الحديث الأسبوعي لـ آية الله قاسم – العقل و الجهل – ١١ ديسمبر ٢٠٢٤

*نص محاضرة سماحة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم في الجلسة الأسبوعية التي يعقدها في مقرّ إقامته في قم المقدسة كل ليلة خميس تحت عنوان (جنود العقل والجهل “٧”) – 11 ديسمبر 2024 / 09 جمادى الثاني 1446هـ: 

 

بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله ربِّ العالمين 

الصلاة والسلام على سيدنا وحبيب قلوبنا النبي الكريم وآله الطيبين الطاهرين 

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

عن أبي جعفر عليه السلام، قال: إنّ الذي يعلم العلم منكم له أجرٌ مثل أجر المتعلّم، وله الفضل عليه، فتعلموا العلم من حملة العلم، وعلموه اخوانكم كما علمكموه العلماء. 

 

وظيفتان، وظيفة التعليم، وهي ذات شرف عظيم في الإسلام كما هو معروف لدى الجميع. 

المتعلم هو بصير، والجاهل لا علم له فهو أعمى، والإسلام يريد للناس كلّ الناس أن يتعلموا ليكونوا على بصيرة، وعلى درايةٍ وفهمٍ لما هو حقٌّ ولما هو باطل، لما هو صحيح ولما هو فاسد، لما هو مفيدٌ وما هو مضرّ. 

الإسلام لا يقيم نظامه، ولا يقيم شيئاً من الحياة، ولا حكماً في الأرض، ولا حضارةً ولا أمّةً على غفلة، لا يستغفل الناس. 

من كان النظام الذي يضعه ويختاره ناقصاً ومغشوشاً ومن أجل مصلحة خاصة به أو بقومه، أو بأمته، كان المتوقع منه أن يستغفل الناس حتى يمكن أن يقبلوا هذا النظام.

النظام الذي لا يخشى من العلم، لا يهاب من المناقشة، لا يتوارى بما عنده خوفاً من الفضيحة، سواء كان ذلك على مستوى الهدف أو على مستوى إصابة الواقع، على مستوى الصدق. 

الإسلام لمّا كان عظيماً كاملاً، كانت بيئته هي بيئة العلم. يُخاف على الإسلام من جو الجهل، من جو الغفلة، من السذاجة، أمّا جو الذكاء والفطنة والفهم، وصفاء القلوب، والموضوعية، وطهر القلوب، فهو جو الإسلام. 

 

ولذلك لا نتوقّع من الفكر الكافر أن يُصلح البيئة الفكرية، البيئة القلبية، البيئة العملية. يثور الفكر الكافر من وعي الشعوب، من تفتّح الأذهان، من الرؤية الدقيقة، لأنه يقوم على المغالطة، على الاستغفال، لأنه بضاعة لا يقبلها إلا الفكر الساقط، إلا القلب الأعمى، إلا المستويات المنحطّة. 

فارق كبير بين الفكر الإسلامي، حيث أنّ بيئته بيئة راقية فكرياً وقلبياً وعملياً، وبيئته أنظف بيئة، لأنّه لا ينبت إلا في مثل هذه البيئة، ولا يترعرع إلا في مثل هذه البيئة. 

أما جو الغفلة، وجو الشهوات، وجو الظلم، وعمى القلوب، فهو جوٌّ يموت فيه الإسلام، يذبل فيه الإسلام. 

الجو الذي تخضرّ فيه شجرة الإسلام وتسمُق، وتتعالى، هو الجو الصحيح من الناحية الفكرية، ومن ناحية منهجية التفكير، صفاء العقل، هذه هي البيئة الطاهرة الراقية النزيهة التي يشبُّ فيها الإسلام وتعمر فيها الكلمة الإسلامية، وتسود وتتلقاها القلوب والعقول، وتحتاجها الحياة، وتحتضنها وتقوم عليها الحركة الصالحة. 

هذا شيءٌ أساس يجب أن نعرفه، ولذلك الإسلام يصرُّ على العلم، ويدفع دفعاً شديداً إلى طلب العلم، ويُكرم العلم والعلماء، ويذود عن حياة العلم، ويدفع بأبنائه لأن يطلبوا العلم ولو بخوض البحار، ولو ببذل المهج. 

 

(إنّ الذي يعلم العلم منكم له أجرٌ مثل أجر المتعلّم، وله الفضل عليه، فتعلموا العلم من حملة العلم)

واضح الفضل عليه، لأن العالم يعطي والمتعلم يأخذ، وفرقٌ بين من يعطي وبين من يأخذ ويتلقّى. 

 

حملة العلم ليس هم الذين يهضمون المعاني ويفهمونها فهماً نظرياً فقط، حملة العلم هم الذين يفهمون العلم، يُدركونه، يجيدونه، يتقنونه، ويأخذون به على مستوى داخلهم، وعلى مستوى الحياة التي يقيمونها في الخارج، حيث أنّ كلّما يأتون به هو من وحي العلم، فيه طاعةٌ أو متابعةٌ للعلم، وفيه حفاظٌ على الأمانة العلمية، وعلى وظيفة العلم، وهو أن يتحوّل إلى عمل، يتحوّل إلى مشاعر، يتحوّل إلى أهداف، يتحوّل إلى أحاسيس، يتحوّل إلى مواقف عملية رشيدة، سديدة، صالحة. 

 

(فتعلموا العلم من حملة العلم)

وليس من غيرهم، ليس حامل علمٍ بلا عمل، لأنه ليس حامل للعلم حقيقةً، كيف يحمله وهو يزهد فيه؟ وهو لا يأبه بقيمته؟ هذا لا يعرف قيمة العلم ولا يعطي وزناً للعلم ولا يقدّره، فإذن هو لا يحمل العلم. 

 

(فتعلموا العلم من حملة العلم)

هذا الذي يتعلّم العلم ولا يأخذ به، يحمل صور ذهنية غير فاعلة، لا تفعل قلباً طاهراً، ولا تأخذ بنا إلى طريقٍ قويم، هي صورة ذهنية جامدة، غير متحرّكة في صورة وعي بعيد، في صورة بصيرة، في صورة مشاعر كريمة وأعمال صالحة ذات قيمة عالية، فهذا ليس بحاملٍ للعلم. 

 

(وعلموه اخوانكم كما علمكموه العلماء)

معرفة لحقّ العلماء الذين تعلم الإنسان منهم، وكما أحسن إليه العلماء قبله، وكما أدّوا واجبهم قِبَلَه، فعليه أن يؤدي واجبه قِبَل إخوانه المتعلمين. 

إنّه إنْ كان لك حقٌّ على العلماء قبلك، أنهم علموك، وهذا الحقّ أنّ لإخوانك ممن لم يتعلّم حقّاً أن تعلمهم. 

 

فحبس العلم وحجره عن الآخرين، خيانةٌ للعلم، وخيانةٌ لكلّ محتاجٍ إليه، وما من أحدٍ إلا وهو محتاجٌ للعلم. 

 

عن علي بن إبراهيم، عن أحمد بن محمدٍ البرقي، عن علي بن الحكم، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، قال سمعت أبا عبد الله “عليه السلام” يقول: من علّم خيراً فله أجر من عمل به. 

 

واضح، هذا جزاء العلم، أنت علمتني كلمة، علمتني مسألة نافعة، نسيت، أنت نسيت أنك علمتني تلك المسألة، ومضت سنون، لكنك تأتي يوم القيامة وتجد خير هذه الكلمة عندك، خير هذه الكلمة، لأنّ الله عزَّ وجلّ ضمن لمن علّم كلمة خير، من علّم علماً، فله مثل أجر من عمل به. عملت بهذه الكلمة أربعين سنة، خمسين سنة، ستين سنة، أو عمل بعدي الذي علمته، فعشت من بعده ستين سنة وأنا أعمل بهذه الكلمة، أجرُ هذا العمل لمدة ستين سنة سيكون في جيبك مثل أجر ما حصلت عليه أنا، هذا كلّه من قيمة العلم. 

فإذن الأئمة “عليهم السلام” الذين علمونا، وعلمائنا الكبار الذين ورثوا علماً وصرنا نستفيد منهم، يعني يشاركوننا في كسب أجور عملنا بهذا العمل، فكم هو من مُطْمعٍ هذا العلم أن نُعلّمه؟ كم هو مُطمِعٌ أن نعلّم العلم الذي عُلِّمنا إياه؟ 

عملت أنت ستين سنة، مئة سنة، والذي علّمك لا يشاركك في تعب عملك بالعلم الذي علّمك، ولكن هذا التعب ينعكس عليه إيجاباً أيضاً، فيحصل مثل أجر عملك. 

 

سمعتُ أبا عبد الله “عليه السلام” يقول: من علّم خيراً فله أجر من عمل به، قُلتُ: فإن علمه غيره يجري ذلك له؟ قال: نعم، إن علّمه الناس كلّهم جرى له، قُلتُ: فإن مات؟ قال: وإن مات. 

 

ليس لمرة واحدة، مطلقاً، في كلّ مرّة يعمل به. 

أنت علمتني، أنا علمت واحد أو عشرة، العشرة علموا عشرين، ويتنامى العدد، كلّ هؤلاء الذين تعلّموا ما علمهم الأصل، النبي “صلى الله عليه وآله” علمنا، هو الأصل، كم من علم بعلم النبي هذا؟ في مسألة الصلوات وغير الصلوات وما إلى ذلك. كلّ الذين عملوا، لرسول الله “صلى الله عليه وآله” كلّ ما عمل منهم، يعني ملايين وبلايين، هل هناك شيء أربح من هذا؟ 

ربح عظيم وجليل جداً، ومغري لا تساويه ملايين الدنانير ولا بلايين الدنانير. 

 

عن أبي جعفر “عليه السلام” قال: من علّم باب هدى فله مثل أجر من عمل به، ولا يُنقص أولئك من أجورهم شيئاً. 

 

لابد أن نلتفت إلى ذلك، هو أنني علمتُ هذه المسألة، أنت علمت هذه المسألة، علّمتها ولم أعمل بها، الحديث هنا: من علّم باب هدى فله أجر من عمل به، يعني أن معنى هذا أنه يكتسب من عمل الثاني. 

 

(ولا يُنقص أولئك من أجورهم شيئاً)

يعني عمل خمسون ألف شخص بهذه المسألة المفيدة النافعة المقرّبة لله عزَّ وجلّ، هذا المعلّم يحصل على أجور خمسين ألف من دون أن ينقص من أجورهم، أنا العامل الذي اتّبعت المعلّم فيما علّمني لم يؤخذ منّي شيء، أجري كامل، ولكن مثل هذا الأجر يُعطى للمعلّم. 

 

(ومن علّم باب ضلال كان عليه مثل أوزار من عمل به، فلا يُنقص أولئك من أوزارهم شيئاً)

فلنحذر أن نقع في خطأ عظيم لا نعرف خطورته إلا يوم نلقى الله تبارك وتعالى، وهو أن نعلّم مسألة ضلال. هذه المسألة من عمل بها أنا أتحمّل مثله، مثل ما يتحمّل. 

واليوم كلمة الضلال، وبواسطة الوسائل الحديثة قد يعمل بها ملايين الناس. 

واحد صغير وضحل وربما سفيه، ويسمع لكلمته عشرات الألوف ومئات الألوف، وهي كلمة ضلال، تنشئ سلوكاً رديئاً ساقطاً، وتخلق حالة خيانة في النفوس، إلى آخره، وكلّ أولئك موزورون، وقائل هذه الكلمة يتحمّل كلّ وزرهم بواسطة تعليمه. 

 

 

عن علي بن الحسين “عليه السلام”، قال: لو يعلم الناس ما في طلب العلم لطلبوه ولو بسفك المُهج، وخوض اللجج

 

المُهج، النفوس، الدمّ، 

واللجج أغز نقطة في البحر. 

 

إنّ الله تبارك وتعالى أوحى إلى دانيال، أنّ أمقتَ عبيدي إليّ الجاهل المستخفّ بحقّ أهل العلم، التارك للاقتداء بهم، وإنّ أحبّ عبيدي إليّ التقيّ الطالع للثواب الجزيل، اللازم للعلماء، التابع للحلماء. 

 

الحليم رزانة، وعقل، وتفكّر، وعدم غفلة، والقابل عن الحكماء. 

نحن نفرّق بين شجرتين لفاكهة واحدة، ثمرتهما ثمرة واحدة، تفاح، رمان، ونفرّق بينهما من حيث الجودة والرداءة، هذه الجودة والرداءة يُحسب لها حساب في التفاحة والرمانة وغيرها، لكن جودة التوجيه، ورداءة التوجيه، جودة القيادة ورداءة القيادة، جودة النصيحة ورداءة النصيحة، الفارق بينهما، بين إحداهما والأخرى، أين منه فارق تفاحة وتفاحة، ورمانة ورمانة؟ 

فلنعمل البصيرة ولا نأخذ النصيحة من أي أحد، ولا نقبل القيادة من كلّ أحد، ولا نقبل حتى الصداقة من كلّ أحد. 

 

قال لي أبو عبد الله “عليه السلام”: من تعلّم العلم وعمل به وعلَّم لله، دُعيّ في ملكوت السماوات عظيما، فقيل تعلّم لله.

 

والتعليم قد يكون لله وقد يكون لشيء آخر، للمال فقط مباح، لكن مرّة يكون كلّ همّه في التعليم هو المال، وليس يقصد منه وجه الله في شيء مما يُعلّمه، هذا تعليم. 

تعليم للظهور، لبيان القدرة على البيان، إظهار القدرة على البيان، إظهار غزارة العلم، حتى يحتلّ مكانة في النفوس، حتى ينبهر به المنبهرون، هذا يأتي في خطيب، في محاضرٍ، إلى آخره. 

(دُعي في ملكوت السماوات عظيما)

في الأرض يحصل خطأ كبير في التقييم، أخطاء كثيرة تحصل في تقييمنا لبعضنا البعض، أنبهر بموقفٍ من شخص، أو بأمرٍ آخر، ثم ينكشف لي أنّ تقديري خاطئ وأنّ الرجل ليس كما ظننت، وأنّي حين أقترب منه أفرُّ منه. يحصل هذا الشيء. 

بعض النساء تلتقي بمرأتين لأول مرّة، تلتقي بأخت لها من سائر الناس لأول مرّة، فتصفها بالصفاء وممتازة وما إلى ذلك، خمس دقائق هي التي جلست معها. 

غير صحيح هذا. في الأرض يحصل هذا الشيء، ولكن في السماء لا، التقييم واقعي دقيق من تعليم الله تبارك وتعالى. 

 

(دُعي في ملكوت السماوات عظيما، فقيل تَعلَّم لله).

أصل تعلّمه كان لله، يريد أن يصل لرضا الله، فهم دين الله، إلى تعظيم الله عزَّ وجلّ، هذا أصل تعليمه وتعلّمه، تعلّم لله وعمِل لله وعلّم لله. 

 وغَفَرَ الله لي ولكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

المؤمن والأحداث الكبيرة: 

لو حدث حادثٌ له من الثقل ما له، ومن الضغط على النفوس ما له. هذا الحدث عاشه مؤمنٌ وفاسق، ما وزن الفاسق أمام الأحداث المهولة الطاغية؟ وما هو موقف المؤمن الموصول قلبه بالله تبارك وتعالى؟ أترون فرقاً بينهما أو لا في ردّة الفعل؟ في الاستجابة لضغط الحدث؟ في نوع الاستجابة؟ في تحطّم النفس؟ في الشلل والنشاط؟ 

المؤمن الواحد ممن آمن بالله حقّاً وصدقاً، بوزنٍ من الأوزان المعتبرة، يعني إيمان ليس معصوم ولكن له وزن، طبعاً لا يساوي حتى شخص غير فاسق، شخص فهمه للإسلام قليل، ودرجة الالتزام عنده بالإسلام أقل من صاحبه الأول. المؤمن الحقّ أمام هذا الحدث الضخم الذي يذلّ نفوساً كثيرة، وينحرف بأفكار كثيرة، ويضل أشخاصاً كثيرة من بعد هدىً، يُسقط أيّ أمل في نفس هذا الإنسان، هذا الحدث الكبير، مواجهة المؤمن له من أولئك المؤمنين المتميزين الأخيار، تختلف طبيعي، يقول هذا الحدث لم يفرض نفسه على الله، ولم يحدث هذا الحدث بإرادةٍ مطلقة عند المجرم الذي أحدثه، هذا إرادته مملوكة محكومة لله عزَّ وجلّ، فداخل في حساب منذ الأزل، والله عزَّ وجلّ يعلم أن هذا الحدث سيحدث، وهو قادرٌ منذ الأزل وإلى الأبد وإلى ما لا حدّ له، إلى المطلق، قادرٌ على إيقافه وتمشيته، قادرٌ على تمشيته، يعني مثلاً أنت الآن، تفاحة تجري في نهر، الماء ليس قوي بحيث يغلبك، أنت تستطيع أن تسمح لها أن تجري، وتستطيع أن توقفها وتأخذها، كمثال بسيط لقدرة الله عزَّ وجلّ، على إيقاف الأمور وتمشية الأمور. 

 

حربٌ، قتلٌ، نهبٌ، أيّ شيءٍ من هذا، مثلما الكون لا يمشي ولا لحظة واحدة إلا بتنزيل فيض من الله عزَّ وجلّ، هذا كلّه ما كان حدث خير، نصر للمؤمنين، ما كان حدث شرّ، الآن ما حدث في سوريا، أمثاله، هذا اعتبره تفاحة يدفعها نهر، الحدث نفسه يدفعه نهر، وهذا الحدث يدفعه ويدبره ظالم، وتآمر ظلام وإلى آخره، وورائه أسباب أرضية مختلفة، لا سبب من هذه الأسباب مستقلّ عن قدرة الله عزَّ وجلّ. أصل السبب ومسببيّة السبب مملوكان لله تبارك وتعالى. 

هذا المؤمن يرى الحدث هكذا.

الله ليس ظالماً، ولا يريد بعباده إلا الخير، وهذا الحدث لا يعلم نتائجه الحقيقية -ليست القريبة فقط، وإنما القريبة وعلى البعد المتوسط وعلى البعد البعيد- إلا الله تبارك وتعالى. وربَّ خيرٍ يراه الإنسان شرّ، وربَّ شرٍّ في رؤية الإنسان ويراه من بعد أنّه خير. هذا قلب مطمئن. 

 

أيُّ مصيبة المصائب في الدنيا يعلم هذا المؤمن بأنّ الإنسان مأجور عليها إذا كان مع المصيبة صبر؟ 

ردّ الفعل للإنسان العادي غير الفاهم للإسلام، قاصر العقل، ضعيف النفس، هو أن يبدّل مسار حياته تبديلاً جذرياً، بأن يتقاعس بعد النشاط، يفقد الحماس بالعمل الإسلامي بعد قوّته، يُدبر عن المسجد، إلى آخره، ييأس، تصيبه ردّة فعل معاكسة للإسلام، لماذا يعمل؟ على الأقل ييأس من العمل الإسلامي المُغيِّر فيتوقف، بينما آخر يدخل في عصف الذهن كما يعبّرون، ويفكّر ليل نهار، وهو يبحث عن طريقةٍ أخرى فيها خدمة للإسلام، أسلوب آخر، يفكّر عسى أن يجد طريقاً آخر، أسلوباً آخر لمواصلة العمل الإسلامي المثمر المنتج، وطريق التغيير ليس واحداً، وطريق التغيير قد لا يمشي على وتيرة واحدة، يفكّر فيما مضى في عمله وعمل الجماعة وعمل الحزب، إلى آخره، أليس فيه نواقص؟ أليس في عمل الأمة شيء من الخلل؟ إلى آخره، فيرجع الهزيمة أو النكسة لا سمح الله لو كانت، يُرجعها لأسباب من نفسه ومن جماعته ومن حزبه وما إلى ذلك، فيعمل على إصلاح كلّ ما كان ووقع من خطأ، ويجدد العزم من جديد، وتدفعه هذه الهزيمة الوقتية إلى مزيدٍ من التفكير والنشاط والقوّة والإصرار على العمل الإسلامي، والاندفاعة الشديدة لتصحيح الوضع. 

الهزائم لم تُحدث هزيمةً في نفس نبيٍّ ولا وصي، ولا في وصف تقيٍّ ورعٍ عالمٍ من علمائنا العظام الذين مرّت به المصائب كلّها. فاجعة الحسين “عليه السلام” لم توقف الركب المؤمن عن التحرّك إلى الأمام، وعن العمل الجاد في عودة النشاط لمسار التغيير والتصحيح والإنقاذ، ونبيٌّ يذهب، ويذهبُ قتيلاً، فيقوم نبي مكانه، يُرسله الله عزَّ وجلّ، فلا ينظر إلى قتل النبي السابق، ولا إلى المصائب الكبرى التي مرّت بتاريخ الرسالات، تلك المصائب التي من شأنها أن تفلّ العزم، عزم الناس القادمين، وكلّ كبار المصلحين يواصلون الدرب رغم رؤيتهم تاريخ ودورس التاريخ وما حدث في التاريخ من فجائع للمصلحين وللذين يريدون أن يصححوا واقع هذا الإنسان، ويضمنون لهذا الإنسان المستقبل العظيم. 

 

على كلّ حال، إذا أمعنّا، سنجد وجوهاً كثيرة تفرّق بين ضعيف الإيمان وقويّ الإيمان، بين الفاهم للإسلام والساذج في فهم الإسلام، في مقابلة المصائب. 

كما أنّ ردّ الفعل بعد المرض الشديد عند الناس يختلف، فكذلك الأحداث الخارجية من فقرٍ وحربٍ من الحروب وما إلى ذلك، نحتاج دائماً إلى القوّة ولن نجد قوّةً في مصدرٍ أقوى من المصدر الإسلامي، في صياغة النفس أكثر من نفسٍ صاغها الإسلام وتربّت على الإسلام بعد فهمه. 

ليس من حدث يحدث في الأرض مهما زلزل الأرض، ينحرف بالمؤمن عن خطّه إذا كان مؤمناً حقّاً، طبعاً المؤمن يأسف على ذهاب النفوس الزكيّة المؤمنة، ولكن هذا الأسف وهذا الحزن يحوّله إلى عملٍ مضادٍّ للظلم والكفر والعدوان، ومسيرة الخطّ الشيطاني في الأرض. 

فلنكن أقوياء، ولنكن مُسَلِّمين لله عزَّ وجلّ، ولنثق كلّ الثقة بأنّه إذا نصرنا الله سينصرنا فليس من وعد الله شيءٌ كذب. 

 

غَفَرَ الله لي ولكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. 

زر الذهاب إلى الأعلى