كلمة آية الله قاسم في مؤتمر التجديد والاجتهاد الفكري الخامس
الكلمة الخاصة بمؤتمر التجديد والاجتهاد الفكري الخامس “اطروحة الثورة الإسلامية، مفاهيمها ونطاق اشتغالاتها”
شارك سماحة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم بكلمة خاصة في مؤتمر التجديد والاجتهاد الفكري الخامس الذي نظمه معهد المعارف الحكمية للمعارف الدينية والفلسفية واختتم فعالياته يوم الأربعاء التاسع والعشرين من يونيو العام ٢٠٢٢ في مركز الإمام الخميني ببيروت العاصمة اللبنانية.
وجاء المؤتمر في دورته الخامسة تحت رعاية سماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، وحمل عنوان “اطروحة الثورة الإسلامية، مفاهيمها ونطاق اشتغالاتها”، وشارك فيه عدد من العلماء والمفكرين من إيران والعراق ولبنان.
*(لقراءة التفاصيل: النشرة الخاصة بالمؤتمر
https://maarefhekmiya.org/wp-content/uploads/2022/06/bouklet.pdf)
فيديو الكلمة :
صوت الكلمة :
نص الكلمة :
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ لله ربِّ العالمين.
الصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ وآله الطيبين الطاهرين.
كلمةٌ متواضعة في المؤتمر الدولي الخامس للتجديد والاجتهاد الفقهي عند الإمام الخامنئي “دام ظلّه”.
-اُطروحة الثورة الإسلامية، مفاهيمُها ونطاق اشتغالاتها-
حين نكون أمام اطروحة الثورة الإسلامية، نكون أمام أمرٍ عظيم. يقول الله عزَّ وجلّ عن الإسلام: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) – سورة المائدة / الآية 3.
دينٌ كامل، نعمةٌ تامّة، إسلامٌ رضي الله به، أمانةٌ كبرى، حجمٌ هائل، رسالة فوق كلّ الرسالات، اطروحة لا يمكن أن تجد الأرض اطروحةً تماثلها.
هذا الأمر العظيم، الدين الكريم، هذه الرحمة الإلهية، العلم الإلهي، الهدايات الإلهية، الفيوضات الربانية، الأنوار من عطاء الله عزَّ وجلّ؛ حين يُراد لها أمينٌ يقوم على خدمتها في الأرض، على حفظها، على تطبيقها، حين يُراد لها قائد يقود حركة الأرض على ضوئها، لا يشذُّ عنها، ولا يهبط بحركة الأرض عن مستوى تلك الرسالة، ماذا على ذلك القائد أن يكون؟ وأيُّ مستوىً يُطلب لذلك القائد؟ نعرف ذلك من أنّ هذه الأمانة في الأصل، أودعت أمانة تطبيقها وحفظها والبلوغ بها إلى أهدافها إلى رسول الله الأعظم “صلَّى الله عليه وآله وسلّم” الهداة الأطهار.
القيادة الإسلامية صعبة، القيادة الإسلامية الكفوءة نادرة، الأطروحة الإسلامية تتطلب قيادة لا تتطلّبها أطروحة أخرى.
دينٌ شاملٌ استوعبت رسالته كلّ أبعاد الإنسان، كلّ حيثيات الإنسان، من أجل تربية عقل الإنسان، روحه، نفسيته، إرادته، قدرته العملية، من أجل الرقيّ به الرقيّ الأكبر. هذه الرسالة جائت لتصنع الإنسان الإلهي في الأرض، صحيحٌ أنّه جسد مرتبطٌ بالأرض، ولكن جاء الإسلام ليشدّه روحياً بكامله إلى السماء، ومن الصعب جدّاً وأنت في الأرض أن تكون السماوي، قد يسهل على من في السماء أن يكون سماوياً، أمّا من في الأرض فإذا أراد أن يكون سماوياً فيتطلّب أمره جهداً كبيراً ومعاناةً ضخمة، ومكابدةً لا يتحمّلها الكثير.
جاء الإسلام مستوعبةً رسالته كل أبعاد الإنسان وكلّ أبعاد الحياة، وليحوّل حياة الإنسان إلى حياةٍ ملائكيةٍ طاهرة ومريحة ومنتجة، وصانعة لإنسان الجنّة. هذا كلّه تواجهه مسؤولية القيادة، فهي قيادةٌ نادرة.
الاجتهاد في الإسلام يُعطي دائماً المزيد، لماذا؟
لكمال الإسلام، وعدم وصول البشريّة إلى الحدِّ الأكمل من الإسلام فهماً، شعوراً، نفسيةً، إرادةً، قدرةً عملية، لذلك فإنّ الاجتهاد في الإسلام دائماً يُعطي المزيد لأنّه لم يتمّ استكشافه بالكامل، ولن يتمّ لهذا الإنسان في آخر أبعاد حركته التقدميّة أن يُحيط بكلّ دقيقةٍ من دقائق الإسلام.
فلذلك الاجتهاد فيه يُعطي المزيد.
هذا سببٌ من أسباب اعطاء الاجتهاد الجديد، الفكر الجديد، الفهم الراقي الأرقى، الحركة الأكبر، الأنضج، إلى آخره. ما السبب الثاني؟
كوْن الإنسان غنيّاً بالمواهب، وبالاستعدادات التي تبلغ به شئناً عظيماً إذا وُضعت على الطريق الذي رسمه الله تبارك وتعالى. كمالُ الإسلام وحده لا يكفي إذا لم يكن للإنسان الاستعدادات الكافية لفهم هذا الكمال وللتعامل معه ولمسايرته، فكوْن الإنسان مخلوقاً راقياً من صنع الله تبارك وتعالى، وقد أبدعه ابداعاً عجيباً، ووهبه مواهب كبيرة، هذا يُتيح حركة الاجتهاد عنده أن تكتشف، وأن تكبُر، وأن تترقّى.
ثمّ إنّ الحياة في أوضاعها تتغيّر، وتتطوّر، بما يفرض على الإنسان حاجة الاستكشاف الجديد، والفهم الجديد للتعامل الرشيد.
هناك أيضاً تدفُّق الحركة العلمية العامّة، التي تكتشف زوايا من زوايا الحياة، وأسراراً من أسرار الحياة، وأبعادًا من أبعاد الحياة، وحاجاتٍ من حاجات الحياة، وتعطي تطوّراً في قدرة الإنسان، وكلُّ ذلك يضع الإنسان أمام واقعٍ جديد يحتاج إلى مواجهةٍ بفكرٍ أكمل، وفهمٍ أرشد، وخبرة إسلامية أوسع، مما يدفع بحركة الاجتهاد، ويشارك في اعطاء هذا الاجتهاد ثماره الجديدة، فالحياة دائماً محتاجةٌ إلى الاجتهاد في الدين، إلى استمرار التفكير وبصورةٍ أكمل، وبصورةٍ أشدّ من أجل فهم المزيد من دين الله تبارك وتعالى، لتواكب عطاءاته حاجات حركة الحياة.
شيءٌ آخر يُثمر حركة الاجتهاد، وهو أنّ النفوس منها ما يخضع لهيمنة الماضي، فتوقف حركة هذه النفس، -هذه الهيمنة توقف حركة النفس-، وتحبس الفكر، وتُضعف الجرأة على اعطاء الرأي، ومن النفوس من يبهرها الحاضر، ودعاياته، وما يحصل فيه من اكتشافات مادية، فلا يعطي للإسلام التقدير، هذه النفوس لا تملك أن تعطي للإسلام تقديره الدقيق، تكون مهزومة أمام الحركة العلمية المادية ممّا يُنسيها قيمة الإسلام، ويضع على حركتها الفكرية قيداً من تأثير هيبة وهيمنة العلم المادي، وما يمتلكه من دعاية عظمة وتقدُّم في الأرض.
هناك نفوس من نوعٍ ثالث، هي نفوس العظماء، وهي متحررّة من هيمنة الماضي، وقدسيّة الماضي. هناك نفوس تعطي للماضي قدسية، كلّ ما هو ماضي يمتلك قدسيةً مؤثرة فيها، نفوس العظماء لا متلك الماضي الهيمنة عليها، تنظر للفكرة بما هي فكرة، للسلوك بما هو سلوك في نفسه، للأطروحة في ذاتها، لا تفرّق بين أطروحة كانت أمس أو جَدَّت اليوم. لا الماضي ولا الحاضر ولا المستقبل يُعطي للقيمة فكرةً في نفوس العظماء، لا يسلب من قيمتها الذاتية شيئاً ولا يضيف إليها شيئاً، والعلم محتاجٌ لهذه النفوس التي تقدِّر العلم في نفسه لا بلحاظ زمنه، لا لأنّ العالم الفلاني الذي وُلِد قبل ثمانمئة سنة أو ألف سنة، تُعطي ذاته أو تقادم ولادته قيمةً للفكرة، المنظور تفكيره وقدرته وصفائه، وموضوعية هذا التفكير ودقّته، وليس أنّ هذا التفكير حَدَثَ في السنة الحادية الهجرية والثانية الهجرية.
كذلك كوْن الفقيه فقيهاً في هذا العصر، أيضاً هذا لا يعطيه قيمةً خاصة، يُنظر لدقّة فكره وحريّة فكره وسعة فكره ونباهته وما إلى ذلك.
هذه النفوس -نفوس العظماء- تعين على نجاح حركة الاجتهاد.
الجديد النافع من عطاء حركة الاجتهاد هو جديدٌ على الناس، وليس على الإسلام نفسه.
كلُّ جديدٍ يأتي به فقيه عملاق، واسع الفكر، دقيق الفكر، قد بذل جهداً كبيراً في الوصول إلى الحقيقة التي اكتشفها، هذا الجديد جديدٌ على هذا العالم نفسه، وعلى المحيط الاجتماعي، وعلى غيره من العلماء، وليس جديداً على الإسلام، هو شيءٌ من الإسلام، هذه الفكرة الجديدة التي لم تُكتشف من قبل هي من صميم الإسلام ومن مضمون الإسلام، فكلُّ جديدٍ يظهر على يد فكر عالمٍ كبير عملاق بالنسبة للإسلام وباسم الإسلام إنّما هي وفعلاً هي مأخوذة من الإسلام هي فكرة إسلامية أصيلة.
وكلّ قديمٍ في الإسلام لم يُكتشف، إذا ظهر سيظهر جديداً في وجوده، وجديداً في قيمته.
مفاهيم الأطروحة الإسلامية هي مفاهيم الإسلام بلا تغيير -عنوان الكلمة “اُطروحة الثورة الإسلامية، مفاهيمُها ونطاق اشتغالاتها-، أقول هنا مفاهيم الاطروحة الإسلامية ليست شيئاً آخر أبداً غير مفاهيم الإسلام، لا تكون مفاهيم للأطروحة الإسلامية بما هي إسلامية إلا بأن تكون مفاهيم إسلاميةً أصيلة، وكلّ ما ليس من أحضان الإسلام، ومن صميم الإسلام، أيّ مفهومٍ هو كذلك، لا يصلح أن يكون مفهوماً من مفاهيم الاطروحة الإسلامية.
مساحات عمل الأطروحة الإسلامية، والحكم الإسلامي، والقيادة الإسلامية؛ هي نفس مساحات عمل الإسلام، واهتمام الإسلام، وهدف الإسلام. كلّ النفس الإنسانية بكلّ أبعادها، وكل مساحات الحياة بكلّ أبعادها، وبدايةً من الفرد، إلى الأسرة، إلى الحيّ، إلى المجتمع المتوسط الكبير، إلى الأمة، إلى الأسرة العالمية بكاملها، وفي كلّ وضعٍ من الأوضاع العملية -يعني مساحة العمل-، في كل وضعٍ من أوضاع الواقع العملي من اقتصادي وسياسي ونفسي واجتماعي إلى آخره، أُضيفت القيادة الإسلامية والحكم الإسلامي شاملة الشمول الذي هو لوظيفة الإسلام.
الثورة الإسلامية الحقّة تكتسح كلّ دخيلٍ وزيفٍ ومغالطةٍ وشبهة فكرية، وتزويرٍ نظري أو عمليٍ للإسلام، هذه الوظيفة للحكم الإسلامي والقيادة الإسلامية، وهي اكتساح كلّ دخيل وكل زيف ومغالطة وشبهة فكرية، وتزوير نظري أو عملي دَخَل على الأطروحة السماوية، على الطرح الإسلامي الأصيل، على رسالة رسول الله “صلّى الله عليه وآله وسلّم”، هذه الثورة ثورة بمعنى ماذا؟ بمعنى أنّها تُغيِّر، هذا التغيير على مستويين: طرد الدخيل، تنظيف الإسلام من كلّ غريب، من كلّ نقص، إرجاعه إلى أصالته، إلى مستواه العالي الرفيع، الشيء الثاني: هو التطوّر الصحيح من أوضاع الإنسان التي صنعها الإسلام. هناك أوضاع صنعها الإسلام وهي أوضاع صحيحة، هذه الصحّة قد لا تقف عند الحد الذي وصلت إليه، كلّما اكتشفنا من الإسلام جديداً، وأخذنا على أنفسنا التطبيق الدقيق للإسلام، وكلّما ارتقت الذات الإنسانية المطبقّة للإسلام كلّما تصحّح هذا الوضع الصحيح بصورةٍ أكثر وأكثر، -اقتصاد ناجح ينجح أكثر، سياسة ناجحة تنجح أكثر، وضع أمني قوي يقوى أكبر، وضع عسكري مُهاب يكتسب الهيبة أكبر- كلّما اقتربنا من الإسلام، أخذنا بالإسلام، فهمنا الإسلام. هذا كلّه ثورة.
الثورة الإسلامية تصنع هذين الأمرين، القيادة الإسلامية تصنع هذين الأمرين.
حماية الإسلام عن كلّ تلوّث، وكلّ تقذّر للقصور الإنساني، تطرد عنه كلّ تزوير كما سبق، الشيء الثاني: ترتفع بكل الأوضاع الصحيحة المصنوعة إسلامياً. الثورةا لإسلامية بكلّ الأوضاع الصحيحة. الصحّة لها درجات، هذا صحيح وهذا أصحّ، قوي وأقوى. -في هذا العصر وفي ظلّ حكومة اليوم يمكن أن تصل الأوضاع الإنسانية على يد الإسلام إلى درجة صحيحة عالية، يحتاج تطوّر أكثر، واقتراب أكثر من الإسلام، التزام أكثر بالإسلام، بعد عشرين سنة هذا الوضع يكون بالقياس للوضع التالي إذا صح التعبير رجعياً، يعني مستواه أقل، فنحن محتاجون إلى الثورة بشكل دائم، الثورة على أي أساس؟ هذا أساسها: فهم أرشد للإسلام وأوسع وأركز، تطبيق وصبر أكبر على معاناة تطبيق الإسلام في البعد الفردي وفي البعد الإجتماعي-.
هذه الثورة لا حدَّ لها، لأنّ الإسلام فوق كلّ كمالٍ فعليٍ للإنسان، -أي كمال فعلي كمال الإسلام الكمال المطلوب من الإسلام أن يصل بالإنسان إليه هو أكبر، سعة الإسلام، قدرة الإسلام على كمال الإنسان أكبر. وصلنا إلى درجة كمال معينة، الكمال الذي يملك الإسلام أن يصنعه لنا، فلذلك الثورة لابد أن تبقى دائمة-.
ثورةٌ لا حدَّ لها لأنّ فوق كلّ كمالٍ فعليٍ للإنسان مهما بلغ، ولأنّ الإنسان قابلٌ دائماً للتقدّم.
الإسلام عطاءاته لا تنتهي، ولا تقف عند حدّ. الإنسان قابليته للإستفادة من عطاءات الإسلام، ومن هدايات الإسلام، ومن خير الإسلام، هذه القابلية أيضاً غير متوقفة عند حدّ. الإنسانية قابلة دائماً للنموّ، فإذا وُجِد ما يعطيها النمو، ماء الحياة موجود، ماء الحياة الروحية وهو الإسلام موجود، وبشكل دفّاق وغير متناهي، فإذن عملية الصعود والاستمرار في الصعود مكتملة فاعلاً وقابلاً، من ناحية وجود الفاعل وهو الإسلام، ووجود القابل وهو استعداد الإنسان دائماً إلى الرقيّ.
ثورةٌ لا حدَّ لها لأنّ فوق كلّ كمالٍ فعليٍ للإنسان مهما بلغ، ولأنّ الإنسان قابلٌ دائماً للتقدّم، حيث أنّ النفس الإنسانية غنيّة لكنز المواهب الإلهية لها.
الحاجة ثابتة مستمرة لقيادة المجتهد القدير الأمين المؤمن -من هو هذا القائد الذي يحتاجه الإنسان وحياة الإسلام؟-.
الحاجة ثابتة مستمرة لقيادة المجتهد القدير الأمين المؤمن بعظمة الإسلام وقدرته على العطاء الدائم. -يكون لديه إيمان كامل بالإسلام، ولا يملّ من محاولة الجديد في الإسلام، يؤمن بأن الإسلام غني أغنى مما عنده، أغنى مما وصل إليه هو هذا الفقيه وغيره، هذا الإيمان يدفعه إلى البحث عن جديد، ولا يقف أمام مسألة يائساً من الوصول إلى الحلّ إليها على يده أو على يد غيره من الأكفاء-.
نعم، المؤمن بعظمة الإسلام وقدرته على العطاء الدائم والتقدم الفكري الإنساني. -مدّ الإسلام العلمي للحياة ومدّه لهذا المجتهد الذي يقود حركة الحياة باسم الإسلام، هذا المدّ دائم حين يعطي الفقيه ومجموع الفقهاء من أنفسهم الجديّة الكاملة، والاجتهاد الكامل، الاجتهاد بمعنى بذل الجهد الكامل للوصول إلى الجديد من الإسلام-.
الفقيه الذي تحتاجه الأمة والمحتاج إليه الإسلام؛ هو مجتهدٌ جاهر بالحقّ، جريءٌ في الرأي العلمي، حين يصل إلى الرأي العلمي الواضح لا تجبُن نفسه عن اظهاره، وحين يواجه الحقّ ويعرفه لا يهاب عن الإنتصار إليه.
ولو كان هذا الفقيه كنزاً علمياً غنياً جدّاً، لكنه يهاب أن يظهر علمه، أن يجهر بالحقيقة، أن يظهر الرأي الجديد أمام ما عرف من رأي في الوسط الإجتماعي، هذا الفقيه لا تتقدَّم به الحياة، هذا الفقيه الذي قد يكون قادراً على اكتشاف الجديد، وقد يكون متوفّراً على اكتشاف الجديد الكثير لا يعني شيئاً بالنسبة لتقدّم المجتمع، ومعرفة الإسلام معرفة أكبر، وتقدير الإسلام تقديراً أكبر، لخضوعه لهيمنة الرأي السائد.
نقطة أخيرة:
لا انحفاظ للثورة، ولا حفاظ لها على نفسها وعلى دولتها، إلا بأن تُعدَّ لنفسها مبكّراً وبصورةً جادّة، قادةً ممّن تتناسب شخصياتهم مع عظمة الإسلام. أهمّ المطابخ في الأمة هي مطابخ إيجادُ القيادة، وقريبٌ من ذلك مطابخ النُخب التي يقرُب فهمها من فهم القيادة، وخبرتها من خبرة القيادة، وتؤمن كلّ الإيمان بهذه القيادة، وكلّ ذلك مُقاس عندها على ضوء الإسلام.
الثورة عندما تنسى أمر قيادتها المستقبليّة تكون قد نسيت نفسها، ونسيت الإسلام، ونسيت الأمّة. وخؤونٌ مَن كان له حظٌّ ولو صغيرٌ من الحظوظ المؤهلة للقيادة ولو الصغيرة والمحدودة في الإطار الضيّق أنْ لا يسعى لخلق قيادةٍ مستقبلية. لقد عَلَّمنا رسول الله “صلَّى الله عليه وآله” أنّه لم تُنسِه قيادته العظمى وعطاءاته الكبرى، وجهوده الضخمة من أنْ يُعدّ قيادةً مستقبلية تكون الخليفة له، فكان إعداد الأئمة “صلوات الله عليهم أجمعين”، وتَعِب الأئمة “عليهم السلام” في إعداد الفقهاء الكبار، في إعداد القادة الفكريين، القادة العمليين، القادة الحربيين، القادة الاجتماعيين، من أجل الحفاظ على المسيرة. شمسٌ كالقيادة الكبرى لرسول الله “صلَّى عليه وآله”. شمسٌ كونية، لو خُسِفت هذه الشمس، أذهب الله عزَّ وجلّ نورها عن ساحة الحياة، وضلّت الحياة بلا شمس مادية، ماذا كانت تغني الشمس؟ هل ستغني الشمس السابقة شيء بالنسبة للأرض وحياتها وحياة الإنسان بعد غيابها؟ القمر تُفقد فائدته عندما يطول غيابه، وعندما يتمّ غيابه الكامل، والشمس لولا تردّدها على الأرض كلّ نهار لماتت الحياة على الأرض، والناس بلا قيادة يعني أرضٌ بلا شمس، حياةٌ بلا شمس، وهذه الشمس تصنعها المواهب الإلهية، وتوفيقات الله عزَّ وجلّ، وقد حَمَّل الله عزَّ وجلّ أصحاب القدرة نصيباً من المسؤولية لصناعة هذه القيادات.
غَفَرَ الله لكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.