الحديث الأسبوعي لـ آية الله قاسم – شرح دعاء أبي حمزة الثمالي – ١ مايو ٢٠٢٤

محاضرة سماحة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم الأسبوعية التي ابتدأها بعد شهر رمضان الكريم في محلّ إقامته بمدينة قم المقدسة، وذلك ليلة الخميس، واستكمل فيها شرح دعاء أبي حمزة الثمالي – 1 مايو 2024م: 

 

بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله ربِّ العالمين

الصلاة والسلام على سيدنا وحبيب قلوبنا النبي الكريم وآله الطيبين الطاهرين. 

 

في دعائه “عليه السلام” (اَللّهُمَّ تُبْ عَلَيَّ حَتّى لا اَعْصِيَكَ، وَاَلْهِمْنِيَ الْخَيْرَ وَالْعَمَلَ بِهِ، وَخَشْيَتَكَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ ما اَبْقَيْتَني يا رَبَّ الْعالَمينَ) 

 

يطلب توبةً عاليةً مانعةً تصون صاحبها من مقارفة الذنب من جديد،توبة ترتفع بمستوى النفس، تعالج علل النفس، تُصحِّحُ الرؤية وتنقّي القلب، وتصقل الذات، بحيث تترفّع هذه الذات على مقارفة المعصية، تجدُ الانحطاط في المعصية، تجدُ في المعصية الخسار، تجدُ فيها الذلّ والهوان والضعف والطرد عن رحمة الله عزَّ وجلّ فلا تقاربها. 

توبة تنتقل بالذات من حالة الوهن والخضوع للذائذ التي يبغضها الله عزَّ وجلّ إلى الشعور بالمرارة، الشعور بالشقاء وبالدونية ما بعُدت النفس عن طاعة الله وما تخلّت عنها وما وقعت في معصيته. 

(اَللّهُمَّ تُبْ عَلَيَّ حَتّى لا اَعْصِيَكَ)

حتى أصل درجة الامتناع للترفع عن المعاصي، للاستيحاش من المعاصي، للإحساس بالسقوط عند التفكير في مقاربة المعصية، بل نجّني حتى من التفكير في مقاربة المعصية لدرجة ارتفاعٍ عالية كبيرة في النفس. 

النفس كلما أفاقت كلّما ارتفع مستواها، كلما شفّت، كلما طهرت واسترجست المعصية واستوحشت من الذنب، فوصول الإنسان إلى هذه الدرجة يجعله في حمىً كافٍ جدّاً من الوقوع في المعاصي ومن استئثار النفس من قبل المعصية. 

 

(وَاَلْهِمْنِيَ الْخَيْرَ وَالْعَمَلَ بِهِ)

طبعاً لا فاعل إلا الله، وكلّنا يعرف ذلك، والإلهام والإيحاء بالخير نعمةٌ من أكبر النعم، ولا مالك لها إلا الله تبارك وتعالى، فالنفس لو سعت ما سعت متكلةً على سعيها أو على مخلوقٍ من المخلوقات لما بلغت هداها، وإنما تبلغ الهدى بالاعتصام بالله والرجوع إليه والتوكل عليه، بالدعاء إلى الله. 

 

(وَالْهِمْنِيَ الْخَيْرَ وَالْعَمَلَ بِهِ)

 

ثم إلهام الخير قد يكون معه توفيق العمل، وقد لا يكون معه توفيق العمل، فأن ألهم الخير وأعرف الخير وأهتدي به وأفرّق بينه وبين الباطل أحتاج إلى أن يرزقني الله عزَّ وجلّ التوفيق للعمل بما هداني له سبحانه وتعالى. 

مرحلتان: مرحلة الهداية ومرحلة العمل، وهذه تحتاج إلى إرادة وشدّة عزيمة ونهوض، وقوّة فعلية عملية على العمل، وهذا أمرٌ آخر غير نفس الهداية. 

 

(وَخَشْيَتَكَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ ما اَبْقَيْتَني يا رَبَّ الْعالَمينَ)

لمَ هذا التنصيص على الليل وفي مقابله النهار؟ 

للنهار مشاكله وشواغله وملهياته، والرغائب والمخاوف التي تعترض النفس وقد تصرف عن خشية الله عزَّ وجلّ. عوامل النهار تعمل على صدّ الإنسان عن خشية الله وتفسد جوّ النفس دون أن يكون قابلاً لخشية الله، وعواملٌ خاصّة بالليل. 

حين يأتي الليل وننفردُ إلى أنفسنا، وتأتي أحاديث النفس وأحاديث الشيطان، وتأتي الأمنيات وما إلى ذلك، والعزوم والأهداف، وغداً ماذا يكون، هنا في الغالب في حالة الانفراد، الله لا يغيب، ولكن أيضاً يكون للشيطان حضور قويّ ويتاح له أن يعقد معك اجتماعات استدراجية وما إلى ذلك. 

فهنا عامل للانصراف عن خشية الله موجود بقوة، وهو أن يشملني الشيطان بأحاديثه ووساوسه والمخاوف التي في نفسي من مواجهة باطل، من مواجهة حالة معيشية خاصة، من مواجهة مشكلة مع زوجة، مع ولد، مع صديق، مع عدو، هنا محدّثك ومناجيك هو الشيطان، فتحتاج إلى حماية خاصة من الله عزَّ وجلّ يحميك من هذا الجليس المتفرّد معك في جلستك، فالظاهر هو وراء طلب الخشية بالليل والخشية بالنهار، وكأنّه إشارة -والله العالم- إلى طلب الوقاية من العوامل التي تزاحم الخشية في الليل وهي خاصة به، والعوامل التي تزاحم الخشية بالنهار، وهي عوامل أخرى مقابلة -والله العالم-. 

 

(اللّهُمَّ اِنّي كُلَّما قُلْتُ قَدْ تَهَيَّأتُ وَ تَعَبَّأتُ وَ قُمْتُ لِلصَّلاةِ بَيْنَ يَدَيْكَ وَ ناجَيْتُكَ اَلْقَيْتَ عَلَيَّ نُعاساً اِذا اَنَا صَلَّيْتُ، وَ سَلَبْتَني مُناجاتِكَ اِذا اَنَا ناجَيْت)

مرّة التعبير “اللهم إني كلما تهيأت وتعبأت”، ومرة التعبير (اللّهُمَّ اِنّي كُلَّما قُلْتُ قَدْ تَهَيَّأتُ وَ تَعَبَّأتُ)، “قُلْتُ” هي دعوى منّي، أحسنتُ الظن بنفسي، أغرتني نفسي بتحسُّن وضعها الإيماني. 

إشارات ضعيفة، أو إثارة شيطانية ابتدائية بأنّك قد تحسّنت ولا تحمل همّاً ولا غمّاً، ولا تحمل على نفسك كثيراً، فقد صحّت نفسك، وقد صرت على طريق الطاعة، وقد قربت من الله بعد بُعد. هذه اغراءات تأتي من الشيطان، وربما استجابة لهذه الاغراءات والتضليلات والمغالطات، صدّقتُ أنّي قد انتقلت من وضعي الأول السلبي إلى وضعٍ إيجابي من حيث الطاعة. 

 

(اللّهُمَّ اِنّي كُلَّما قُلْتُ قَدْ تَهَيَّأتُ وَ تَعَبَّأت)

أنا الآن بجهادي ومجاهدتي نفسي قد ملكتُ الاستعداد الكافي للاستقامة على طريق الله عزَّ وجلّ، هذا تقوله نفسي وتوحي به نفسي والشيطان فأصدّق بأني قد ملكتُ الاستعداد الكافي للاستقامة على طريق طاعة الله تبارك وتعالى، وأنّي قد حاربت النفس ونجحت في محاربتها. وهذا الطريق مضلّ، والطريق مثبّط عن الاستمرار في تصحيح الذات ومعالجة عيوب النفس ومحاولة الارتفاع بإيجابياتها، فنحذر. 

فكأنه يحدث هذا للنفس كثيراً. 

 

(اللّهُمَّ اِنّي كُلَّما قُلْتُ قَدْ تَهَيَّأتُ وَ تَعَبَّأت)

مستعد للحرب تماماً الآن، أملك كلّ العدّة، كمن يملك عدّة بسيطة فيشن حرباً على الآخرين، وهي لا تكفي شي، لكنه يدخل معركة بناءً على أنّه الأقوى والأشدّ عوداً، إلى آخره!

فأنا لا أحتاج إلى المجاهدة الكبيرة التي أريد منها أن تستقيم بي على طريق الله تبارك وتعالى، تهيأت وأعددت. الاختبار يأتي في القيام للصلاة، هذا الذي أدّعيه وأنّي قد تهيأت وتعبأت دعني أختبره في حال قيامي للصلاة، الحالة التي تتطلّب الخشوع واليقظة والتوجّه الكامل لله عزَّ وجلّ، وعدم الجرأة على صرف الوجه والقلب عنه تبارك وتعالى، الاختبار هنا. 

 

(اللّهُمَّ اِنّي كُلَّما قُلْتُ قَدْ تَهَيَّأتُ وَ تَعَبَّأتُ وَ قُمْتُ لِلصَّلاةِ بَيْنَ يَدَيْكَ وَ ناجَيْتُكَ اَلْقَيْتَ عَلَيَّ نُعاساً اِذا اَنَا صَلَّيْت)

النعاس هو بداية النوم، وقد يكون مدخل إلى النور، أن يحصل فتور -وهذا ما يفسره آخرون-، يحدث فتور في الحواس واسترخاء يجعل العين مشارفةً جدّاً على النوم الذي تجدُ فيه تمام راحتها.

النعاس كأنه لا يغيّب شعور القلب، ربما أضعفه، أما النوم فيغيب شعور القلب تماماً، فيكون أوّل النوم أو أنّه المقدمة المشارفة المطلّة جدّاً على حالة النوم. 

 

(اَلْقَيْتَ عَلَيَّ نُعاساً اِذا اَنَا صَلَّيْت)

ظلماً منك يا رب؟ لا حاشاك. الله رحيم، الله ما اقترب منه العبد شبراً اقترب منه باعاً، فكيف إذا قام للصلاة يريد التقرب يلقي عليه النعاس؟ من أين هذا يأتي؟ 

(َالْقَيْتَ عَلَيَّ نُعاساً اِذا اَنَا صَلَّيْتُ ، وَ سَلَبْتَني مُناجاتِكَ اِذا اَنَا ناجَيْتُ)

المناجاة هي الدخول في مسارّة مع الله، ليكشف ذاته لله العالم بها، يذكّر نفسه بشهادة الله عزَّ وجلّ، والله يشهد بنفسه بعيوبه، مناجاة، يطلب منه إنقاذه ورحمته وتصحيح ذاته ويلوم الذات ويوبخها أمام ربّه تبارك وتعالى ويظهر أسفه وندمه لما حدث لهذه النفس بإرادته. 

 

(مالي كُلَّما قُلْتُ قَدْ صَلَحَتْ سَريرَتي)

باطن النفس موطن الأسرار، عمق النفس وهو باطن أسرار المرء، إذا صلُح هذا الباطن صلُح محتواه وطهُر ونظُفَ وعلا شأناً. 

 

(مالي كُلَّما قُلْتُ قَدْ صَلَحَتْ سَريرَتي)

وهنا أيضاً (قُلْتُ) وليس أنها صلحت سريرتي، وإنما ظنّي هو هذا أنّها صلحت سريرتي، ادّعائي، قول نفسي عن نفسي بأنّها صلحت، والذي اختارته به من هذا القول منها ومن الشيطان الرجيم، 

 

(الي كُلَّما قُلْتُ قَدْ صَلَحَتْ سَريرَتي ، وَ قَرُبَ مِنْ مَجالِسِ التَّوّابينَ مَجْلِسي)

مجلس التوابين مجلس رفيع، واعي، عالي المقام، ظننت من نفسي أن مجلسي قرب من مجالسهم، كنتُ فعلاً في الحضيض، ولكني اليوم قد ارتفعت طبقات وصرت مع التوابين أشاركهم مجلسهم ذا القيمة العالية. 

 

(مالي كُلَّما قُلْتُ قَدْ صَلَحَتْ سَريرَتي ، وَ قَرُبَ مِنْ مَجالِسِ التَّوّابينَ مَجْلِسي ، عَرَضَتْ لي بَلِيَّةٌ اَزالَتْ قَدَمي ، وَ حالَتْ بَيْني وَ بَيْنَ خِدْمَتِكَ)

ما هذه البلية؟ 

يأتي تعداد مصاديق من البلية -وهذه الأسباب، هذه العلل لهذا النعاس، العلل وراء هذه المغضوبية وعدم التوفيق لطاعته التي فيها الشرف كلّ الشرف، العلوّ كلّ العلوّ، الربح كلّ الربح، السعادة كلّ السعادة- لماذا هذه العقوبة؟ من أين جاءت؟ هذه العقوبة ضخمة، مقدمة للنار، الشقاء الأبدي، فقد السعادة الأبدية: 

(سَيِّدي لَعَلَّكَ عَنْ بابِكَ طَرَدْتَني)

يطرد من؟ من لا يستحق، سيء الأدب، الذي مع استمراره على ضلاله واستمراره في غيّه وفي ظلمه وتماديه في سقوطه، يظهر بمظهر النقيّ الشريف المحب لله المتعلّق به، هذا مطرود، هذا نفاق وكذب، والله لا يحب الكاذبين. 

وأنا أحمل نفاقي ولا زلتُ ألبس لباس النفاق الثخين وأنا أتقرب في الظاهر إلى الله، هل يقبل الله هذا التقرب؟ يقبل عمل الصادقين وليس عمل الكاذبين. 

الله عزَّ وجلّ عالمُ الغيب ويعرف اللبّ من القشر، والمظهر الكاذب من المظهر الصادق، فلا يُغش تبارك وتعالى في شيءٍ من هذا. 

 

(سَيِّدي لَعَلَّكَ عَنْ بابِكَ طَرَدْتَني)

والطرد من السيّد صعب، سيدي الذي لا سيد غيره لي، ليس طرد عادي، هذا الطرد الثقيل على النفس لأنه طرد السيد الذي يملك منّي كلّ شيء، ولا يملك شيءٌ منّي أحدٌ غيره، ولا مفرّ لي منه إلى غيره، وكلّ مفرّي من غيره إليه، هذا الذي طردهُ لا أتحمّله، طرده يمثّل الانسحاق الكامل والخسارة الكاملة والضياع الكامل. 

 

(سَيِّدي لَعَلَّكَ عَنْ بابِكَ طَرَدْتَني ، وَ عَنْ خِدْمَتِكَ نَحَّيْتَني)

هذا عبدٌ سيء، وجدتني عبداً سيئاً، غير أمين على أماناتك، غير وفيٍّ بوعودي، غير مطيعٍ لأوامرك، وجدتني مستكبراً عليك، وجدتني بئس العبد فنحيتني عن خدمتك. 

 

(اَوْ لَعَلَّكَ رَاَيْتَني مُسْتَخِفّاً بِحَقِّكَ فَاَقْصَيْتَني)

يفرّقون بين معصيةٍ اشتدّ الضغط على صاحبها بسبب ما يترتب عليها من شهوة، وما يترتب على التوقف عنها من ضيقٍ شديدٍ على النفس. سيف أمامه، إما أن يقول بما يرضي السيّاف أو أنّ الضربة واقعة، هذا موقف ضاغط جدّاً. هذا موقف والإنسان غير معذور فيه في معصية الله عزَّ وجلّ إذا كانت الاستجابة لما أراده الظالم فيه معصية. هذا موقف. 

موقفٌ آخر، يمثّلون بالصلاة. تركُ الصلاة، ليس هناك دافع شهواني، -الشهوة ضاغطة وحاجة ملحّة جداً- بأن أؤخر صلاتي ساعتين أو ثلاث، ولكن يؤخرّها تلهّياً بغيرها، ربما بلعب، ربما بجلسة عادية، بنومٍ لا أحتاج إليه، إلى آخره. مصدر تأخير الصلاة هو الاستخفاف بأمر الله، يعني هذا أمر واستغفر الله وأتوب إليه، مرّة الأمر يأتي من خادمك، مرّة يأتي من طفل، مرّة يأتي من واحد عادي، مرّة يأتي من حاكمٍ عادلٍ كبيرٍ فقيه وما إلى ذلك، استهانتك بالأمر والنهي من الآخرين، طبعاً ومن هذا الفقيه الكبير المرجع القائد وما إلى ذلك، استهانة ترجع إلى صاحب الأمر، بمصدر الأمر وبمصدر النهي، فتأخيري للساعتين ما شأنه؟ هما ساعتين، هذا الاستخفاف بمن؟ هذه معصية فيها استخفاف بالله عزَّ وجلّ. 

مرّة هناك عنصر ضاغط ضغطاً شديداً، شهوة عارمة في النفس، لا يكاد يملك نفسه، هذا صاحب النظرة الحرام، أحياناً كأنّ هذه النظرة جنّته، كأنه يجنّ، فهنا الطاغي للدافع للمعصية ليس الاستخفاف وإنما هي الشهوة، ولا عذر في ذلك، ومرّة بلا ضغط وإنما في حالة راحة، النفس غير مضغوطة وأنا أفعل ذلك، أستهزء بمؤمن لأُضحك الناس عليه من غير وجود دافع ومصلحة في ذلك وإنما استخفافاً بنهي الله عزَّ وجلّ. 

 

(اَوْ لَعَلَّكَ رَاَيْتَني مُسْتَخِفّاً بِحَقِّكَ فَاَقْصَيْتَني) 

هذه مواجهة لله عزَّ وجلّ، إنكار من أقبح القبيح لعظمة الله، كأنّه مُنَادَّة لله، مناهضة لله، مواجهة لله، فأنا لا أبرئ نفسي، وربما رأى الله هذا منّي، استهانات ببعض الأوامر والنواهي، من نفسي استخف وأستهين بها، وهي منك وأنت أعظم عظيم. 

 

(اَوْ لَعَلَّكَ رَاَيْتَني مُعْرِضاً عَنْكَ فَقَلَيْتَني)

أنعمت وأنعمت وأنعمت وأنا أدبر وأنكر واستكبر وأنسى، ولا أخضع بشكرٍ أبدا، واستعمل نعمتك في معصيتك. 

الله يصبر على عبده رحمةً بعبده، ولكن هو الحكيم، إلى متى يمهل هذا العبد؟ ومتى يؤاخذه؟ هو الحكيم العليم الخبير الذي لا يظلم ولا يضل في حكمه ولا يخطئ في تقديره. 

تأتي لحظة لابد أن يؤدّب هذا، والأدب أنواع. 

 

(اَوْ لَعَلَّكَ رَاَيْتَني مُعْرِضاً عَنْكَ فَقَلَيْتَني)

هذه عقوبة ربما لا يشعر بها الإنسان، أنّه لا يوفق للطاعات، ولكنها من أشد العقوبات. 

بغضتني، بعد هذا كلّه حلّ عليّ غضبك، وإذا حلّ عليّ غضبك هل توفقني للتقرب إليك؟ لا.. تعاكس، تنافي بين استيجابي لغضب الله، وبين أن أكون محلّ رحمته. هناك درجات من غضب الله عزَّ وجلّ تنتفي معها الرحمة ولو تأديباً. 

 

(اَوْ لَعَلَّكَ رَاَيْتَني مُعْرِضاً عَنْكَ فَقَلَيْتَني)

فعلينا أن نراجع النفس، عندما نجد من أنفسنا أننا لا نوفق للطاعة ولبعض الطاعات، فعلينا أن ندرس هذا الأمر، ونرجع للنفس هل هناك شيء من هذه الموانع؟ من توفيق الله عزَّ وجلّ، ومن تدفق لطفه علينا بتقريبه لنا إلى ساحة رحمته؟ عليّ أن أدرس. ربما مباشرة أتهم الله بأنه حرمني، والصحيح أن أراجع نفسي، أن أتعمق في مطالعة سلوكي لأجد أين موطن الضعف عندي وفي نيتي، وربما أكون لم أعص في الخارج على مستوى اليد والجوارح الأخرى ولكن القلب آثم، أبغض المؤمنين، القلب مشحون بالحسد، بحسد المؤمنين وذي النعمة، إلى آخره. 

 

(اَوْ لَعَلَّكَ وَجَدْتَني في مَقامِ الْكاذِبينَ فَرَفَضْتَني)

مظهر إيماني، وهو بمظهر الصدق، إلى آخره، وهو بمظهر العبادة لله عزَّ وجلّ، يظهر بمظهر التواضع، وكلّ ذلك ورائه كذب ونفسٌ مخادعة. 

 

(اَوْ لَعَلَّكَ وَجَدْتَني في مَقامِ الْكاذِبينَ فَرَفَضْتَني، اَوْ لَعَلَّكَ رَاَيْتَني غَيْرَ شاكِر لِنَعْمائِكَ فَحَرَمْتَني)

مريض وصار صحيحاً، فقير واستغنى، ليس عنده ولد وأعطي ولداً، ولا يشكر، وهذا بحول الله وقوته وعلمه. 

فرعون يدّعي أنه بتقديره وعلمه وخبرته وبنشاطه وحيويته وتفكيره يستطيع، وهذا في مسائلنا الاجتماعية وفي صراعاتنا، فلنلتفت له يا إخوان. 

اليوم الذي يغلب فيه المسلمون أمريكا -يوم يأتي إن شاء الله- ماذا سيقول المسلمون؟ منهم من سيقول الله نصرنا، ومنهم من سيقول لقد انتصرنا بجهدنا وبجهادنا وتفكيرنا، وذلك القائد يقول بقيادتي، قيادة عسكرية أو سياسية أو أي قيادة.

الإمام علي “عليه السلام” يقول لا نصيب له من النصر، والنبي “صلى الله عليه وآله” لو عاش في داخله أنّ له جزءٌ من نصر المسلمين بذاته في ذاته لضلّ ضلالاً كبيراً. 

انتصر بفكره، فكره من عند الله، تدبيره السياسي، شجاعته، إلى آخره. ما من نعمةٍ من النعم التي عنده فهي من الله، فالنصر الذي تحقق هو نصرٌ بهذه النعم، وهو نصرٌ لهذه النعم قبل أن يكون نصر لصاحب هذه النعم، لمن أعطي هذه النعم.

نحن بلا نعم الله ماذا نمثل؟ واحد على مليون؟ على بليون؟ لا.. صفر. 

أيٌّ منّا، أيُّ كبير، أيُّ صغير، أيُّ مَلك، أيُّ مخلوق ضعف أو قوي، هان أو عظم، ليس شيئاً أبداً، هو عدم حين ننظر إليه في ذاته. 

إذا رأينا فيه قوة فهي من قوة الله، هذا انعكاس لشيءٍ من قوّة الله عزَّ وجلّ في هذا العبد، فهذا ليس له فخر في صلاته، في صومه، في حربه، وما إلى ذلك، الفضل لله وحده. 

 

(اَوْ لَعَلَّكَ فَقَدْتَني مِنْ مَجالِسِ الْعُلَماءِ فَخَذَلْتَني)

علينا أن نخاف أن نتخذ مجالس الجهّال، والجهل جهل وجهالة، والعالم عالمٌ خارج عن الجهل وخارج عن الجهالة، من تحلّى بالعلم وتلبّس بالجهالة فهو غير عالم، لا يكون العالم عالماً حتى يطهر من جهالته، وإلا فهو جاهلٌ في أخطر نقطة. 

 

(اَوْ لَعَلَّكَ فَقَدْتَني مِنْ مَجالِسِ الْعُلَماءِ فَخَذَلْتَني)

سبب التوفيق هو مجالسة الحكماء، أصحاب الحكمة العملية التي تقدّم طاعة الله على معصيته، ولا تعدل أبداً عن طاعته إلى معصيته، والعارفون به تبارك وتعالى، جالس هؤلاء العلماء فهو سبب توفيقٍ ونصرٍ من الله ورفع ذات وعزّة وكرامة وما إلى ذلك. 

 

(اَوْ لَعَلَّكَ فَقَدْتَني مِنْ مَجالِسِ الْعُلَماءِ فَخَذَلْتَني)

أين تحصل عليه؟ في مجالس الجهّال، الفسقة، الفجرة، الذين لا يفقهون شيئاً. 

 

(اَوْ لَعَلَّكَ رَاَيْتَني فِى الْغافِلينَ فَمِنْ رَحْمَتِكَ آيَسْتَني ، اَوْ لَعَلَّكَ رَاَيْتَني آلِفَ مَجالِسِ الْبَطّالينَ فَبَيْني وَ بَيْنَهُمْ خَلَّيْتَني)

إذا قُرأت كفعل (آلِفَ) تصير (مجالس) منصوب مفعول به. 

أما وهي (آلِف) مضاف ومضاف إليه، يعني أليف، يعني مرافق مجالس البطالين. 

 

(اَوْ لَعَلَّكَ رَاَيْتَني فِى الْغافِلينَ فَمِنْ رَحْمَتِكَ آيَسْتَني ، اَوْ لَعَلَّكَ رَاَيْتَني آلِفَ مَجالِسِ الْبَطّالينَ فَبَيْني وَ بَيْنَهُمْ خَلَّيْتَني)

لا يذكر الله عزَّ وجلّ، ذكر الله مؤنس، ذكر الله مؤدّب، ذكر الله منقذ من السقوط، ذكر الله يعطي ثقة، ذكر الله يستقوي به الإنسان على مواجهة الأقوياء بحيث لا تدخل هيبتهم في نفسه منسيةً له لصاحب هذا الذكر عظمة الله عزَّ وجلّ وجماله وجلاله، إذا ذكر عظمة العظيم في القوّة وجاء معه ذكر الله، هانت قوة المخلوق أمام قوّة الخالق في نفسه. هيبة المخلوق هنا تصغر وتقل وتذهب حين يأتي ذكر عظمة الله عزَّ وجلّ. 

نور ونور، هذا نور يشغلني كثيراً، (لمبة) تعمل بالكيروسين، يأتي (لتيرك) يجعلني لا أرى (اللمبة)، واضح هذا. 

زهرة وزهرة، زهرة تصرفك عن زهرة، وجهٌ يصرفك عن وجه، صورة مرسومة تصرفك عن صورة مرسومة أخرى. 

كل شيءٍ يتوقع له أن يصرفك عما كنت تشتغل به، أما وقد رأيت الله فلا يصرف نظرك عن استمرار النظر إلى جلاله وجماله وكماله شيء. 

النفس عندما تشتغل بذكر الله وعظمة الله، تصرفها عظمة رسول الله “صلى الله عليه وآله” عن ذلك؟ رسول الله كبير وحق لها أن تراه كبيراً وعظيماً، وأنت مصيب كلّ الإصابة حين ترى رسول الله عظيماً وإلا كنّا لا نفهم، أغبياء، لكن وأنت تنظر كرم رسول الله، فاعلية رسول الله، إرادة رسول الله، رحمة رسول الله، فيأتي في ذهنك التفكير في الله، في صفات الله، أين ذهبت؟ من المخلوق إلى الخالق، فمهما كان المخلوق وهو ناقص بالنسبة إلى الخالق. 

 

(اَوْ لَعَلَّكَ لَمْ تُحِبَّ اَنْ تَسْمَعَ دُعائي فَباعَدْتَني)

خسيس، كذاب، ساقط، قلبٌ منحرف عن الله، يدعو، سمع أناس يدعون دعا معهم، لقلقة لسان هكذا. 

 

(اَوْ لَعَلَّكَ لَمْ تُحِبَّ اَنْ تَسْمَعَ دُعائي فَباعَدْتَني)

والصلاة فيها دعاء، فيها تهجد، فيها توجه لله.. 

 

(اَوْ لَعَلَّكَ بِجُرْمي وَ جَريرَتي كافَيْتَني)

هذه المكافئة ليس بالضرب، وليس بمرض شديد أو عنيف، ولا بضربة مالية قاسية، هي من نوع آخر، وهذه التأديبات يعرفها أهل الإيمان، الذين في قلبهم إيمان. 

 

(اَوْ لَعَلَّكَ بِقِلَّةِ حَيائي مِنْكَ جازَيْتَني)

في المرجع الملخص هو أن هذا الطرد مسبب والسبب في المطرود لا في الطارد، سبب الطرد منبعه هو المطرود، وتقصيره وخسته وتنكره للجميل، إلى آخره.

فإذا وجدنا أنفسنا قد قلت طاعاتنا في جانب من الجوانب، وثقلت علينا الطاعة أكثر مما كان فلنبحث في الأسباب النفسية، في وهن النفس وانحدارتها التي سببت لنا هذا الطرد وسحب التوفيق من عندنا.

 

(فَاِنْ عَفَوْتَ يا رَبِّ فَطالما عَفَوْتَ عَنِ الْمُذْنِبينَ قَبْلي)

هنا يأتي طلب العفو، ومع ذلك لا يأس، وحتى حضور ملك الموت، إلى ما قبل الغرغرة. 

(يقولون في دبي عن واحدة غربية، جاءت إلى دبي تبحث عن عمل، في اليوم الذي وصلت أو أول الأيام أسلمت، وكان في شهر رمضان، وصامت، لا أدري أتمت الصوم أو لم تتم، توفيت، الطريق قصير جداً للجنة. هذا ورائه خلفية، المظنون أن ورائه خلفية، إيجابية موجودة في هذه الإنسانة، ربما كان كذلك). 

فعلى كلّ حال، هذا الأمر العظيم الذي ذكره -وهو أنه مطرود من رحمة الله وهذه الأسباب كلّها- ومع ذلك لم يمسّه اليأس من رحمة الله عزَّ وجلّ، ولم يفقد الأمل في إنقاذه من فضل الله تبارك وتعالى، فيقول (فإن عفوت يا ربِّ)، و(يا ربِّ) هنا للترحم، أنت ربي من لي غيرك؟ ما شأن ربّ مع المربوب؟ أن يرحمه، أن يعطف عليه، أن يحدب عليه. 

 

(فَاِنْ عَفَوْتَ يا رَبِّ فَطالما عَفَوْتَ عَنِ الْمُذْنِبينَ قَبْلي)

هذا هو دأبك وشأنك، وما يتناسب مع كرمك وغناك، (لأنّ كرمك أي ربّ).. (أيّ) نداء للقريب، يرى الله قريب منه ولا فاصلة بينه وبينه، ولا الدعوة تمكث حتى تصل إليه، ولا يمكن أن تغيب عنه دعوته. 

 

(لاِنَّ كَرَمَكَ اَيْ رَبِّ)

(أيْ) و(ربِّ)، (ربِّ) تعني العناية والتربية، تربية التي تقوم على التنمية، تنمية خير، ونمو صالح، نتاج التربية الإلهية هو النمو الصالح، فيتوسل بهذين، بقربه تبارك وتعالى وبربوبيته التي تلازم العطف والرحمة والعناية. 

(لاِنَّ كَرَمَكَ اَيْ رَبِّ يَجِلُّ عَنْ مُكافاتِ الْمُقَصِّرينَ)

(غني أساء له فقير، واحد شريف عظيم، خذ مالك الأشتر عندما سبّه أحدهم، مالك ترفّع عن مكافئة هذا الجاني الذي شتمه، قال كلمة تغضبه، لماذا؟ لو هو واحد زكبي على قولتهم طاح فيه طيحة، رجع له وهو في مقامه ودسته دست، لكن يقول أحط روحي على من يعني؟ أنزل بنفسي لهالحد؟ يشوف روحه هبط بنفسه، خسر مستواه، لم يقدر ذاته، هذا عبد من عبيد الله عزَّ وجلّ.

وأنت تمر أخرجت صوت عليك غنمة وعرفت أنها قاصدة، ويش تسوي فيها يعني؟ يعني يقولون فلان بن فلان راح تهاوش ويه غنمة؟ قبل يحط روحه ويه غنمة؟)

 

الله عزَّ وجلّ الذي لا تُحدّ عظمته، ولا يُدرك كنهه، ولا تحصى نعمه، ولا يغالبه مغالب، هناك ناس يشتمون الله عزَّ وجلّ، وربما زادهم رزقاً وقوّة وابتلاءً، فيقول (لاِنَّ كَرَمَكَ اَيْ رَبِّ يَجِلُّ عَنْ مُكافاتِ الْمُقَصِّرينَ)

 

(أهين هذا الشريف ووياه ولده، بيرد كذا، قال له اسكت اسكت، هاويش مسكين تحط روحك وياه؟ 

مو الأئمة عليهم السلام يتعرض لهم المتعرضون، وتأخذ الغيرة بعض أصحابهم فينهونهم؟)

(وَ اَنَا عائِذٌ بِفَضْلِكَ)

عرفت ضعفي، عرفت مسكنتي، فعقلت، وأنا راجع إليك. 

 

(وَ اَنَا عائِذٌ بِفَضْلِكَ ، هارِبٌ مِنْكَ اِلَيْكَ)

(منك) من عدلك، (إليك) إلى عفوك. 

 

(مُتَنَجِّزٌ ما وَعَدْتَ مِنَ الصَّفْحِ عَمَّنْ اَحْسَنَ بِكَ ظَنّاً)

هذه حجة ثانية، أنت عندك وعد للصفح عن المذنبين وأنت قادر، ووعدك لا يُخلف، أطالبك بكرمك وبوعدك الصادق، ووعدك من كرمك، ووعدك من جلالك وعزّك وغناك. 

 

(عَمَّنْ اَحْسَنَ بِكَ ظَنّاً)

وأنا لم آتيك بعد ذنوبي وبعد استكباري إلا لحسن ظني بك. 

 

(اِلهي اَنْتَ اَوْسَعُ فَضْلاً ، وَ اَعْظَمُ حِلْماً مِنْ اَنْ تُقايِسَني بِعَمَلي اَوْ اَنْ تَسْتَزِلَّني بِخَطيئَتي)

فضلك واسع واسع واسع، وحلمك عظيم وعظيم، من خلال هذا تكون أجلّ وأعظم من أن تقايسني بعملي، أي تجازني بقدر عملي، بنوع عملي. عملي خسيس، عملي سفيه، عملي ساقط، وإذا قايستني به ذهبتُ إلى شقاءٍ مقيم، وإلى عقابٍ أليم، نار خالدة، أنت أعظم من هذا لأنّك ذو فضلٍ عظيم عظيم، وحلمٍ كبيرٍ كبير. 

 

(مِنْ اَنْ تُقايِسَني بِعَمَلي اَوْ اَنْ تَسْتَزِلَّني بِخَطيئَتي)

تجعل هذه الخطيئة بداية استدراج لخطايا أكبر، تتيح لها أن كلّ خطيئة تقود إلى خطيئة أكبر، تخذلني ولم تنقذني، لا تعمل لي عمل آخر، فقط تترك توفيقي، تتركني مع خطيئتي، وخطيئتي بحسب قدرك تقود إلى خطيئةٍ أكبر، ثم إلى خطيئةٍ أكبر. 

 

(مِنْ اَنْ تُقايِسَني بِعَمَلي اَوْ اَنْ تَسْتَزِلَّني بِخَطيئَتي)

أو أنّ معناها أن تحكم عليّ بالزلل المُهلك بسبب هذه الخطيئة التي جئتك أتوب منها، وجئتك أعترف بذنبي من حيث ارتكابها. 

 

(وَ ما اَنَا يا سَيِّدي وَ ما خَطَري)

تتابع ذنبي وخطواتي وما إلى ذلك، ما هو قدري أنا؟ ماذا أمثل في مملتك؟ لا أقدم ولا أؤخر. 

 

(وَ ما اَنَا يا سَيِّدي وَ ما خَطَري ، هَبْني بِفَضْلِكَ سَيِّدي ، وَ تَصَدَّقْ عَلَيَّ بِعَفْوِكَ ، وَ جَلِّلْني بِسِتْرِكَ ، وَ اعْفُ عَنْ تَوْبيخي بِكَرَمِ وَجْهِكَ)

ليس فقط عفو سطحي، لا.. لا يذكر بذنبي يوم القيامة أبداً. في الدنيا ربما نظف الله سمعة ذلك المذنب الذي أقام على الذنب طويلا، وربما التفت به القلوب بعد التوبة الصالحة، ولا ندري عن الذين نقدرهم تقديراً كبيراً وهم حقيقون بالتقدير، هل ذلك من بعد توبة، هل حصل هذا القدر لهم بتوفيق الله من بعد توبة؟ قد يكون. 

 

(وَ ما اَنَا يا سَيِّدي وَ ما خَطَري ، هَبْني بِفَضْلِكَ سَيِّدي ، وَ تَصَدَّقْ عَلَيَّ بِعَفْوِكَ ، وَ جَلِّلْني بِسِتْرِكَ)

يوم القيامة ونحن في الجنة، مع الحور العين، وفي كل وقت أتى شخص صالح وقال هل تذكر أنت ماذا فعلت؟ وفي مجلس الصالحين قاعدين على الأرائك وإذا بواحد يذكر ذنوبي ومواقفي؟ هل تمت النعمة؟ هل تصبح الجنة جنة؟ لا.. 

 

(وَجَلِّلْني بِسِتْرِكَ، وَ اعْفُ عَنْ تَوْبيخي بِكَرَمِ وَجْهِكَ)

حتى التوبيخ.. 

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. 

 

زر الذهاب إلى الأعلى