خطبة الجمعة (119) 10 جمادى الأولى 1424هـ – 11 يوليو 2003م.
مواضيع الخطبة:
سورة الزلزلة – العراق والمسألة الدستورية – نذيران من باكستان – مشكلة التجنيس
ما تستتبعه مشكلة التجنيس من مشكلات اجتماعية بدأ ظهورها واضحاً في المناطق التي يتواجد فيها
المجنسون، ومع المشكلات الاجتماعية مشكلات ثقافية مترتبة، ينضم إلى ذلك أغراض
التجنيس السياسية التي تحتاج إلى تحقيق دقيق.
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي خلق الخلق، وأتقن الصنع، وقدر كل شيء تقديرا، وهو المقدر أحسن تقدير، والمدبر خير تدبير. أشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وآله وسلم تسليما كثيرا.
عباد الله أوصيكم ونفسي الأمارة بالسوء بتقوى الله، فمن رحم نفسه اتقى ربه، ومن لم يتقه كان لها ظالما. وليس من ظلم أحد لنفسه كظلم من رضي لها ثمنا دون الجنة. وما ظلم أحد نفسه بعد أن بذلها في مرضاة الله، وطلب لها مقاما كريما في جنات الخلد مع الصديقين والصالحين.
اللهم صل على محمد وآل محمد، ولا تجعلنا وإخواننا المؤمنين والمؤمنات من الظالمين أنفسهم بالخروج من طاعتك طرفة عين، واجعل عمرنا بذلة في طاعتك، ووصلة إلى رضوانك يا كريم يا رحيم.
أما بعد أيها المؤمنون والمؤمنات..
فتعالوا بنا إلى عالم نستقبله ويستقبلنا، نقف معه وقفة ولو بسيطة، ونحن نتحدث عن سورة الزلزلة:
بِاِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ }إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا، وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا، وَقَالَ الإِنسَانُ مَا لَهَا، يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا، بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا، يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ، فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه{
سورة الزلزلة نداءٌ إلى الغارقين في الدنيا، الكادحين المكدودين فيها ولها، المتشبعين بهمها، المتنافسين على جيفتها، الذين لا يرمون ببصر وراء جدرانها المحدودة، ومحيطها الخانق.
نداءٌ إلى الذين يركضون ليلاً ونهاراً يزرعون، ويبنون، ويقيمون مصانع، ويشيدون قصورا وعمارات وناطحات سحاب، وكل ذلك من أجل هذه الدنيا.
إلى خلق كثير لا يعرف من هذا الكون العريض إلا همّاً كان مصدره بطنه وفرجه، إلى الذين تقوقعوا فلم يقصر نظرهم عن ما وراء الكون فحسب، إنما وصل بهم التقوقع حتى لم يروا إلا ذواتهم المادية، لا يكتشفون من وجودهم روحا، ولا يقيمون لحظة مع الهم المستقبلي، ولا يمتد بهم نظر إلى ما بعد خطوات، إلى هؤلاء الذين تطحن أعمارهم هذه الحياة لتحوّل كل أعمارهم إلى شيء من الهباء المنثور، وليت الأمر يقف عند ذلك بل إن هؤلاء يُنفقون العمر فيما يحوّلهم ليس إلى صفر من حيث الروح وكفى وإنما لينتهي بهم إلى أحجار خالدة في جهنم.
إلى هؤلاء كلهم تطرح سورة الزلزلة قضية مستقبلية ولكنها متحققة لا محالة. السورة في صورة قضية شرطية، تطرح شرطا وجزاءا، }إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا{ هذه بداية الشرط، وبداية الجزاء } يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ{.
أنت أيها الإنسان هنا ليس لأن تبقى، وليس لأن تبني ما حولك وتهمل نفسك، وليس لأن تشيد من ذاتك عمارة لا يمتد بها العمر إلا إلى ستين سنة أو مائة سنة أو ما يقل أو يزيد، إنك هنا من أجل أن تبني ذاتا باقية خالدة، وخلودها خلود الصالحين، خلود السعداء، خلود من لا يشقى أبداً.
أنت هنا لأن تبني عقلك، لأن تبني روحك، لأن تبني مشاعرك، لأن تبني نياتك البناء الذي تنظر إليه عين الله برضى، ليعطيك هذا الرضا ما لا يخطر على قلبك من سعادة وهناء بلا نهاية وانقضاء.
}إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا{أليس للأرض من الزلزال كثير؟ فلماذا يضاف هذا الزلزال إلى الأرض وكأنه الزلزال الوحيد؟ كل زلزال بإزاء هذا الزلزال لا يعد شيئا، والزلزال المرعب المهول الذي يلقي بالذعر في القلوب كلها إلا من رحم الله هو زلزال ذلك اليوم الذي لا خُلف فيه.
الزلازل تحدث في الحياة في بقاع متفرقة من الأرض على تباعد أو تقارب من الزمان، وتبقى الأرض هي الأرض، تبقى أماً للناس عليها، وتبقى محتفظة بالكثير الكثير من كنوزها التي تقوّم حضارة الإنسان، أما زلزال ذلك اليوم فهو زلزال للأرض كل الأرض، زلزال لا يبقي في بطن الأرض من شيء إلا وأخرجه؛ وكأن دورها في بناء حضارة الإنسان قد انتهى. هذا الزلزال يفقد الإنسان أمكَنَ أرضية كان يتمسك بها، ويطمئن إليها، ويثق بالسلامة عندما تترسخ قدمه عليها، وكان كل صراعه عليها، وعلى خيراتها، وعلى البقاء فيها.
وهذه الأرض التي قامت عليها حضارات، واحتضنت نتاج العقول، واستفرغت حياة البلايين تشهد ذلك اليوم بأن كل شيء مما أتاه الإنسان وكان بناءا على الأرض لا يصعد لله إنما هو هباء.
نعم، هو زلزالها الموعود… زلزالها الأكبر… هو زلزالها النهائي… هو زلزالها الذي يأتي على ما فيها، وهو زلزالها الشاهد على أن كل شيء إلى زوال ولا بقاء إلا لله. زلزال يزلزل النفوس التي عاشت وهم الاحتماء بالأرض، وكان صراعها عليها، وانشدادها لها من دون الله سبحانه وتعالى… زلزال عنيفٌ مهولٌ، ومِن مثله عُنَْفاً وهولاً زلزلة النفس الظالمة لنفسها يوم ذاك؛ النفس التي لم تعمل على إيجاد سبب من الطاعة والعبودية الخالصة بينها وبين الله؛ فهي زلزلة مدمرة لا تبقي من النفس للنفس شيئاً.
ونعود نتذكر أن سورة الزلزلة نداء إلى الغافلين، نداء إلى السادرين، نداء إلى النائمين، نداء إلى كل أهل الصراعات الدنيوية التي لا تتطلع إلى الله، ولا تعيش معركتها من أجله، لتفيق على المستقبل المرعب، والمصير السيء الذي يقعبة التفريط في جنب الله.
}إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا، وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا {
يومئذ لا قصور شامخات، ولا بناء حضاري، يُشَهدُ في صروح، وفي زروعٍ، وفي مصانع، وفي قوة نووية، ليس من شيء يوم ذاك على الأرض مما جرى من أجله صراع المغفلين، كل ما أنفقت فيه الأعمار، وتنافس فيه المتنافسون من أهل الدنيا تحول إلى هباء، وما يقيم الناس عليه حضارتهم الماديّة من أرض قد خسروه وخسروا كل ما كانت تهيئة لهم من أسباب على هذا الطريق.
} وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا { وتكرر لفظ الأرض، وكان المتوقع أن يحل محله الضمير، فيقال وأخرجت أثقالها، ولكن الآية الكريمة تقول } وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا {و هذا تعبير الإحساس بأن هذه الأرض التي تعتزون بها، والتي تحتضنكم وتحتضن زاد ملايينكم وبلايينكم، وترجعون إليها في ما تستمدون به أسباب الحياة والبقاء، عليكم أن تتذكروا مرة ثانية أنها تخرج أثقالها.
والأرض التي كنتم تنادون بشعارها، و يتقاتل أبناء العمومة والخؤولة على شبر منها، والتي حملتكم على ظهرها أحياءً، وضمتكم في ترابها أمواتاً، تخرجكم إلى ساحة جديدة من بين ما تخرجه من أثقال ولستم أثقل الأثقال فيها، تخرجكم مع كل الأثقال التي كانت تستوعبها وتمثل رصيدكم في الحياة.
فيا عبّاد الأرض، يا عبّاد الدنيا، يا عباد الشهوات أين هذا الرب الذي كنتم تلجؤون إليه؟ ها هو ينهار أمامكم، لا يمسك بنفسه،وهو والجبال الرواسي التي تندكّ لا يصمد أمام قدرة الرب الحق. والدرس الحاضر أن اعبدوا الله في دنياكم قبل فوات الأوان، ووحدوه ولا تعبدوا من دونه أحدا.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واكفنا وإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين شر أنفسنا في الحياة، وآمنا يوم الممات، ولا ترنا أعمالنا حسرات. وارحم ضعفنا يوم الفزع الأكبر، واجعل لنا عندك مأمنا، وأكرم وجوهنا عن النار يا كريم.
اللهم اغفر لنا ولجميع أهل الإيمان والإسلام، ومن كان له حق خاص علينا منهم ولوالدينا وأرحامنا وجيراننا يا أرحم الراحمين.
بِاِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ
(وَالْعَصْرِ، إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْر.)
الخطبة الثانية
الحمد لله حمداً كثيراً كما هو أهله، لا يقدر قدَرَه أحد، ولا يشركه فيه أحد سواه، ولا يبلغ كنهه إلا هو. منعمٌ كل النعم من عنده، محسنٌ كل الإحسان راجع إليه، متفضل كلُّ التفضّل منه. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله صلَّى الله عليه وآله وزادهم تحية وسلاماً.
أوصيكم عباد الله ونفسي الأمَّارة بالسوء بتقوى الله الذي إليه مرجع العباد، وحسابهم بيده، وجزاؤهم عنده، وهو المالك الذي لا مالك سواه، والحَكَم الذي لا معقِّب لأمره، ولا راد لقضائه، ولا يجور في حكمه.
ومن تقوى الله شكر نعمه، والأخذ بطاعته، والفرار من معصيته، وأن لا يشرك به أحدٌ أبداً. ولماذا يُتّقى غيره والأمر كلُّه بيده، ولا يدفع المكروه سواه، ولا ينفذ إلا ما قضى به عدله، وجرت به مشيئته؟!
اللهم كما دعوتنا لطاعتك تفضُّلا منك فاكتب لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات التوفيق للطاعة والإخلاص فيها، وارزقنا التقرب إليك، واقبلنا ولا تطردنا بما فرَّطنا وأسأنا عن ساحة رحمتك، واجعلنا من أصدق أهل توحيدك يا كريم يا رحيم.
اللهم صل على محمد وآل محمد نبيك ورسولك البشير النذير، والسراج المنير وآله الطاهرين. اللهم صل وسلم على علي أمير المؤمنين، وإمام المتقين. اللهم صل وسلم على أمتك، وابنة نبيك فاطمة الزهراء، الصديقة الطاهرة المعصومة. اللهم صل وسلم على الإمامين الهاديين، والوليين الرضيين، والسبطين الزكيين الحسن بن علي بن أبي طالب وأخيه الحسين. اللهم صل وسلم على أئمة المسلمين، وحجج الله في العالمين علي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري قادة الدنيا والدين.
اللهم صل وسلم على إمام العصر، والموعود بالنصر، العالم القائم، النقي بن النقي، محمد بن الحسن المهدي.
اللهم عجّل فرجه، وسهل مخرجه، وانصره نصراً عزيزا، وافتح له فتحاً مبيناً، وأظهر به دينك، وأعزّ به أولياءك، وأذل به مردة الكفر والنفاق من أعدائك يا قوي يا عزيز.
اللهم الموالي له، المؤمن بمنهجه، الممهد لدولته والفقهاء العدول، والعلماء العاملين الصالحين، والمجاهدين الغيارى الذائدين عن دينك، المقارعين لأعدائك كن لهم عوناً وهادياً ودليلاً، وأخلص عملهم لك، وأسلكهم سبيلك، وأنلهم كرامة الدنيا والآخرة والمؤمنين والمؤمنات أجمعين.
أمَّا بعد أيها الأخوة والأخوات في الله فالحديث في القضايا التالية:
الأولى: العراق والمسألة الدستورية:-
1. استقامة الدستور استقامة للحياة، وانحراف الدستور انحراف للحياة.
إذا جاء الدستور على غير هدى الدين والشريعة كنا غير مسلمين، وإذ جاء الدستور على هدى الدين والشريعة كنا على طريق الإسلام، وكانت حضارتنا من نتاجه.
وهذا يلخِّص الأهمية الكبيرة جدا جدا لمسألة الدستور.
2. ماذا تقول ديموقراطية الأمريكان؟
أتقول ديموقراطية الأمريكان لهم: أن ينطلقوا من لغة الغاب ليفرضوا نفسهم على الشعب العراقي ومقدراته ومقدساته فيضعوا له دستوراً على معزل من رأيه؟ أو أن يشاركوه برأيهم المناوئ لرأي الشعب المنطلق من منطلق حضاري آخر في وضع الدستور؟ ألاّ تفرضُ لغة الديموقراطية على مدعي الديموقراطية من الأمريكان أن يدعوا للإرادة العراقية أن تعبر عن نفسها في وضع دستور البلاد؟ محكٌ واحد من مواطن كثيرة فشلت فيها دعاوى الأمريكان أمام التجارب العملية، والمحك العملي.
3. من أين ولايتهم؟! العراق شعب قاصر؟!
من أين ولاية الأمريكان على العراق؟ إذا طرحنا لغة الناب والظفر جانبا، وقلنا بأن أمريكا متمدنة متحضرة و تريد أن تضرب المثل للديموقراطية التي تريد أن تبشّر بها، فمن أين تكون ولاية للأمريكان على الشعب العراقي؟!
أمريكا ترفض أن تكون ولاية للفقهاء في بلد الفقهاء، ولفقهاء فكرهم من فكر الشعب، ورؤيتهم من رؤيته، ودينهم من دينه، وهمهم من همّه، ولا يمارسون ولاية تشريعية على الناس، ويرون أنفسهم سواءً مع الآخرين في الخضوع للدستور الإلهي العادل.
الفقيه ليست له ولاية تشريعية على الناس، الفقيه له ولاية تنفيذية خاضعة لتشريع الله، هذه الولاية ترفضها أمريكا للفقهاء في بلد الفقهاء وفي بلد المتشرعة فكيف تعطيها لنفسها على الشعوب الإسلامية التي ليست معها على خط حضاري واحد؟ ولها مصاحلها المستقلة وهي محتلة غازية معتدية؟!.
4. أحسبوه مستسلماً ذليلاً؟
حسبوه شعباً تذلّه الجراح، شعباً تفصله عن قضيته قضايا الجوع والعري، حسبوه شعباً يعطي من نفسه الذلة أمام طغيان الطغاة وتجبر الجبابرة وكأنهم لم يدروا أنه شعب القرآن، شعب محمد، شعب علي والحسن والحسين عليهم السلام.
لن يذلَّ شعب العراق، ولن يستسلم للإرادة الأمريكية.
5. المرجعية والمسألة.
ولا يسع للمرجعيَّة الفقهية الرشيدة من ناحية دينية أن تسكت على تمرير دستور يخالف دين الأمة وينقض شريعتها ويفصلها عن خطِّ الله.
الثانية: نذيران من باكستان:-
1. دعوة مشرَّف للتطبيع مع إسرائيل العدوة المستكبرة المتعجرفة.
هذه الدعوة ليست دعوة مشرف وحده، هي دعوة الحكّام الكثيرين في الأمة وخاصة من أبناء الأمة العربية والذين يحكمون العرب. يرفعون شعار التطبيع، ويمارسونه على الأرض، ويريدون للأمة أن تتبعهم كقطعان الغنم، في الوقت الذي تهزأ فيه إسرائيل بمسألة الصلح ومسألة الهدنة، ونختار المواجهة، فالعرب يركضون وراء إسرائيل يمدون لها يد الاستسلام وإسرائيل ترفضهم.
هذا الموقف الرسمي الذليل و الأمةُ على نقيضين؛ ولن تستمر مواجهة الأمة مع إسرائيل فحسب مع هذا التطبيع، وإنما سيجر هذا التطبيع الأمة إلى خوض معركة داخلية تتواجه فيها الشعوب والأنظمة، وتكون إسرائيل وأمريكا متفرجتين، فارحموا الوضع أيها الحكّام، ولا تلقوا بهذه الأمة في أتون الصراعات الداخلية المهلكة، إنكم حملة أمانة، وأقل ما تتطلبه الأمانة منكم ألا تبيعوا الأمة رخيصة على عدوها.
2. إنذار حادث كويتا يمثِّل مصيبتين: مصيبة الفعل، والتي تشهد بسقوط في الوعي. حدث لا يقوم على فهم، وينطلق من تقوى البُلَّه السادرين في الجهل المقيت.
والتربية التي تقف وراء هذه الشريحة من المسلمين تربية لابد أن تنتهي، وإلا كانت سبباً من أقوى الأسباب الداخلية للقضاء على الأمة، ومن نتائج هذه التربية الوخيمة أنها تسيء للإسلاَم، وتقدمه للناس مخلوقاً شائهاً.
لا تقدّمه الإسلام َالنقي، الإسلام القائم على العقل والحكمة والحب والسلام،إنّما تقدمه إسلاما همجيا عدوانياً لا يعرف كيف يعطي ردّ فعلٍ معتدل على فعلٍ عدلٍ أو ظلم.
المصيبة الثانية في حادثة كويتا هي مصيبة رد الفعل الذي يقوم على اللافعل، فهناك سلبية قاتلة للمراكز الدينية العلمية، فأين تعبير هذه المراكز عن وحدة الأمة، وعن أن العالِم لا يفرق بين مصيبة في شيعة أو سنة؟!
لماذا تبقى مصائب الشيعة مصائب شيعية فقط؟ ومصائب السنة مصائب سنية فقط؟ وأنا ما عرفت أن النجف الأشرف يوم أن كانت تستطيع أن تقول كلمة، وما عرفت من قم أنها تسكت على جرح إسلامي في شرق من بلاد الإسلام أو غرب.
ولنا من حق الأخوّة الإسلامية ما يدعونا أن نسجل عتابا على المراكز العلمية الدينية السنية في مثل هذه الأحداث.
يلتقي مع حالة كويتا هذه التغذية المستمرة للشعور بالصراع الطائفي التي تمارسها صحافتنا المحلية، وهناك أعمدة شبه ثابتة وأكثر من كاتب وكأنهم أُعطوا وظيفة محددة هي الانقضاض الدائم المستمر ليس على الرموز الشيعية فقط وإنما على الفكر الشيعي وقداسات الإسلام في إطار مدرسة أهل البيت عليهم السلام.
والحكومة أول من تسأل عن استمرار هذه الأعمدة ولو كانت أعمدة تناقش المسألة السياسية أو تتعرض إلى رموز سياسية من النظام بهذا العنف وبهذه الشدة لما كانت العقوبة عقوبة للكاتب ولا لإدارة الصحيفة فحسب وإنما للصحيفة أصلاً.
وقد كُلِّم المسؤولون في ذلك، واستخفوا عملياً بالكلام، وكان الكلام في بيت سماحة الشيخ عبد الأمير الجمري حفظه الله وسلّمه قبل أشهر وكان من حضور الجلسة سماحة الشيخ الجمري، سماحة السيد عبدالله الغريفي، سماحة الشيخ حسين النجاتي وبعض المسؤولين.
الرابعة: مشكلة التجنيس:-
1. مشكلة مؤرِّقة ولاشك. ومشكلة قائمة على الأرض وجادة، وهذا لا يسمح بإهمالها.
منطلق المعارضة للتجنيس ليس كراهية الإخوة المسلمين، ولا يمكن أن يكون ذلك، والمدينة المنورة احتضنت مسلمي مكة المهاجرين الذين هاجروا لربهم ولبناء كيان إسلامي ينقذ الدنيا، وينتشل المدينة من جهلها قبل حلول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
التجنيس يكون للبناء، ويكون للقوة، ويكون بحسابات موضوعية، ويكون قائما على العدل، ولا يستتبع هدم الإيجابيات أكثر مما قد يدّعى له بأنه يبني لو كان لهذه الدعوى شاهد صادق.
الذي يدعو للمعارضة أسباب ذكرت كثيراً؛ منها وليس كلها:
1. ضيق الرقعة الجغرافية: وانظروا إلى طلبات الإسكان، وطلبات الأراضي وكيف يصل الأمر بالناس إلى اليأس من المسكن، ويصل الشخص صاحب العائلة إلى سن الخمسين وهو ينتظر أن يمتلك شبرا فلا يجد.
2. شح الموارد: وهذا كلام رسمي، وأن البحرين ليست من البلاد الخليجية الأكثر قوة في الاقتصاد.
3. البطالة المتفشية: والتي تأكل عمر شبابنا، وتذهب توقد فكرهم وتسقط ثقتهم بأنفسهم، وتحولهم إلى أزمة.
4. ما تستتبعه مشكلة التجنيس من مشكلات اجتماعية بدأ ظهورها واضحاً في المناطق التي يتواجد فيها المجنسون، ومع المشكلات الاجتماعية مشكلات ثقافية مترتبة، ينضم إلى ذلك أغراض التجنيس السياسية التي تحتاج إلى تحقيق دقيق.
وكل ذلك يتطلب طرحاً شفافاً موضوعياً للمسألة، ونقاشا سياسيا بعيدا عن التشنجات، ووضع المطالبة لحل المشكلة في صورة علمية تعتمد لغة الأرقام والوقائع الخارجية ما أمكن مع المحافظة على سلامة الوحدة الوطنية والاستقرار الأمني.
وهذا توجه سليم ندعمه كل الدعم، وفيه حفاظ على المصلحة الوطنية العامة، ولا مجال لمواجهته بردود فعل غاضبة أو ممتعضة، فالناس حين يعبرون عن مطالبتهم بحل مشكلة التجنيس ووضعها في الإطار القانوني الصحيح الذي يخدم المصلحة الوطنية ويراعي حقوق المواطنين التي تقتضي أنه حتى لو كانت هناك مادة قانونية تبيح التجنيس فإن هذه الظروف الخانقة وكثافة المشاكل الداخلية واستفحال البطالة يضع قيودا عملية قوية على مثل هذه المادة.
أكتفي بهذا المقدار تاركاً بعض المسائل المهمة الأخرى.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واجعل لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات قدم صدق عندك معهم، وأحينا محياهم، وأمتنا مماتهم، وتوفّنا كما توفيتهم مسلمين راضين مرضيين، واحشرنا في زمرتهم يا كريم.
اللهم اغفر لنا ولأهل الإيمان والإسلام، ولمن كان له حق خاص علينا منهم ولوالدينا وأرحامنا وأزواجنا وجيراننا وقراباتنا يا أرحم من استرحم، وأكرم من سئل، وأجود من أجاب.
(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)