كلمة آية الله قاسم في مسجد جمكران 1444هـ
كلمة سماحة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم في مؤتمر “سفراء الشّمس” في مسجد جمكران المعظَّم 13 شعبان 1444هـ
اعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا وحبيب قلوبنا النبي الكريم وآله الطيبين الطاهرين
السلام عليكم أيها الحفل الكريم البهيج
الكلمة تحت عنوان “الغيبة والانتظار والظهور والدولة” وهذا هو العنوان والمعنون كلام قصير.
الانحراف والانقسام المبكر بين المسلمين قد خلّف انقسامات كبرى و معاناة مرة على مدى تاريخ أمتنا الكريمة زاد ذلك مأساةً أن كانت الغيبة الكبرى، غيبة الشمس التي لا تقوم حياة على الأرض إلا بها، مأساة سببتها غيبة الإمام القائم عجل الله فرجه وسهل مخرجه.
لم تكن الغيبة للاستغناء عن حضور غائبها، ولم تكن عن تقصير أو تلكؤ في أداء الواجب، ولا من خوف على النفس، وإنما الغيبة كانت لبقاء الإسلام رغم ما تحدثه من أضرار، غيبةٌ تحدث أضراراً كبيرة ولكن الحضور كان أكثر ضرراً من خلال الخوف على بقاء الإسلام بإستهداف الإمام عليه السلام.
هزة عنيفة مع كل قيادة مستجدة في الغيبة الكبرى كانت هذه القيادة المستجدة على الأرض مناصرة للإسلام أو محاربة له.
قيادة الخراساني وقيادة اليماني ومن جهة أخرى قيادة السفياني وأي قيادة من هذا النوع أو ذلك النوع قادرة على إحداث أمر في الناس تمثل هزة كبيرة عنيفة متعبة للناس، كما هي قيادة السفياني حين تظهر تحمل عنفاً وتسبب ارباكاً وتضل خلقا كثيرا و تمثل امتحاناً عسيراً فكذلك تكون ثورة الخراساني و ثورة اليماني وأي ثورة على هذا الخط، لماذا؟ لأن الناس قسمان قسم متمحض للشر وخدمة الشر ومحاربة الخير والعدل والهدى، وقسم يحمل الأرواح على الاكف من أجل الله تبارك وتعالى.
فيوم يظهر مصلح في الأرض تقوم قائمة الأشرار ويوم تقوم راية ظلال في الأرض تحدث انتفاضة عارمة كبيرة من أجل الوقوف في وجهها، و ثورة مثل ثورة الخرساني واليماني ثورة تتطلب جهداً ضخماً من أهل الحق ووقفة صامدة و نفساً طويلا و روحا بإباها لا تصبر على ضيم الحق وتبذل كل شيء في سبيله .
و ثورة من ثورات الظلال أيضاً تستصرخ كل الاشرار وتثير فيهم رغبة الانتقام من الحق واستهداف القضاء عليه كل القضاء.
ففي كل ثورة من هذين النوعين ابتلاء حقانيهم ومن كان منهم على باطل وظلال.
و الأمة لازالت تعيش متاعب ونصب وتضحيات الثورة المباركة للامام الخميني أعلى الله مقامه بما يتطلب بقاء هذه الثورة من بذل وتضحية وفداء ودفاع جريئ لا يفتر عن الحق و راية الحق وقيادة الحق.
ما هو المنتظر بانتظار الإمام عجل الله فرجه؟
ماذا ننتظر من خلال هذا الانتظار؟
ننتظر قائداً الهياً مذخوراً من الله عز وجل لإنقاذ هذا العالم الذي خسر كثيراً من انسانيته، من هدى فطرته، من خط استقامته، ننتظر هذا الإمام المنتظر الذي لم يوجد بعد رسول الله صلى الله عليه وعلي أمير المؤمنين والحسن والحسين قيادة فعلية تقود حركة الأرض كما هذه القيادة ، وهي قيادة ذات أثر عالمي ضخم لم يعهد من قبل لا على يد نبي ولا ولي من بعده.
هذا الذي ننتظره، ننتظر المنهج الإسلامي بكل دقته بكل اصالته بكل نورانيته وهداه وعصمته ، وننتظر مع ذالك حرباً عالمية عاصفة لها معسكران عريضان معسكر الكفر والنفاق العالمي، ومعسكر الإيمان كل الإيمان، في الأرض كلها، معسكران ننتظرهما، المجابهة بينهما ليس على المستوى القومي ولا على المستوى الإقليمي، ولا على المستوى العنصري، المواجهة بينهما مواجهة كفر وإيمان، تقوى وفجور، عدل وظلم، وعلى مستوى العالم كله.
معسكر للباطل يجمع كل أهل الباطل في الأرض، ومعسكر للحق يجمع كل أهل الحق على الأرض، والمواجهة حاسمة ومصيرية ونهائية، ونصرها نصر جذري، وهزيمة تلك الحرب هزيمة أيضا حاسمة وجذرية.
هذه المعركة حاسمة ومصيرية، نتيجتها الهيمنة الشاملة إما للكفر وإما للايمان هيمنة شاملة على الأرض على الأفكار على النفوس على الأوضاع كلها في الأرض كلها.
دولة باطل بلا حدود أو دولة حق بلا حدود، والمنتظر دولة مبدئية بالغة القدرة والعدل والأخلاقية والسعادة الدنيوية القصوى والمصير الأخروي الأكثر سعادة.
دولة منقذة على مستوى الفكر على مستوى القلوب الإرادات، العزائم، الإخوة الإنسانية، العدل على مستوى كل خير.
حرب تكاليفها أضخم التكاليف، الحرب العالمية القادمة بين جيش الإمام القائم عليه السلام وجيش الباطل في الأرض تكاليفها أضخم تكاليف، لم تعرف حرب قبلها ما ستعرفه هذه الحرب من خسائر.
و نتائجها اكبر النتائج الإيجابية حسب وعد الله تبارك وتعالى وكفى بوعد الله وعد صدق لا يخلف.
ماذا ستترك هذه الحرب؟ ستترك ثراءً عريضا عزيزاً فكراً روحًا في كل أوضاع الحياة الكريمة على المستوى المعنوي والمستوى المادي معاً.
ستنهي معاناة أهل الأرض من أهل الحق وقلقهم وخوفهم وحياتهم التي اتسمت قروناً بالضيق والخناق.
ما هو المنتظر من ظهور الإمام عليه السلام ؟
المنتظر بطبيعته، بطبيعة ما هو المنتظر من إمام إلهي.
المنتظر من هذه الامور وهي إمامة الهية وطرح سماوي وحرب عالمية شرسة ونصر مهيمن و دولة شاملة وحضارة جديدة غنية بكل هدى ونور وقوة بنّائة وخير يتطلب استقبالاً له، هذه امور كلها تطالبنا بستقبال خاص تنتظر منا استقبالا خاصاً.
اما ما ننتظره من هذه الأمور فهو الخير العميم الذي هو ظاقصى ما يمكن أن يتحقق في هذه الحياة من خير وازدهار كبير على هذه الأرض وهو أكبر ازدهار يمكن أن تعيشه هذه الأرض التي هي من حجر وطين.
يوم وهو يوم الظهور والنصر، يوم تسود فيه الروح والمادة والعقل ما عداه من جماد وحيوان وتتحول الأرض في مظهرها العام إلى حياة ملائكية في خير مادي لا تتحمله إلا النفوس الكبيرة و الهمم العالية، والأرواح المنشدة إلى الله عز وجل التي لا تستكثر شيئاً من جمال الأرض بجنب جمال الله بجنب جمال دينه ومنهجه الكريم.
المطلوب هو استعداد كبير لمثل تلك الحرب بمعدّاتها، بوسائلها، بإمامها بمنهجها، بسعتها، بشراستها بآلتها الحربية المطلوبة، هذا كله يتطلب استعدادا عاليا ومن نوع مكثف ومتطور جدا على مستوى ما في النفس وعلى مستوى ما في اليد.
ما يتمثل فيه هذا الإعداد المطلوب رفع مستوى الاستيعاب للإسلام وعظمته، نحن الآن على مستوى من القدرة لاستيعاب عظمة الإسلام، فهم الإسلام المطلوب زيادة وزيادة وزيادة.
المطلوب زيادة قدرة على الاستيعاب لعظمة الإسلام لأن عظمتنا ستنبني على ارتباطنا، انشدادنا ، وعينا لعظمة الاسلام لأن عظمتنا إنما نستمدها من عظمة انتمائنا، فإذا كان ما فهمنا أن ما ننتمي إليه عظيم وعظيم وقدرناه انه دين الله الذي ليس فوقه دين فهنا سنعظم سنكبر ستكبر العقول وتكبر الهمم ويعظم الصبر وتشتد الإرادة ويسهل العطاء.
فنحتاج إلى تربية خاصة وتربية عامة تعطينا استعدادا أكبر ترتفع بمستوانا لفهم الإسلامية و عظمة الإسلام.
كم يساوي احدنا في فهمه الان في عمومنا من فهم سلمان المحمدي؟ من فهم الاصحاب الخلص الصادقين لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
فهنا أعطى من أعطى الإسلام عظيم العطاء عن فهم دقيق وصحيح وتقدير لعظمة الإسلام يعني تعطيه روحا عالية تكبر بنفسيته تكبر بإرادته تكبر بعقله. اِكبر في إيمانك، في هداك الإلهي تكبر في قدراتك الإيجابية كلها.
هذا عنصر من عناصر الاستعداد ،هذا المستوى الرفيع الذي يؤمل ان تصل اليه الأمة المستوى الرفيع لفهم الإسلام وعظمة الإسلام يحتاج إلى تركيز تربية الأجيال المتوالية عليه، أن تتكثف التربية تغزر التربية تنضج التربية تتعالى التربية على أساس من هذا الفهم العظيم للإسلام.
العنصر الثالث في هذا الاعداد التطبيق العملي للإسلام، على مستوى الأحزاب، على مستوى الدولة، على مستوى الأسرة، على مستوى المجتمعات الكبيرة الإسلامية، على مستوى المجتمعات الصغيرة، على مستوى الجامعة ، على مستوى المسجد، نحتاج إلى تطبيق عملي للاسلام يعطي القدرة العملية على تطبيقه بأقصى درجة ممكنة للجيل الذي يتحمل مسؤوليات يوم الظهور.
جيل يوم الظهور تصنعه التربية الآن، يصنعه الوعي المتنامي الآن، يصنعه الاعداد الآن.
يحتاج الاعداد إلى قيادة الإلهية أقرب ما تكون إلى الأمام المنتظر عليه السلام في أوصافه القيادية من علم وتقوى وكفاءة.
وقد وفق الله عز وجل لهذا النوع من القيادة من يوم الإمام الخميني و إلى هذا اليوم في ظل امامة الامام القائد السيد الخامنئي حفظه الله.
عنصر آخر ويتمثل في صفوة من الفقهاء والعلماء المختصين المخلصين للقيادة والملتفين بها والمعينين لها على صعوبة المسيرة ، ومواجهة التحديات الضخمة ، وهذه الصفوة من الفقهاء والحمد لله في تنام وسير حثيث إلى الأمام والتكثر والحمد لله رب العالمين.
هذا الاعداد يدخل فيه الالتفاف العام من المؤمنين حول القيادة المظفرة الهادية المهدية القيادة الحالية قيادة الإمام الخامنئي وكل قيادة من هذا النوع الكريم الكبير العملاق .
هذا الاعداد لا يتم ولا ينضج ولا يتسع ولا يملك القدرة على مواجهة التحديات العالمية، تحديات الكفر العالمي، والنفاق العالمي إلا من خلال الدولة المنقذة للإسلام لأكبر قدر ممكن.
و أمامنا هذه الجمهورية الإسلامية المباركة التي يتوجب على كل مؤمن كبير وصغير أن يكون ذراعا طويلا أو ذراعاً دون ذلك في سبيل نصرتها وعزتها وحمايتها والذود عنها والمقاومة من أجل بقائها.
عنصر آخر هو التبشير الدائم العلمي -وليس القائم على التوهمات والخرافات وما إلى ذلك والدغدغات العاطفية فقط- الواعي بيوم الظهور والنصر والدولة.
إعداد القوة من كل مكونات الوجود المؤمن وبالأخص من الدولة الممهدة دولة قوية تعد يوما تلو يوم إلى قوة أكبر، تعد الى امتلاك قوة أكبر، وإذا كان هناك حزب قوي فعليه الاعداد في كل يوم إلى قوة أكبر، وإذا كانت هناك مؤسسة ثقافية أو مؤسسة من أي نوع من النوع الإيجابي على هذه المؤسسة أن تشتغل بالإعداد للقوة لتكبر قوة الأمة مع كل يوم، ولتكبر قوة الأمة مع كل ساعة، ولينقلب ميزان القوة من كون القوة الساحقة بيد الكفر اليوم إلى أن تكون القوة الساحقة بيد الأمناء على القوة الأمناء على الإنسان الأمناء على خلافة الارض وهم المؤمنون الحق.
بهذا اختتم هذه الكلمة معتذار من التقصير، طالبا مغفرة الله لي ولكم، طالبا من الله عز وجل أن نكون من انصار الإمام القائم عجل الله فرجه وسهل مخرجه في غيبته وحضوره .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبركاته