الحديث الأسبوعي لـ آية الله قاسم – العقل و الجهل – ٢٠ نوفمبر ٢٠٢٤

*نص محاضرة سماحة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم في الجلسة الأسبوعية التي يعقدها في مقرّ إقامته في قم المقدسة كل ليلة خميس تحت عنوان (جنود العقل والجهل) – 20 نوفمبر 2024 / 17 جمادى الاول 1446هـ: 

بسم الله الرحمن الرحيم  

الحمدُ لله ربِّ العالمين

الصلاة والسلام على حبيب قلوبنا النبي الكريم وآله الطيبين الطاهرين 

 حياكم الله أخوتي الكرام. 

هذه عودة إلى موضوع “القيادة في الإسلام”، عودة سريعة. 

 

مع هذه الأحاديث في ميزان الحكمة -وهي معروفة ومشهورة عند الناس-. 

 

عن الإمام الباقر “عليه السلام”: بني الإسلام على خمسٍ، على الصلاة والزكاة والصوم والحج، والولاية، ولم يناد بشيءٍ كما نودي بالولاية. 

 

هو نداءٌ ممن؟ جهة النداء للولاية والتي لم ينادى بشيءٍ كما نودي بها؟ 

هو نداء الله عزَّ وجلّ في قرآنه، ونداء أنبيائه وأوليائه. 

 

نودي بالصلاة وبالصوم والزكاة، هذه الفروع الرئيسة في الإسلام، ولكن لم يُنادى بشيءٍ كما نودي بالولاية، ولماذا؟ لابد أن يكون لأهميتها. 

 

يأتي تفسير ذلك، وتفسير هذا التكثيف في النداء بالولاية بالقياس إلى واجباتٍ كبرى رئيسة في الإسلام. 

 

عن زرارة عن الإمام الباقر “عليه السلام”: بني الإسلام على خمسة أشياء، على الصلاة والزكاة والحج والصوم والولاية، قال زرارة، قلت أي شيءٍ من ذلك أفضل؟ فقال: الولاية أفضل، لأنّها مفتاحهن، والوالي هو الدليل عليهن. 

 

من التزم بالولاية وأطاع الولي، لم يتأخّر عن الصلاة ولا عن الصوم ولا عن أيّ واجبٍ من الواجبات الإسلامية. 

وحقيقة الصلاة في أحكامها، في مرّكبها العام، في واجباتها، في مستحباتها، في شروطها، في موانعها، الدليل الحقيقي عليه، وحتى نُصيب الواجب ونُصيب المستحب والمكروه، والمانع، والشرط، وشرط القبول في الصلاة، نتعلّم هذا وبصورةٍ آمنة مضمونة من الإمام الحقّ “صلوات الله وسلامه على الأئمة الأطهار”.

إذا أخذنا التعاليم المتعلقة بالصلاة من غير طريق الإمام لم نضمن صحّة ما يأتينا من هذا المصدر أو ذلك المصدر. نضمن صحّة هذه المعلومات حين نعلم بانتهائها للإمام علي “عليه السلام”، إلى النبي “صلى الله عليه وآله وسلّم”، إلى الحسن، إلى الحسين، إلى الأئمة الحجج، من دون ذلك نأتي بها ولكن لا نعلم بشكلٍ قطعي بأنها موانع أو واجبات، إلى آخره.

 

الإمام الرضا “عليه السلام”: إنّ الإمامة أسُّ الإسلام النامي، وفرعه السامي. 

“الإمامة أسُّ الإسلام”، مضاف ومضاف إليه كما هو معروف. الأسُّ هو الأصل، ومجموع الأسّ إساس أو أساس أو أُسس، و”النامي” صفة للإسلام كما يظهر، “أسُّ الإسلام النامي”، الإسلام فرعٌ والإمامة أسٌّ، ومعلومٌ جدّاً وبلا شكّ أنّ الإمامة فرعٌ من فروع الإسلام، والحديثان السابقان يبينان ذلك، فكيف يكون الفرعُ أُسّاً؟ يعني الإمامة أسّ أصل، الأسُّ هو الأصل، كيف يكون الشيء أصلاً وفرعاً لنفسه؟ يكون الفرع أصلاً لنفسه؟ يصير تضاد، اجتماع ضدين. 

الإمامة أسُّ للإسلام، بمعنى أصل، يعني ليس التركيبة الإسلامية، ليس الإسلام المُتنزّل من الله عزَّ وجلّ، الإسلام المتنزّل من الله موحى لرسول الله هو أصل الإمامة، والإمامة فرعٌ منه، هذا بلا إشكال. يعني كما أنّ الصلاة فرعٌ للتركيبة الإسلامية، للنظام الإسلامي العبادي، والزكاة فرعٌ، إلى آخره، فالإمامة فرعٌ. 

إذن ما معنى أنّ الإمامة أسّ؟ أسٌّ لانتشار الإسلام، أصلٌ لتبلور الإسلام فكرياً، يعني متى يتضّح الإسلام؟ في ضوء إمامةٍ صادقة، متى يكون تلقّي الأفكار للإسلام تلقياً مضمون الصحّة؟ يكون ذلك حين يكون الدليل قول الإمام بالنسبة لهذا التفسير أو ذلك التفسير من الأقوال الإسلامية. احتضان العقل، واحتضان القلب للتعاليم الإسلامية، تواجد الإسلام تواجداً عقلياً صحيحاً، تواجد صحيح في تفكير الإنسان، في مشاعره، في إطار قلبه، هذا التبلور لا يكون إلا في ظل تفهيم دقيق وصحيح، وفي ظل قلب مفتوح على الله غير مستكبر، وخاضع لله عزَّ وجلّ، ويستدلّ بالولي. 

انتشار الإسلام على المستوى العملي، بناء الإنسانية البناء العملي الإسلامي الحقّ، إقامة نظام اجتماعي، نظام اقتصادي، نظام سياسي، نظام أسري، كلّ الأنظمة حتى تُبنى بناءً إسلامياً صحيحاً تحتاج إلى مفردة الإمامة، لأنه لا يقوم بناءٌ بصورةٍ صحيحة إلا بأن يكون موافقاً لفهم الإمام، رأي الإمام في الآيات الكريمة القرآنية، وهو رأيٌ غير مخترع، وإنما رأيٌ متلقىً بصدقٍ تماماً، وبفهمٍ دقيق لعصمة الإمام “عليه السلام”، فبذلك تكون الإمامة في وقت أنّها فرعٌ للإسلام، هي أسٌّ للإسلام، فرعٌ من فروع الإسلام من جهة أنها مفردة تشريعية تتصل بالعقيدة من جهة النصوص والتلقّي بالوحي الذي تنزّل على رسول الله “صلى الله عليه وآله وسلّم”، وأسٌّ بالمعنى الذي ذكرناه، أنّ الإسلام الدقيق بصورته الأصيلة الصحيحة غير الممسوسة بخطأ الفهم البشري، وكذلك الإسلام المتبلور تبلوراً واضحاً جدّاً، وصادقاً في القلب، وانتشار الإسلام وتمكُّن الإسلام، وقيام الأنظمة الحياتية على ضوء الإسلام قياماً صحيحاً، كلُّ ذلك محتاج إلى الإمامة، ها هي منزلة الإمامة في الإسلام، وشأنها أكبر من شأن الصلاة على عظمة الصلاة، لأنّ فهم الصلاة محتاجٌ إلى الإيمان. 

 

إذا عرفنا أنّ الاعتقاد بالإمامة، الأخذ والمسايرة والمتابعة لخطوات الإمام، لأقواله وأعماله وآدابه وأخلاقه، إذا عرفنا أن هذا هو المعطي للإسلام، الذي يوفر لنا إسلاماً يقينياً وصادقاً، هذه الأهمية الكبرى للولاية في الإسلام، هذه الأهمية الكبرى للولاية في الإسلام تجعل اهتمام الإسلام بالولاية اهتماماً فائقاً جدّاً، وإن حرص على الصلاة ونادى بها كثيراً، والزكاة ونادى بها كثيراً، ونادى بكلّ الوجبات، إلا أن النداء الأكثر والمكّثف بالإلحاح الشديد هو على الولاية.

التبليغ للإمامة واختيار الإمام ابتدأ من القرآن الكريم، قبل أن نذهب إلى مرحلة الحديث وأقوال الأنبياء والأئمة “صلوات الله عليهم أجمعين”، بدأ الاهتمام بأمر الولاية مع القرآن الكريم من الآية الكريمة (يا داوود إنا جعلناك خليفة في الأرض فأحكم بين الناس بالحقّ، ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله)، هذا النبي الإمام داوود “عليه السلام”، أُمر بالحكم في الأرض ولكن بشرط أن يكون بالحق، وأين الحق؟ الحق عند الله، ومما نزله الله عزَّ وجلّ على الناس. القضايا التي نزلها على الناس من عقيدةٍ ومن شريعةٍ بما في ذلك من الأخلاق والأهداف وما إلى ذلك. كلّ ذلك هو الحق، الحق ما أدركه العقل النوعي لأنه رسول من رسل الله، رسول الباطن، والحق ما جاء به الوحي على لسان أنبيائه ورسله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، في قبال هذا يكون الهوى، فكل ما قابل العقل النوعي الفطري أو قابل أقوال الأنبياء وتعليماتهم فهو هوى، جاء في قانونٍ وضعي أو لم يأت في قانون وضعي، جاء في رئيس عشيرة أو ملك أو رئيس جمهورية، كلّ ما قابل كتاب الله وسنة رسوله “صلى الله عليه وآله” وقابل العقل فهو هوى. 

ما كان عقلاً فعلاً حقاً صدقاً فهو وحي من النوع الآخر، يعني هو من الرسول الباطن، وهو لا يتخلّف عنه الوحي ولا يخالف الوحي. 

 

هذه مرحلة. مرحلة الأنبياء. استمر التبليغ للنبوة والإمامة من أول تاريخ الأنبياء إلى خاتمهم “صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وعلى محمدٍ وآل محمد”. 

 

ظلّت الأمانة النبوية وأمانة الإمامة، متحمّلةً ومؤداةً من قبل الأنبياء جميعاً “صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين”، فالنبوة محلّ التواصي الدائم عند سلسلة الأنبياء، وأيضاً الإمامة كانت محلّ التواصي الدائم من الأئمة الأطهار، والإمامة مصاحبة للنبوة في تبليغ الأنبياء لهما معاً. هذه أهمية بالغة جداً تتناسب مع أهمية الإمامة. الإمامة الأهم تنال درجةً من التبليغ أهم وأكثر وأوسع. التبليغ دائم ومكثف ومستمر للنبوة والإمامة، ثم يأتي التبليغ بشأن الحكم والإمامة في زمن غيبة الإمام عليه السلام. 

عندنا تبليغ من الأئمة “عليهم السلام” بهذا وهو مثبت، وعندنا تبليغ الفقهاء أيضاً. 

والحوزة تؤدي أمرين، أمر نشر التعاليم الإسلامية لعامة الأمة، ووظيفة ثانية هي تخريج الفقهاء الذين يتأهلون لإمامة الأمة في زمن الغيبة والاضطرار إلى الفقيه في حال غياب الإمام المعصوم “عليه السلام”، وأيضاً المرجعية الدينية هي محلّ اهتمام الفقهاء وتركيزهم ولا يغفل جيل من الفقهاء عن توعية الأمة ودفع الأمة إلى الارتباط بالمرجعية التي يتولاها فقهاء مدرسة الإمامة والأئمة الأطهار “عليهم السلام”. 

تعرفون قصة الجواهري، الشيخ محمد حسن الجواهري صاحب الجواهر، مع مرجعية الشيخ مرتضى الأنصاري، مرض الشيخ الجواهري مرضه الأخير الذي توفاه الله في نهايته، حين أحسّ بقرب الوفاة، حين اشتد عليه المرض، استدعى العلماء، طلب من العلماء الحضور، كبار العلماء. فقال لهم -والظاهر أنه حضر الشيخ مرتضى الأنصاري، وكان وضع يده على صدره كما أتذكر، وكأنه قال كلمة الآن اطمئنت أو هدأت نفسي- وقال للحاضرين من الفقهاء والعلماء هذا مرجعكم. 

طبعاً المرجعية من المستبعد أن تكون محلّ وصية، المرجعية ترجع إلى مؤهلات ويُرجع فيها التعيين إلى الأعلمية والانتخاب وما إلى ذلك، ولكن ما معنى كلمته هذه “هذا مرجعكم”، يعني أراه أنه المرجع الصالح لكم، يعني أنصحكم، يعني هي شهادة منه بتوفر شروط المرجعية في الشيخ الأنصاري. 

معروفٌ ما تسمعونه من اهتمام السيد الإمام الخميني “أعلى الله مقامه” بإيصال الولاية، إلى سماحة الإمامة السيد علي الخامنئي. 

ومثلاً في تربية حزب الله لقادة الحزب كُثرٌ، وليس القادة محصورين في الأمناء العامين، بل أعم، القيادة التخصصية في مورد العسكر، في مورد الاقتصاد، إلى آخره، هذه قيادات كفوءة ومتخصصة ومنتقاة ومنتخبة بحرصٍ شديد على أن تكون مؤمنة وعالمة وتكون قدوة للمؤمنين، ومأمونة في وظائفها. 

طبعاً عندنا شورى التي تختار هذه القيادات، والشورى مثل مجلس الخبراء، يختارون القيادات المتنوعة المتعددة ومنها الأمين العام، فالأمين العام من شواهد أهليته أن هؤلاء المختصين الأمناء العارفين المتقين القدوات الذين عاشوا الإسلام وعشقه والتضحية في سبيله منذ شبابهم إذا لم يكن منذ صباهم، هذا شاهد على أهلية هذا الأمين العام أو ذاك الأمين العام، وإلا حتى الأمين العام الذي لا تعرف الأمة تفاصيل حياته وسيرته، فإنّ في هذا شاهداً -أي في شهادة مجلس الشورى وتعيين المجلس له- على أنه متأهلٌ للموقع. 

 

نشأة حزب الله 

 

شبابٌ من فتيةٍ مؤمنين اختارهم اللطف الإلهي، وساقهم اللطف الإلهي في السن المبكر من العمر إلى طريق الهدى والعلم والصلاح والكفاح والتعلُّق بالثورة الإسلامية في إيران وإمامها العملاق السيد الخميني “أعلى الله مقامه” والعظام من مثل السيد موسى الصدر والشهيد الصدر الأول والإمام الخامنئي “حفظ الله الأحياء منهم ورحم الله الماضين”. 

 

السيد عباس الموسوي، وفي سنٍّ مبكّر ربما السابعة عشرة، تعرّف على السيد موسى الصدر، وأخذه أبوه إليه، وعشق الولد الإسلام، هذا الشاب في هذا السن، عشق الإسلام وكبُر في عينيه فعشقه، طلب أن يلقى السيد موسى الصدر “أعلى الله مقامه”، فأخذه أبوه إليه، وطلب منه أن يدرس عنده. الدرس الذي يؤهله لما كان يهتم به من أمر الإسلام وخدمته والدفاع عنه ومواجهة عدوّه. استقام وقتاً واختار له الشهيد بعد معرفته، اختار له السيد الشهيد موسى الصدر أن يلتحق بالسيد محمد باقر الصدر، وأوصل إلى السيد محمد باقر الصدر رسالةً يطلب منه أن يتكفّل بالرعاية التربوية والعلمية للسيد عباس الموسوي، فظلّ في ظلّ رعايته واعطاه اهتماماً كبيراً بعدما تعرّف على شخصيته، وإمكاناته وقدراته وصفاء نفسه وتعلّقه بالله تبارك وتعالى، لم يدرسه من بُعد واحد وإنما درسه من الأبعاد المختلفة، ، ظلّ في العراق يستقي من توجيهات وإرشادات وتنويرات السيد محمد باقر الصدر، البطل الكبير في الأبعاد الإسلامية المختلفة. 

عندما اشتدت الظروف الأمنية من البعث، وصار ظرف أن يسافر السيد عباس إلى لبنان عودة مؤقتة، وشعر بأنه مطلوب من حزب البعث، ومع ذلك ودَّ أن يرجع إلى النجف الأشرف، إلا أن السيد محمد باقر الصدر “أعلى الله مقامه” طلب منه أن يبقى في لبنان لأنه لو عاد إلى العراق لما خرج حيّاً -في تقديره ومعلوماته وفي توقعاته- من سجن البعثيين، أن السيد عباس ذلك الشاب الصغير لن يخرج من سجون البعث حيّاً. هذا وزن واحد من الأمناء العامين لحزب الله. 

السيد حسن نصر الله تعرفونه، ومشهورٌ في هذه الفترة خاصة، القنوات التلفزيونية والمعلقين والغرب والشرق قيّمه وأعطى تقييماً لشخصيته واتضحت شخصيته لدى خلقٍ كثير ممن كان يجهل وزنه، فعرفت الدنيا كلّها لهذا الرجل وزنه وعظمته وسموق شخصيته. 

الشيخ راغب حرب، كان من القيادات، ليس أميناً عاماً وإنما من قيادات الحزب، في السنة السادسة عشرة من عمره، التحق بكتيبة قتالية في سوريا لمحاربة إسرائيل. في الأخير استشهد الرجل.

وعن السيد عباس الموسوي في عبور ممنوع منه إلى منطقة يتواجد فيها الجيش الإسرائيلي واجه الرصاص هو والركب الذين معه، ترجّل الرجل وكأنه فتح صدره والجندي تخلّف إلى الخلف وهو يطلق، وقال له هذا صدري فلا ترمي برصاصك إلى الأرض وإنما وجّهه إلى صدري. هؤلاء رجال حزب الله ومنذ السن المبكّر. 

 

ما هو الهدف الذي نشأ وتكوّن من أجله حزب الله؟ 

البذرة كانت أولئك الشباب الذين ساقهم اللطف الإلهي إلى الالتحاق بركب العلم الديني، فهم الدين، والأخذ على النفس بأن يلتزموا بالإسلام الالتزام الدقيق، ليسوا قتاليين فقط، وليسوا محاربين فقط، هم عُبَّاد، هم ناجحون في التعامل الاجتماعي، هم مفكّرون، هم خبراء، اختار هؤلاء وأعطاهم المواهب ليكونوا النواة المباركة لشجرة حزب الله السامقة الطاهرة القويّة. 

 

ما هو الغرض من تكوين الحزب؟ 

الهدف الأول كان محاربة إسرائيل، تخليص فلسطين من الغزو الإسرائيلي والهيمنة الإسرائيلية. السيد عباس شيعي، شيخ راغب شيعي، البقية شيعة، وأقول للشيعة وأقول للسنة، هؤلاء شيعة ومن كبار وعاة الشيعة، ومن غيارى الشيعة، ومن الشيعة المخلصين للتشيع، الصادقين في التشيع، وأنشأوا حزبهم والهدف الكبير الأساس له هو دحر العدو الصهيوني وطرده من أرض فلسطين. 

فليعرف الشيعة قيمة الإسلام كلّه، قيمة الأمة الإسلامية بكاملها شيعةً وسنة، وليعرف السنة كم هو وفاء أتباع مدرسة أهل البيت “عليهم السلام” وكم هو إخلاصهم. إخلاصٌ لا يأتي عليه تكذيبٌ بعد التضحيات الضخمة الهائلة العملاقة. 

 

طبعاً الحزب في نشأته -أرجع قليلاً- من ربّاه، ومن أمدّه، ومن وقف معه، ومن أشرف على الأمور الأساسية التي تتعلق بنمائه وتكوينه القويم؟ السيد روح الله الخميني، الثورة الإسلامية، ثم الإمام الخامنئي. 

الهدف وهو دحر إسرائيل من الأرض الإسلامية.

نأتي للإسلام. الإسلام لم يأتي ليهدم الظلم في مكان ويقيمه في مكانٍ آخر، أو ليتركه يعبث ويفسد في المكان الآخر، الإسلام لم يأتِ ليقضي على الظلم في زمن ويعطيه فرصة البقاء في زمنٍ آخر. الإسلام من الله الذي يبغض الظلم ويحب العدل مطلقاً، الإسلام جاء ليبني الدنيا كلّ الدنيا بناءً قائماً على الهدى، على العلم، على العدل، على المساواة في موضعها، على الصلاح، على التقوى، على التقدّم، إذن والإسلام هكذا، أن تكون رسالته نشر العدل في كلّ مكان، القضاء على الظلم في كلّ مكان، على التكبر، على الطاغوتية، على الجاهليات وكلّ نوعٍ من الجاهلية، لا يمكن أن يسمح لحزب الله أن يسعى بدمه وكلّ جهوده لطرد العدو الإسرائيلي من الأرض الفلسطينية منعاً من أن يذلّ الشعب الفلسطيني المسلم، من أجل أن يستحوذ على الأرض والإنسان، أن يستعبد الأحرار، أن تهتك الأعراض، هذا يكفي لو كان حزب الله يرضى ببقاء الظلم مثلاً في ذلك اليوم، في حكم لبنان مثلاً، لا يمكن أن يرضى بظلم اللبنانيين من حكومة لبنانية، كما أنه يجاهد ويضحي من أجل أن لا يظلم إنسان في فلسطين بوجود العدو الصهيوني، كذلك هو حريص كلّ الحرص ويضحي ويبذل ويعطي كلّ ما في وسعه لحماية وجود العدل في لبنان نفسه، وفي كلّ بلدٍ إسلامي آخر. 

نتعلم أن على الأمة كما تجاهد إسرائيل تجاهد كلّ حاكمٍ جائر في كلّ مكان، وكما تحرص على أن تكون فلسطين أرضاً آمنة للمسلمين، وأن لا يمتدّ الظلم من فلسطين على يد العدو الإسرائيلي والصهيوني إلى كلّ بلدٍ إسلامي، طبعاً العدوان الصهيوني عدوان جاء للتمدد وليس للوقوف عند حدٍّ معيّن، لا لبنان ولا سوريا، وإنما طموحهم في كلّ البلاد الإسلامية وهو أن تكون تحت الإمرة الصهيونية واليهودية. هذا كلّه مرفوض وكلّه موضوع جهاد وكلّه موضوع مواجهة وموضوع مقاومة.

الأمة لا يمكن أن تلتفت إلى الظلم في فلسطين فقط، وإن كانت الظروف الموضوعية تقتضي للمواجهة السريعة للعدو الصهيوني في فلسطين، إلا أنه لا يمكن أن يغفل المجتمع الإسلامي الصادق على أن المواجهة لكل باطلٍ، لكلّ ظلمٍ، لكلّ استبدادٍ، لكلّ استعبادٍ في كلّ بلادٍ من بلاد الدنيا فضلاً عن بلاد الإسلام. 

فالجهاد عريض، جبهته عريضة، والجهاد طويل وممتد، ولا يتوقف حتى ينتشر العدل الإلهي في الأرض على يد المؤهل لنشره وهو الإمام القائم “عجل الله فرجه وسهل مخرجه”. 

وإذا كان حزب الله قد حرّكه الوجود الصهيوني في فلسطين بأن يقوم بمواجهته رغم الفارق الكبير في أسباب القوّة، وأن يضحي ويعطي من دماء أشرف أناسه، فإنه يدرك تماماً بأن الأمن لا يكفي وحده بلا إصلاحٍ سياسي، بلا إصلاحٍ اجتماعي، بلا إصلاحٍ ثقافي، ولذلك لم يكن مستوى حزب الله وتفكيره العميق ونظرته البعيدة تغفل عن تربية الإنسان في لبنان، ولذلك كانت له مشاريعه الكبرى في الجهاد السياسي، في الجهاد الثقافي، في الجهاد الاجتماعي، في الجهاد الاقتصادي، كلّ ذلك من أجل سعادة الإنسان وعزّته وكرامته. 

 

حزب الله والساحة اللبنانية

حزب الله في لبنان يدافع عنها، يمنع عنها الخطر. حزب الله في لبنان يزيد في وعي إنسانها، يهمه معالجة أوضاعه المادية، أوضاعه الاجتماعية، أمنه المحلّي، كلّ شيءٍ مما يهم هذا الإنسان يهمّ حزب الله في لبنان، وله مشاريعه الكثر التي تعالج هذه الأمور المختلفة. 

لبنان فيها اختلاف سياسي، فيها اختلاف طائفي، فيها اختلاف ديني، ما موقع حزب الله؟ ما نوع تعامله مع هذه الاختلافات والانقسامات؟ 

أولاً: لا يساعد على أيّ انقسامٍ داخلي في لبنان، وعلى أيّ انقسامٍ داخلي في أيّ بلدٍ إسلامي. 

أصل الانقسام مرفوض، وإذا حصلت الانقسامات فالتعامل معها بهدوء ما أمكن، بلينٍ ما أمكن، بمحاولة رأب الصدع، بمحاولة تقريب القلوب، بمحاولة اجتماع الكلمة على التعاون في كلّ ما تلتقي عليه الآراء، ومن أجل المصالح المشتركة بين الجميع والتي هي محلّ قناعة الجميع كالدفاع عن الوطن وحماية أمنه، وعدم تردي اقتصاده، وعدم نشوء الفتن الطائفية أو السياسية أو الدينية في داخله. لكن هل كلّ الناس أصدقاء؟ بغضّ النظر عن الصديق والعدو، هناك عدو واحد عند حزب الله وعند كلّ من له وعي من المؤمنين والمسلمين، وهو أن لا التقاء ولا تسامح مع من يتآمر على الأمة من أجل عدو الله، من أجل عدو الأمة، من أجل هدم الإسلام، من أجل الوجود الذي يمثل بؤرة للفساد، لابد أن يُحارب في فساده، ويبقى فيما عدى ذلك اليد ممدودة من حزب الله وكل عاقلٍ لكلّ فصيل ولكلّ مخالفٍ ديني أو مذهبي أو سياسي، إذا كان مدّ اليد من أجل مصلحة الإنسان وتهدئة الساحة من أجل التفرغ للعدو المشترك، ومن أجل راحة المجتمع. 

فلنتعلم، وهذه دروسٌ ليست للبنان فقط، وإنما لكلّ بقعة، ولكلّ حركة من حركات التغيير والإصلاح. 

 

حديث عن حجّة الإسلام والمسلمين العلامة الشيخ نعيم قاسم، وهو حديثٌ دون قامته: 

هذه ورقة مطبوعة انتشرت وربما قرأتموها، ولكن دعونا نقف الآن على بعض نقاطها، لنتعرف على شيءٍ من وزن هذه الشخصية. 

-دَرَس عدة سنوات للكيمياء ودرّس عدة سنوات للكيمياء، هذا أمر علمي. 

-أثناء دراسته الجامعية ساهم في تأسيس الاتحاد اللبناني للطلبة المسلمين. 

منخرط في العمل الاجتماعي ذي الصلة بجو العالم السياسي والتربوي وتنشئة الجيل القويّ من أبناء الأمة. 

نعم ساهم في تأسيس الاتحاد، وليس اشتراك فقط، وإنما شارك في تأسيسه مع عدد من الطلاب، وترأس جمعية التعليم الديني الإسلامي، طبعاً شارك في التأسيس بوزن، يعني يحكي عن وزن معين، التأسيس في مثل هذا الاتحاد يشير إلى وزن معين بلا إشكال. 

-ترأس جمعية التعليم الديني الإسلامي.

هذا يعطيك مؤشر لوزن من بُعد آخر. 

-عقب لقاءات بين اللجان الإسلامية عام 1982 تأسس حزب الله، وكان الشيخ نعيم قاسم من بين أبرز الفاعلين العاملين على تأسيسه. 

هذه درجة أخرى من وزن و إمكانات الشخصية، تقدير الشخصية، معرفة الناس لوزنٍ خاصٍّ لهذه الشخصية، الناس ليس العاديين وإنما الكبار الذين يتقدمون صفوف المجتمع. 

-بقي في مجلس الشورى ثلاث دورات، هذا مؤشر. 

-أوكلت إليه مسؤولية الأنشطة التربوية والكشفية في بيروت. جانب عملي وجانب نظري. 

-ثم تقلّد منصب نائب المجلس التنفيذي لحزب قبل أن يترأسه. يعني نجح في كونه نائب فرُقي إلى درجة الرئاسة. 

-تولى بعد ذلك منصب نائب الأمين العام لحزب الله منذ زمن السيد عباس الموسوي عام 1991 واستمر في هذا المنصب مع توليسماحة الشهيد الكبير العظيم السيد حسن نصر الله مسؤولية الأمانة العامة. 

هذه خلفية عن شخصية هذا الرجل، ثم هو الآن قبل ذلك منتخب، منتخب من؟ هذا منتخب قادة عظام تخصصيون في مجلس الشورى. 

 

جاء في خطابه أنّه يؤكد وبقوة على سياسة الإيلام للعدو، إذا كان العدو يؤلم المسلمين بأحط وبأخطر الأساليب وأكثر الأساليب ازعاجاً حتى عن طريق السلاح الإلكتروني، فإنه يجوز في هذه الحالة لحزب الله أن يواجه هذا الأمر بإنزال البلاء وإنزال الخوف وتسبيب الارتعاد والارتجاف للعدو الصهيوني في إسرائيل كلّها، هذه خلفية. 

ويبقى دائماً أنّ نجاح أيّ حركة، نجاح أيّ ثورة، نجاح أيّ نهضة يحتاج إلى هذا الأمر: كفاءة وإخلاص وتبادل تضحية وفدائية وأخوّة صادقة. من قيادة، ونخبة، وقاعدة. 

حجة الإسلام الشيخ نعيم قاسم وهو أهلٌ للقيادة يبقى بحاجة للنخبة، والنخبة المخلصة الكفوءة القادرة الحكيمة المضحية موجودة في لبنان، القاعدة أيضاً في لبنان من أهل الإيمان قاعدة واسعة مخلصة مؤمنة مضحية صابرة، إذن عوامل النجاح والله الموفق، وهو ربّ العباد، وهو ناصر المؤمنين. 

نصر الله المؤمنين نصراً عزيزاً في لبنان وفي بلاد المسلمين كلّها، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

زر الذهاب إلى الأعلى