الحديث القرآني الرمضاني الأول 1444هـ
الحديث القرآني الرمضاني الأول لسماحة آية الله الشيخ عيسى احمد قاسم – 2 شهر رمضان 1444هـ / 24 مارس 2023 في قم المقدسة
بسم الله الرحمن الرحيم
تحت عنوان “دروسٌ قرآنية”، محاولة لاستلهام بعض الدروس من الذكر الحكيم في ظلّ تفسيرات المفسِّرين من علماء المسلمين.
السورة سورة العنكبوت.
(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، ألم).
هذه الحروف التي تسمى بالحروف المُقَطَّعَة والواردة في مصدر عدد من سور القرآن الكريم، ذكرت لها وجوهٌ عدّة تبلغ عند بعضهم إلى 22 وجهاً.
ومن هذه الوجوه أنّها أسماءٌ للسور، وجهٌ آخر بأنّها أسماءٌ للقرآن الكريم، تفسيرٌ آخر أنّها إشارة إلى أسماء من أسماء الله وصفاته وأفعاله، أو أنّها إشارة إلى أشياء أخرى كعينٍ تَنْبُع من تحت العرش، أو أنّها للتحدّي للناس الذين يدّعون بأنّ القرآن غير ممتنعٍ على أنْ يأتي به البشر، أو هي لزيادة التحدّي؛ تقول هذه الحروف بأنّ القرآن في مادّته الأولية مؤلَّفٌ من عددٍ من الحروف هي معروفة عندكم مألوفة ليست غريبةً عليكم، فالمادة الأساسية موجودة، مادة البناء الأولية ميسورة لكم، فما بقي عليكم إلا أن تبنوا البناء القرآني وتأتوا بالهيئة اللفظية والتركيبات اللفظية مثلما جاءت في القرآن الكريم، المادة موجودة وبقي الاستفادة من هذه المادة استفادةً تَصِلُ إلى حد ما عليه الإعجاز القرآني من ناحية التركيب اللفظي، هنا من الطبيعي بأنّ البشر يقفون عاجزين.
فالاسمنت موجود، الحجر موجود، الآلات الأخرى للبناء كلّها موجودة وميسورة، بقي أن تبنوا من هذه الحروف التي تشبه هذه المواد الهيئة القرآنية في التركيب، هذا الشيء ممتنعٌ على البشر، ولحدّ الآن، وسيبقى التحدّي قائماً، وسيبقى العجز البشري ثابتاً.
القرآن كما نعرف جميعاً بأنّه تحدّى بأنْ يأتي البشر بمثله، بل يجمعوا الإنس والجن، أنْ يأتوا بعشر سور، تنزُّلاً أن يأتوا بسورةٍ واحدة، ومن السور ما هو بمنزلة السطرين تقريباً أو أقلّ من سطرين مثل (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَر)، (أَلَمْ نَشْرَحْ)، إلى آخره.
لحدّ الآن كلّ قدرات الدنيا البلاغيّة، وكلّ المختصّين في اللغة العربية من عرب وغير عرب متضلِّعين فيها؛ لا يستطيعون أن يردّوا على هذا التحدّي.
إذا فَقَدَ الإنسان العادي المسلم أيّ دليلٍ على صِدْق الرسالة الإلهيّة فليلجأ إلى هذا الدليل، دليل التحدّي القرآني بأنْ يأتي الناس بمثله أو بعشر سور من مثل سوره أو بسورةٍ واحدة، فإذا رأى أنّ البشر كلّ البشر بالأمس واليوم على عَجْزٍ من الردِّ على هذا التحدّي فإنّ هذا دليلٌ قاطع يقينيّ بأنّ الإسلام حقٌّ، وأنّه ليس من عند رسول الله “صلّى الله عليه وآله”، وإنّما هو من تنزيل الله تبارك وتعالى.
أيضاً هناك وَجْهٌ من الوجوه المذكورة لذكر هذه الحروف وهي أنّ هذه الحروف لكسر ما تواصى به القوم المشركون من عدم الإنصات للقرآن الكريم وخلق الضوضاء والفوضى في وجه أيّ تلاوةٍ يبدأها رسول الله “صلَّى الله عليه وآله وسلَّم”، حتى لا يسمعوا للقرآن ويقطعوا الطريق على رسول الله “صلَّى الله عليه وآله وسلَّم” أن يتلوا من آيات ربّه ما يتلوا ليؤثّر في القلوب، هذه الحروف تُلفِت نظر المشركين بأنّها أمرٌ جديد غير معهود في اللغة العربية، أن يُبدأ في الخطابات والكلام بحروفٍ مقطّعة، ولو من باب حبّ الاستطلاع وما يثير هذا التطلُّع في النفس من قراءة هذه الحروف، قد يسمعون بعض الشيء مما يتلوا رسول الله “صلَّى عليه وآله وسلَّم”، فكأنّه ابتكار، أو قُل طرح ابداع أسلوب يواجه ما أقسم به المشركون أو ما تعهّد به المشركون مع بعضهم البعض من قطع الطريق على سماع شيءٍ من كتاب الله تبارك وتعالى.
هذه الوجوه كلّها لم يثبت عند أحدٍ قطعية أي وجهٍ من الوجوه، اثنان وعشرون وجهاً لم يثبت واحد منها على أنّه هو المقصود من ذكر هذه الحروف المقطّعة.
يجمع هذه الآراء كلّها أنّ رأياً من رأيين رئيسين:
-رأيٌ يقول بأنّ هذه الحروف نزلت لكي يفهمها الناس كسائر القرآن الكريم ،وأنّه لا معنى بأن ينزل شيءٌ من القرآن، وأن يمتنع فهم القرآن الكريم أو شيءٍ منه على الفهم البشري وهو المخاطب، جاء القرآن يخاطب الفهم البشري فكيف يأتي بمادةٍ لا يفهمها البشر؟ كيف يأتي بآياتٍ أو بحروف أو بأيّ شيءٍ بينما يمتنع على البشر أن يفهموه، هذا خلافالغرض، خلاف غرض تنزُّل القرآن، إلا أنّ هنا هذا الرأي يمكن أن يُقال في وجهه بأنّ القرآن نزل لكي يفهمه البشر، ولكن فهم البشر إلى القرآن يتفاوت، قطعاً هناك فرقٌ بين فهم رسول الله “صلَّى الله عليه وآله” وبين فهم فقيهٍ من الفقهاء، وعالمٍ من العلماء، ومفسّرٍ من المفسرين الكبار، فضلاً عن عامة الناس، فلتكُن هذه الحروف معلومة ومفسّرة تفسيراً صحيحاً، أويعرف تأوليها رسول الله صلى الله عليه وآله والمعصومون، بينما لا يعرفها سائر الناس، وعلى الناس أن يرجعوا إلى من تنزّل عليهم القرآن ليتلقوا فهم هذه الأمور.
-الوجه الثاني الرئيسي يقول بأنّ هذه الحروف علمها عند الله، لها معانٍ ولا يعرفها إلا الله تبارك وتعالى ولم يعطي سرّها أحد، طبعاً هذا الاختصاص الغيبي بالله تبارك وتعالى، وكون هذا الغيب لا يعطيه الله عزَّ وجلّ لأحدٍ من الناس ولا يُطلع عليه أحداً يفقد هذه الحروف قيمتها، قيمة تنزيلها للإنسان وتلاوتها ليلاً ونهاراً للناس.
يكون المستقرب على هذا الأساس هو أنّ هذه الحروف لها معنى، وهذا المعنى الذي من يتوفّر عليه حقيقةً هو النبي “صلَّى الله عليه وآله” وأهل بيته الكرام “عليهم السلام” ممن اختصّهم بالعلم الخاص.
(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، ألم، أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ).
الهمزة للإستفهام، لكن الاستفهام هنا ليس استعلامياً، لا يطلب جواباً على سؤالٍ السائل له يتطلّب جواباً ويتنظر جواباً، الاستفهام هنا استفهامٌ استنكاري، والاستنكار يعني أنّ هناك أمراً مفروغاً منه عند المخاطب، لكنَّ هذا الأمر خاطئ، فمن يطرح السؤال يستنكر هذا الفهم أو هذا الأمر، ويستقبحه ويستهجنه، (أَحَسِبَ النَّاسُ)، الحسبان هو الظن، هناك حسبان، هناك ظنٌّ خاطئ، ظن ساقط يخالف الحقيقة، يصادم أكثر من أمر ثابت وحقيقي، وهذا يجعل هذا الحسبان أمراً مستنكراً مستقبحاً مستهجناً غير مستساغ، الناس يظنون أنّهم يُتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يُفتنون، وأنّه يكفي مجرّد القول “آمنّا” لأن لا يُمتحنوا، لأن يُأخذ بقولهم، لأن يُرتّب الثواب على هذا القول، أن تتم حقيقة الإيمان لهم بمجرد هذا القول، حقيقة الإيمان أكبر من هذا القول وأعمق، وأكثر كلفةً، وهذا اللفظ “آمنّا” لا يخلق جديداً في النفس، لا يصحح من مسار النفس، لا يصحح فكراً، لا يصحح شعوراً، لا يصحح إرادةً، لا يصحح سلوكاً عملياً خارجياً، قُل آمنّا بالله ليلاً ونهاراً، لن تجد لهذه الكلمة وحدها أثراً في نفسك، لن تبنيك، لن تبني الفرد ولا الأسرة ولا المجتمع، ولن تقيم حضارةً تتميز بالقوّة والهداية والصلاح، ولن تُخرِّج إنساناً ملائكيّاً على الأرض، ولن تُسعِد إنساناً بسعادة الدنيا ولا الآخرة، “آمنّا بالله” ككلمة وكألفاظ، هذا الأمر وحده لا يخلق وجوداً جديداً للنفس، ولا وجوداً عقلياً ولا يصحح وضع فردٍ ولا وضع أسرةٍ ولا وضع مجتمع.
حقيقة الإيمان أكبر وأعمق من ذلك، وحقيقة الإيمان فيها تكليف، حقيقة الإيمان جهاد، حقيقة الإيمان اعتقادٌ صادق لله تبارك وتعالى وما نزّل، وقيام سلوكٍ وأوضاعٍ خارجيةٍ على أساس هذا المعتقد الصحيح، والعقيدة الصحيحة وحدها لا تُنجي من النار أصلاً، إيمانٌ صادق في الداخل بلا عملٍ في الخارج مطابق لهذا الإيمان، هذا لا يُنقذ من النار ، إنما يُنقذ من الخلود في النار، وفرق بين أن يدخل النار داخلٌ لكن لا يخلد فيها، وبين أن يقي الله وجه هذا العبد من النار نهائياً، المطلوب من الإيمان هو ما يقي العبد من النار أساساً، ولا يشمّ ريح النار، أمّا قضية الخلود في النار فيمكن أن يُنقذ منها العقيدة الصحيحة وإنْ خالفها بعض العمل، فالمطلوب الأساس أن يسعد الإنسان في الدنيا، وأن يسعد الإنسان في الآخرة، ولا تمسه النار، وإذا كان كذلك فما يعطي هذه النتيجة، نتيجة سعادة الدنيا وسعادة الآخرة، والنجاة من النار والفوز بالجنة؛ إنما هو الإيمان الصادق القادر على التغلُّب على كلّ الموانع وكلّ التحديات من داخل النفس ومن خارجها، قادر على ردّ كلّ التحديات وتجاوزها في قضية الإلتزام بمقتضى الإيمان.
مطلوب إيمانٌ داخليٌ صادق، وإلتزامٌ دقيقٌ صحيحٌ في الخارج بمقتضى الإيمان، وهو الشيء الذي يصحح للنفس مسارها ويبنيها ويعطي الإنسان كماله، ويعطي المجتمع كماله، ويُسعد الإنسان في الدنيا، ويسعد الإنسان في الآخرة، فالمطلوب إذن هو إيمانٌ قادرٌ على تحريك كلّ الجوارح وضبط كلّ الجوانح، وأن تكون قدرة هذا الإيمان غالبة على كلّ التحديات، وعلى كلّ الامتحانات الأرضية والفتن التي تحاول أن تصرف الإنسان عن إيمانه، وتهزم فيه قضية الإيمان وتردّه عن الإيمان إلى الشرك.
(ألم، أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ).
نحن أمام دعوى الإيمان -منّي أو من أيّ أحدٍ غيري- آمنتُ وتسمعوني أقول آمنتُ، هذا لا يُترك لنا أن نقول “آمنّا” ونكتفي بذلك، وأن نعتبر بأنّ قوْل الإيمان مجرّد قوْلة الإيمان منجية ومسعدة، لابد من فتنة، الفتنة هي الابتلاء.
الابتلاء واسع، مساحته مساحة الحياة كلّها، في داخل النفس وسوسة، الشيطان موجود، النفس أمارة بالسوء.
هناك فقر، وهناك غنى، وفي الفقر ابتلاء، وفي الغنى ابتلاء. صحّة ومرض، في الصحة ابتلاء، تُسبِّب غرور، تُسبِّب نسيان لله عزَّ وجلّ، تُسبِّب حالة استكبار، حالة من حضور الأنا بقوّة، نسيان الله والحاجة لله عزَّ وجلّ.
هناك مرض يؤذي، يؤلم، يوجع، يُشكِّك في رحمة الله، يشكِّك في عدل الله عزَّ وجلّ، يجعلك بين أمرين، هل أثبت على الإيمان مع هذا الوضع أو لا أثبت؟ قد تتغلّب أوجاع الأمراض وآلامها ومحنتها على قضية الإيمان وما توحي به الفطرة من الإيمان، وما يدلّ عليه الدليل العقلي من الإيمان.
هناك أعداءُ الله، هناك مشركون، هناك كفّار ليس من مصلحتهم أن يكون في الأرض إيمان، لأنّ وجود إيمانٍ في الناس يعني توجّه الناس إلى عبادة الله، إلى طاعة الله، إلى المطالبة بالعدل، إلى الشعور بالكرامة، رفض الاستعباد، إلى آخره، وكلّ هذا ليس في صالح المستكبرين والطغاة، المستكبرون والطغاة والمشركون يريدون أرضاً خاليةً من الإيمان، قاحلةً من ذكر الله عزَّ وجلّ؛ ليكونوا هم الآلهة، ليكونوا هم حكّام الأرض، ليكونوا هم المعبودين في الأرض، فإذن هناك قوّة مناهضة للإيمان على طول الخط، وهذه القوّة تُحدِث أتعاباً جمّة، تقتل، تسجن، تُهجِّر، تفعل كل الأفاعيل، تُفقِر، توجع، تؤلم، تحبس، كلّ ذلك من أجل القضاء على ألوهية الله عزَّ وجلّ في قلوب الناس، وتركيز عبودية الناس للطغاة والمستكبرين، هذه بليّة -طبعاً- هل أبقى على إيماني لأعذّب؟ لأقتل؟ إنْ بقيت على إيماني قُتلت، افتقرت، أرى المستكبرين والطغاة وأتباعهم في خيرٍ دنيوي ونعمةٍ واسعة ورغد عيشٍ كبير، وفي سطوةٍ وكلمةٍ نافذة، وأرى المؤمنين عراة حفاة، أراهم مشردين خائفين، فما قيمة هذا الإيمان الذي تُرتكب من أجله كل هذه الكلفة ويحرم الإنسان نفسه من كلّ هذا الخير الذي يراه عند المشركين والكافرين والطغاة وأتباعهم، كلّ هذه تحدّيات صعبة.
أبوك وأمك قد يمثلان تحدياً لك، ولدك قد يمثل تحدياً لك في إيمانك.
إيمانك يتطلّب منك مهمّة معيّنة، هذه المهمّة تخشى في أدائها من تضييع الولد، من تيتُّم طفلك، من أن تحدث ضائقة بعائلتك، قد تضغط عليك والدتك، يضغط عليك أبوك، تضغط عليك أمّك، من أجل أن تتوقّف عن السير الرسالي وعن إعطاء الكلفة لصالح الرسالة لأنّ ذلك يؤذيهم، ولأن ذلك فيه حرمانهم، ولأنّ ذلك يخالف شفقة بعضهم عليك، كلّ هذه تحدّيات عليك أن تواجهها.. تحديات أصدقاء، تحديات أعداء، تحديات أحبّة، تحديات أمراض، تحديات تهديد، اغراءات، مناصب، أموال، مراكز، وما إلى ذلك.
فتجد نفسك أمام تحدي دائم ليلاً ونهاراً في وجه إلتزامك بقضية الإيمان.
قد يُلحّ عليك ولدك الصغير في أمرٍ يطلبه، هذا الأمر محرّم عليك أن تفعله، تعرف من فقه دينك أن هذا عليك حرام، فأنت بين أمرين، بين أن تحترم حرمة ما حرم الله عزَّ وجلّ وتمتنع عن الاستجابة لبكاء ولدك، وصراخه وأذاه، وبين أن تستجيب لهذا الولد، هذا تحدّي أيضاً.
دلال الزوج على زوجته، دلال الزوجة على زوجها، أيضاً ضاغط.
فضواغط الحياة وتحديات الحياة كثيرة ومتعدّدة ودائمة وتواجهنا في كلّ صباحٍ وفي كلّ مساء، وفي كلّ لحظةٍ من لحظات الحياة.
حتى حين نُجيد، لو تراءى لي أنّي أجدتُ الصلاة، هذا الترائي ربما أنشأ في نفسي غروراً، عُجباً، مَنّاً على الله تبارك وتعالى، وكلّ هذه الأشياء تهدم الإيمان وتصدِّع من بنية الإيمان في النفس.
فالفتن مُلِّمة بالإنسان من كلّ جانب، تلك الفتن التي تتحدّى إيمانه وتختبره، طبعاً الفتنة هي كما هو مفسّر في اللغة بالامتحان.
الافتتان يعني كأنّ ذات الإنسان تمثّل الذَهَب، هذه الامتحانات تمثّل ناراً، وأنت تمثّل الذهب، والذهبُ يُمتحن بالنار ليُرى مدى ما فيه من غشّ، ما فيه من خلوص ومن غشّ، النار تفتتن الذهب لتُخلْصه وتُخلِّصه مما فيه من مادةٍ دخيلة، حتى تتخلّص نفس المؤمن مما ينافي الإيمان ويكدّر صفاء الإيمان واشعاعه وتبلوره، حتى يحصل ذلك لابد من الافتتان، فالافتتان ندخله لنُقاسي، ونكتوي بناره كما يكتوي الذهب بالنار، الذهب لا يحس أمّا نحن فنحسّ بهذه النار، الذهب عندما يوضع في النار ليُمتحن، طبعاً هذا الذهب لا يعاني من حرارة النار، أما أنا وأنت فنعاني من حرارة الابتلاء ومن قضية الاكتواء بالابتلاء، ولكن من بعد ذلك، وبالصبر والمجاهدة والثبات على خط الجهاد مع أعداء الله، وضد النفس الأمارة بالسوء، وضد أعداء الله تبارك وتعالى، بهذا الجهاد تصفوا النفس وتنصقل وتقوى وتشتد وتستعلي على كلّ الشدائد والمحن وعظائم الأمور.
غَفَرَ الله لي ولكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.