعالى اللعب والعبث والإهمال والتضييع، فليس شيء من صنع الله يمكن أن يأتي لهواً أو عبثاً أو فيه إهمال وتضييع.
النصوص:
“وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين” 16/الأنبياء.
“أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم”. 115- 116/ المؤمنون.
“الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور” 2/الملك.
الآية الأولى تتحدث عن هادفية الكون، الآية الثانية تتحدث عن هادفية الإنسان، الآية الثالثة تتحدث عن هادفيةالحياة.
“الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور”، وهناك أكثر من آية تحمل المضمون الآتي، وهنا أقرأ آية واحدة: “إنما الحياة الدنيا لعبٌ ولهو وإن تؤمنوا وتتقوا يؤتكم أجوركم ولا يسألكم أموالكم” 36/محمد .
أي حياة هذه التي يصفها الله سبحانه وتعالى باللعب واللهو؟ التي خلقها؟! هو لا يخلق عبثاً. حاشاه العبث سبحانه وتعالى.
لكن الحياة مفصولة عن الآخرة، عن الهدف الذي خلق الله الحياة من أجله، تتحول على يد الإنسان المختار اختياراً سيئاً.. لعباً ولهواً وعبثاً. وتجدون الآية الكريمة هذه تتحدث عن وجهين “إنما الحياة الدنيا لعب ولهو” هذا وجه، والوجه الثاني “وإن تؤمنوا وتتقوا يؤتكم أجوركم ولا يسألكم أموالكم” فالآية الكريمة تتناول الحياة الهادفة، الحياة الهادفةتستعقب أجرا عظيماً، وتستعقب خلوداً رابحاً. أما القسم الأول من الآية الكريمة فيتحدث عن حياة مبتورة عن امتدادها في فعل هذا الإنسان، في تصوره، في شعوره، في ممارسته. الحياة المبتورة عن امتدادها الأخروي، والتي لا تحمل أهداف الآخرة، ولا تحمل حسابات الآخرة، ولا تأخذ بالنظر إلى الآخرة هي حياة لهو ولعب.
وتقول الآية الأخرى عن هادفية الرسالات “هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين”، ثم آية أخرى “الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم”.
الرسالات جاءت لتصعد بالإنسان، لتأخذ به في رحلة إلى الله تعمر قلبه، تحيي نفسه، تنطلق بروحه إلى آفاق الرحمة، وآفاق اللطف، وآفاق الكرامة الإلهية. أما الممارسات الأرضية التي تعالج بها الرسالات المشاكل الأرضية فذلك من الوسيلة. والهدف هو الصعود إلى الله، الهدف هو ليس صناعتك جسداً، وإنما الهدف صناعتك روحاً، وقلباً، ونفساً، وفكرا. أنت لن تخرج بهذا الجسد من هذه الحياة، إنما ستخرج إلى الحياة الآخرة بروح خالصة مفصولة عن الجسد، فالهم كل الهم ينصب على ما يبقى، لا على ما يتحول تراباً و ذرات ضائعة في الكون العريض.
اللهم صل على محمد وآل محمد وارزقنا وإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين مغفرة منك ورحمة، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم. ربنا والِ بين طاعاتنا لك، واجعلها خالصة لوجهك الكريم، و أعذنا من تخلل المعصية، وطروّ الفترة، ولا تحرمنا مرضاتك، ولا تمنعنا كرامتك، وهب لنا سعادة الدنيا والآخرة، يا أكرم من أعطى ويا أجود من سُئل.
بسم الله الرحمن الرحيم
“إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وأنحر إن شانئك هو الأبتر”
الخطبة الثانية
الحمد لله من أول الدنيا إلى فنائها، ومن الآخرة إلى بقائها، حمداً متصلاً فوق كل حمد، وهو منتهى الحمد، وأجلّه وأسناهوأكمله.
أشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وحجته على عباده، ودليله على شريعته، والقائد إلى هداه وجنته. صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً بليغاً كثيرا.
أوصيكم عباد الله ونفسي الأمارة بالسوء بتقوى الله، وخوف غضبه، وشكر نعمه، والشوق لجلاله وجماله، والطمع في ثوابه وإكرامه، والاستغناء عما في أيدي عباده، بطلب جميل إنعامه، فإنه قريب لمن دعاه، مجيب من سأله. ما افتقر من استغنى به، وما استغنى من عدل عنه إلى من سواه، وما أصاب أحداً خيرٌ من أحدٍ إلا بفيضه وإذنه، فمردُّ الخير كله له، ومنتهى النعم إلى كرمه، فتمام الحمد والشكر له.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واكفنا وإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين وَهْمَ الحاجة إلى المحتاجين، والاستغناءِ عنك يا رب المربوبين، وأغننا بفضلك عمن سواك، وأقر عيوننا بإحسانك ورضاك.
اللهم صل على البشير النذير، والسراج المنير، منارة الهدى، ورأس التقوى، والعروة الوثقى محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء، وإمام الأولياء، وآله الأصفياء. اللهم صل وسلم على علي بن أبي طالب أمير المؤمنين، وإمام الموحدين بعد نبيك الكريم. اللهم صل وسلم على فاطمة الزهراء التقية النقية الزكية. اللهم صل وسلم على السبطين الزكيين، والإمامين الوليين، الحسن بن علي بن أبي طالب و أخيه الشهيد الحسين. اللهم صل وسلم على الأئمة النجباء: علي بن الحسين السجاد، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري الأولياء السعداء. اللهم صل وسلم على إمام العصر، الموعود بالنصر، بقية الله في أرضه، والمنجز به وعده، محمد بن الحسن المنتظر والمؤتمَن. اللهم عجل فرجه، وسهل مخرجه، وانصره نصراً عزيزاً، وافتح له فتحاً مبيناً، ومكن له تمكيناً. عبدَك الموالي له، الممهدَ لدولته، والفقهاءَ العدولَ، والعلماءَ الصلحاءَ، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين وفقهم لمراضيك، وسدد خطاهم في سبيلك.
أما بعد أيها الإخوة والأخوات في الله فهذه كلمة عن الأحداث المؤسفة.
كلمة عن الأحداث المؤسفة:
أولاً: أمامنا مجموعة من الحقائق الماثلة على الأرض في هذه الأحداث:
أ- هناك أماكن دعارة، ومُسكِرات، تعاطياً وبيعاً وترويجاً، وذلك في الأوساط السكنية للعوائل المؤمنة المحترمة. وهذا يمثل دعوة عملية صارخة ومفتوحة للجميع للموائد الشيطانية القذرة، المُجمَع على حرمتها وخبثها وفتكها بالمجتمعات، ويمثل شبكاً تخريبياً للشباب والناشئة.
ب- هناك بلاغات ومناشدات واستغاثات متعددة، واحتجاجات واستنكارات متعددة ولسنين طويلة من أجل التدخل الرسمي لحل المشكلة.
ج- كان سكوت طويل من حماة القانون والمكلفين بتنفيذه، وفي هذا موقف مغر لجماعات الإفساد بالاستمرار والتحدي من جهة، وهو يعطي شعوراً بالإحباط لأصحاب الأماكن المتضررة، ولكل الغيارى في هذا الوطن.
وأخيراً هناك موقف مواجهة لهذه الظاهرة جاء فوق العادة، ولا يخلو من سلبيات، والسؤال: أيوجد قانون فعلاً يحميالعوائل المحترمة والأعراض والأولاد، ويمنع التلوث البيئي بالمحرمات من الكبائر؟ هذا إذا لم نسأل عن قانون يحمي كل شبر وكل ذرة من ذرات الوطن عن مظاهر الفحش والرذيلة. إذا لم يوجد قانون من هذا النوع فذلك هو أساس المشكلة، وإذا وُجد وعطَّله من أُسند إليهم التنفيذ حق أن يكون هؤلاء أول من يحاسبهم القانون!
ثانياً:
للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شروطه وأحكامه، ولا ينبغي لمسلم أن يهمل تعلم باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لأنه من المسائل التي يعبر عنها الفقهاء بالمسائل الابتلائية، أي التي تواجه المكلف في يومه، فضلاً عن الأسبوع والشهر. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة على كل مسلم ومسلمة، شأنها شأن الصلاة، فكما نعيش حالة الابتلاء بالصلاة ومسائلها يومياً.. فنحن نعيش حالة الابتلاء في مسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتشعباتها وفروعها. فلا يصح لنا أن نهمل تعلم باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فتأتي ممارساتنا في هذا الإطار ممارسات ترتكب منكراً وتتخلى عن معروف! وإذا كان التاجر فاجراً ما لم يتفقه، وكان الأمر بالمعروف تصرفاً في شخصية الآخرين، وفي أموال الآخرين، وفي شئونهم، يأتي أن التارك لتعلم الفقه في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو على طريق الفجور، أي المخالفات الشرعية.
فمطلوب منا أيها الأخوة والأخوات أن نلتزم بالأمر بالمعروف ونتحمل أمانته بدقة وكفاءة، وأن نعد أنفسنا لتحمل هذه الأمانة بتعلم شروط وأحكام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حتى لا يقع على يدنا خلل يدخل في باب المنكر، وخلل يخرج بنا عن المعروف، ويوقعنا في التقصير فيه.
ثالثاً:
تخلي الأكثرية عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يعقد المسألة، ويقود إلى ارتكاب أساليب تضر بالمصلحة لكل الأطراف. فلو اجتُمع على الكلمة الناهية موضوعةً في صورتها المؤثرة وأسلوبها الفاعل، وقامت الشرائح ذات المواقع المتقدمة ومختلف شرائح المجتمع بدورها المطلوب في هذا المجال لتحققت الأهداف النبيلة، بدرجة أكبر، وكُفي المجتمع شرور المنكرات من دون خسائر تضر بأحد من أبنائه. هؤلاء الشباب الغيارى – حفظهم الله وسدد خطاهم وجنبهم الزلل والخلل في ممارسة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر – قد يجدون أنفسهم مفردين في الساحة، وشرائح أخرى تعيش حالة التقصير. المجتمع بشيوخه، وعجائزه، وشبابه، وصبيته، وعلمائه، وعامليه، لو قال كلمة ” لا ” بصورة هادئة، ولكن حاسمة، وجازمة، ومصممة، لمنكر من المنكرات على أرض الوطن لكان الواقع يملي بكل ضرورة أن ينتهي هذا المنكر، ولكن الأكثرية ساكتة، أو أنها تتحدث بينها وبين نفسها. هناك شباب مملوء بالغيرة، ومملوء بالحيوية قد يتفجر في لحظة من اللحظات فيأتي على يده خير، وقد يشارك هذا الخير شيء من الشر، وشيء من الغلط، وشيء من الانفلات. فحين تأتي خطئة عملية على يد الشباب في لحظة من اللحظات فالذنب ليس ذنبه بقدر ما هو ذنبي وذنب أمثالي وشرائح المجتمع الأخرى.
رابعاً:
سبق التأكيد على أن إدارة المجتمعات المسلمة لا يصح أن تكون بالعقلية المادية الصرفة التي تدار بها المجتمعات الكافرة، وأن للمجتمع المسلم حاجاته وأولوياته المتميزة، وتجاوز هذا الفارق بين مجتمع الكفر والإيمان يعني الاصطدام بالواقع الذي تعبّر حاجات الروح من خلاله عن تواجدها وقوة حضورها في مجتمعات الإيمان والفضيلة.
خامساً:
لابد من حل جذري للمشكل حفاظاً على القيم الإسلامية الرفيعة، والأمن الديني والاجتماعي والسياسي والاقتصادي، ولن يتم هذا إلا باعتراف الحل بإسلامية الفكر والشعور والممارسة لهذا الشعب. أما التوقيفات والتحقيقات وما يترتب على ذلك فمشكوك جداً أن تعالج المشكلة ولو على المستوى السطحي الذي قد يتعمد إهمال مقدّرات الأمةوقناعاتها الدينية.
وإذا جئنا للمحاسبة فالمحاسَب هنا ليس طرفاً واحداً، فاللذين يختارون من المشاريع أفسدَها، ومن الأماكن لترويج مشاريعهم السيئة الساقطة المناطق المجاورة لسكن الشرفاء، وأماكن العبادة، ويجاهرون بمنكرهم متحدين ضمير الأمة ودينها واحدٌ ممن يحاسبون، هذا الطرف لابد أن يحاسَب. وقد تقدم أن أول من تحق محاسبته من عطّل قانون الملاحقة لهذه الظواهر المنكرة إلى الحد الذي يسمح لها بالتفشي والتمدد الخطير.
ومع محاسبة هذين الطرفين تأتي بلا شك محاسبة الطرف الثالث في ما يقع على يده من مخالفات محرّمة.
سادساً:
أشدّد جداً ومؤكَداً على التخلي عن أساليب العنف في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والأخذ بالأساليب السلمية المعبرة.
ولابد للاستغناء بهذه الأساليب – وهي مطلوبة – من تحمل العلماء والشرائح المؤمنة الأخرى مسئوليتها في هذا المجال، بالإضافة إلى تفهّم عملي وتجاوب صادق من الجهات الرسمية مع هذه الأساليب الهادئة. وإلا إن لم يكن هذاأوذاك، إن لم يكن انضمام العلماء والشرائح الأخرى للشباب في عملية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالأساليب الهادئة، أو لم تعطِ الجهات الرسمية أذناً صاغية للأساليب الهادئة فلابد من انفجارات في الوضع خطيرة ومدمرة، وتهدم السقف على رؤوس الجميع. والعقلاء لا يسعون لهذا بأي حال من الأحوال.
وإنه ليهمنا جداً أن يُجنَّب الوطن دائرة العنف والمواجهات الساخنة، على مستوى الفعل ورد الفعل من جميع الأطراف.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات، وباعد بيننا وبين السوء وأهله، وصن ديار المسلمين من فساد المفسدين، وكيد الكافرين، وبغي الظالمين، وامنن على أهل طاعتك بالنصر والعز يا أكرم الأكرمين ويا أرحم الراحمين.
(إن الله يأمر بالعدل ولإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون)