الحديث الأسبوعي لـ آية الله قاسم – العقل و الجهل – ٣٠ اكتوبر ٢٠٢٤

*نص محاضرة سماحة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم في الجلسة الأسبوعية التي يعقدها في مقرّ إقامته في قم المقدسة كل ليلة خميس تحت عنوان (جنود العقل والجهل) – 30 أكتوبر 2024 / 26 ربيع الثاني 1446هـ: 

 

بسم الله الرحمن الرحيم 

عن أبي جعفر “عليه السلام” قال، قال: الكمال كلُّ الكمال التفقّه في الدين، والصبر على النائبة، وتقدير المعيشة. 

 

(الكمال كلُّ الكمال التفقّه في الدين)

كأنّه يشير إلى أن التفقه منطلقٌ لابد منه لكمال الإنسان، ولأهميته الكبرى في أدائه للكمال عُبِّر عنه بالكمال نفسه. 

 

لماذا يمتلك الفقه هذه المنزلة الكبرى في دوره في هذه الحياة؟ ولماذا أعطي الكمال هذه الأهمية في بلوغ الإنسان المبلغ الأعظم، وهو كماله؟ 

الإنسان خُلِق للكمال، يتكامل ويتكامل ويتكامل حتى يتمّ له كماله. 

ورسالة الإسلام هي رسالة الكمال للإنسان، وأيُّ شيءٍ يقابل الإسلام ولا يلتقي معه ويواجهه المواجهة المُحارِبة فهو لابد أن يكون لتسافل الإنسان ولانحداره. 

 

(الكمال كلُّ الكمال التفقّه في الدين) 

يعني جمع الأحكام الشرعية في الصدر؟ لو أنّ إنساناً استوفى فهماً وحفظاً كلّ الأحكام الشرعية من أوّلها إلى آخرها، هل يتمّ كماله؟ 

طبيعي هذا التفقّه طريقٌ للكمال، بأن يتحوّل هذا الفهم والحفظ إلى واقع نفسي، واقع قلبي، إرادي، واقع سلوكي، إلى أن يتحول إلى منهج عملي، بأن يكون منهج السير الحياتي للإنسان، لإنسانية الإنسان على الأرض، أن يكون خطّ هذا السير هو خطٌّ يرسمه الفقه الشرعي، لأنّ الفقه الشرعي هو في جزئياته وحدات قانونية تنظّم حياة الإنسان حتى على مستوى داخله ومستوى خارجه، ولا يأتي من عند الله عزَّ وجلّ إلا ما فيه الكمال، النقص يأتي من الناقص، أما الكامل المطلق فلا يأتي منه إلا كامل. 

 

(الكمال كلُّ الكمال التفقّه في الدين)

التفقه مرّة فهم، أن أدرك حكم ما لا أعلم، حرمة ما لا أعلم، حرمته ووجوب ما لم أعلم وجوبه، الإباحة بمعناها العام، من مستحب ومن مكروهٍ ومن جائز الطرفين على نحو التساوي. 

هناك فقه أعمق من معرفتي لحرمة الشيء ولوجوب الشيء وما إلى ذلك، أن يفقه العقل والقلب عظمة الدين، صدق الدين، أصالة الدين، نزاهة الدين، حقانيّة الدين، هذه بصيرة، هذا فقهٌ على نحو البصيرة، أو بمستوى البصيرة، غير الفقه بمعنى الفهم العام، أن أفهم أنّ هذا حقٌّ وأفهم أنّ هذا حرام، ولكن هل هذه الحرمة حقّة؟ هي الحكم الصحيح في المورد؟ أو يبقى قلبي يحتمل أنّ هذه الحرمة هي الحكم الصحيح أو أنّ فيها شيئاً من الخطأ؟ إذا كنتُ أعرف أنّ هذا حرام، ويحتمل قلبي أنّ فيه الحكم بالحرمة في هذا المورد شيئاً من اشتباه، شيئاً من غلط، من غفلة، من سهو، فأنا فاقهٌ للحكم، ولكن ليس الفقه على مستوى البصيرة. البصيرة في الدين أن أعرف حكم الدين في هذا الأمر وفي ذلك الأمر إلى آخره، من الأمر الصغير إلى الأمر الكبير الخاص والعام، وأعرف أن لا حكم يمكن أن يحلّ محلّ هذا الحكم ولا أن يصل إلى منزلته في الصدق والحقانية، هذا المستوى هو المستوى الأعلى للفقه. 

وعندهم تعبيران: “فَقِهَ وفَقُهَ”، فَقُهَ تُطلق على من كانت سجيته وديدنه وسيرته كلّها سيرة فقه، وكلّها تعلّقٌ بالفقه، واحترامٌ للفقه، وجدٌّ في الفقه، وإصرارٌ على إقامة حياته وإقامة حياة الآخرين ممن يستطيعوا على منهج الفقه. 

 

(الكمال كلُّ الكمال التفقّه في الدين)

نحن أفراداً وأمةً، المفروض فينا أن نطلب الكمال، ولا طريق ثانية للكمال في بدايته غير أن نفقه، نفهم، نجد الفهم، نتعلق بهذا الفهم، نحترم هذا الفهم. 

(..والصبر على النائبة)

لم يعد الله عزَّ وجلّ الناس للراحة كلّ الراحة في هذه الحياة، ومنذ ولادة الإنسان وهو يعاني في هذه الحياة ويكابد ويقاوم ويجاهد على يد نفسه وعلى يد أمّه وعلى يد أبيه حتى تكتمل له القوّة، قوّة عقل، قوّة إرادة، وقوّة في الحركة البدنية، حتى يكون الحيّ المتحرّك صعوداً، لابد له من المكابدة والمقاومة والمجاهدة. 

وعلى مستوى الأمة، ليس من أمةٍ تمتلك من وصايا قادتها العظام، وكلّ الأنبياء والمرسلين والأئمة الطاهرين، كلّهم قادةٌ للأمة الإسلامية، ليس من قادةٍ في هذا العالم لهم من الوصية بالمقاومة والمجاهدة والمكابرة والمعاندة للباطل، والمعاندة للنفس حيث تتلكأ عن موقف الحقّ أو أن تميل إلى موقف الباطل. الأمة الإسلامية ليس أغنى منها بالمنهج الذي تقوم حياة الإنسان فيه على الصعود الذي لا يتم إلا بالمقاومة والمجاهدة والمعاندة والمكابرة، وهذا يحتاج إلى صبرٍ شديد.

لا ينفكّ عنه واقع النوائب، ويسقط الإنسان أمام أيّ نائبةٍ وإنْ صغُرت حيث يفقد الصبر، ويواصل الطريق، ويشتدّ عوده، ويغلب التحديات ولا تغلبه أكبر التحديات، إذا تمتع بصفة الصبر، والصبر نفسه لا يُكتسب إلا بالمجاهدة وبالتمرين وبالمقاومة وبتحمُّل العناء في الحوادث الصغيرة حتى تتوفر طاقة التحمُّل للعناء في التحديات العظمى. 

لولا أن تحدتنا فيها ضغطٌ على النفس، فيها تحدٍّ للقوة البدنية والقوّة النفسية، القوة العقلية، ونحمل من زمن الطفولة، لكنّا على درجة من الهشاشة لا يمكن لها أن تتحمل المشكلات الكبار، وتسقط تحت أيّ تحدٍّ لا يلزم أن يكون كبيراً وإنما فليكن أقلّ التحديات شأنها، لكنّي سأسقط أمامه، أمام ضغطه وتحديه، لو كانت نفسي لم تواجه شيئاً من جوع، شيئاً من عطش، كثيراً من جهل. شهادة الروضة لا يتأهل لها داخل الروضة إلا بعد بذل جهد وصبرٍ ومجاهدة، أمّة تريد أن تفوق كلّ الأمم -وهي مكلّفة بذلك- وتريد أن تستجيب لنداء ربّها تبارك وتعالى بأن تكون الأمّة الرائدة، الهادية، الرشيدة، القوية، الصعبة، المقاوِمة، هذه الأمة لابد من دروسٍ ودروسٍ تتعاظم شيئاً فشيئاً حتى يشتدّ عودها. 

النبتة الصغيرة لو لم تقاوم ظروف الطبيعة، لو لم يُعطها الله عزَّ وجلّ المقاومة لظروف الطبيعة، لذبُلت وسقطت وانتهت. وهذه النخيل البواسق، والأشجار السامقة، ما اشتدّ لها عودٌ إلا بعد مواجهة صعابٍ وصعاب، مع رعايةٍ من زارعٍ أمينٍ ماهر. 

نحن الأمة الإسلامية أشدُّ الأمم تكليفاً، وتكليفنا ليس في بُعدٍ واحد من أبعاد ذاتنا الإنسانية، تكليف الله لنا تناول كلّ أبعاد الذات، وكلّ أبعاد الخارج من إنتاج الذات الإنسانية، كلّ ذلك أراد لنا الله أن هذه الذخائر الكبيرة، الكنوز الثرّة التي وهبها الله للذات الإنسانية، أراد لها أن تتفعّل، هي مواهب على مستوى الاستعداد والقابلية، وظهورها الفعلي وبروزها الفعلي، وخروجها من القوة إلى الفعل، يحتاج إلى هذا المنهج القائم على المقاومة والمجاهدة والمكافحة. 

 

نفوسنا تشتهي الراحة، ولكن كلّما اشتهت الراحة يجب أن نذكّرها بأننا لم نوجد إلا للبناء، لنبني حياةً ضخمة سعيدة قوية متينة هادية رشيدة، أن نبني أمة تقود الأمم، تعلّم الأمم، ترشّد الأمم، تهدي الأمم، وهذا جهدٌ لا يبلغ له الإنسان من خلال نومه، ولا من خلال رفاهياته، وإنما هو مستوىً يتطلب الجهود الضخمة، والمتاعب الكبيرة، والتي لا تتم ولا يسلك دربها الطويل سالكٌ، ولا ينجح في هذا السلوك إلا بالصبر. 

 

(والصبر على النائبة)

بلا صبرٍ على النائبة لا كمال، النائبة إشارة إلى كل ما ينوب الإنسان وينتابه، يعرض عليه، مما فيه ثقل، مما فيه أذى، مما له ضغط، مما فيه تحدي، وهذه النوائب على مستوى مختلف، والنائبة التي تصيب الطفل غير النائبة التي تصيب الإنسان بعد بلوغه واشتغالاته وما إلى ذلك، والأمة الطموحة، والأمة ذات النظر البعيد، والمتعلقة بالكمال المطلق، والتي تنظر دائماً، وتقيس نفسها دائماً في مستواها إلى ما هي عليه مما تناله في وجودها العقلي، في وجودها النفسي، في وجودها الإرادي، في إنتاجها العملي، إلى ما عليه كمال الله تبارك وتعالى، وهو كمالٌ مطلق. 

مرّةً أقيس ذاتي إلى إنسانٍ أنهى دراسته الابتدائية، أقيس ذاتي من ناحية علمية إلى إنسانٍ نال الشهادة الابتدائية، ومرّة أقيس ذاتي إلى بروفيسور، أيُّ الأمرين أتعب؟ أن أقيس نفسي إلى حامل برفسوراة، وأريد أن أصل إلى مستواه، أو إلى من أنهى الشهادة الابتدائية وأريد أن أصل إلى مستواه؟ 

هذا هو المقياس البشري، نحن لا نريد أن نصل إلى كمال الله لأننا عاجزون، ويخسأ أحدٌ يقول بأنّه يصل إلى كمال الله عزَّ وجلّ، لكن مقياس الكمال عندنا هو كمال الله تبارك وتعالى، يعني كلما قطعنا شوطاً على طريق الكمال، وقسنا أنفسنا إلى الله عزَّ وجلّ لا نجد أنفسنا شيئاً، وهذا يحثّنا إلى أن نطلب المزيد، وبذلك الرحلة تكون طويلة، رحلة الكمال تكون طويلة يقصر عنها العمر، يقصر عنها عمر أكبر الناس من أنبياء ورسل وأوصياء فكيف بنا نحن الناس العاديين. 

 

أريد هنا أن أؤكد على أنّنا مكلّفون، ليس بكمال أنفسنا فقط، وإنما بكمال المجتمع البشري ما استطعنا، والنفس الطموحة إلى هذا الحدّ، نفسٌ لابد أن تتذكر أن الطريق متعب كلّ الإتعاب، وأنّ هذا التعب لا يُتحمّل إلا بالصبر، فلنصبر والنتيجة تحتاج الصبر، وثمن الصبر وهو عظيم عظيم عظيم، قليلٌ أمام ما يحققه هذا الصبر من نصرٍ أوّل ما يكون على النفس، وانتصارنا على النفس معنى علوّنا على كلّ التفاهات، وعلى كلّ الضعف، وعلى كلّ الذلّ، وعلى كلّ موقفٍ غير بنّاء. 

 

على أنّه، الصبر ليس مكتوباً علينا وحدنا، الكافر يصبر، كما أن المؤمن مطلوب منه الصبر بحسب هدفه الكبير، الكافر بحسب هدفه الصغير يصبر صبراً عظيماً، لو تابعنا حياة الكفار والجهود المبذولة، والرحلات الشاقة والحروب الصعبة وما إلى ذلك، كلّ ذلك يأتي منهم ويقبل ظرف الفقر للوصول إلى العلم وما إلى ذلك، هم يصبرون ليصلوا النار ونصبر لنصل الجنة. 

 

والحديث يقول: (الكمال كلُّ الكمال التفقّه في الدين والصبر على النائبة) 

يعني نخسر كلّ كمالنا عندما لا نصبر على النائبة، إذا لم ننطلق على طريق المقاومة والجهاد في سبيل الحقّ، في سبيل الله تبارك وتعالى فليس لنا شيءٌ من الكمال، وإنما يكون طريقنا طريق إلى الخسار والتفاهة والذلة والمسكنة والنار الجحيم. 

 

(..والصبر على النائبة وتقدير المعيشة)

حين لا أنظر في أمر المعيشة إلا لمأكلي ومشربي، وملبسي وسكني، فأعطي كلّ ما يصل يدي من مال، وتكبر عندي الثروة التي تكفي لمئات الألوف ولا وجه للصرف لهذه الثروة في نفسي الصغيرة إلا أن أتبذخ في الأكل والشرب وملذات الحياة المادية، هذا تفاهة؟ سفه؟ سطحية تفكير؟ ضياع تفكير؟ 

هذا المال الذي يأتي عند الفقير وعند الكبير، يجب أن يوظف التوظيف الصحيح. 

من مسؤولية المال والثروة بناء أمة مجيدة عظيمة الوجود، أرفع كلّ الأمم، وأقوى كلّ الأمم، وأسعد كلّ الأمم، هذا يحتاج إلى مال. 

ملايينك كثيرة عليك، قليلة جداً جداً جداً بالقياس إلى حاجة الأمة للبناء الصحيح. 

صاحب الملايين الذي قد يتحير في ملايينه، هذه الملايين والمليارات كثيرة على نفسه وعلى أهله وما إلى ذلك، لكنها قليل جداً بالقياس لحاجة البناء للأمة القوية الرشيدة، فهل أحسب حساباً حتى وإن كنتُ لست من ذلك المستوى من الغنى؟ هل أحسب حساباً لحاجة الأمة؟ ليوم حربها؟ يوم جوعها؟ يوم محنتها المالية؟ محنتها الحربية؟ 

هذه أهمية تقدير المعيشة، أن نقدّر المعيشة ولا نسرف ولا نضيّع ولا نضع المال في غير موضعه، لا نبخل ولا نسرف، وعلينا أن نمتلك الحكمة فيما يصلنا من دينارٍ أو مليار دينار. 

 

عن أبي عبد الله “عليه السلام”، قال: العلماء أمناء، والأتقياء حصون، والأوصياء سادة. 

وفي روايةٍ أخرى: العلماء منار، والأتقياء حصون، والأوصياء سادة. 

 

ما أحوج الأمة للثلاثة. 

 

(العلماء أمناء)

العالم الخائن ليس عالماً، كيف يكون عالماً وهو لم يعرف ضرر الخيانة أو لم يحترم الخيانة، ما أجهله وهو لا يحترم الخيانة التي تحطمه وتحطم الحياة من حوله وتحطم المجتمع الذي يعيشه، فيكون جاهلاً ليس عالماً. 

العلماء تلازمهم صفة الأمانة، أمين لأنه عالمٌ بالطريق، إذا اتبعتُ جاهلاً عليّ أن لا أأمن على نفسي، فإذا كان القائد لي جاهلاً، فلو كنتُ عالماً ورضيتُ القائد الجاهل، فأنا جاهل، الجاهل لا يدلّ الطريق، الجاهل ليس مؤهلاً للوصول إلى الغاية، إلى تجنب المخاطر، إلى سلوك الطريق الآمن، بينما العالم من حيث علمه، مهتدٍ، الطريق واضح أمامه، كلّ معلم من معالم الطريق هو على بصيرةٍ منه، فلا يخطو خطوةً خطأً إذا كان عالماً صحيحاً وبقدر ما يعلم لا يخطو خطوة خطأ من حيث أنّه يدلّ الطريق، ويبقى شيءٌ ثانٍ بعد أن يكون الإنسان عارفاً بالطريق ومهتدياً به، وأتُمِنَ على إيصال طفل صغير إلى نقطة معينة، هو يعلم الطريق تماماً ولا يُخطئه، ولكن يبقى شيء ثان حتى نأمن على وصول هذا الطفل الصغير إلى الغاية، وهو أن تكون نفسه نفس نزيهة، نفس أمينة، هذه النفس العليمة لابد أن تكون أيضاً أمينة، تقدر الأمانة، حرمة الأمانة، عظمة هذه الحرمة، فأنا لو اتخذت الأمة عالماً نحريراً خبيراً سياسياً إلى آخره، ولكنه ليس الأمين في نفسه، نفسه لا تحترم الأمانة، وتستخف بثقل الأمانة، ولا تعطيها اهتماماً، هذا نتيجته نتيجة الجاهل. 

فلو أنّ كافراً ألمّ بالفقه الإسلامي الإلمام كلّه، وكان السياسي الحاذق الحذق كلّه، مع الشجاعة وإلى آخره، وأتمنته الأمة على نفسها، وهو كافر لا يقدّر القيم، ولا يحمل احتراماً لها، ولا تأنّ نفسه ولا يرقّ قلبه لمصيبةٍ تلتهم الملايين من الناس، هل يكون هذا الحاكم -وهو قادر على فهم الطريق وتشخيصه- لكن هل يؤتمن على نفوس الناس وأعراضهم؟ طبيعي لا، لأن كلّ ذلك لا يساوي ذلك بإزاء هواه ومصلحته الذاتية وسحر الدنيا في نفسه، نحتاجُ إلى علمٍ وكفاءة شاملة، ونحتاج أيضاً إلى تقوى. 

 

من أين نحصل الأمانة؟ 

من خوف الله، من الخشية من الله، من الخوف من عقوبة الله، من الطمع في ثواب الله عزَّ وجلّ، فالقائد عالم بالمعنى الشامل، أمين، إذا تخلّف بعد من هذين البُعدين فلا موقع للقيادة لمثل هذه الشخصية. 

 

(العلماء أمناء)

هذا ليس وصفاً معزولاً عن الحياة العملية، توجيه لأن تكون حياتنا العملية مرتبطة بالعلماء الذين هم أمناء. 

تأتمن شخصاً على دينار يخونك فيه، هؤلاء موجودون، عدد من فقهائناالعظام يؤتمن على المليارات لا يخون منها فلساً واحداً، ما دليلي؟ النفوس لا يعلمها إلا الله. دليلي أن الفقهاء العظام من أغنى العملات في الدنيا اليوم عند الكافر، كم يُشترى هذا الفقيه الكبير المؤثر على الملايين؟ حكمه لا يعطيه الثمن التي تعطيه الدول الكافرة لو باع نفسه عليها، الحمد لله يُعرض عليهم الثمن الضخم في نظر الكبار من أهل الدنيا، الصغار في أنفسهم من فاقدي الدين، إلا أنه إذا لم يتفل على صاحب العرض، يتفل على عرضه نفسه. 

هذا يقول له أنت تستصغرني؟ تتهمني بالدونية؟ بالبلاهة، بعدم الرشد، ذاتي مهيئة للجنة تشتريها أنت بعشرة ملايين؟ بعشرة مليارات؟ 

الأمانة تحتاج إلى خشية الله عزَّ وجلّ، إلى الطمع في ثواب الله تبارك وتعالى، والأتقياء حصون يحفظ الله بهم الناس، من أجل عينٍ ألف عينٍ تكرم أو تحفظ. وجود النبي “صلى الله عليه وآله” في حياته يرفع بلايا. فالأتقياء حصون، وبتعليمهم التقوى هم حصون، بوجودهم هم حصون، لاحترام الله عزَّ وجلّ بتقواهم، وبتقواهم الذي يعلّم الناس التقوى يكونون حصوناً. 

بيت كلّه سفهاء وليس فيه واحد يصلّي ولا يصوم ولا تنضبط الكلمة على لسانه، ويسفه في الكلام والتصرف، هذا بيتٌ ملعون، غير مرحوم، وهذا بيتٌ يتسافل بأبنائه ممن انتسب إليه، ويعمل على انحطاطه، وحرمانه من أيّ شيءٍ من الكمال، على عكس بيتٍ فيه تقيٌّ وتقيّان، إلى آخره. 

 

(والأوصياء سادة)

أوصياء الرسل، طبعاً قبلهم الرسل، وأوصياء الرسل يأتون سادة، يعني هم قادة، هم الذين يأمرون فيجب أن يُتبعوا، وينهون فيجب أن يُنتهى بنهيهم. 

العالم له نصيب من هذا، الأتقياء لهم نصيب من هذا، لكن الطاعة المطلقة للمعصوم، ولذلك الأوصياء سادة. 

 

وغَفَرَ الله لي ولكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. 

زر الذهاب إلى الأعلى