الحديث القرآني الرمضاني التاسع 1444هـ
الحديث القرآني الرمضاني التاسع لسماحة آية الله الشيخ عيسى احمد قاسم – 25 شهر رمضان 1444هـ / 16 ابريل 2023 في قم المقدسة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربِّ العالمين.
الصلاة والسلام على سيدنا وحبيب قلوبنا النبي الكريم وآله الطيبين الطاهرين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
(وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ، إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) – 16/17 من سورة العنكبوت.
خطابُ إبراهيم “على نبيّنا وآله وعليه أفضل الصلاة والسلام” لقومه (إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا)، -وكانوا من عبدة الأوثان-.
(إِنَّمَا تَعْبُدُونَ) تقدَّم أنّ (إِنَّمَا) تسمى لام الكافّة، وليست هي للحصر، فهي لا تريد أن تحصر عبادتهم في الأوثان، فسواءٌ عبدوا الأوثان وحدها، أو عبدوها مشركين الله بها، أو مرتكبين الشرك لله بعبادتهم إياها مع عبادة الله عزَّ وجلّ، هذا منهم منكر عظيم ولا يوافق عقلاً ولا فطرةً ولا مصلحةً أخروية ولا مصلحةً دنيوية، وقد سجّلت الآية الكريمة على هذه العبادة عدداً من النقاط التي تسقط قيمتها، وتجعلها محلَّ استسخافٍ ومحلّ تهكّمٍ ومحلّ تعيير.
(إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ)، ليس معناها “إنّ الذين”، وإنما “إنّما أنتم تعبدون أوثاناً وليس أكثر”، أشياء هي وثنية ذات قيمة ساقطة أو قل لا قيمة لها ولا وزن لها، هذه التي تعبدونها وليس في معبودكم شيء من خير وشيء من أهليّةٍ للعبادة، تريد الآية الكريمة أن تقول بأنّ الأوثان ليست أهلاً أبداً لا بمقياس العقل، ولا بمقياس النقل، ولابمقياس الفطرة، ولا المصلحة الدنيوية والأخروية،ليست بأيٍّ من هذه المقاييس؛ صالحة وأهلاً للعبادة، ولا تريد أن تقول كلّ عبادتكم تتركّز على الأوثان، (إِنَّمَا تَعْبُدُونَ) أي الذين تعبدونهم إنما تعبدون هذا الصنف وهو الأصنام، قد يعبدون الله مع الأصنام في نظرهم، ولكن هذا أيضاً ساقط القيمة، ولا مصحِّح له على الإطلاق في نظر عقلٍ أو غيره.
كان الدليل على ذلك (إِنَّمَا) هنا كافّة وليست حاصرة لنصب (أَوْثَانًا)، فـ”أوثان” مفعول به لـ (تَعْبُدُونَ)، وليست جواباً لـ”إنّ”، ليست خبر “إنّ”، فإذا قرأناها “أوثاناً” تكون مفعول به لـ”تعبدون” ولا تكون خبراً لـ”إنّ”، لو كانت “ما” بمعنى “الذين” فستكون هكذا “إنّ الذين تعبدون من دون الله أوثانٌ”، تكون مضمومة، لكن الآية جاءت (أَوْثَانًا) لتُبيّن أنّها مفعول وهي مدخول لـ(تَعْبُدُونَ)، التي هي ذات العلاقة بقضية الأوثان.
ويختلف المعنى بين هذه وتلك، عندما تكون مضمومة يكون معناها أنّكم لا تعبدون شيئاً آخر، وأنّ كل عبادتكم محصورة في الأوثان، أما على المعنى الثاني فإنّ عبادتهم قد تكون أوسع، عبادة للأوثان خالصة أو أنّها عبادة بدعوى أنها موصلة لعبادة الله وطريقاً لعبادة الله، أو عبادة أشياء مقدّسة هي رموز لملائكة أو رموز للشمس، رموز لجنٍّ متميّز، وأولئك هم الشفعاء وهم الذين يوصلون لمرضاة الله، فهؤلاء يتقرّبون للملائكة مثلاً، فتكون الملائكة واسطتهم في تقريبهم إلى الله تبارك وتعالى، بدعواهم أنّ عبادتهم تنتهي إلى عبادة الله عزَّ وجلّ، ولماذا هذا الالتفاف؟ ولماذا هذا التوسيط؟
لأنّهم يرون أنّ الله عزَّ وجلّ أقلّ من أن يعبدوه مباشرة وبشكل مباشر وإنّما يتوسطون في العبادة له بهذه الأوثان التي هي واسطة ثانية بعد واسطة الملائكة “عليهم السلام”، وهذا من وحي الشيطان وعلى خلاف توحيد الله تبارك وتعالى.
(إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا)
أين هذا الإفك؟ هذا الإفك في دعوى أنّ هذه آلهة. هذه آلهة وهي فاقدة لكل صفةٍ من صفات الألوهية، كذب ذريع، فاحش، مقيت، جاهلي ساقط. الإله -له القدرة المطلقة، العلم المطلق، الإرادة المطلق، الفاعلية المطلقة، الغنى المطلق، الجمال المطلق، الجلال المطلق، الكمال المطلق-، الأصنام وجودات صامتة لا عقل لها، لا فهم لها، لا قدرة لها على الإضرار، على النفع، لا حركة لها في ذاتها، كلّ شيءٍ فيها معطىً لها يصنعه الإنسان، لا تصنع شيء وإنما هي مصنوعة، فاقدة لكلّ صفةٍ من صفات الألوهية، فهل هناك كذبٌ أكبر من هذا الكذب أن يكون شيئاً مسلوباً تماماً لكلّ صفةٍ من صفات الألوهية -والألوهية مقام الجلال والجمال والكمال المطلق-، أنت تُعطي الألوهية هذا المقام المحصور في الله تبارك وتعالى -في الخالق الرازق الغني الحميد الكريم الرؤوف الرحيم، الحيّ الذي لا يموت، الأوّل الذي لا أوّل له، والآخر الذي لا آخر له-، هذا المقام الذي هو لله وحده تعطيه صنم وتدّعي أنّه إله، هل هناك كذب أكبر من هذا الكذب؟ هل هناك إفك أكبر من هذا الإفك؟ (يخلقون إفكا)
أو أنّ هناك تفاسير تحمل أنّهم يخلقون الأصنام، هذه الأصنام تلعب دوراً في الناس -بعد اتخاذها آلهة-، هو دور التضليل، دور التجهيل، دور خلق حالة كذب عند الناس للترويج لها في العبادة، فهم يخلقون كذباً، يخلقون افتراءً، إفكاً.
(إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا)
الرزق مَن يملكه؟ لكي يكون الرازق رازقاً، ماذا ينبغي أن يتوفّر فيه؟
الرازق الحقّ خالق، لابد أن يكون خالقاً، الخالق هو المالك، الرازق لابد أن يكون مالكاً، المالك لابد أن يكون بيده أمر الشيء، ومن بيده أمر الشيء هو خالقه، ومالك وجوده، مالك الوجود يملك من موجوده كلّ شيءٍ من أمره، مالك وجودي يملك منّي كلّ شيءٍ من وجودي ومن أثري، يملك وجودي ابتداءً واستمراراً، ويملك كلّ حركةٍ وكلّ سكون، يملك كلّ الصفات التي أعطانيها من شيءٍ من علمٍ وقدرةٍ، إلى آخره، ويملك كلّ شيءٍ اُنتجه، هذا الذي انتجه لا ينفصل عن قدرته، هو مملوك لقدرته كما أنا مملوكٌ لقدرته، هذي الصفة من صفات الرازق، حتى يكون رازقاً لابد أن يكون كذلك.
الشيء الآخر، أنّ ما أملكه -لكي أكون رازقاً- لا يستطيع أحدٌ أن يأخذه منّي، أو يتصرّف فيه إلاّ بإذني، هل من قادرٍ من غير الله على أن يتصرّف فيما يملك الله؟ -قدرة تكوينية، قدرة معطاة من الله عزَّ وجلّ؟- طبعاً ليس هناك أحد، الإنسان لا يملك، الأنبياء لا تملك، الملائكة لا تملك، فضلاً عن صنم جامد مصنوع، خشبة ملقاة على الأرض، أو حجر ملقاة على الأرض، كلّ أولئك لا يستطيعون أن يتصرفوا في ذرّةٍ من ذرّات الكون، لا يستطيع شيءٌ من المخلوقات أن يتصرّف لأحد في نظر في بصر في خاطرة في فكر في حركة يد في حركة لسان، ماذا يملك هذا الصنم من شيءٍ حتى يرزق غيره؟ المُلك كلّ المُلك لله ابتداءً واستمراراً، لا منازع لله في ملكه لا حدوثاً ولا بقاءً، لا يملك أحدٌ أن ينفع نفسه أو أن يضرّ نفسه إلا بإذن الله، فمن أين يستأهل الصنم/الوثن/الحجر/الشجر، وحتى لو عُبِد النبيّ، وحتى لو عُبِد الملائكة -لو اُريدت عبادة أشرف الأنبياء، أو عبادة الملائكة- هل لهم أهليّة الألوهية؟ لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضرّاً، ولا حياةً ولا نشورا.
فهذا مُسقِط، هذه حجّة من حجج القرآن الكريم على سخافة عبادة الأوثان وسقوط عقل، وضياع فطرة ورؤية من يعبدها.
(إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا)
ولماذا ذِكْرُ الرزق بخصوصه؟
لأنّ عبدة الأوثان -وكثيرٌ من الناس، جُلّ الناس، غالبية الناس، أكثر الناس- تَطلُّعها وانشدادها في الأكثر للدنيا، وعشقها في الأكثر للدنيا، هؤلاء حتى في من يعبد الله عزَّ وجلّ أوّل نظره من عطاء هذه العبادة هو الدنيا، أوّل نظره مما تعطيه العبادة هي الدنيا. عبادة مع جفاف، مع فقر مدقع، مع عدم أمن، مع عدم عزّة دنيوية، هي عبادة يهرب الجميع منها، وهذا متكأ فاعلية الفتن الدنيوية، من منطلق أنه يبحث عن دنياه أولاً، يريد راحة، يريد صحّة، يريد أن لا يجوع، يريد أمن، يريد شهرة، إلى آخره، هذه أمور من الواضح جدّاً، ومن الحالة الوجدانية أنّها تشدّ الإنسان إليها.
كم هم الذين يعبدون الله من أجل الله لا من أجل عطاءه؟
أكبر العبادة أن يعبد الله لله -بمعنى حتى لو حرمه من العطاء-، مثل النبي “صلَّى الله عليه وآله”، مثل عليٍّ “عليه السلام”، المعصومون، هؤلاء لو لم يتوعد الله بنارٍ ولم يعد عباده بجنّة، يعبدون الله أو يتخلون عن عبادته؟ طبعاً يعبدون الله، أولئك العارفون بالله عزَّ وجلّ المعرفة الحقيقية، ولا أُنس لهم إلا بأن يعبدون الله، وأقول يدخل الجنة مغضوباً عليه، أو يدخل النار مرضيّاً عليه أيهما يختارون؟ من الممكن أن لا نتصوّر ذلك، لكن قطعاً يختارون النار مع رضا الله على الجنة مع غضب الله عزَّ وجلّ، كما يختارون الدنيا في جانب مصاعبها الكبرى في ظل رضوان الله عزَّ وجلّ، ويرفضون نعيم الدنيا إذا ارتبط بغضب الله تبارك وتعالى.
هذه الحالة، وهي ليست حالة دنيوية فقط عندهم، وإنما حالة أخروية أيضاً، فلو أدخلهم الله النار لا يُغضبهم ذلك، لا يكفرون بالله، لا تنفصل قلوبهم عن الله، يبقى تعظيم الله، ويبقى إجلال الله عندهم، ويبقى إكبار الله عزَّ وجلّ في نفوسهم.
فلّما كان كذلك، لمّا كان أمرُ الدنيا هو الأساس في تصرّف الناس حتى في أمر عبادتهم، ربما يوم خير الدنيا ينشط في العبادة، يوم سوء الدنيا وشرّها يخمد في العبادة، وتقلّ عبادته.
من هذا المنطلق، تأتي الآية الكريمة لتقول (لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا)، أنتم عندكم طمع رزق، أن تشفع هذه الأصنام لكم عند الملائكة، فتشفع لكم الملائكة من أجل أن تكبر الأرزاق، أن تعظم أرزاقكم، أن تصحّ أجسادكم، أن يكثر مالكم، أن تطير شهرتكم، أن تملكوا زمام الأمور في الأرض، أن تحققوا كلّ أمنية من أمنيات النفس في هذه الحياة، لكن فلتُسايرون في هذه النقطة، هذا المطلب لا تحصلونه من الأصنام، هذا المطلوب لكم من الأصنام لا تحصلون له، لماذا؟ لأنّ الأصنام لا يملكون لكم رزقا، وحتى لو ترقّيتم في العبادة من الوثن إلى المَلَك مباشرة، إلى الصالحين من عباد الله مباشرةً، أيضاً هؤلاء لا يملكون لكم شيئاً، مَن يملك لكم الرزق ومن يملك لكم الدنيا والآخرة هو واحدٌ أحدٌ فردٌ صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤاً أحد، المالك الرازق المدبّر الذي يملك العقول، القلوب، الأبدان، كل حركة كل سكون، كل الجوارح وكل الجوانح.
(إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ)
أنا وأنت وغيرنا، عبدة الأوثان وغيرهم، لا يفتش عن الرزق عند غني من أغنياء الناس، لا يفتّش عن الرزق عند فقيهٍ من الفقهاء، عند حاكم من الحكّام، عند أي طرف من الأطراف، لماذا؟
(فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ)، ليس هناك مصدر آخر للرزق، لماذا؟ لأنّه لا مصدر للرزق غير الله، كلّ من تقصدونه هو فقير إلى الله، ويطلب رزقه من الله، فاعملوا العقول، افتحوا البصائر، صحّحوا ما في القلوب، ما في النفوس، تأمّلوا؛ تجدون كلّ شيءٍ من دون الله فقيرٌ إلى الله كما أنتم، على حدِّ ما أنا فقيرٌ إلى الله، أنت والآخر والآخر وكلّ الآخرين، من افتقر ومن استغنى، الكلّ فقيرٌ على حدٍّ واحد لله عزَّ وجلّ، فقري فقر النملة، فقرُ أكبر غني فقر النملة لله عزَّ وجلّ، فقرُ أيّ حشرة.
تقول الآية الكريمة أنّكم تفتّشون عن الرزق، ومن حقّكم أن تفتّشوا عن الرزق لحاجتكم الشديدة وفاقتكم الذاتية، لكن تُخطئون في طلب الرزق، فيمن تطلبون منه الرزق، تطلبون الرزق من هذا ومن ذاك، والرزق عند واحدٍ فقط، عند الله تبارك وتعالى، رزقُ من سَبَق ومن هو حاضر ومن يأتي.
(فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)
هذي العبادة في الآية الكريمة (وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا) مربوطان بما قبلهما أو بما بعدهما؟
إذا كانا مربوطان بما قبلهما فهما مربوطان بالرزق، يعني إذا أعطاني رزق أعبده، لم يعطني رزق لا أعبد الله، هو طبعاً يعطيني الرزق، ومن حقّه أن يُعبد لأنه يرزقني، لكن الآية وكأنه -والله العالم- لا تعلّل العلّة الموجبة للعبادة والموجبة للشكر هي الرزق، وإنّما (إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ).
الآية الكريمة تقول (وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ) ولم تقل “وإليه ترجعون”، جعلت (إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) مفصولة لتكون علّة لما قبلها، ما السبب؟ ما العلّة في الأمر بالعبادة وبالشكر لله وحده؟ لأنّنا نرجع إليه تبارك وتعالى. ما معنى نرجع إليه؟
نرجع إليه في حياتنا وبعد مماتنا، كلّ لحظة من لحظات وجودي فيها رجوعٌ لله، استعطاءٌ من الله عزَّ وجلّ، كلّ لحظة من لحظات تفكيري، كلّ شيءٍ من علمٍ قليلٍ من عندي ومن عندك، كلّ شيءٍ من رزق، كلّ شيءٍ من أثرٍ هو من عند الله عزَّ وجلّ، يعني كلّ أثر وجودي، وكلّ صفة من صفاتي الإيجابية كلّها من عند الله تبارك وتعالى. هذا العطاء عطاء من؟ عطاء فلان؟ عطاء قومي؟ عطاء أهل ديني؟ لا، عطاء الله عزَّ وجلّ، فأنا راجعٌ إليه بالكامل، فمن حقّ الله عليَّ أن أعبده وحده وأن يكون شكري إليه دون غيره، الشكر بالأصالة له دون غيره، وإذا وجد شكرٌ لغيره يكون شكر بالتبع ومن أجل أمره.
والمرجع إليه في يوم القيامة، يوم تنكشف الحقائق على أتمّها ويرى العقل رؤية لا غبار فيها أبداً ولا شوْب، يرى الإنسان ببصيرته تماماً أنّه لا موجود بالحقّ إلا الله، وكلّ من عداه هو آثارٌ من آثار وجوده، وهو انعكاسٌ بسيطٌ جدّاً لوجوده العظيم اللامحدود، هذا ما يراه القلب يوم القيامة، وأرى أنّ أمري لا يملك منه أحدٌ شيئاً أبدا، هذا الأمر إذا لم أعرفه الآن بالدقّة، ولا أستحضره بالدقّة، وأنساه في كثيرٍ من المواقف، ويصيبني الغرور، واستكبر على الله، وأنسى الله تبارك وتعالى؛ يوم القيامة لا يوجد هذا الشيء، لا يوجد غرور ولا استكبار ولا غفلة، هناك رؤية دائمة واضحة جليّة أوضح من رؤيتي للشمس، بأنّه لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، لا نفع ولا ضرّ إلا بيد الله، وأنّي مملوكٌ ملكاً طلقاً لله، هذا ما سأراه.
هذا هو الرجوع إلى الله -بهذا المعنى- هو انّ حسابي بيده، وجزائي بيده، جنّتي بيده، ناري بيده، هذا كلّه يستوجب -العلماء يقولون- أن لا أعبد غيره، وأن يرجع كلّ شكري إليه تبارك وتعالى.
وغَفَرَ الله لي ولكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.