كلمة آية الله قاسم عشية الرابع عشر من فبراير – 2023
نص كلمة سماحة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم عشية الذكرى الثانية عشرة لانطلاق ثورة الرابع عشر من فبراير – قم المقدسة 13 فبراير 2023م:
السلام عليكم أيُّها الأحبة الكرام الأعزّاء.
السلام على شعبنا الأبيّ الكريم.
السلام على أمّتنا الإسلامية والعربية المجيدة.
ذكرى 14 فبراير، ذكرى عدّة أحداثٍ في البحرين.
هي ذكرى الميثاق الوحيد بين الشعب البحريني وحكومة البحرين. وذكرى نقضه والخروج عليه من قِبَل الحكم.
وذكرى دستور 2002، وهو الدستور الإنفراديّ المفروض على إرادة الشعب، وخارج ما يتّجه إليه.
كلّها أحداث ذات أهمية كبرى في تاريخ هذا البلد.
الحديثُ هنا في هذه الذكرى يقفُ عند عددٍ من المحطات وقفةً عاجلة.
أوّل ما أريد أن أبدأ به، هو أنّنا علينا أن نلتفت -وكلنا نعرف هذا الشيء- أنّ نظام الحكم إمّا سماويٌّ أو أرضي. نظامٌ سماويٌّ لا يمكن أن يلحقه أيّ اتّهام، أن يوجّه إليه أيّ اتّهام لأنه من عزيز حكيم عليم، لا أقفُ عند هذه النقطة، الأمر واضح.
وهناك نظامٌ أرضيّ. النظام الإلهي واحد، وعلى مدى الأبد، والأنظمة الأرضية متعددة أو متفاوتة في خطأها وفي صوابها، في قيمتها وقدرتها.
أخسُّ نظامٍ هو النظام الجبري الإفرادي المفروض بالقوّة، وأحطُّ نظامٍ -سواءً كان فردياً فعلاً أو كان حزبياً أو كان قبلياً- فكلّها أنظمة من نوعٍ أو من مستوىً واحد، إلا أنّه أكثر هذه الأنظمة حِطَّةً وخسّة أن يكون النظام انفرادياً يرجع إلى شخصٍ واحد، وأصبح هذا النوع من الأنظمة محل سخريةٍ في مثل هذا العصر، ومحل استنكارٍ عالمي مجمع عليه.
ولكنّ الأنظمة التي تتبجح بديمقراطيتها، من الغريب أنّها تدعم هذا النظام، وتمدّه بأسباب البقاء، وتدافع عنه وتحميه، وذلك خلافاً لإيمانها كما تدّعي بالقيمة الكبرى للديمقراطية وبفشل النظام الديكتاتوري ولمخالفته لخطّ التقدّم.
الآيات القرآنية الكريمة، منها بعض هذه الآيات (وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْل)، وهذا موافق لضمير الإنسان، وجدانه، عقله ووعيه، وتجربته على الأرض، لكنّ السؤال أين العدالة؟ من أين تضمن العدالة في الحكم؟ (إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقّ)، أين الحق؟ في الكتاب. ما محتواه؟ محتواه الحق. فيه باطل؟ لا بالمرّة.
(إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقّ)، ما ربط هذا الحق بالحكم؟ ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه، الحكم بين الناس بالحق. أين الحق؟ في كتاب الله تبارك وتعالى، في منهج الله تبارك وتعالى.
منهجٌ كلّه علمٌ، حكمةٌ، رحمةٌ، رأفةٌ بالعباد، نورٌ، هدى، لا شيء فيه من عنديّات الأرض، ولا شيء فيه من هوى الإنسان.
(وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ)، -أي مع النبيين-، الكتاب نَزَل بالحق، مضمونه الحق، كلّ ما فيه الحق، هو الحق.
الحاكم ليس المُنفِّذ في الأساس، الإمام ليس الحاكم، إنّما الحاكم هو الكتاب الكريم الذي يحكم الإمام والمأمومين. الحكم في الإسلام ليس للنبي في نفسه، إنما النبي نفسه “صلى الله عليه وآله” محكوم بالكتاب، وكذلك كلّ الأمة وكلّ البشرية الذين لهم قادة كتاب، لم يكن لهم حاكم إلا الكتاب. (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ، لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ، ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ).
(إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّه) ليس بما تراه أنت، وليس بفهمك الشخصي وإنما الفهم الموحى إليك، فحكمك بالكتاب، ذلك الكتاب الذي يحكمك ويحكم مَن تحكمه.
فنحن عندما نفتّش عن حكمٍ يحقق العدل في الأرض، العدل الكامل، أين نجده؟ نجده في الكتاب، وعلى يديّ مَن؟ على يديّ من يفهم الكتاب ولا يخرج قيد أنملة عن خطّ الكتاب وخط الوحي، ومن بعد ذلك نتنزّل إلى ما هو الأقرب إلى حكم الكتاب، وهو الحكم الذي يكون على يد الفقيه العدل الكفوء إلى آخره.
دعونا من هذا، فذلك مطلب العقلاء الذي يحتاجون في الوصول إليه إلى جُهدٍ جهيد.
البحرين وواقعها السياسي والحقوقي:
لا اعتبار لرأي الشعب أمام السلطات الثلاث، الرأي رأي فرد واحد، الرأي لدستور 2002 وهو من وضع فرد واحد، دستور جوري مفروض على إرادة الشعب وقهراً عليه، الحكم لهذا الدستور وقد يخرج عن مقتضى ومقررات هذا الدستور لإرادة طارئة لمن يشرف عليه، الحكم للقوانين المشتقة والمتفرعة من هذا الدستور، الواقع التنفيذي المترشح عنه خير شاهدٍ على ذلك، على أنّ الشعب ساقطةٌ إرادته في نظر الحكم، ملغيّ الإرادة، لا موقع لإرادته في تحديد مصيره ومصير وطنه.
هذا الواقع واضح أنّه تخلُّف، رجعيّة سياسية مرفوضة في نظر الدين والعقل والإتجاه العالمي اليوم كلَّ الرفض.
في البحرين سياسةٌ اقتصادية ظالمة وفاشلة، ولكن فشلها فشل متعمد وعلى يد تخطيط الدولة، وهي فاشلة من حيث مردودها الشعبي والوطني، فاشلة لأن نتيجتها الجوع والفقر والبطالة، النهب، السرقة، التلاعب بالثروة، ووضع الثروة للإضرار بالشعب واستعباده، وهزيمة نفسيته، وإتعابه وتجفيف منابع دينه.
سياسة اجتماعية مُمَزِقة قائمةً على الطائفية حمايةً لأمن النظام، لا محبةً في سُنّة ولا في غير سُنّة.
في البحرين محاربةٌ للعلم، للعقول الذكية والألمعيّات، والقابليّة العبقرية، وكلُّ مستوىً فكريٍّ متقدِّم معزول عن خط العلم، محرومٌ من الفرص العلمية، محاربةٌ فرصه حتى الشخصية لتحصيل العلم، إذا لم يكن هذا العلم سلاحاً من أسلحة الدولة على شعبها ودينه وكرامته.
99% مُعدّل لا يجدُ وظيفة صغيرة، ولا يمكن أن يجد منحةً دراسيةً من الدولة، وأوّل من تُسدّ عليه الأبواب، حتى الأبواب التي يبذل فيها محاولات شخصية في سبيل فتحها لنفسه.
هناك خلق حالة بطالة، -خلق وليست بطالة اضطرارية-، قسمٌ من الشعب مكتوبٌ عليه أن لا يجد فرصة عمل في الكثير الكثير من أبنائه.
الحربُ على الدين محاربةً لا يضطر إليها استقرار الكرسي، أنا أرى هذه المحاربة متجاوزة لحدّ الحفاظ والحماية لموقع الحكم.كأنّ هذه المحاربة على الدين شرطٌ خارجي للبقاء في الحكم، وليس أنّ وضع الحركة الدينية مُهدّد فعلاً لسقوط الحكم. موجودٌ نشاط ديني، حب للدين، تعلّق بالدين، ولكن ليس إلى الحدّ الذي يُهدّد بقاء الحكم لا في المدى المنظور، ولا المدى الأبعد، وإلى حدّ التوّسط.
الحرب على الدين منه: مطاردة الحوزات، محاربة المؤسسات الثقافية الدينية، تعطيل فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على المستوى الاجتماعي والفردي.
اللافتة الدينية الجديدة هي الدين الإبراهيمي، وهي للقضاء على الدين، هذه اللافتة مُغرية أو خادعة، وأمّا ما ورائها فهو الإطاحة بالإسلام وتذويبه وتمييعه، بل تمييع كلّ الدين.
تهويد تاريخ الوضع الحضاري، ومسخ شواهد الانتماء الإسلامي في البحرين كما في مشروع تهويد منطقة المنامة.
يأتي التطبيع بكلّ أبعاده -والتطبيع بكلّ أبعاده التي تمثل بيعاً وتحوّلاً حضارياً- بما يخدم إسرائيل وأمريكا.
التطبيع لا يُستهدَف منه ربحاً مادياً لإسرائيل بقدر ما يستهدف -من خلال التعامل مع منطقة الخليج وفتح الأسواق العربية وما إلى ذلك-، إنما الأهم من ذلك في النظر الإسرائيلي والأمريكي هو تذويب الحالة الإسلامية في المجتمع الإسلامي، تغريب المجتمع الإسلامي، نقلة حضارية من الإسلام إلى الحضارة الغربية الكافرة.
هتاف الحضور: بالروح بالدم نفديك يا إسلام.
تعليق سماحة الشيخ على الهتاف: أنتم من شعبٍ يقول هذه الكلمة بصدقٍ وجدّية وثبات، وهي “بالروح والدم نفديك يا إسلام”.
في البحرين هدمٌ للأخلاقيّة والنفسيّة الإسلامية، النسوية، المثلية، إلى آخره، عددٌ من المشاريع العملية المُفعلة لهذا الغرض، وهو هدم الأخلاقية والنفسية الإسلامية والارتباط العقلي والنفسي بالإسلام.
في البحرين سياسة تنكيل وعنفٍ دائم، وتأتي شيطنة الشعب من الحكومة تبريراً لاستمرار التنكيل والعنف، كم خلية متآمرة؟ كم من دفعات السلاح تتدفق على البحرين في الإعلام الرسمي؟ كم من السجناء؟ كم من المحكومين بالإعدام؟ كم من مسحوبي الجنسية؟ على أي أساس؟ على أساس أنّ هناك تعامل مع الأجنبي في إسقاط حكومة البحرين، وهناك أسلحة تتدفق على البحرين بشكل دائم، وهناك خلايا ومؤامرات، ولا نجد أثراً عملياً لكل هذا، لكن نجد دعاية رسمية واسعة بوجود كل هذا، هذا لماذا؟ لأن التنكيل والعنف يحتاج إلى مبرر، مبرره الخطر على الوطن من قسمٍ من شعبٍ مهمته التآمر على هذا البلد وعلى هذه الحكومة إلى آخره.
في البحرين حمايةُ العدوان على مقدسات المسلمين، -حرقُ قرآن- يخرجُ عددٌ من الناس من شعب البحرين للتظاهر ضد هذه الجريمة، بمَ يواجه؟ هذه المظاهرة غير قانونية. أتقدّرون خطورة هذه الكلمة؟
في أكثر من مظاهرة في مسألة حرق القرآن، وغيرها من المواقف التي فيها حماية للإسلام وإنكارٌ للعدوان على الإسلام من مثل الصور المسيئة للرموز الإسلامية ولنبي الإسلام والقرآن، تُواجه هذه المحاولات للخروج في مظاهرات بأنّ هذه المظاهرة غير قانونية، يعني لا عبرة بالإسلام، ولا اعتراف هنا بالإسلام، كلّ تصرّف ليس له سند إلا أن يكون به قانون، حرامُ الله ليس حراماً، والواجب الشرعي ليس واجباً، ولا أصالة للإباحة، ولا أصالة للرخصة، الأصل التحريم في نظر القانون، فكلُّ خطوةٍ تريد أن تقدم عليها، كل حركة، كل عمل، أنت تحتاج في إباحة هذا العمل إلى قانون، فالشريعة لدينا أصلٌ ورائها، والأصل عدم الحظر، في هذا القانون الأصل الوجوب فيما ترى فيه الحكومة الوجوب، وإن لم تعلنه، والأصل الحرمة فيما تريد الحكومة فيه الحرمة وإن لم تعلنها، ولذلك أحتاج للقانون حتى أخرج في مظاهرة تستنكر العدوان على الإسلام، مُطالَب في كلّ خطوة من هذا النوع ولا توافق نظر الحكومة، أنا ممنوع منها حتى يأتيني قانون! هذا إلغاء للإسلام من الجذور، من الأصل، لا تعتذر بأن هذا إسلامي، لا تشفع لنفسك ولعملك بأنك مأمورٌ به في الإسلام، هذا لا عبرة له والعبرة للقانون، والحاكمية الفوقية للقانون، وانتظر إمضاء القانون لحكم الصلاة، صلاة الجماعة، صلاة الجمعة، للشعائر الحسينية حتى تستطيع أن تباشر هذه الأمور. هذا في البحرين!
في البحرين سجونٌ من نوعٍ خاص متشدّد يمارس التعذيب والعدوانية في داخل السجن، وسجون التهَمَت زنزاناتها ألوف عديدة من أبناء البحرين، ومن رجالاها الذين يُعتمد عليهم كل الاعتماد.
في البحرين حبسٌ لعقليات كبيرة، ولنفوسٍ مبدئية شامخة، ولرجالاتٍ صالحين، ولقادة قادرين. هذا في البحرين ولا سببَ لذلك إلا أنّهم يطالبون بحقّ الشعب.
في سجون البحرين أطفالٌ يصيرون إلى حدّ المشيب، وذلك لأنّهم أفزعهم الوضع الظالم وخرجوا ينادون بصوت الاستنكار!
في البحرين شارع مهدد كلّ من فيه، كان مما في البحرين أنّ ليالي طويلة مرّت على الناس لا يأمن أحدٌ في بيته، لا متحرك ولا غير متحرك، وليس هناك من يستطيع أن يطمئن بأنّه بريء. هذا كلّه في البحرين!
في البحرين سجناء كُتب عليهم أن يخرجوا إمّا معلولين نفسياً، وإما معلولين بدنياً.
في البحرين إمتحانٌ للولاء الوطني، لماذا؟ للتأكّد من الإخلاص للولاء الصهيوني والإسرائيلي، يحكمون عليك بأنّك غير موالٍ لوطنك، وأنك عدوّ للحكومة، على أي أساس؟ على أنّك لم تستجب لأمرٍ يفرض عليك أن تدخل في عملية التطبيع وتبارك التطبيع، وتنخرط في قضية التطبيع.
الوضع السياسي مستعدٌ إلى أن يهجر، وأن يسحب الجنسية، وإلى أن يفصل من العمل، وإلى أن يحكم عليك لسنوات، إذا لم تستجب لمطلب الإشترك في مؤامرة التطبيع.
هذا كلّه في البحرين، وكلّه حاضرٌ في ذهنية الناس في كل يوم، فضلاً أن يحضر في ذكرى 14 فبراير.
نخرج من هذا، ويأتي الشكرُ للمعارضة على ما بدأ من مبادرة التقارب والتفاهم والعمل المشترك لخدمة قضية الشعب، والمؤمّل أن تتطور المبادرات الإيجابية على هذا الطريق ليعظم عطاؤها.
أظن أن الحياة أكسبتنا وعياً أكثر، وأنّ الأحداث علمتنا بأن اليد الواحدة لا تصفّق، وأن الضرورة تدعونا بأن نجتمع أكثر وأكثر، وأن نوّحد خطانا، وأن ننسِّق جهودنا على طريق طلب النصر.
نسأل، يوم الذكرى لماذا؟
إنّه لتجديد العهد على التغيير، والنقلة إلى واقعٍ جديدٍ صحيح، لا يبقي من آثار الفساد المتنوع الذي يحكمنا وبكل أشكاله بما فيه من تضييعٍ لكرامة الإنسان وإساءة للدين وإضرار بمعاش الناس وأمنهم، وبما فيه من تهميشٍ لهم وكأنهم بهائم، هذا الواقع الثقيل المرير، هذا الواقع الأسود، يومُ 14 فبراير يأتي لتجديد العهد على تغييره، هذا اليوم لشحذ الهمم، واشتداد الإرادة ووثبة العزم، ورصّ الصفوف وتوحيدها، وتدارك النواقص وسد الثغرات.
إنّه يومُ تخطيطٍ وتطويرٍ عملي ناتج عن تلاقح الأفكار والبحث عن الأفضل قبل أن يكون يوم خطابة -وإنْ كان للخطابة دورها المهم الفعال في تحريك النفوس، وهو دورٌ لا ينبغي التفريط فيه- لكنّ الأساس هو التطوير العملي، التخطيط الهادئ، التخطيط الذي لا يبقى في الأدراج وإنما يتحوّل إلى واقعٍ عملي ونشاطٍ ومحاولات على الأرض.
إنّه يومٌ لتوسعة وتنضيج النشاط التغييري وتطويره وتكثيفه، وهو من أجل استغلالٍ أمثل للوقت ولكلّ الإمكانات المتاحة، ولخلق الفرص.
والتخطيط يحتاج إلى ركيزتين: يحتاج إلى ركيزة المبدئية التي تحفظ قيم التحرك ولا تنساها ولا تغفلها، مبدئية تحافظ على أهداف التحرك ولا تميل عن المحور أو عن الخط الذي يرسمه هدف التحرك، -لابد أن يكون هناك هدف واضح وكبير، ولابد أن يُطلب أسمى هدف، وأبقى هدف، وأربح هدف، والهدف الكبير صلاح هذا الإنسان، ونُجحه، وكماله، وذلك لا يتم إلا من خلال تعلقه بالله وارتباطه بمنهج الله عزَّ وجلّ، وأن يكون خطّه خط الرسل وخط أوصياء الرسل-.
-الهدف حين يقتصر على الدنيا يكون قصيراً، ويكون دونياً. الهدف أن يكون دنياً كبيرة، وآخرة كبيرة. والدنيا لا تكون كبيرةً إلا بأن تكون من أجل الآخرة الكبيرة-. -الدنيا الكبيرة التي يطلبها الإنسان المسلم هي دنيا من أجل إحقاق الحق وإبطال الباطل، دنياً تعطي الغلبة للحق على الباطل، تُمكِّن من سيادة الحق وتكسر الباطل، الدنيا الكبيرة هي الدنيا التي يربح فيها الإنسان نفسه لا يخسرها، والدنيا حين تكون من أجل الدنيا يخسر فيها الإنسان نفسه، والدنيا حين تكون من أجل الآخرة يربح فيها الإنسان نفسه-.
التخطيط يحتاج إلى ركيزة مبدئية، ولا أشرف من المبدأ الإسلامي، لا أشرف من الإسلام، ولا أنجح من الإسلام، ولا أقدر على المحركيّة من الإسلام، ولا أقدر على الفاعليّة من الإسلام، ولا أقدر على توحيد الصفوف من الإسلام، ولا أقدر على جمع أسباب القوة من الإسلام، ولا أقدر ولا طريق للنصر أقصر من أن نسلك طريق الإسلام.
نعم.. يحتاج التخطيط إلى ركيزةٍ مبدئية وإلى ركيزة الحركية.
هناك إيمان بمبدأ عظيم منقذ، ولكن إيماناً لا يصل إلى حد المحركية والفاعلية، هناك مستويات من الإيمان غير قادرة على التحريك، المطلوب مستوىً إيماني يحرّك ثقافة الأمة على طريق البناء والاستقامة والصمود والصعود، ما حَرّك الأنبياء والأوصياء والصالحون على الطريق الصاعد المقاوم الصَنّاع إلا الإيمان بدرجة خاصة، من الإيمان من مستوىً عالي، الإيمان العالي في مستواه محتاجٌ إلى العلم، قائمٌ على العلم، وليس قائماً على الخرافة، ولا على الموروث البسيط وخيار الجدّات والأجداد.
نعم.. أقول نحتاج إلى ركيزةٍ حركية، هناك إيمان معطل الفاعلية على أيدينا، لأنّنا لم نصل إلى هذا الإيمان، فنحتاج إلى إيمان، ونحتاج إلى الفاعلية والحركية التي يملك الدفع إليها هذا الإيمان، فإذا أردنا نصراً فعلينا أن نكون مؤمنين، وليس مؤمنين شغلنا الدائم التسبيح والتقديس وإن كانت هذه صناعة داخلية، هذه مقدمة.
الإيمان الذي نحتاجه هو الإيمان الذي صنعه رسول الله “صلى الله عليه وآله” من خلال العبادة والجهاد، وما نزلت آية من آيات الكتاب الكريم لتُقرأ ويُتعبَّد بقراءتها وتُهمل في مقام العمل، كل سورة وكل آية نزل بها الكتاب الكريم كان الرسول “صلى الله عليه وآله” يعطيها البرنامج العملي والتطبيق في حياة المسلمين، كلّ ما في القرآن لم ينزل لطلب البركة بقراءته فقط، نزل ليُقرأ، وأُمر بقراءته ليُفهم، وأُمر بفهمه ليُعمل به، فالقرآن نزل ليصنع حضارةً من النوع السماوي، حضارةٌ وعدل كلّها هدى، نور، استقامة، أخلاقية، أخوّة إنسانية، هذه الحضارة التي نزل من أجل صناعتها القرآن الكريم لا يكفي فيها أن يُقرأ القرآن وأن يُتلى ليلاً ونهاراً، وإنّما يُفهم، وفهمه لا من أجل فهمه المعطل وإنما من أجل الفهم العملي كما نعرف جميعاً.
نحتاج إلى تخطيطٍ يقوم على ركيزتين، ويحتاج العمل الذي ينتجه التخطيط إلى سعي حثيث لتحصيل الوسائل التنفيذية التي تمكنك من تنفيذ خطّتك. بلا وسائل، بلا يدٍ ولا رجلٍ، ولا عينٍ على المستوى الطبيعي وعلى المستوى الأكبر، المستوى المضاعف القوة، التخطيطُ لا قيمة له، والعمل غير مقدور إلا بأن نبحث عن الوسائل ونجدّ في تحصيل تلك الوسائل التي تسهّل علينا العمل، فالمعارضة والشعب مسؤولون عن كلّ هذا.
يعني الخطوة الأخيرة، خطوة الوسائل، وجمع المال وغير المال، بناء القوة المالية، وبناء عموم القوة، حتى أبني بيتاً، كوخاً، لابد لي من وسائل بناء هذا الكوخ، فضلاً عن القصر، والبناء الاجتماعي، والبناء السياسي، والبناء الحضاري أكبر من بناء القصور، فيحتاج إلى وسائل، ونحن نفكر في الهدف، وفيما يحقق الهدف، لابد أن نفكر في الوسائل الموصلة للبناء، والتي تعطي القدرة على البناء.
تحيةٌ لشعبنا الماهد المعطاء ولمعارضته التي بدأ الجدّ عندها يتضاعف، والوعي عندها يكبُر، والروح الجهادية تعظُم، والفهم لضرورات العمل الجهادي المنتج يتّسع.
المعارضة التي بدأت تبرهن على وعي أكبر، ورشد أنضج، وخبرة أوسع، وأدركت بوضوح ان لا محيص لها من تصحيح علاقاتها بصورةٍ أكثر من جدية.
إنّ طريق النصر مفتوحٌ أمام الشعب ومعارضته، ذلك بشرط: أن نحسن الهدف، أن تسلم النية، أن يصح الأسلوب، أن يتم بذل ما في الوسع، أن نكفل التفاهم والتشاور، أن نخطط بهدوء، أن لا نرغب في الإعلام الكبير مع العمل الصغير، أن يكون عملنا أكبر من إعلامنا، لا أن يكون إعلامنا أكبر من عملنا، الإعلام “ستلحق عليه”، لكن وقت العمل يفوت.
وكنت أُسأل في أيام اشتداد عزيمة الشعب، وشدّة الصراع: متى النصر؟ ماذا رأيك في النصر؟ هل يأتي قريباً؟ كنتُ لا أقول بقرب النصر، أقول النصر يحصل ولكن يحتاج إلى طريق طويل، ولا زلت أقول النصر يحصل ولكن يحتاج إلى طريقٍ طويل، لا تبنوا على قصر المسافة، فإنّها إذا طالت سقط العزم. في ظلّ هذا البناء النفسي، وأن النصر قريب، ونحن على واقعنا!، لا إبني على أن النصر في علم الله ويكون فيه صالحنا، ابْني على أن لا يكون إلا على مدىً طويل، وابْني نفسك على تحمّل سلوك هذا الطريق الطويل، إنْ بَنَيْنَا على أنّ النصر في خمسة أيام لم نملك عزيمةً للسير إلا على مدى خمسة أيام، وإذا احتملنا أنّ النصر قد يكون في خمسة أيام وقد يكون في كذا سنة وبَنَيْنَا على هذا امتدّت عزيمتنا معنا على مدى السنين الطويلة، والجهاد في الإسلام وفي سبيل الله عزَّ وجلّ ليس جهاداً مشروطاً بمدة معينة، وإنما هو جهاد طول العمر ومهما كان الطريق.
أنا أقول لكم أيها الأخوة الكرام، ابْنوا على أنّ النصر إذا أراد الله قد يكون قريباً وأقرب مما نظن، ولكن في الوقت نفسه ابْنوا على أنّ إرادة الله قد يكون من تقريرها أن لا يكون هذا النصر إلا بعد سنوات، فهل تصبرون أو لا تصبرون؟ هل تقبلون أو لا تقبون؟ هل توطِّنون النفس على طريق الجهاد أو لا توطِّنون؟ وحياة المسلمين الأولِّين كانت كلّها جهاداً، وسيبقى الوجوب للجهاد، وإنْ خرجنا من معركة تأتينا معركة ثانية، وإن خرجنا من معركة ثانية تأتينا معركة ثالثة، فالجهاد لازمة الإنسان المسلم، ومطلوبٌ منه الجهاد حتى وهو على فراش الموت ما استطاع ولو بكلمة، النبي يعقوب عليه السلام يوصي أبنائه وهو في حالة الموت، ووصية الأنبياء كلهم في البقاء على خط الإسلام وخط التعب والجهاد والبذل والتضحية والدماء، فعلى كلّ حال، الجهاد الذي أُمرنا به ليس جهاداً ليومٍ أو يومين، ولن يأتي اليوم الذي يصحّ أنْ نقول فيه أنّنا فرغنا من فريضة الجهاد، وأنّ لنا اليوم أن ننصرف لملذات الحياة، هذا ليس موجوداً في الإسلام.
نعم.. تكون وصلت لموقع عزة، موقع كرامة، موقع سيادة، لا تغفل عن العبودية لله عزّ وجل، في موقع سيادة لا يُغفلك عن العبودية لله عزَّ وجلّ، موقع قوة إلى آخره، هذا كلّه صحيح، النصر يوصلك، لكن النصر لا يوصلك إلى نهاية الجهاد، لأنّ وراء كل نصر نصر، ووراء كل مستوى من الرقي مستوى أكبر، فلنتخذ الحياة كلها جهاداً، ولنتخذ ساحات الحياة كلها ساحات جهاد.
الوضع الذي عملت الحالة السياسية الرسمية في البحرين وتعمل عليه وتواصل العمل عليه، هو أن يكون وضع الشعب وضعاً فاقداً للأمن كلياً، الأمن البدني، الأمن النفسي، الأمن العلمي، الأمن المعيشي، الأمن الديني، والشعب يصرّ على أنْ يتوفر على الأمن في كلّ هذه الأبعاد وعلى كل أنواع الأمن، والإرادتان متعاكستان تعاكساً تامّاً، والحكومة لن تُعطي للناس ما يريدون حيث لا يبذلون، ولن يحصلوا على شيءٍ إلا بما يبذلون. الحكومة عنيدة جداً، بخيلة جداً، شديدة على شعبها جداً، لا تفكير لها إلا الحفاظ على الكرسي، وإن كان في ذلك بيعُ نفسها وبيعُ شعبها والدين وكلّ شيء، وهذا مؤسف جداً.
يبقى الشعب بإسلامه، بتربيته الدينية، بإيمانه بالله، بثقافته القرآنية، ببقاء فطرته؛ لن يقبل الذلّة ولا المسكنة، ولا أن يكون مغلوباً طول الدهر، ولا أن يكون مسلوب الإرداة والكلمة، والنصرُ للإسلام وللمسلمين ولخطّ المقاومة في الأمة، والخزي والعار لإسرائيل ولكل المؤيدين لإسرائيل والآخذين بالتطبيع في مصلحة إسرائيل.
نسأل لماذا تدعم أمريكا حكومة البحرين؟ بريطانيا؟ فرنسا؟
هذا الدعم الدائم والجدي وفتح الباب على مصراعيه لممارسة ظلم الحكومة لشعب البحرين، ما ورائه من غرض؟ طبعاً يجدد حضورهم في المنطقة، البحرين موقع استراتيجي في المنطقة للسيطرة عليها، لمواجهة حالة النمو في المنطقة، لمواجهة روح المنطقة في المنطقة، القدرة العملية المتنامية في المنطقة من النوع الذي تخافه أمريكا، وأمريكا لا تأمن لشعبٍ من شعوب البلاد الإسلامية، حتى الشعوب التي يصفق بعضها للتطبيع لا تأمن منه، وتريد أن تعتمد على القوة النارية، وتريد أن تعتمد على العمل الإعلامي والاجتماعي والمشاريع العملية الفعالة الهدّامة داخل الساحة الإسلامية، فهي تعتمد البحرين من أجل أن تكون منطلقاً لهذا كلّه، وتحتاج للبحرين لتكون منطلقاً للسيطرة على الأفق الاقليمي والأفق العربي والإسلامي العام. في الإعلام واضح، والتصريحات واضحة بأنهم بحاجة للبحرين لمواجهة إيران ولضربها، وأنّهم يكثفون القوة في البحرين من أجل أن يكون استعداداً تاماً من أجل ضرب الجمهورية الإسلامية، وطبعاً هذا التقارب ليس من أجل سواد عيني الحكم في البحرين وإنما من أجل مصلحة استراتيجية تراها أمريكا وتبني عليها، ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين. وأمريكا والعالم كلّه ما هم إلا أحزاب أمرهم بيد الله عزَّ وجلّ، هذه القوة قوّة كاسرة في نظرنا، وهي قوة مهزومة مملوكة حقيرة لا تملك نفعاً ولا ضرّاً في إزاء قدرة الله عزَّ وجلّ، وإذا كانت هناك حربٌ فهي ليست حرب بين أمريكا وشعب البحرين، وانكلترا وحكومة البحرين وبين شعب البحرين، إنها حرب بين هؤلاء قبل ذلك وبين الله تبارك وتعالى، وجبهة الله -الجبهة المنتمية لله عزَّ وجلّ- هي الجبهة الأقوى.