كلمة آية الله قاسم في الحفل التأبيني لشهيد الأمة السيد نصر الله

*نصّ كلمة سماحة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم في الحفل التأبيني الذي أقامته ممثلية حزب الله في قم المقدسة، وذلك بمناسبة أربعينية شهادة سماحة السيد حسن نصر الله “أعلى الله مقامه – ١٣ نوفمبر ٢٠٢٤م

 

بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله على السراء والضراء.

الحمد لله على الشدة والرخاء.

الحمد لله على ما وعد به المؤمنين الصابرين من النصر العزيز الكريم.

 

ما من عملٍ مؤسسي إلا ويحتاج إلى قيادة، صغيراً كان هذا العمل، صغيرة كانت هذه المؤسسة أم كانت كبيرة، ومؤسسة المجتمع العام هي المؤسسة الأكبر، وقيادة المجتمع العامّة أصعب قيادة، والفراغ في المركز القيادي للمجتمع يعني أعظم الأخطار.

 

تقول الكلمة عن الإمام علي “عليه السلام” في قسمٍ منها (أسدٌ حطوم خير من حاكم ظلوم)، والقائد حاكم، وهذا يأتي ما هو أخطر منه وهي الفوضى. 

يقول هذا القسم من الكلمة للإمام علي أمير المؤمنين “عليه السلام” بالنص (أسدٌ حطوم خير من سلطان ظلوم، وسلطان ظلوم خير من فتن تدوم). 

 

“أسدٌ حطوم” يهشّم، يُحطّم، يبعثر الأبدان ذات البنية الصلبة القويّة، هذا الأسد الحطوم بعنفه، بوحشيته، بخطره العظيم، إلا أنه خيرٌ من سلطانٍ ظلوم. الأسدُ يبعثر جسماً أو جسمين، يهدم بناية هذا الجسم وجسمٍ آخر وثالثٍ مثلاً، أما السلطان الظالم فيأتي ظلمه على خلقٍ كثير. 

 

باختصار، الأسد الحطوم يحطّم أجساداً، أما السلطان الظلوم فيحطم أجساداً، يحطم عقولاً، يحطم أدياناً، يحطم خلقاً، يُرعب مجتمعاً واسعاً كلّه.

 

فإذن الأسد الحطوم على وحشيته، على بهيميته، على افتراسه العنيف إلا أنه خيرٌ من سلطان ظلوم. 

 

(وسلطان ظلوم خير من فتن تدوم) هذان خياران، إما سلطان ظلوم، أو فتن تدوم، فتن تدوم يعني لا حكومة، لا سلطان، لا هيمنة لأحد على المجتمع لضبط مساره والحكم على علاقاته والأخذ بالقوّة على يد بعض ظالميه. 

 

الفوضى الدائمة مصاحبة لغياب الحاكم، عدلاً كان أو ظالماً، فخيار السلطان الظالم بلاءٌ شديد، حكم السلطان الظالم شقاءٌ مقيم، انحدارة، ظلمٌ مستمر في المجتمع لا يسمح لأحدٍ قابل للنهوض، وللعطاء الكبير أن ينهض. 

 

بلا حكومة معناه فتن دائمة، والحاكم هنا ليس ظالماً واحداً، وإنما قد يكون ألوف الظالمين، ملايين الظالمين، حيث المجتمع يعيش حالة الفوضى، فكلّ ذي قوّة يظلم من دونه ولا يملك أن يدافع ويدفع الضرر عن نفسه. 

أوصاف القيادة الإلهيّة التي اختارها الله لقيادة البشرية:

بقي خيار آخر، وهو الحاكم العادل، هذا الخيار هو الذي اختاره الله عزَّ وجلّ لصلاح البشرية، أن يحكمها عدلٌ، والعدل يحتاج إلى علم، يحتاج إلى فهم، إلى خبرة، حتى يعرف الحاكم كيف يكون العدل، وكيف يكون الإحسان، فمع العدل نحتاج إلى العلم، وأساس الصلاح أولاً هو العلم، في كلّ أمرٍ من الأمور لابد من العلم حتى تنضبط مسيرة الفرد ومسيرة المجتمع وتتصحح الأمور. 

أقرأ بعض الأحاديث والأحاديث كثر في هذا الموضوع، وهي تقدّم لنا صورة وأوصاف الحاكم الذي يختاره الله عزَّ وجلّ، وهو أهلٌ للحكومة. من هو الصالح للحكومة؟ لقيادة الأمّة؟ 

 

– روي عن النبي “صلى الله عليه وآله” (لمّا أذن لعلي عليه السلام في لقاء عمر بن عبد ود وخرج إليه، قال النبي “صلى الله عليه وآله”: برز الإيمان كلّه إلى الشرك كلّه).

 

وصف القيادة المختارة من الله لصلاح عباد الله هي هذه القيادة، المُحارب الشرك كلّه، وقيادات الشرك التي تعتمل فيها كلّ دوافع الشرّ، وكل دوافع الإعتداء، وكلّ الجاهليات، هذا الرمز للشرك والمليء بالشرك، والمجسّد للشرك، قباله من؟ قباله من يجسّد الإيمان كلّه. هناك طرفان كلٌّ منهما يريد أن يدفع بالمسيرة في الاتجاه الذي يختاره، هذا الاتجاه، اتجاه الشرك كلّه، وقيادته تمثّل الشرك في أبشع صوره، وأخسّ حالاته، هذه قيادة الشرك، الجحافل المشركة. 

 

القائد الإيماني لابد أن يكون كتلة إيمانيّة كاملة، أن يكون داخله كلّه إيمان، سلوكه إيمان، عقليته عقلية إيمانية، قلبه إيماني، يعني إنسان موحّد مخلص في توحيده، من أين نحصل على هذا الشخص؟ من يعرفه؟ لا يعرفه أحدٌ من الخلق، إنما العارف به الله تبارك وتعالى. 

 

-وقال “صلى الله عليه وآله” (يوم الأحزاب: لضربةُ عليٍّ خيرٌ من عبادة الثقلين)

يعني هذه القيادة الإسلاميّة قيادة جبّارة، قيادة لها مواقف نادرة، لها نشاط حيوي جدّي تعمر بالأرض، تستقيم به المسيرة، له مواقف تدفع شرّ الشرك، له مواقف تصحيحية على المستوى العام، حياته تشهد له بأنّه صاحب مواقفٍ جليلة، مواقف شجاعة، مواقف هادية، مواقف مؤثرة تأثيراً إيجابياً على مستوى العالم كلّه. 

 

-وروي عن النبي “صلى الله عليه وآله”:(لمبارزة علي بن أبي طالب لعمرو بن عبد ودّ أفضل من أعمال أمتي إلى يوم القيامة)

 

كم هو مؤثر هذا العمل؟ كم له من عطاءٍ ثابتٍ دائم؟ كم له من قدرة على الإشعاع؟ كم له من عطاءٍ على مستوى درس الشجاعة؟ كم له من عطاءٍ لخلوده وقوّة تأثيره، هذه القيادة قيادة قدّمت مواقف ووقفت مواقف قبل أن تتسلّم الإمامة وبعد أن تسلّمت الإمامة، تشهد بأنّها شخصية عملاقة لا تلحقها شخصيةٌ أخرى في سموّها وسموقها وصفات كمالها. 

 

-روى الشيخ المفيد عن سعد بن أبي وقاص: (بعث رسول الله “صلى الله عليه وآله” برايته إلى خيبر مع أبي بكرٍ فردّها، فبعث مع عمر فردّها، فغضب رسول الله “صلى الله عليه وآله”، وقال: لأعطينّ الراية غداً يحبه الله ورسوله، ويحب الله ورسوله، كراراً غير فرار، ولا يرجع حتى يفتح الله على يديه).

 

ما قيمة هذا الرجل الذي يحبّه الله؟ كم هو كماله؟ إلى أين تبلغ رفعته؟ ما هو مقدار صفاء قلبه؟ نضج عقليته؟ صفاء روحه؟ 

إنّه الرجل العظيم العظيم، الذات الطاهرة المقدّسة، هذا هو الإمام الذي اختاره الله عزَّ وجلّ لقيادة البشرية، عظيمٌ عظيمٌ عظيمٌ قدر البشرية عند ربها أن يختار لها مثل هذه القيادة، وإذا بالقيادة من بعد ذلك تؤول إلى معاوية وإلى يزيد، وتصل إلى نتنياهو وأضرابه. 

 

(لأعطينّ الراية غداً رجلاً يحبه الله ورسوله، ويحب الله ورسوله) 

أحبَّ الله علياً “عليه السلام” فأعطاه من المواهب ما لم يُعطه إلا رسول الله الذي يفوق كلّ الخلق في مواهب الله عنده، وأعطى علي “عليه السلام” حبّه لله وشكره وخضوعه واستسلامه لإرادته ورضاه لقضائه وقدره، (ويحب الله ورسوله). 

هذا البعد الروحي، الروح وما تغنى به من قدرات و كفاءات وطهرٍ وسموّ، وهو أنّه يحبّه الله ويحبّ الله ورسوله. 

 

أمّا على مستوى الخارج، ونتيجة لهذا الداخل الروحي الكبير: (كراراً غير فرار، ولا يرجع حتى يفتح الله على يديه)، وهي صفة تحتاجها كلّ قيادةٍ يُرتقب منها أن تُصلح، وأن تواجه الشرّ بقوّة وتقضي عليه، لا يرجع هذا الشخص حتى يفتح الله على يديه. 

 

(قال فلّما أصبحنا جثونا على الركب فلم نره يدعو أحداً منّا، ثم نادى أين علي بن أبي طالب، فجيء به وهو أرمد، فتفل النبي في عينه وأعطاه الراية ففتح الله على يديه)

 

شيء كبير ينتظر، نبأ كبير، حدث كبير، وكلّ الأعناق تتطلع لهذا الشيء الموعود به، من هو هذا الرجل الذي لا يجاريه رجل من المخاطبين وغير المخاطبين على مرّ الأجيال كلّها؟ 

هذه أوصاف لإمام الإسلام، لإمام الأمّة الإسلاميّة، فعلينا أن نعرف قدر الإمامة، ووزن الإمامة، وقامة الإمامة، ونعطي هذه القامة، وهذا الموقع السامي حقّه، ولا نبخس من حقّه شيئاً. 

تشخيص القيادة:

من بعد وصف القيادة، ماذا نتوقّع؟ نتوقّع تشخيص القيادة على ضوء ما وُصفت به، على ضوء الأوصاف التي تؤهّل للقيادة، فهل اختير من يحمل هذه المواصفات إماماً؟ ومن هو الذي يختار هذا الإمام؟ 

 

فهنا من يختار لنا النبي؟ من يختار لنا الإمام؟ من يختار لنا الإمام بالإمامة الكبرى الشاملة التي يضمن صوابية مواقفها؟ ليس إلا الله تبارك وتعالى، والنبي مُبلِّغ، النبي إذا بلَّغ عن إمامة علي فإنّما يبلّغ عن الله عزَّ وجلّ، والخيارُ من الله، والذي اختار علياً إماماً هو الله تبارك وتعالى، فأصلُ الاختيار للإمامة إنما يكون لخالق الخلق، لمالك العباد، هو مالكهم وهو عالم بكلّ دقائق وجودهم ودقائق وجود الكون كلّه، والعالم بمصير كلّ شيء. 

 

حتى ولاية الفقيه تأتي مُتنزِّلة، وفي طول إمامة الأئمة المعصومين “عليهم السلام”، وتأتي بالنصّ منهم الذي يعني رضا الله تبارك وتعالى عن ولاية الفقيه، وأمر المعصومين كاشفٌ لنا عن أن الله عزَّ وجلّ قد اختار علياً “عليه السلام” إماماً بعد رسول الله. 

 

أريد أن أقول أنّ الإمامة لأكبر الوجودات في الخلق، لأكبر الوجودات في الناس، لأكبر الذوات، لأعلم الذوات، لأطهر الذوات، لأقدر الذوات. هذا موقع القيادة يا أخوة. 

 

فلايتساهل بها متساهل وعلى الأمة أن تلتفت لعظم هذا الموقع وترعى شأنه الكبير، فإنّ في مراعاة شأن الإمامة وفي حسن اختيار الإمام سعادة العباد، وفيما هو العكس شقاء العباد وضياع الغاية من وجود هذا الإنسان. 

 

-في كلمة النبي “صلى الله عليه وآله” في يوم الدار، يوم جمع عشيرته وهم يزيدون أربعون شخصاً من الرجال، في وليمة ليومين، يوم تفرقوا ولم يكن له شيء لكلمة قالها أبو جهل على الظاهر، وفي اليوم التالي نطق رسول الله بما يأتي: “يا بني عبد المطلب، إنّي والله لا أعلم شاباً في العرب جاء قومه بأفضل ما قد جئتكم به، إنّي قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله تعالى أن أدعوكم إليه، فأيّكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيي ووزيري، قال فأحجم القوم عنها جميعاً، وقال علي “عليه السلام”: أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه، فأخذ برقبته، ثم قال: إنّ هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فأسمعوا له وأطيعوا، قال فقام القوم يضحكون، ويقولون لأبي طالب، قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع”. -ونحن مخاطبون كما خوطبوا، وكلّ الأجيال مخاطبة بالسمع والطاعة لعلي وآل علي-). 

 

إذا لم تأخذوا بما جئتكم به فلا خير تنالونه دنياً ولا آخرة، ومن يؤازره فإنه يكون في مقام يشبه رسول الله “صلى الله عليه وآله” وكأنه أخوه في ذلك المقام، وإن كان أمرُ النبوّة وموقعها هو أكبر موقعٍ، والإمامة تلازم النبوّة. 

 

-وفي بعض نصوص الروايات، أنه لما قام علي “عليه السلام” فأجاب أجلسه رسول الله، ثم أعاد الكلام فأجاب علي فأجلسه، ثم أعاد عليهم فلم يجيبوا وأجاب علي “عليه السلام”-

ولم يجلسه المرة بعد المرّة، إلى المرة الثالثة؟ حتى لا يحتجّ محتج ويقولون لم يُعطنا الفرصة حتى نبدي الرأي، ولبيان تخلّفهم مريدين، ملتفتين، وأعطاهم الفرصة بعد الفرصة بأن يجيب أحدهم بأنه يآزر رسول الله ويعينه في أمر القيام بالرسالة، إلا أنّ أحداً لم يجبه، وكلّ النفوس رأت نفسها عاجزة خاسئة على أن تتحمل هذه المسؤولية الضخمة الكبرى. 

 

أنعرف الإمام؟ بلى نعرف الإمام بتتبع الآيات والروايات الصادقة. 

 

الآن انتهينا من نقطتين، أنّ الإمامة صاحبها له أوصافٌ لا تُنال إلا بالنماذج القليلة، وقد حصروا في الأئمة الأطهار “صلوات الله عليهم أجمعين” بحسب مركز الإمامة الأصل، ومن يأتي من بعد الأئمة في مقام الإمامة فإنما يأتي كبديلٍ اضطراري ما دام الإمام القائم “عجل الله فرجه” في غيبته. 

 

سيدنا الكريم.. 

عن السيد الكريم، الشهيد السيد حسن نصر الله “أعلى الله مقامه ورفع درجته”: 

 

الرجل إيمانٌ عميق راسخٌ بخطّ الولاية، على مستوى الكلمة الصريحة، والموقف الصلب، وهو ولاءٌ نابعٌ من الولاء للإسلام. 

 

ذاب السيد الشهيد في حبّ الإمام الخميني والخامنئي، ونسي نفسه في ولائهما، ووضع روحه على كفّه انتظاراً للأمر من الولي، ودعا الناس إلى ولاية هذا الولي، وكافح على طريق كفاحه، واندكّ اندكاكاً عظيماً أمامه -وهو الكبير، وهو الكفؤ، وهو البطل الشجاع، وهو الأبي، وهو الذي لم يتراجع أمام موقفٍ صعبٍ مذهل، إلا أنّه وأمام السيد الولي يطأطئ برأسه-. 

هذا ليس عن مشتهى ذاتي تبرُّعي، هذا عن ولاءٍ لله تبارك وتعالى أولاً، وللرسول ثانياً، وللأئمة الأطهار “صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين”. 

رأى في هذا الولاء؛ العقل، والحكمة، وسداد الموقف، والمصير الطيّب، والنهاية السعيدة. 

هذا هو السيد: إيمانٌ عميقٌ راسخ بخطّ الولاية على مستوى الكلمة الصريحة أمام الصديق والعدوّ، والموقف الصلب، وهو ولاءٌ نابعٌ من الولاء للإسلام. 

 

ينظر في الإمام الخميني والإمام الخامنئي، إذا نظر إليهما لا ينظر إليهما في ذاتهما، وإنما بما هما مظهران من مظاهر قدرة الله، من مظاهر رحمة الله، من مظاهر لطف الله تبارك وتعالى، فينظر إليهما عبدين مطيعين لله تبارك وتعالى، فيرتفع شأنهما عنده لعبوديتهما الصادقة الخالصة لله تبارك وتعالى. 

 

السيد الكريم، يعيش حالة الاهتمام البالغ بقضية الإسلام والأمّة الإسلامية عامّة، وليس الأمّة الإسلامية في لبنان فقط، أو في فلسطين فقط. 

يعيش حالة الاهتمام البالغ الكبير بحركة المقاومة من أجل الإسلام والأمّة، أعني المقاومة في كلّ مكان، كانت على المستوى الكبير، أو على المستوى المقدور وإنْ كان أقلّ مما هو عليه الطموح. 

 

السيد الشهيد “أعلى الله مقامه” شخصيةٌ يزيدك القرب منها تقديراً وانشداداً إليها، ويزيدك إيماناً عظيماً بها. 

الشخصية شخصيتان: شخصية ترضاها وتثني عليها وأنت بعيدٌ عنها وهي بعيدةٌ عنك، لم تعاشرها، لم تخالطها، لم تعش التجربة معها، ولكنك حين تقترب منها، من خصائصها، من هواجسها، من أمانيها، تضطلع على ما عليه هذه الشخصية، من أشياء، من أمور لا تنكشف إلا عن طريق القرب إليها، تتراجع شيئاً فشيئاً عن التقدير لها، تفرّ منها بعد أن كنت تنجذب إليها. 

وشخصيةٌ أخرى هي عندك بمقدارٍ في شأنها، أما حين تقترب فتُذهل أمام عظمتها، تنجذب كلّ الانجذاب إليها لما يظهر منها من حسنات، من كفاءات، من صدقٍ، من إخلاصٍ،من شجاعة، من طهر نفسٍ، من سلامة دخيلة. 

فالسيد هو الشخصية الثانية وليست الأولى. 

 

إذا حدثت نفرةٌ من أحدٍ عن السيد العظيم، فإنّما لعدم الصبر على عدله لا لعدم الصبر على ظلمه، له عدلٌ الصابر عليه قليل، هو مأمون من حيث الظلم، حيث لا ظلم عنده، وكيف يفرُّ منه الفارون من بعض الشخصيات؟ عظُم صبره وعَظُم عدله بما لا يحتمل الطرف الآخر، رأوه لا يجامل على حساب الحقّ، قد يراه الشخص أنه لا يجامل على حساب الحق، وهو يتوقع منه المجاملة، لا يجامل على حساب أمانة الحكم والقيادة، ولا يجامل على حساب التقديم لمصلحة الإسلام، وإن كان ولاؤه له أكبر، وجهاده أعظم. قد يكون شخصان مع السيد على طريق، وفي العمل المشترك، إلا أنّ شخصاً يفوق آخر إخلاصاً وعطاءً وكفاءةً فيقدّم من كان أعظم عطاءً وصدقاً وإخلاصاً ورساليةً وكفاءة، الثاني يكبر عليه هذا الشأن فيفرّ من السيد وقد يحاربه! 

 

كلّ الحسابات عنده جانبية بالقياس إلى رضا الله وغضبه. 

 

مطلوبٌ من الأمة، ومن كلّ مؤسسة كبيرة أو صغيرة من مؤسسات المجتمع المؤمن، أن تتعلم من دروس قيادة السيد الكريم، ومن ذلك: 

– أنْ على الأمّة التي تؤمن بالإسلام -وهو أسمى مبدأ، وأعظم دين- ألاّ تقبل بأيّ قيادةٍ مخالفة للإسلام، سائرة على غير طريق الرسالة، لا تؤمن بالولاية الموروثة عن ولاية أهل البيت “عليهم السلام”. 

– على الأمّة أن تتعلم هذا الشيء من قيادة السيد الشهيد العظيم، وهي أن ترفض كلّ قيادة لا تُحرز فيها الصدق، الإخلاص، الذوبان في الله، في رسوله، في أوليائه. 

– علينا أن نقيس كلّ قيادة، كلّ شخص يتقدّم لموقع القيادة، بأيّ مستوىً كانت هذه القيادة، بمقياس القرب عن الإسلام ومقاييس الإسلام، هذا القائد، هل هو قريبٌ من الإسلام؟ آخذٌ بمقاييس الإسلام؟ ملتزمٌ بقيم الإسلام؟ بأهداف الإسلام؟ بالنظرة الإسلامية؟ بالأخلاق الإسلامية؟ 

هذا مقياسنا في اختيار القيادة، نقدّم من تقدّم في هذه الأمور، ونؤخّر من تأخّر. 

 

غَفَرَ الله لي ولكم.  

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

زر الذهاب إلى الأعلى