الحديث الأسبوعي لـ آية الله قاسم – العقل و الجهل – ١٨ سبتمبر ٢٠٢٤
ثالث حلقات دروس سماحة آية الله قاسم في باب “العقل والجهل” في أصول الكافي، بحضور جمع من طلبة العلوم الدّينيَّة وذوي الاهتمام الفكريّ والثقافيّ، والذي استأنفه هذا الأسبوع وذلك بمجلسه في مدينة قم المقدَّسَة – ليلة الخميس 18 سبتمبر 2024 (الحلقة الثالثة):
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف الخلق والمرسلين محمدٍ وآلهالطيبين الطاهرين.
لم تُبقِ الصهيونية اللعينة وبنو إسرائيل الذين قاتلوا الأنبياء والمرسلين ذريعةً لمن يحمل شمّةً من الإنسانية وشيئاً من الضمير الحيّ فضلاً عن الدين الكريم، لم تُبقِ عذراً لأحد في ترك العمل على درء الخطر الماحق على البشرية، الهلاك الشامل، حصد أرواح العالم من الأبرياء.
لم يَبقَ لأحد عذرٌ على مستوى الفرد والجماعة والدول -كانت الدول مؤمنةً أو كافرة-، لم يكن مجالٌ لترك هذا الوحش الخبيث، هذه البهيمية المنفلتة، هذا الجنون الذي لا حدود له، هذا السفه الفاحش الذي ترتكبه الصهيونية وبنو إسرائيل من قتلة الأنبياء والمرسلين والصالحين.
لم يَعُد لأحدٍ أن يلتمس عذراً لهذه الطائفة من الناس، والتي خرجت عن كلّ المقاييس الإنسانية، وداست كلّ القيم، وكأنّها قد فقدت العقل حين ترتكب هذه الهمجيّات المروّعة، المرعبة للعالم، القاضية على تفاؤل الناس في الحياة، الاطمئنان للحظةٍ من لحظات الحياة.
المُستهدَف في هذه العملية ليس شخصاً معيّناً، همجيّة في مضمونها وفي أسلوبها، في هدفها، في استهدافها للنوع الإنساني من غير تحديدٍ لهذا الشخص أو ذلك الشخص، تقول الموت يترصدّكم في أيّ لحظةٍ من لحظات الليل، وفي أيّ لحظةٍ من لحظات النهار.
وإذا بدأت العملية اليوم على يد إسرائيل، على يد الصهيونية، فإنّها لن تقف عند حدودها، وباتّساع هذا الأسلوب في المواجهة، لا يبقى أمنٌ لأحدٍ في العالم، ولا راحة نفس، ولا اطمئنان للحظةٍ واحدة.
هجمة شرسة جنونية وحشية ظالمة منفلتة تواجه العالم كلّه، فإلى متى سيبقى العالم بخياره وبأشراره ضدّ هذه الهجمة التي تستهدف العالم كلّه، وحين تسري من هذه البداية المشؤومة، من هذا الوجود المشؤوم، إلى بقاعٍ أخرى وإلى دولٍ أخرى، وأحزاب أخرى، فماذا سيكون مصير العالم؟
وهذا الذي تختصّ به إسرائيل اليوم، غداً يمكن أن يتاح حتّى للأفراد، فحين تختلف من صاحبٍ من أصحابك، ومع أيّ شخصٍ من الأشخاص، قد يذهب به غروره، جنونه، غضبه الشديد إلى أن يقتلك وأنت في بيتك. هذه همجية جديدة ربما كانت أشدّ من كلّ الهمجيات التي ارتكبتها هذه الدولة المشؤومة التي نهبت الأرض وسَطَت على أرواح الناس وكرامتهم وأسالت الدماء الغزيرة وشرّدت وفعلت ما فعلت.
اليوم العالم -أقول بأخياره وبأشراره- مسؤولٌ مسؤوليةً جادّة وضخمة عن حياته بالوقفة الصارمة الجادّة التي تكسر غرور إسرائيل، وتُعلِّم الآخرين الداعمين لإسرائيل بأنّهم لن يسلموا والعالم في مواجهتهم.
هذا أسلوب الحضارة المادية، ونتيجة من نتائج الحضارة المادية والفكر المادي، والبُعد عن دين الله تبارك وتعالى.
العالم كلّه محتاجٌ إلى الرجوع إلى ديننا القويم، دين محمد “صلّى الله عليه وآله وسلّم”، وإلى كلّ ورقةٍ من أوراق الفكر الإسلامي الصادر عن مصدره الحقيقي، ليملك الفكر الدقيق، الوعي المتّزن، النفسية الإنسانية الكريمة، القلب الرحيم، انضباط النفس، احترام إنسانية الإنسان، تعالوا فلنجيء جميعاً إلى درسٍ من دروس الإسلام، وهو يتمسّك بالعلم الحقيقي، العلم النافع، ويرفض العلم غير النافع فضلاً عن الضارّ القَتَّال المُغتال الظالم الذي يؤدّي إلى الظلم وإلى هدم كلّ القيم وهدم الأمن والسلام في الأرض.
****
في الحديث المنتهي إلى إبراهيم بن عبد الحميد، عن أبي الحسن موسى “عليه السلام”، قال: دخل رسول الله “صلى الله عليه وآله” المسجد، فإذا جماعة قد أطافوا برجل -اهتماماً، احتراماً، تلهفاً لسماع حديثه، استئناساً برأيه، منشدين إليه كلّ الإنشداد-، فقال ما هذا؟ -هذا الاهتمام والإقبال على هذا الرجل ماذا ورائه من خير؟-، فقيل علاّمة شدَّ الناس إليه بعلمه -بسعة علمه، بدقّة علمه، إلى آخره-، فقال وما العلاّمة؟ -سؤال من أعرف العارفين من البشر، ماذا تعنون بالعلاّمة حين تقولون علاّمة؟-، فقالوا له: أعلم الناس بأنساب العرب ووقائعها وأيام الجاهلية والأشعار والعربية، وفي نقلٍ آخر: والأشعار العربية، وليس والأشعار والعربية، فالعربية لا تدخل في هذه الأمور.
فقال النبي “صلَّى الله عليه وآله”: ذاك علمٌ لا يضرّ مَن جَهِلَه ولا ينفع من عَلِمَه.
ويجب أن لا يهمّ الإنسان جهلٌ بشيءٍ لا ينفع، إذا كان يسمّى علماً ولكنه بلا نفعٍ، فلا ينبغي لك ولا لي ولا للآخرين أن يهتمّوا به ويحزنوا لفقده.
“ولا ينفعُ من علمه”
امتلأ عقله ونفسه مما سموه من هذا كلّه بأنّه علم، امتلأ ولكن لا مردود له لا دنياً من الناحية الإيجابية، لا على مستوى الدنيا ولا على مستوى الآخرة.
ثم قال النبي “صلى الله عليه وآله”: إنّما العلم ثلاثة: آيةٌ محكمة، أو فريضةٌ عادلة، أو سُنّةٌ قائمة، وما خلاهنّ فهو فضل (1).
يعني هل أن النبي “صلى الله عليه وآله” ينكر قيمة أيّ علمٍ آخر غير هذه الأمور؟ هل يشطب العلم الدنيوي الذي لا تقوم الحياة إلا به؟ ولا تُملك قوّةٌ إصلاحيةٌ إلا به؟ حاشا رسول الله وهذا على خلاف القرآن والسنّة وسيرة المسلمين تحت رعاية المعصومين “عليهم السلام”.
“فضل” بمعنى ماذا؟
الفضل يأتي بمعنى الزيادة، يعني لا حاجة له، من الفضول.
وللفضل معنىً آخر، وهو الحُسن، ومزيّة وإيجابية.
“وما خلاهنّ فهو فضل”
والمناسب أنّ المعني هنا هو أنّ العلم الدنيوي النافع الكثير النفع، وحتى ضروري النفع، بالقياس إلى ما ذكره رسول الله مما هو علم الدين، هذا العلم الدنيوي حسن ومطلوب ومهم وإيجابي، كريم، ولكن بالقياس لعلم الدين هو دونه.
العلم الدنيوي النافع، الكبير النفع، في قيمته؛ هو دون علم الدين.
وأنتم ترون هذه الهمجية التي تحدثت عنها -والتي تعرفونها وعانى منها العالم هذا اليوم ليس في لبنان فقط-، على المستوى النفسي عانى ما عانى، هذا إنذارٌ مخوف كلّ الخوف، هذا ما كان يحصل، وما كانت كلّ هذه المظالم في العالم وهذا الاستهتار، وهذه الهمجيات المتفاوتة في درجاتها، وهذا السفه والجنون والضياع، والغرور، والكبرياء، والطاغوتية، لو انتشر علم الدين النافع، وأخذ به العالم، وقامت في الناس حكومةٌ إسلامية لا تعدل عن الإسلام في حكمٍ من أحكامها.
هذه الهمجية -الحادثة اليوم- تُبيّن لنا صدق هذا الكلام.
العلم الأساس، العلم الذي لا ينفع علمٌ بدونه، العلم الذي تنهدم الحياة، ويخسر الإنسان الحياة والآخرة بدونه، ليس علمَ الدنيا، وإنما هو علم الدين، وإنْ كان الإسلام يُصرُّ على علم الدنيا ويسوق الناس سوقاً إلى طلب العلم الدنيوي النافع، ويوجب على الأمّة الإسلامية أن تسبق الأمم الأخرى في هذا العلم النافع، وأن تضعه في موضعه، وأن تعلّم بهذا العالم كلّه عَظَمَة الإسلام في نظرته إلى العلم -علم الدنيا والآخرة-، وأمانة الإسلام في استخدام العلم الدنيوي والأخروي لصالح هذا الإنسان بدون هدى الله تبارك وتعالى.
نحنُ الآن ليس أمام علمٍ لا يضرُّ من جهله فقط، نحنُ أمام علمٍ ضارّ قتّال مفسد مرعب، يسحب الطمأنينة من نفس الإنسان، يجعل الأرض أرض الإنسان لا غابةً فقط، لا غابة سباعٍ وحشية، بل هي أكبر الغابات وأخسّ الغابات، وأشدّها همجية.
هذا العلم اليوم واستعماله -كيف استعمل هذا الجهاز، كيف أتوصل لقتل العالم بهذا الجهاز- هذا علمٌ عدوانيٌّ لم تصل عدوانية الغابة إلى ما وصل إليه.
محمد بن يحيى إلى آخر السند، عن أبي عبد الله “عليه السلام” قال: فإنّ العلماء ورثة الأنبياء، وذاك أنّ الأنبياء لم يورثوا درهماً ولا دينارا (2).
ما جاءوا ليورثوا الدينار والدرهم، ما جاءوا ليبنوا ثروةً شخصية تنتقل إلى أبناءهم وأزواجهم وأرحامهم.
“لم يورثوا درهماً ولا دينارا”، وإنما أورثوا أحاديث من أحاديثهم، وأحاديثهم تسدّ حاجة العالم، ترتفع بمستوى العالم، تبني العالم الصالح، تبني الأمان والطمأنينة، تبني الأخوّة الإنسانية، تبني الكرامة الإنسانية، تبني الراحة الإنسانية، تبني الهدوء النفسي الإنساني، تبني الثراء في الأرض الذي لا يملك الإنسان وإنما يملكه الإنسان.
“وإنما أورثوا أحاديث من أحاديثهم”، فمن أخذ بشيءٍ منها -ولو قليل-، حَمَل علماً من علم الحديث، وليس علم الحديث بأن يحفظ الحديث فقط، علم الحديث بأن يحفظ الحديث ويفهم الحديث، ويعطي تفكيراً عميقاً للحديث، يقوم بمقارنة بين الحديث والحديث، يتتلمذ على يد الحديث، يُطبّق ما يؤدّي إليه الحديث.
“وإنما أورثوا أحاديث من أحاديثهم فمن أخذ شيئاً منها فقد أخذ حظّاً وافرا، فأنظروا علمكم هذا عمّن تأخذونه”.
هل يعقل أن تأخذونه من الأمين على الحديث؟ من الفاهم للحديث؟ من المستنير بالحديث؟ من المتأدب بالحديث؟ ممن صاغه الحديث؟ ممن طهّره الحديث؟ ممن أعظم شأنه الحديث؟ أو تأخذونه من الراوي الفلاني والملك الفلاني والأمير الفلاني ممن يخونون الحديث، ويزوّرون الحديث، ويكذبون على الحديث، ويؤولون الحديث بالباطل، ويستغلون الحديث في إضلال الناس، فأبحث جيّداً عن المدرسة التي تلتحق بها.
ليس أصفى ولا أنقى ولا أهدى، ولا أعلم، ولا أشرف، ولا أكرم، في دعوى أحد، -وهذا ما يجب- بأنّ مدرسةً تمتلك الفهم المعصوم، الأمانة التامّة، تؤمن الإيمان الكامل بهدى الدين، وبربوية الربّ تباك وتعالى كما هي مدرسة أهل البيت “عليهم السلام”.
في الناس هدىً وفي الناس ضلال، في كلّ المدارس حقٌّ وفيها باطل، وتحتاج في حقّها وباطلها إلى دراسة دقيقة، ومقارنة دقيقة، وموضوعية دقيقة، أمّا مدرسة أهل البيت “عليهم السلام” -وأعني بذلك ما جاء عنهم في المنطوق والمعمول به، في السيرة والحديث، فإنّه إذا ثبت أن الحديث حديث المعصوم، وأنّ الموقف موقفٌ للمعصوم فعلينا أن نفرغ من حقانيته وأن نسلّم خاضعين له، أن لا نرتاب في صدقه وحكمته وأمانته وأنّه الحديث المرضي من الله تبارك وتعالى-.
“فمن أخذ شيئاً منها فقد أخذ حظّاً وافرا، فأنظروا علمكم هذا عمّن تأخذونه”.
عمّن يرتشي من السلطان؟ عمّن استؤجر من السلطان ليبتدع الحديث؟ أو من أمير المؤمنين “عليه أفضل الصلاة والسلام” الذي لا تعدل الدنيا كلّها عنده مسألة من مسائل دين الله تبارك وتعالى.
يقول الحديث: فإنّ فينا أهل البيت في كلّ خلفٍ عدولاً ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين.
الدين الذي يؤمن عليه أنّه دين، ويُصدّق أنّه دين الله، ويُتعبّد به على أنّه دين الله، هو دين يؤخذ عن أهل البيت “عليهم السلام”.
الحديث الآخر عن أبي عبد الله “عليه السلام”، قال: إذا أراد الله بعبدٍ خيراً فقهه في الدين (3).
حين تُبنى الحياة في الدولة الكافرة، أو في الدولة المنتمية للإسلام بعيداً عن فهم الفقه، عن الأخذ بالبُنية الفقهية الواردة والمستفادة من مدرسة أهل البيت “عليهم السلام”، هذه الحياة الذي تُبنى، السلوك الذي يُبنى، الشعور الذي يُبنى، محتوى القلب الذي يُبنى، بعيداً عن البنية الفقهية الصادقة الإلهية المتوفرة عليها مدرسة أهل البيت “عليهم السلام”، هذا السلوك ليس صحيحاً، هذه البنية الحياتية ليست صحيحة.
“إذا أراد الله بعبدٍ خيراً فقهه في الدين”
كان عبداً أو عبيداً، كان حزباً، كان أمّة، كان الإنسانية كلّها، سواء في هذه المستويات كلّها، فيأتي الحديث “إذا أراد الله بعبدٍ خيراً فقهه في الدين”.
بنياني لحياتي الشخصية بعيداً عن الفقه بناء خطأ. بناء حزب معيّن لوجوده، لسلوكه، لسياسته، لمقاومته، بعيداً عن الفقه الدقيق، بنيان خطأ. يدخله الخطأ الكثير، ويسري فيه الجهل الكثير، ومخالفة هدى الله تبارك وتعالى.
الدولة الصغيرة، الكبيرة، كلّ شيءٍ من هذا في هذا الأمر سواء.
عن أبي جعفرٍ “عليه السلام”، قال: الكمال كلّ الكمال التفقه في الدين، والصبر على النائبة، وتقدير المعيشة (4).
طبعاً لا كمال بلا توحيد. التفقه في الدين إنما يُنتج للنفس فقهاً منشدّاً إلى التوحيد، مترشحاً عن التوحيد، منبثقاً عن التوحيد، هادفاً لتركيز التوحيد والأخذ بالتوحيد. التفقه في الدين يحوّل التوحيد القلبي إلى توحيد عملي، كما أنّ الله واحدٌ في القلب الطاهر، أيضاً يكون واحداً في السلوك الطاهر المبني على الفقه الطاهر، فيكون في التفقه في الدين الكمال.
الصبر على النائبة لا يكون، الصبر في كلّ النوائب وأنواعها، شداد النوائب، إنما يكون وإنما يأتي هذا الصبر من نفسٍ لا تفارق ذكر الله تبارك وتعالى. يصبر الإنسان اعتماداً على قوّته، اعتماداً على صحّته، اعتماداً على ماله، اعتماداً على عشيرته، اعتماداً على التأييد الواسع له، ولكلّ شيءٍ من ذلك حدّ، حين تتجاوز المحنة في طغيانها كلّ حدود هذه القوى، هل ينسدّ الباب على النفس نهائياً أم تصبر؟ يبقى باب مفتوح وهو الإنشداد إلى الله والاتّكاء على قوة الله وهيمنته وسلطانه.
فالصبر على النائبة بلا حدود إنما كان للأنبياء والمرسلين والأئمة “عليهم السلام”، لأنّ أنفسهم لا تفارق ذكر الله، ولا يغيب نور الله عن أفئدتهم طرفة عين ولا أقلّ من ذلك، لهذا يكون الصبر على النائبة بشكل مطلق، وتقدير المعيشة.
في الكمال، وفي الصبر الشديد الذي دونه تحمّل الجبال السامقة، يأتي تقدير المعيشة؟ نعم يأتي، عدم السرف، عدم وضع الشيء مما يعتاش به في غير موضعه، عدم التبذير، التقدير الدقيق لما ينفع ولما لا ينفع، ووضع ما تملك فيما ينفع دون ما لا ينفع، كلّ ذلك لعزّتك، نجاتك من ذلّ الفقر ومهانته، وهذا ضروري للأمّة، القوّة، القوّة، القوّة، وبالمال تُبنى القوى المختلفة، المال قوّة، يبني القوى المختلفة ويعزز وجود الإنسان، وهو أداة تستعمل في التقدّم العلمي والتكنلوجي، وفي التقدم في أيّ مجالٍ من المجالات، ودين الله يحثّنا على أن نكون غلاّبين في كلّ علمٍ لا مغلوبين، وأن نتعلّم عند الضرورة حتى العلوم الضارّة لا لنضرّ بها وإنما لنبطل مفعول العلم الضارّ عند الآخرين، ونواجهه، ونردّ عليه مكره.
تصوّروا -أيّها الإخوان- أنّه لو أُتيح لهذه الهمجية الصهيونية أن تمكث في الأرض وأن تمتدّ، مجتمع كهذا المجتمع البريء ولكن أكبر عشرة آلاف مرة، هذه المجتمعات المليونية، تُستهدف من بعيد مثل ما استهدف هذا الاستهداف اليوم والبارحة، ماذا يكون؟ وهذا يمكن أو لا يمكن؟ ممكن مع ضياع القيم وتلف الدين، يكون أو لا يكون؟ يكون. تبقى عند ذلك لحظة من لحظات الحياة عند أيّ فردٍ لحظة أمان؟ استقرار؟ أو تتحول الدنيا كلّها إلى ظرف خوف مرعب؟
هذه جريمة لا ينبغي للعالم كلّه -كما أكرّر حتى شراره- أن يسكت عليها.
كفى الله المؤمنين السكوت، وأعان الله المصابين بآثار هذه الجريمة النكراء، دفع الله السوء عن الجميع إن شاء الله، وهذا يفرض على الأمة المؤمنة أن تعطي اهتماماً أكبر وأكبر وأكبر لامتلاك العلم الذي عند أعداء الإنسانية، أقول لا ليضرّوا وإنّما ليبطلوا ضرر ما عند الآخرين.
وغَفَرَ الله لي ولكم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
——————————
الهوامش:
(1): الكافي – ج1 – ص 32
عن محمد بن الحسن وعلي بن محمد، عن سهل بن زياد، عن محمد بن عيسى، عن عبيد الله بن عبد الله الدهقان، عن درست الواسطي، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن أبي الحسن موسى عليه السلام قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وآله المسجد فإذا جماعة قد أطافوا برجل فقال: ما هذا؟ فقيل: علامة فقال: وما العلامة؟ فقالوا له: أعلم الناس بأنساب العرب ووقائعها، وأيام الجاهلية، والأشعار العربية، قال: فقال النبي صلى الله عليه وآله: ذاك علم لا يضر من جهله، ولا ينفع من علمه، ثم قال النبي صلى الله عليه وآله: إنما العلم ثلاثة: آية محكمة، أو فريضة عادلة، أو سنة قائمة، وما خلاهن فهو فضل.
(2): المصدر السابق.
محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن خالد، عن أبي البختري، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن العلماء ورثة الأنبياء وذاك أن الأنبياء لم يورثوا درهما ولا دينارا، وإنما أورثوا أحاديث من أحاديثهم، فمن أخذ بشئ منها فقد أخذ حظا وافرا، فانظروا علمكم هذا عمن تأخذونه؟ فإن فينا أهل البيت في كل خلف عدولا ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين.
(3): المصدر السابق.
(4): المصدر السابق.