الحديث الأسبوعي لـ آية الله قاسم – العقل و الجهل – ٦ نوفمبر ٢٠٢٤
*نص محاضرة سماحة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم في الجلسة الأسبوعية التي يعقدها في مقرّ إقامته في قم المقدسة كل ليلة خميس تحت عنوان (جنود العقل والجهل) – 06 نوفمبر 2024 / 03 جمادى الاول 1446هـ:
بسم الله الرحمن الرحيم
باب فَقْد العلماء
عن أبي عبد الله “عليه السلام”: ما من أحدٍ يموت من المؤمنين أحب إلى إبليس من موت فقيهٍ
ومقامات الفقهاء تتفاوت، ومن أحق من يصدق عليه عنوان الفقيه هو من علم بالإسلام ما علم وانقاد لما علم، وأقام برهاناً من سلوكه، من حياته، من جهاده، من برّه، من إحسانه، من أخلاقه، على عظمة ما علِم من الإسلام، على عظمة الإسلام ولو من خلال ما وصل إليه علمه منه.
ولذلك يفرح إبليس لموته لا لأنّه مات، وإنما لأنّ دوره في إحياء الأمة، في النهوض بها، في نشر كلمة الله، في التمكين لدين الله قد انتهى فيما يراه إبليس ولو بدرجةٍ من الدرجات.
لا ننسى هنا مقام سيدنا الكريم السيد حسن نصر الله “أعلى الله مقامه”، وكم كان لإبليس أن يفرح بشهادة هذا الرجل العظيم، وكم كان لأتباع إبليس وجنود إبليس أن يفرحوا، وقد عمّتهم الفرحة، عمّت الكافر والمنافق والجاهل!
عن أبي عبد الله “عليه السلام”: إذا مات المؤمن الفقيه ثلم في الإسلام ثلمةٌ لا يسدّها شيء.
لو أنّ فقيهاً كبيراً جامعاً ألمَّ بعلم الفقه بشكلٍ لا يلحقه لاحق، ولكنه لم يعمل به ولم يقدّره، هذا طبعاً إبليس لا يفرح لموته.
إنّ عابداً له شيءٌ بسيطٌ من العلم، قلبه عامرٌ بذكر الله، مخلصٌ لله عزَّ وجلّ، يموتُ فيفرح إبليس بمقدار، لأنه دوره العملي مُعلِّم هادي، هذا الإنسان الأميّ التقي الورع المتعفف الشجاع في سبيل الله، طبعاً هذا يفرح إبليس لموته لما له من دورٍ تصحيحيّ للنفوس، وتوجيهي لله، لخوف الله، لخشية الله تبارك وتعالى.
والفقيه الكبير العظيم العظيم العظيم في عمله يموت فسقٍ -المستجار بالله-، هذا يحزن إبليس لموته.
(إذا مات المؤمن الفقيه ثلم في الإسلام ثلمةٌ لا يسدّها شيء).
لا يسدّها دور العالم من ذوي الاختصاص النافع للأمة، لا يسدّ ثلمة العالم الفقيه لما له من وعي بالإسلام، دراية بالإسلام، انسجام في دوره العملي مع الإسلام، إخلاص، الشعور بالواجب الثقيل تجاه مسؤوليته الإسلامية.
محمد بن يحيى، إلى آخره، سمعتُ أبا الحسن موسى بن جعفر “عليهما السلام”، يقول: إذا مات المؤمن بكت عليه الملائكة، وبقاع الأرض التي كان يعبد الله عليها، وأبواب السماء التي كان يصعد فيها بأعماله، وثلم في الإسلام ثلمة لا يسدّها شيء، لأن المؤمنين الفقهاء حصون الإسلام كحصن سور المدينة لها.
لا تنتهك المدينة المحصنة المسوّرة بسور متين شاهق، ويمتنع على الأعداء الألداء أن يهتكوا حريم هذه المدينة وأن يتستذلوا أهلها، وإن كانوا ضعافاً، إذا كان هذا السور مانعاً من أن يُخترق أو يُتجاوز.
الإسلام وهو مدينة الإيمان، مدينة العلم الصحيح، المدينة التي ترعى عمران الأرض، وترعى عمران النفوس، وترعى سعادة الخلق، هذه المدينة؛ إذا كانت الأمة وكيان الإسلام لا يُخترق، إذا كان لهذه الأمة فقهاء مؤمنون يصونون ويمثلون الحصن المنيع من أن يُخترق من جاهلٍ، من عنيدٍ، كافرٍ، منافقٍ، جبّارٍ، طاغٍ، وما إلى ذلك.
(إذا مات المؤمن بكت عليه الملائكة)
لماذا؟ لدوره، ولأنّهم متعلّقون بالله، محبّون لخلق الله، حريصون على سلامة المؤمنين، يهمهم أمر المؤمنين، كذلك أبوابُ السماء، بقاع الأرض، الأرض مطيعة لله خاشعة له، ترفض أن ترتكب المعصية عليها، تستوحش أن ترتكب المعصية عليها، تشعر بأنها قد خسرت وظيفتها، وهي إنما وجدت للبناء، للصلاح، للفلاح، للهدى، هذه الأرض حينما تُرتكب عليها المعصية تجد نفسها على غير خطّها الذي خلقها الله من أجل دورها الذي خلقت من أجل أدائه، لذلك تحزن لموت هذا المؤمن الذي يمثل حصن الأمة والإسلام، وهو العالم المؤمن العامل.
(وبقاع الأرض التي كان يعبد الله عليها)
تأنس الأرض بعبادة المؤمن، وتعشر أنها بعبادته تشارك في عبادة الله عزَّ وجلّ.
(وأبواب السماء التي كان يصعد فيها بأعماله)
لأن ملائكة السماء تأنس وتفرح وتستبشر بالعمل الطاهر الطيب، العابد لله عزَّ وجلّ، حين يصعد إلى السماء من العبد المؤمن، وبفقد هذا العمل بموت المؤمن، ملائكة السماء أيضاً تبكي وتحزن وتألم.
(وثلم في الإسلام ثلمة لا يسدّها شيء لأن المؤمنين الفقهاء حصون الإسلام)
وكلما ذهب عالم من العلماء الحقانيين العاملين المجاهدين، كلّما انهدم من هذا الحصن شيء، حدثت ثلمة، ثغرة.
(لأن المؤمنين الفقهاء حصون الإسلام كحصن سور المدينة لها)، فكما أن حصن المدينة يحصنها ويحمي من التعدي عليها، وكان من أسباب القوة دائماً هو سور المدينة، ولحدّ الآن الوقاية بين الدول التمترس هو وسيلة من وسائل الحرب، ووسائل الحماية والوقاية، وقد حفر المسلمون الخندق احتماءً طبيعياً به عن اعتداء الأعداء في وقتٍ كان جيش الأعداء جيشاً قويّاً فتّاكاً.
عن أبي عبد الله “عليه السلام”، قال: ما من أحدٍ يموت من المؤمنين أحبَّ إلى إبليس من موت فقيه.
في كلّ مؤمن نفع، في كلّ مؤمن عامل بمقدار وإنْ كان أمّياً، ويمثل سراجاً، ويعطي اعطاءً طيّباً في حدود بيته، في حدود حيّه، في حدود قريته، إلى الأطر الأخرى الأوسع.
كلّ مؤمن، عجوز في البيت، لا تعرف إلا القليل من أمر الإسلام، ولكنّها ملتزمة بما عرفته من الإسلام، مسبّحة، مقدّسة، عفيفة اللسان، لا ترتكب غيبة، هي معلّم في وسط بيتها، هي معلّم وهادٍ لهذا البيت، وللمنطقة الصغيرة التي تعيشها.
فكل مؤمن كما سبق يفرح لموته إبليس، ولكن ليس كمثل الفقيه العالم بالإسلام علماً صحيحاً، العامل به، المجاهد في سبيله.
(ما من أحدٍ يموت من المؤمنين أحبَّ إلى إبليس)
الحب يتفاوت، حب إبليس يتفاوت بموت المؤمنين، بقدر فهمهم للإسلام، حرصهم للإسلام، خدمتهم للإسلام، دورهم الإيجابي في صالح الإسلام.
قال أبو عبد الله “عليه السلام” أنّ أبي كان يقول: إنّ الله عزَّ وجلّ لا يقبض العلم بعدما يهبطه، ولكن يموت العالم فيذهب بما يعلم، فتليهم الجفاة، فيضلّون ويُضلِّون، ولا خير في شيءٍ ليس له أصل.
إمكانية العلم، استعداد الناس إلى العلم، مفاتيح العلم في طبيعة الإنسان، هذه لا تُرفع، لا قابلية العلم، ولا الأسباب المفعِّلة لهذه القابلية، هذه باقية في الناس.
(يُهبطه)
يعني يوجده في حياة الإنسان من سماء عليائه تبارك وتعالى، من موقع عظمته التي لا تحد، وكماله الذي لا يتناهى، (ولكن يموت العالم فيذهب بما يعلم)، وهذا موتٌ للعلم الذي لم يبلغه، هذا موت لما اكتسبه من العلم ولم يسعه من ناحية العمر أن يبلّغه كلّه، ولو بقي هذا العالم وذاك العالم وهو على صحةٍ وعافية لزاد نشره للعلم ولأثرى العلم أكثر مما أثرى.
(ولكن يموت العالم فيذهب بما يعلم)
وهذه خسارة.
سيدنا الكريم ذهب بعلمه، وذهب بجهاده، بغيرته للإسلام، وبحميّته، وبدفاعه المرير عن الإسلام، وبكفاءاته العالية.
(فتليهم الجفاة، فيضلّون ويُضلِّون، ولا خير في شيءٍ ليس له أصل)
إذا تُرك الناس، إذا بقي الناس من غير علماء هداة صالحين أدلاّء على الله تبارك وتعالى، وفقد دورهم الذي يُحيي الإيمان ويُحيي القيم ونفسية الإنسان وقلبه، ويصلح سلوكه، إذا ذهب هذا العالم، من يبقى؟ يبقى الناس الأشقياء، أصحاب العلوم الدنيوية، وأصحاب الطموح الدنيوي، وأصحاب الحيل الشيطانية من كافرٍ ومنافق، هؤلاء الجفاة الذين لا تلين قلوبهم، ولا تعرف الرحمة ولا الحياء ولا تحمل شيئاً من قيم، فيُضلِّون ويضلِّون، وحتى الجافي الذي يحتاج قلبه إلى إيقاظ، إلى تليين، يحتاج قلبه إلى أن يصله الوعي، وأن يصله نور العلم، حتى يحيا، هذه القلوب جافية، غليظة، لم تنفتح على نور الإيمان بقوّة، هؤلاء الجفاة ينتهون إلى الضلال، ويُضاف إلى ذلك أنّهم يشاركون في الإضلال ويكونون ممن همهم أن يضل من في الأرض.
عن أبي جعفر “عليه السلام” قال كان علي بن الحسين “عليه السلام” يقول أنّه يُسخّي نفسي في سرعة الموت والقتل فينا، -فيه وفي أهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين-، قول الله عزَّ وجلّ: أولم يروا أنّا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها، وهو ذهاب العلماء.
وهم العلماء، فإذا كان ذهاب أهل البيت “عليهم السلام” يمثل نقصاً في الأرض، وتفقد الأرض كثيراً من قيمتها، وكثيراً من دورها المصلح الإيجابي، الأرض من أجل الحياة، ولكنّها من أجل الحياة الكريمة، الحياة الرابحة، الحياة الفائزة التي تنتهي بالفوز الأكبر في الآخرة.
إذا كان أهل البيت “عليهم السلام” موتهم، وقتلهم، يمثّل نقصاً في الأرض، فما بالك هذا الموت والقتل، يجب أن يفرحوا له أن يجعلهم أسخياء بأنفسهم في سبيل الله تبارك وتعالى، لأنّ معنى ذلك أنّ الأرض قيمتها بوجودهم، وبدورهم وخلافتهم “صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين”.
فذهاب العلماء نقصٌ في الأرض، وكلٌّ بحسبه.
(يقول أنّه يُسخّي نفسي في سرعة الموت والقتل فينا)
نفسي بما هي نفس بشر، طبعاً لا تُسرع للموت، وتستثقل الموت بما هي نفس بشر، وتفرُّ من الموت، وتحبُّ الحياة، ولكن يُسخّي نفسي، يملأها سخاءً، نفسي تسخو بنفسها بسرعة الموت، يعني تحبُّ سرعة الموت، يهون عليها الموت حتى أنّها تحبّ سرعة الموت.
*كلمة بمناسبة أربعينية السيد حسن نصرالله “رضوان الله عليه”
لماذا تكريم نصر الله؟
التكريم طبعاً لمن كَرُم، التكريم لمن نفع، التكريم لمن هدى، التكريم لمن مثّل شعلة هدىً في الحياة، ولمن كان دوره دورٌ يحتاجه الناس ويضطرون إليه، ويشعرون بثمراته وعطاءاته، هل كان السيد كذلك؟
من هو السيد؟ لنجيب على ذلك نسأل من هو السيد؟ هذا الذي على دنيا الإسلام كلّها أن تهتم به، وعلى كلّ قلبٍ فيه إنسانيةٌ أن تحزن لموته، وعلى الناس كلّ الناس أن يفصحوا عما يعرفون من عظمته، من هو السيد؟
السيد إيمانٌ متجذّرٌ ناضج، متجذرٌ راسخ غير مهتزّ، أرضيّة هذا الإيمان لا تميل، علمٌ ثرّ صحيح، فكرٌ وقّاد دليله إنتاجاته ودوره القيادي الذي لا يتهمه أحدٌ بالقصور أبدا، حتى أعدائه من الصهاينة لهم شهاداتٌ في حقّه، في حقّ عقليته السياسية، وفي حقّ تدبيره، وفي قدراته المتفوّقة.
خلقٌ كريم جمٌّ رائع، إنسانيةٌ كريمة، معدن طاهر، قلب زكي.
السيد أبعادٌ كماليّة متعددّة مجتمعة تُكوِّن رجلاً عظيماً قلَّ نظيره -كما في كلمة سماحة آية الله العظمى السيد السيستاني-.
السيد عواطف جميلةٌ جليلة، عواطف ليّنة وخشنة، وكلٌّ من ليّنها وخشنها ليس فيه ميلٌ عن مقتضى الدين والعقل. عواطف يشعر منها اليتيم والضعيف والغريب والمنكوب بعلاجٍ عاجل، عواطف حدّ يُنسي الإنسان مصيبته.
قيادة نموذجية، القادة كثيرون ولكن القيادة النموذجية نادرة. السيد قائدٌ يرعى وعي أمّةٍ رساليةٍ واسعة. تعامله ليس مع أناس سذّج، ليس مع أناس بسطاء، ناسٌ من النخبة، من العلماء، من المختصين الكبار، من أصحاب الرصيد الاجتماعي الكبير، من أصحاب التجربة الواسعة، والتخصص العميق في نفس الوقت.
قائدٌ يرعى وعيّ أمّةٍ رسالية، ليست أمّة بوذيين وأمّة مستوحشين، تحاسب على ضوء الرسالة، تراقب بدليل الرسالة، ودليلها في المراقبة هو رسالتها -وهي أعظم رسالة-، وهي الرسالة الإسلامية.
نعم، قائدٌ يرعى وعي أمّةٍ رسالية واسعة -يرعى وليس يشارك-، ترجع إليه قياداتٌ متخصصة كفوءة تحت إمرته، وتقبل أن تتلمذ على يديه، وهي معجبةٌ دائماً به، وتذوب فيه حبّاً واحتراماً، وتستنير كثيراً كثيراًبتعاليمه. هذا هو السيد.
تكريمُ السيد “أعلى الله مقامه” تكريمٌ للإيمان، لأنّه يعيش الإيمان في كلّ أعماقه، ولأنّه في حياته كلّها دروسٌ إيمانية، تكريمٌ للإيمان لأنّه لم يصنعه شيءٌ أكبر من الإيمان، ولم يذب في شيءٍ أكثر من ذوبانه أكثر من الإيمان، ولم يجاهد لشيءٍ أكثر من جهاده من أجل الإيمان، ولم يرَ عزّةً ولا رفعةً ولا شأناً إلا بما يكون له من حظٍّ من فضل الله من الإيمان.
نعم، تكريمه تكريمٌ للإيمان، وقول هذه الكلمة صادق. أيضاً في نفس الوقت، تكريمٌ للعلم، هو عالمٌ وعلميّ، وليس عالماً فقط، لا يكتفي بالظن فضلاً عن الشكّ، لا يأخذ بالشك، ويعتمد في أساس كلّ أعماله اليقين وما ينتهي إلى اليقين، أو ما ينتهي إليه.
يُقدِّر العلم تقديراً كبيراً، ويبذل للناس في سبيله ما يبذل، ويحرص على رفعة من حوله معرفةً وعلما، ويقود كلّما يستطيع أن يقوده إلى ساحات العلم ومراتب العلم الرفيعة، فإذا كرّمناه كرّمنا العلم، لأنه ينطق بالعلم، يحبُّ العلم، تقوم مدرسته كلّها على أساس العلم، جهاده عن علم، عداواته للعلم، صداقاته للعلم، تعامله الصعب، تعامله الخشن، تعامله الليّن، عواطفه، كلّ ذلك خاضعٌ لهدى العلم، فإذا بكى باكٍ السيد حسن نصر الله فهو يبكي الإيمان، ويبكي العلم، وإذا قدّره قدّر الإيمان وقدّر العلم، وإذا احتفينا باستشهاده فإنّنا نحتفي بالإيمان وبالعلم.
تكريمه تكريمٌ للإيمان والعلم والإخلاص والصدق والتضحية والفداء. التضحية محمودة في سبيل الحق، الفداء من أجل الله وعزة الإنسان المؤمن، الفداء من أجل إعمار الأرض بالهدى والصلاح، كلّ ذلك جميل وجليل وتطلبه الأنفس الرفيعة والقلوب الطاهرة والهمم العالية، والسيد الكريم “رحمه الله وأجزل ثوابه” يمثّل قمّة في مثل هذه الأمور، ويمثّل نبراساً كبيراً في مسار الهدى، ويمثّل صورةً جليّةً للقيم العالية الإسلامية، فتكريمه حيّاً، تكريمه ميّتاً، الاحتفاء بأربعينية شهادته، كلّ ذلك تكريمٌ لكلّ المعاني الجليلة الجميلة، وتكريم لما يرضي الله تبارك وتعالى ويهدي إلى الله ويوصل إليه.
تكريمه تكريمٌ لسمو الذات، وعلوّ الهمّة، وحصافة الرأي، تحبُّ في أخيك المؤمن، تحبُّ في الإنسان ذاته إذا سَمَت، ذاته إذا طَهُرَت، ذاته إذا تجلّت إنسانيتها، إذا كان عالي الهمّة، حصيف الرأي، تنجذب إليه انجذاباً، تحبّه حبّاً كبيراً، تتعشّق وتتلهف إلى الاقتراب منه، إلى نيل شيءٍ لما هو عليه من كمالات، فتكريم السيّد تكريمٌ لهذه الأمور، لأيّ ذاتٍ تسمو، لأيّ قلبٍ يطهر، لأيّ روحٍ تعمر بذكر الله، لأيّ دورٍ جدّي هادٍ مصلحٍ يخلق الوعي في الحياة، يوجد الوعي في الحياة، يوجد السعادة في الحياة، بسمةً لليتيم، راحةً للنفوس البريئة، عوناً للضعفاء.
السيّد عقله مرآةٌ للعقول الرشيدة، العقول المدركة، والقلوب الواعية، والهمم العالية، والأهداف الجليلة. وإحياء ذكراه ودوره، وذكر مآثره؛ إحياءٌ للثورة على الضلال والظلم والطاغوتية والاستكبار، ومن أجل الحقّ وتثبيته وانتصاره، والواجب علينا نحتفي بذكراه أيّ احتفاء، وأن نُجلّه أيّ إجلال، وأن ننشر ذكره بقدر ما يمكن، كلُّ ذلك من أجل أن تستمر ثورته، وتستمر انتصاراته، وتستمر إمداداته على طريق إنماء الأمة وعزّتها وكرامتها وحاكميتها.
في إحياء ذكراه “أعلى الله مقامه” مواجهة جادّة لكلّ قيادةٍ متمردة على الخالق العظيم، منساقةٍ لهوى استعباد الخلق.
هذا التكريم، هذا الاحتفاء وعلى قدر مستواه من الأمة، يعني حرباً على الضلال، على الكفر، على النفاق، على الطاغوتية، على الجهل، على التسافل.
إحياءُ ذكرى أمجاده، بطولاته، إحياءً يتناسب وقامته الشامخة، وجهاده السامق الصادق المخلص في سبيل الله، إنقاذٌ للدين الحقّ، والإنسانيّة الكريمة، والأمّة الوسط الهادية الرائدة، والمستضعفين المضطهدين.
وهذا التكريم يأتي تكريساً لأهمية موقعية القيادة الخطير ومسؤولية هذا الموقع العظمى، وقدره السامي، وما يجب عليه التلاحم بين القيادة وأمّتها، وما يكون الإخلاص المتبادل والتضحية والفداء من كلِّ طرفٍ للطرف الآخر.
القيادة تقدّم حياة الأمة على حياتها، وحياة الجماعة على حياتها، والقيادات العليا الكبرى، كالسيد القائد المفدّى، التضحية من أجل هذا الرجل هو تضحيةٌ من أجل الأمة، من أجل الدين، من أجل الكرامة، من أجل العزّة، من أجل استمرار النهضة، من أجل أن تستمر المقاومة أقوى وأقوى وأقوى.
إنّه بقدر ما كانت عليه الفرحة في العالم الاستكباري، عالم النفاق، عالم الكفر، عالم الطاغوتية، لفقد الشهيد العظيم المجاهد السيد حسن نصر الله، باعتبار أنّ شهادته فيها ضربةٌ موجعة للأمة، ضربة ضارّة بالإسلام، مُعطِّلة بعض الشيء، ضربة تُسجِّل انتصاراً للجاهلية في موقفٍ من المواقف، وهو انتصارٌ كبير حين يذهب ذلك القائد فتخسر الأمة مواصلته لدوره الجهادي المعجز، بقدر ما عليه فرحة عالم الاستكبار وعالم النفاق وعالم الجاهلية، يجب أن يتصاعد ويتصاعد ويتكثف ويتكثف جهد المحبين لله ولرسوله وللأمة ولهدى الإنسان، العمل من أجل سدّ هذه الثلمة الكبيرة، ومواصلة الجهود، والبذل الكثير، ومضاعفة الدفع بحركة المقاومة من أجل أن لا يظهر أثرٌ كبيرٌ ضارٌّ على مسيرة هذه الأمة في نهضتها المباركة، وفي طريقها إلى ظهور الإمام القائم “عجّل الله فرجه” وتحقيق النصر في ذلك اليوم العظيم، النصر الإيماني الذي لم تشهده الأرض بتلك السعة وذلك العمق، وأن ينتهي الأمر إلى إذعان الكفر إذعاناً أيضاً لم تشهده الأرض في يومٍ من الأيام.
اللهم احشر عبدك وبن عبديك السيد حسن نصر الله مع الشهداء والصالحين والأنبياء والمرسلين، وألحقنا بهم واخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.