كلمة آية الله قاسم في ذكرى مولد الإمام القائم 1443هـ

كلمة سماحة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم في ذكرى مولد الإمام القائم “عجّل الله تعالى فرجه الشريف”، في حفل الحسينية البحرانية بمدينة قم المقدسة ليلة الجمعة – 14 شعبان 1443هـ / 17 مارس 2022م.

فيديو الكلمة:

صوت الكلمة:

نص الكلمة:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدُ لله ربّ العالمين

الصلاة والسلام على سيدنا وحبيب قلوبنا النبي الكريم وآله الطيبين الطاهرين..

السلام على الأمة المؤمنة..

بارك الله لكِ أيتها الأمة بذكرى المولد الشريف لإمام العصر محمد بن الحسن المهدي المنتظر عجّل الله فرجه وسهّل مخرجه.

السلام عليكم أيها الأخوة المؤمنون المحتفلون بهذه الذكرى العطرة.

يقول الربّ العظيم (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ فِى ٱلْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ ٱلْوَٰرِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأرض وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَحْذَرُونَ) – الآية 5/ القصص.

إنّه الوعد الإلهي الذي لا يكذب ولا يُكذّب بأنْ يمن الله على المستضعفين في الأرض، أي مستضعفين؟ إنّه كما منّ على مستضعفي الأمس سيمن على مستضعفي اليوم.

وهنا سؤال: من أين يأتي النصر للمستضعفين؟ وهل للمستضعفين أن ينتصروا؟

نعم، ولكن ليس بوصفهم ضعفاء ومستضعفين، ونعم إنّ الله قادرٌ على أن يُنقذ المستضفين وإن لم يحركوا ساكناً، ولكن سُنّة الله جارية على غير هذا المنوال. نصر المستضفين لهم فيه دور، ولابد من دورهم حتى يأتي النصر من عند الله تبارك وتعالى، وإذا أراد الله أن يمنّ على المستضعفين في الأرض بعث فيهم روح الغيرة على الحقّ، وروح العزّة والكرامة، والثقة بالله تبارك وتعالى، ووفقّهم بأن يجدّ جدّهم وينشط سعيهم، بما يُهيء لهذا النصر، وبما يوصل إلى غاية النصر الموعودة من الله لمن عَمِل وجدّ واجتهد.

(وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ..)، هؤلاء استضعفهم الاستكبار، بأنْ عمل على تجريدهم من أسباب القوّة، قوّة الإيمان، قوّة العلم، قوّة المال، قوّة التوحّد على خط الله، سَلَبَ منهم كلّ أسباب القوة، وصَيّرهم من الناحية الواقعية شيئاً تافهاً على الهامش -على هامش الحركة الحضارية، وعلى هامش الوجود الحي-، وحينئذ وضع لهم قوانين خاصة لا تعترف بحقوقهم. وضع قوانين لا تعترف لهؤلاء الذين اضعفوا بحقّ، فعاملهم بما هم عليه من وزن، وهو وزن الضعف ووزن المسكنة وعدم القدرة على التحرك.

فهنا استضعافان، استضعافٌ يُولّد الضعف، واستضعافٌ آخر يسلب الحقوق كاملة، ويصارح المستضعفين بأنّهم ليسوا الذين يساوون المستكبرين في استحقاق الحياة، ولا شيئاً من القوّة، ولا شيئاً من الحياة الكريمة.

(وَأَوْرَثْنَا ٱلْقَوْمَ ٱلَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَٰرِقَ ٱلْأَرْضِ وَمَغَٰرِبَهَا ٱلَّتِى بَٰرَكْنَا فِيهَا ۖ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ ٱلْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِىٓ إِسْرَٰٓءِيلَ بِمَا صَبَرُواْ ۖ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُۥ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ) – الآية 137/ الأعراف.

انقلب الوضع من الضعف والاستضعاف إلى وراثة مشارق الأرض ومغاربها التي بارك الله فيها بأنْ أوجدها أرضاً خصبة ومباركة مادياً ومعنوياً.

والمعني من الصبر هو الصبر الذي انبعث في أرواحهم فملأها ببركة رسالة موسى عليه السلام ونشاطه الرسالي وصنعه لبني إسرائيل على الطريقة التي يريدها الله تبارك وتعالى، فأوجد فيهم هِمّةً ونشاطاً وطموحاً وثقةً في النصر برغم المتاعب والمصاعب، ولو لم يستجب من بني إسرائيل أحدٌ لموسى عليه السلام، ولمنهج موسى وتربيته ما كان ليأتيهم النصر.

(وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) – الآية 55/ النور.

هذا وعدٌ يشمل أهل هذا اليوم، والشرطُ لوعد الله وتحقيقه أن يؤمن هذا الجيل ومن بعده، الإيمان الحقيقي الذي يرضاه الله، الإيمان الأكيد على مستوى العقل والقلب، والإيمان الجاد على مستوى العمل والتطبيق.

(وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ)، تأكيدان في الآية.

ليس هو الاستخلاف الجاهلي، ولا الاستخلاف الذي يُشغل أهله بزينة الدنيا وزخارفها، تقول الآية (وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ)، وهذا هو المهم في هذا الاستخلاف أنّه استخلافٌ يقوى به الدين، ويتركّز به الدين، ويترسّخ به الدين وحاكميته.

(وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ)، من غير تحريف، من غير أيّ أثرٍ جاهلي يدخل في هذا الدين، من غير أيّ روحٍ استكباريةٍ تمسُّ روح القائمين على حماية هذا الدين وإشادته.

(وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا)، الآن المؤمنون خائفون على أنفسهم، خائفون على دينهم، خائفون على عرضهم، خائفون على كرامتهم وعزّتهم، خائفون على كلّ شبر أرضٍ تحت أيديهم، غداً يتبدّل الوضع كلّه بخروج الإمام عجّل الله فرجه وانتصاره الكبير العظيم.

(يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)، انتصار داخلي في نفس الإنسان، تصحيح لذات الإنسان، ولا تصحيح كامل إلا بتوحيد الله تبارك وتعالى، وانتهاء الشرك إنتهاءً كاملاً.

(يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا)، يعبدونه في الخارج، لا يشركون به في الخارج، لأنّ أنفسهم خلصت لله عزَّ وجلّ على طريق توحيده، (وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ).

هذه بشرى من الله لعباده المؤمنين الصادقين -وما تقوله الآيات الكريمة السابقة هو بشرى من الله لعباده المؤمنين الصادقين-:

وقد جاء عن نبيّه الصادق الأمين في ذلك ما عنه “صلَّى الله عليه وآله”: (أبشركم بالمهدي يُبعث في أمّتي على اختلافٍ من الناس وزلزالٍ يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً، يرضى عنه ساكنُ السماء وساكنُ الأرض).

(أبشركم بالمهدي) الذي لم يُبقي الله في هداه نقصا، أكمل له هداه، يأتي المهدي كامل الهدى من هدي الله تبارك وتعالى.

(يُبعث في أمّتي على اختلافٍ من الناس) كما كان بعثةٌ للرسول الأعظم “صلى الله عليه وآله” حوّلت عالم الدنيا إلى عالمٍ جديد، تأتي بعثة الإمام القائم عليه السلام وريث رسول الله لتحوّل الدنيا إلى دنيا جديدة، إلى دنيا عالية راقية سامية، إلى دنيا اخوّةٍ ومحبّة على طريق الله تبارك وتعالى.

(يُبعث في أمّتي على اختلافٍ من الناس)، ولا اختلاف من الناس أكبر مما هو عليه اليوم، أهل الكفر متمزقون، وأهل الإسلام متمزقون، والأقطار متمزقة، والقوميات متمزقة، وكل الوجود الإنساني في تمزق، والتمزق غائر في كلّ نفس، بين دنياً تتجاذب هذه النفس، وشيئاً من الآخرة يقابل هذه الدنيا.

الإنسان في داخله متجاذَبٌ بين الحسّ في إنسانيته، وهو حسٌّ خافتٌ عند الكثيرين، وهذا الحسُّ إذا استيقظ صَرَخ، وضَغط في وجه هذا الإنسان بأنّك خاطئ، ويقابل هذا الحسّ الحسّ الشهواني الدنيوي، فيكون هذا الإنسان في عذاب.

(أبشركم بالمهدي يُبعث في أمّتي على اختلافٍ من الناس وزلزالٍ يملأ الأرض)، لا حروب أكثر من حروب اليوم، لا خوف أكبر من الخوف اليوم، لا فارق كبيراً بين طبقة الأثرياء والمستكبرين وبين طبقة الفقراء المسحوقين، لا تهديد بالأمراض، باحتراق الأرض، بانتشار الأوبئة، لا أكثر من ذلك كلّه ممّا هو حاصلٌ ويُتوّقع هذا اليوم، وهو زلزالٌ عظيم.

النفس لا تهدأ ويحكمها الاضطراب، لأن ليس لها لله ثقة، وليس لها الإيمان الذي يجعلها تتضّح الطريق، وتطمئن إلى الطريق، وليس لها الأمن الذي تحتاجه بفطرتها، فالأرض كلّها في زلزال، خارج النفس وداخل النفس وعلى مستوى التفكير.

ويقول الحديث (يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجورا)، فإذا كان الظلم والجور غطّى على يد الطغيان كلّ شِبرٍ من الأرض ودخل كلّ بيت، فإنّ هذا الواقع يتبدّل تماماً وتتحوّل الظلمة إلى نور، وتنطوي صفحة الظلم، وتُنشر صفحة العدل. يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض، ساكن السماء يرضى عنه بصدق عبوديته وطاعته لله، والملائكة تفرح وترضا بإنسانٍ على الأرض يخضع لقوانين الأرض من الناحية الطبيعية، ولكن له الروح الراكعة الساجدة الخاشعة لله تبارك وتعالى. هذا رضا ساكن السماء عن الإمام القائم، هذا منطلقه. وساكن الأرض يرضى عنه لأنّه أذهب -الإمام القائم بعلمه، بإيمانه العظيم، بيقينه بالله، بسيرته الكريمة، بعدله الشامل- كلّ متاعب أهل الأرض، وكل شقاء أهل الأرض، وكلّ اضطرابٍ لأهل الأرض، وأحلَّ الأمن بعد الخوف، والغنى بعد الفقر، والأخوّة بعد العداء والشقاق.

المأزق والمخرج:

نحن في مأزق، هذا المأزق الحضاري الاستكباري الظالم بآثاره المشؤومة الثقيلة المدمّرة، ولكن الطريق ليس مسدودٍ أمام الإنسان. 

1. حضارة الإستكبار الكافرة المادية السائدة اليوم مُذلّةٌ للإنسان، منحدرةٌ بقيمته، سالبةٌ للأمن، وللأخوّة الإنسانية، قاطعةٌ لطريق الغاية، مفقرةٌ للملايين، محطمةٌ للقيم.
2. الطريق للخروج إلى شاطئ الأمان ليس مسدوداً، فالإنسان يريد وبمواهب كريمةٍ خلاّقة عاليةٍ ثرّة، وقادرٌ ومسؤول، وقد ملّكه الله قدرة التغيير في نفسه وأوضاعه، هذا الإنسان القادر عطّلت قدرته الحضارة السيئة المادية الكافرة، ولكن يبقى مُريداً، وتبقى إرادته قادرة على الانبعاث بإذن  الله تبارك وتعالى، ويبقى ذو مواهب تُقابل الوضع الحالك، وتملك بإذن الله أن تُغيِّر الوضع. هي مواهب كريمةٌ -وليست مواهب من النوع الليئم- وخلاّقةٌ وعاليةٌ وثرّةٌ غزيرة.  

والإنسان هو نفسه الذي فعل الواقع السيء بصنع يده أو سكوته على الفعل السيء له، وهو قادر ومسؤول عن تغييره. الإستكبار يصنع الواقع السيء، ومن جانبٍ آخر المظلومون والمستضعفون يساهمون في صنع هذا الواقع بسكوتهم واستسلامهم له، ولكنه قادر ومسؤول عن تغييره، وهذا يفتح الأمل ويمنع أن يكون باب النصر مسدوداً.

الآية الكريمة تقول: (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَٰهُمْ فَٱسْتَحَبُّواْ ٱلْعَمَىٰ عَلَى ٱلْهُدَىٰ فَأَخَذَتْهُمْ صَٰعِقَةُ ٱلْعَذَابِ ٱلْهُونِ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ) – الآية 17/ فصّلت.

لم يُبتلوا بالعمى قهراً ولا كرهاً، كان عندهم الهدى متاحاً، وقد هُدوا النجدين، ولكنهم استحبّوا العمى على الهدى، فكيف كانت النتيجة؟ الآية الكريمة تُبيّن النتيجة، (فَأَخَذَتْهُمْ صَٰعِقَةُ ٱلْعَذَابِ ٱلْهُونِ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ).

لا عماهم قد اُجبروا عليه، ولا العذاب جائهم ظلماً، (فَأَخَذَتْهُمْ صَٰعِقَةُ ٱلْعَذَابِ ٱلْهُونِ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ)..

والكسب نوعان، والجزاء كذلك. فالكسب الحميد يعطي نتيجة حميدة، والكسب السيء يعطي نتيجة سيئة.  

تقول الآية الكريمة: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰٓ ءَامَنُواْ وَٱتَّقَوْاْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَٰتٍۢ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلْأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَٰهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ) – الآية 95،96/ الأعراف.

فالطريق إلى النصر مغلقٌ أو مفتوح؟ طبعاً مفتوح كما تقول الآية. ليس على أهل القرى الذين عانوا ما عانوا، وكابدوا ما كابدوا من ظلم الظالمين وطغيان الطاغين إلاّ أن يؤمنوا بالله تبارك وتعالى الإيمان الحقّ، الإيمان الفاعل الذي تخضع له الجوارح فتستجيب له فلا تنتج إلا ما هو خير وما هو صحيح. (وَلَٰكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَٰهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ).

من المعني بما في الأنفس؟

(إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ) – الآية 11/ الرعد.

ماهذا الذي علينا أن نغيره من أنفسنا، ومن أين جائنا؟ جائنا من زرع أيدينا.

لم يوجد الله عزَّ وجلّ في نفس الإنسان ماهو سيءٌ قبيحٌ يجبر الإنسان على القبح وعلى السوء.

ما بأنفسهم -هذا الذي يحتاج إلى تغيير- هو مما طرأ عليها بأيديهم من فساد وانحرافات وعوائق عن سلوك الطريق إلى الكمال، عن الأخذ والبقاء على خطّ الفطرة، عندنا فطرةٌ هادية، ورسول داخلي من عقلٍ ومن ضميرٍ حيّ، هذا الرسول خالفناه، خالفنا الفطرة، وخالفنا وحي العقل الفطري المشترك، وتركنا ما تطمئن النفس إلى صحته وكماله، إلى ما تدرك النفس بأنّه مما ينبغي أن يُفعل -وهو العقل العملي-، -خالفنا العقل النظري والعقل العملي-، نفسُك تقول وقبل أن تأتي الرسالات هذا مما ينبغي أن يُفعل، هذا مما ينبغي ألا يُفعل، جحد الحقّ مما ينبغي ألا يفعل، الإقرار بالحق مما ينبغي أن يفعل، العدل مما ينبغي أن يفعل، الظلم مما ينبغي ألا يفعل. نعم الإحسان حسن، الإعتداء سيء، هذه كلّها قضايا يُدركها العقل العملي وهي حُجةٌ على الإنسان، حتى لو لم يأتي الرسول من الخارج، وهذا خالفناه، وخالفنا العقل النظري، فنأخذ في احتجاجتنا الباطلة حتى باجتماع النقيضين والضدّين، ونحن نعلم بأن هذا باطل.

هذا الذي أوجدناه في أنفسنا من انحرافات، والعوائق عن الكمال، ومخالفات الفطرة، ومما أهملناه من طاقات تبلغ بنا لو استفادنا منها مبلغ القوّة الفعلية القادرة العظيمة التي هيئوا لها بحسب الاستعدادات من الله عزَّ وجلّ.

• السبيل إلى النصر هو السبيل إلى القوّة. مَن طلب النصر فليطلب القوة، فلن تجد إلى النصر سبيلاً إلا بأن تجد سبيلك إلى القوّة وتسلك هذا السبيل، كنتَ فرداً أو جماعة أو كنت أمّةً بكاملها.

القوة من أين تأتي؟ تبدأ من إيجادها في النفس. كيف أوجدها: : 1- إحداث القطيعة مع تلويث النفس وما يُقعد بها عن طريق الخير والبناء الصالح. أقاوم وأجاهد وأحاول ما استطعت أن أقهر النفس، أن أأخذ بها بعيداً عن السلوك المنحرف المشين الذي لا يبقي في داخلي ذرّة خير، ولا شيء من قوّةٍ على طريق العزة والكرامة.

2- العودة إلى المنهج الإلهي للتعامل  مع الحياة -وأنا أدري أنّ في هذا صعوبة لأنّ النفس قعد بها انحطاطها الخلقي وضعفت همّتها في الخير وألفت الشرّ وفقدت شجاعتها أمام دينارٍ واحد يُغريها عن دين الله، وملكها الخوف وقد ابتعدت عن الثقة بالله ولم تعد تشعر بحمايته، فعليّ أن أعود للمنهج الإلهي للتعامل مع الحياة-، والارتباط بالغاية من الوجود (وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) – الآية 56/ الذاريات.

كلّما وقفتُ أمام فرصة ماليةٍ كبيرة، وأمام أمنٍ مُغري، وأمام منصبٍ عظيم تهفو إليه النفوس، كلّما وقفتُ أمام شيءٍ من ذلك فإنّ عليَّ أن أتذكّر أن ليس في هذا غاية الحياة، وعليَّ أن أقنع نفسي بأنّ هذه غاياتٌ سافلة ساقطة بإزاء ما عليه شأن الغاية الكبرى من هذه الحياة، غايةُ رضوان الله والخلود في جنّة النعيم. عليَّ أن أتذكّر دائماً أنّي وُجدتُ لا لغايةٍ صغيرة، ولا للقمةٍ لذيذة، ولا لملبسٍ فاخر، ولا لمن أرغب من النساء، ولا للجاه، ولا لشيءٍ من ذلك، خُلِقتُ لأعزَّ عند الله، لأقترب ما استطعت من رضوان الله، لأتخلّق بأخلاق الله، لأكون المهيّأ تماماً لنعيم الجنّة وخلودها وجوّها الراقي الذي لا يصحُّ أن يسكنه مَن في نفسه تلوّث، وفي نفسه حقدٌ أو حسدٌ أو ظلم للعباد.

• وضع اليد في يد القائد الإلهي الذي يُلزم به الدين في كُلٍّ من زمن الحضور للمعصوم “عليه السلام” والغيبة.

الدين له قوّاده في زمن حضور المعصومين عليهم السلام، وهم الأولى بالقيادة ولا مزاحم لهم على الإطلاق، وظالمٌ لنفسه وظالمٌ للعباد من زاحمهم في الإمامة والقيادة، وفي غيبة المعصومين له قوّاده وحكّامه وأئمته، وهؤلاء مَن تتبّع أمر الدين وحرص على أن يفهم مسألة القيادة فإنّه لن يُخطئ معرفة هؤلاء الذين اعتمدتهم الشريعة قادةً على سبيل الله وفي سبيل الله في زمن الغيبة، وهُم من الدرجة الثانية من القيادة الإسلامية والإمامة الإسلامية بعد المعصومين عليهم السلام.

• لماذا قيادة الرسالة الإلهية والقائد الإلهي لا غير؟ ولماذا هذا هو طريق القوة وليس غيره. ميزة المنهج الإلهي ميزة خاصة به لا يشترك فيها معه منهج أرضي أيّاً كان، المنهج الإلهي لا اشتباه فيه، المناهج الأرضية فيها غش، فيها أنانية، تفكير قاصر، تصوّر غير صحيح، قائمة على الاشتباهات، المناهج الأرضية هكذا. المنهج الإلهي لا اشتباه فيه، وفيه ركائز وخطوط عريضة واضحة وجليّة، وكثيرٌ من التفاصيل التي تستجيب لمتطلبات حركة الحياة، وكلّ ذلك هدىً ونور وصواب، ولذلك يكون هذا المنهج طريقاً للقوة.

والقائد الإلهي الأعظم الأمثل إنّما غَيَّبَه المانع الذي تُسأل الأمة عن رفعه. ولولا ظلم الأمة على مستوى البعض، وتقصيرها على مستوى البعض الآخر لأستمرت قيادة الإمام المعصوم عليه السلام وما انقطعت إمامته الحاضرة، ولما شكت الأرض كل الأرض من جور الجائرين وطغيان الطاغين. وكانت الأمة قد قصرت عن ظلم الظالمين الذين احتلوا مواقع الأئمة عليهم السلام من مثل بني أمية وبني العباس.

واليوم الأمة تكتسب أخروياً ودنيوياً أثر عدم رفعها لهذا المانع من ظهور الإمام عليه السلام، ولو عملت الأمة على الاقتراب من الإيمان، وعلى الأخذ بمواجهة النفس، وهيئت للإمام عليه السلام لما تأخر عن الظهور، ولما تأخر إنتصار الله عزَّ وجلّ له بعد ثورته.

وأمّا القائد الإلهي من الدرجة الثانية صار بحمد الله ميسوراً، وهذا حجة على الأمة.

ما كانت الغيبتان الصغرى والكبرى إلا للمانع الذي لو ارتفع بإعداد الأمة نفسها الإعداد الكافي لارتفع، وتبدّلت الغيبة للحضور.

• اليوم يوم الانتظار الإيجابي لا السلبي، وانتظار المُتحضِّرين ليوم الجهاد، وإذا جَدَّ فيه الجدّ جاء يوم الظهور يوم الثورة المنتصرة، والدولة الهادية القادرة. -نحن لا ننتظر أن يأتينا نصرٌ مجاني، لا ننتظر أن يقضي الله على الكفر ودوله الكبرى العالمية من غير جُهد الإنسان. كما نشأ الإسلام بفضلٍ من الله ونصرٍ من عنده، نشأ من جانبٍ آخر بالجهود العظيمة والدماء الغزيرة التي بذلها أنبياء ورُسُل والأئمة الأطهار وعبادٌ آخرون صالحون. اليوم صحيحٌ أنه يوم انتظار، ولكنه انتظار لحدث عالمي أكبر حدث، ولدولة أكبر دولة، وأهدى دولة، وأعزّ دولة، وأعدل دولة، لدولة تحتاج لتحضير رجالٍ لكلّ المجالات، ولكل الاختصاصات، ولكل الوظائف، إلى رجالٍ من نوعٍ جديد، أقوياء في كلّ شيءٍ من هداهم ومن جهودهم ومن قدرتهم على البذل في سبيل الله لإثراء الأرض ببركاتٍ من السماء-.

وإعداد اليوم لابد فيه من أن يكون بحجم الثورة والدولة وهدفهما العظيم.

الغيبة الكبرى والروايات:

غيبة للإعداد في زلزال -هذه الغيبة لا للنوم، لا للسبات، لا للخمول، غيبة للجدّ والاجتهاد وصنع الذات الصناعة القوية، وصنع الخارج الصناعة القوية، فهي غيبة للإعداد ولكنه ليس إعداد في راحة وليس في جو هادئ وجو مريح ومهيأ، وإنما في زلزال-.

وما أصعب الإعداد في أرضٍ زلزالها شديد، وفي نفس الوقت عليك الإعداد الكبير.

أولاً: الروايات والزلزال:

1. عن رسول الله “صلَّى الله عليه وآله”: (أبشركم بالمهدي يبثت في أمّتي على اختلاف من الناس وزلزال…).
2. عن الإمام الباقر “عليه السلام”: (هيهات هيهات، لا يكون فرجنا حتّى تُغربلوا ثم تغربلوا ثم تغربلوا -يقولها ثلاثاً- حتى يذهب الله الكدر، ويبقى الصفو).

الغربال مُنْخِل، ينخل الزوان من حب القمح الطيب السليم. الزوان يتساقط، النفوس الضعيفة تتساقط، العقول الضعيفة تتساقط، الإيمان غير الصادق ينكشف، يسقط، تبقى الصفوة، يبقى الرجال الصالحون الصادقون من ذوي الإيمان الحقّ على المستوى النظري والعملي.

• وعن الإمام الصادق “عليه السلام”: (واللهِ لتُميّزن، والله لتُمحصّن، والله لتُغربلن كما تغربل الزُّوانُ من القمح).

• عن الإمام الحسين “عليه السلام”: (له -أي المهدي- غيبةٌ يرتدُّ فيها أقوام، ويثبُت على الدّين الحقّ آخرون، فيُؤذوْن ويقال متى هذا الوعد إن كنتم صادقين؟! أمَا إنّ الصابر في غيبته على الأذى والتكذيب بمنزلة المجاهد بالسيف بين يدي رسول الله).

أنواع الأذى كثيرة، ومنها أن يسترخص الطغاة نفوس المؤمنين، ويحاربوهم كلّ المحاربة.

حرب شديدة، حتى إذا صبر عليها المؤمن كان كالمجاهد بالسيف بين يدي رسول الله، كم هي شدّة هذه الحرب؟ أنت في زمن الغيبة الكبرى في زمن حربٍ شديدة الوطيس.

الانتظار والمنتظرون:

1. أخرج البرقي في المحاسن عن الإمام الصادق “عليه السلام”: (من مات منكم على هذا الأمر منتظراً له كان كمن كان في فسطاط القائم عليه السلام) – البحار/ ج2، ص125، ج15.

ألا يتمنى متمنون أن يعيشوا إلى يوم الإمام القائم ويكونوا من أنصاره؟ هؤلاء الحديث يُطمئنهم بأنّهم يكونون كمن كان في فسطاط القائم عليه السلام، لو انتظروا هذا الانتظار الجدّي، انتظار صادق على مستوى الفكر والقلب، وانتظار جاد ومجتهد ونشط وحيوي وآمل على مستوى التطبيق والعمل والاستجابة لما يرضي الله عزَّ وجلّ ثم الإمام القائم عليه السلام.

• عن الإمام علي بن الحسين “عليه السلام” في حديث له عن المهدي “عليه السلام”: (إنّ أهل زمان غيبته القائلين بإمامته، والمنتظرين لظهوره أفضل من أهل كلّ زمان، لأنّ الله تبارك وتعالى أعطاهم من العقول والأفهام والمعرفة ما صارت الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة، وجعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول الله بالسيف، أولئك المخلصون حقّاً والدعاة لدين الله عزَّ وجلّ سرّاً وجهرا).

-إذا صَدَق الاعتقاد سايره العمل. أنا لا أستطيع أن أجمع بين أمرين، بين أن أتيقن أنّ في هذا الحق والنجاة ثم أتأخر عن الاستجابة له. لا أستطيع أن أجمع بين هذين الأمرين-.

-لماذا هم أفضل أهل كل زمان؟ برغم الحرب النفسية، برغم التشكيكات، برغم حملات الهزء والاستهانة والتشويه، والحملات التي تقول بالرجعية وبأن هذا الأمر خرافة، كل هذا الكم من المثبطات والمشككات وما إلى ذلك، هؤلاء عقولهم بتفكيرها الموضوعي وبالهدايات الرسالية التي تنير هذه العقول وتساعدها على صحة التفكير لا ينثلم يقينها بظهور الإمام القائم ولا يضعف، هذا شيء عظيم، يجعل هؤلاء أفضل من أهل كلّ زمان-.

رجال يوم الظهور والثورة:

1. عن رسول الله “صلَّى الله عليه وآله”: (هم خير فوارس على ظهر الأرض يومئذ).

هذا فارس فروسيته ليست في ركوب الخيل فقط وأنّه أشجع من ركب الخيل، هذا فارس في مجالات كثيرة، سبّاق، بطل في أكثر من مجالٍ ومجال. هؤلاء هم رجال النصر يا أخوان، هؤلاء هم الرجال الذين يجب إعدادهم ليوم الغد، فأنظر إلى خطورة اليوم. من أين يأتي هؤلاء الرجال غداً؟ يوم ظهور الإمام عليه السلام يُصنعون؟ لا.. لهم تحضير سابق، وهم خير فوارس على ظهر الأرض يومئذ، أو من خير فوارس، أما من ناحية الإيمان وما إلى ذلك فهم خير فوارس، ولا فوارس من غيرهم.

• أخرج ابن ماجة عن عبدالله، بينما نحن عند رسول الله “ص”، إلى أن قال: (حتى يأتي قوم من قبل المشرق معهم رايات سود فيسألون الخير ولا يعطونه فيقاتلون فينصرون فيعطون ما سألوا فلا يقبلونه حتى يدفعوها إلى رجلٍ من أهل بيتي فيملؤها قسطاً وعدلاً كما ملؤوها جورا، فمن أدرك ذلك منكم فليأتهم ولو حبواً على الثلج).

-يطلبون بالخير الذي سُلب منهم، حقوقهم، وفي حقوقهم خير، هؤلاء يسألون الخير لأنفسهم ولغيرهم، يريدون إعمار الأرض بما هو صلاح فيه خير الجميع-

-كيف يُعطي الطغاة من يسألون الخير؟ وكيف يسمح بتبدل الظلم إلى العدل، ومن حاكمية الشيطان إلى حاكمية العدل. لا يعطون-.

-الربح عظيم في الالتحاق بهذا الجيش، نتيجته لا تقاس بها نتيجة لا في الدنيا ولا في الآخرة-.

• عن أمير المؤمنين علي “عليه السلام”: (ويحاً للطالقان فإنّ لله عزَّ وجلّ بها كنوزاً ليست من ذهب ولا فضّة، ولكن بها رجال مؤمنون عرفوا الله حقّ معرفته، وهم أنصار المهدي عليه السلام في آخر الزمان).

-“ويحاً” هي كلمة ترحُّم-.

-هؤلاء كنوز سيغنون الدنيا كلّها بالهداية، بالتوحيد الحق، بالعدل، بخير الدنيا، بخير العاقبة، فهم كنوز لا تقاس لهم الكنوز من الذهب والفضة-.

-والأنصار كما يكونون في زمن الحضور، يكونون في زمن الغيبة-.

ومن تعابير الروايات عنهم -عن رجال يوم الظهور-، وهو يفيد الإعداد الممتاز والإمداد الغيبي، هذه كلمة -وهي الكلمة التي ستأتي- تفيد الإعداد الممتاز، يعني تطلب الإعداد الممتاز وليس الإعداد العادي، وتضيف إليه الإمداد الغيبي-، (رهبانٌ بالليل، ليوث بالنهار)، أمدّهم الله بمدده فصبروا على رهبنة الليل، وقطع ساعات الليل بالصلاة والذكر والتلاوة والتهجُّد، وهؤلاء يصبحون وكأنهم لم يسهروا الليل، لم يمضوا منه الساعات الطوال في قيامٍ وركوعٍ وسجود، مما من شأنه أن يفرض على البدن، وعلى النفس أنْ تطلب راحة البدن في النهار، كأنّ هؤلاء لم يمروا بهذا الشيء فتجدهم ليوثاً بالنهار، أسوداً ينطلقون في مشارب الحياة العاملة الفاعلة في سبيل الله وكأنهم ليوث.

(تجيء رايات سود من قِبَل المشرق كأنّ قلوبهم زبر الحديد).

يعني لا خوف يوقفه، يمنعه من التقدّم، لا تغلبهم العاطفة في أمر صديقٍ أو في أمر عدوّ، أو في أمر حبيبٍ سيتركونه بعد الشهادة، في أمر طفلٍ صغير، أو في معولٍ لا يجد من يعينه على الحياة.

في حديثٍ آخر:

(فإذا هزّها -أي رايته- لم يبق مؤمن إلا صار قلبه أشدَّ من زبر الحديد، وأعطي قوّة أربعين رجلاً).

ربما كان في زمن الغيبة الكبرى وقريباً من زمن الظهور، لا يملك هذا القلب، وقد يجدُ قلبه الارتجاف، وقد ينقصه شيءٌ من إيمان وليس كلّ الإيمان، إلا أنّه إذا هزَّ الإمام عليه السلام رايته، لم يبق مؤمن إلا صار قلبه كزبر الحديد. هذا مدد غيبي. ويعطى المؤمن قوة أربعين رجلا. يكفي أن ترتفع مستوى إرادته، وإذا ارتفع مستوى الإرادة قَوِيَ البدن.

(شعارهم أمت أمت لا يُبالون في الله لومة لائم).

هؤلاء لا يستمدون قناعتهم من الأرض، يستمدّون قناعتهم من يقينهم بكلمة السماء، والسماء تقول للذين ينشرون في الأرض الفساد، ويشقون الإنسانية كلّها، تقول عنهم، للمجاهدين لهم أمت أمت.

(ورجالٌ كأنّ قلوبهم زبر الحديد لا يشوبها شكٌّ في ذات الله، أشدّ من الحجر، لو حملوا على الجبال لأزالوها، لا يقصدون براياتهم بلدة إلا خربوها، كأن على خيولهم العقبان يتمسحون بسرج الإمام عليه السلام، يطلبون بذلك البركة، ويحضون به، يقونه بأنفسهم في الحروب، ويكفونه ما يريد، فيهم رجال لا ينامون الليل، لهم دويّ في صلاتهم كدويّ النحل، يبيتون قياماً على أطرافهم، ويصبحون على خيولهم، رهبان بالليل، ليوث بالنهار، هم أطوع له من الأمة لسيّدها، كالمصابيح، كأنّ قلوبهم القناديل، وهم يقتلوا في سبيل الله، شعارهم يا لثارات الحسين (ع). إذا ساروا سار الرعب أمامهم مسيرة شهر، يمشون إلى المولى إرسالاً، بهم ينصر الله إمام الحقّ). التعليقات:

(أشد من الحجر) -صُلبة. العواطف المشبوبة إذا كانت تجرُّ إلى الباطل لا يدخل منها شيء في قلوبهم، لا يحضر منها شيء في قلوبهم-.

(لأزالوها) -شدّة إيمان واسترخاص بالنفس من حيث الموت-.

(خربوها) -مفسدون يعني؟ لا بل قلاع الباطل، القلاع التي تنشر الفكر الباطل، تقيم الظلم في الأرض، يصل ظلمها إلى أقاصي الشرق والشمال وجنوب الأرض، هؤلاء لا يقصدون بلدة من هذه البلدات إلا خربوها-.

(يتسمحون بسرج الإمام) -خرافة يعني؟ الخرافة؟ لا.. يتمسحون بسرج الإمام لما عليه عقيدتهم الأكيدة من أنّ هذا التمسح يخدم شريعة الله وفيه بركة. بركة منبعها العبودية الكاملة من صاحب هذا السرج والتي يعيشها بلا انقطاع إلى الله تبارك وتعالى، وعسى أن يشم من أجواء الإمام عليه السلام الروحية، وأجواء عبوديته الصادقة شيئاً يُنعش أرواحهم-.

(فيهم رجال لا ينامون الليل)، ليس كلهم وإنما فيهم رجال.

(قياماً على أطرافهم)، -ليس على الوسائد-. 

(ويصبحون على خيولهم)، -هذا الذي قضى الله قياماً على أطرافه، يصبح لا كما يصبح الآخرون الذين ناموا الليل، ليواصلوا النوم في ساعاتٍ من النهار، إنما يصبحون على خيولهم لينطلقوا في نصرة دين الله وإحقاق الحق وإبطال الباطل-.

(هم أطوع له من الأمت لسيّدها)، -وهي طاعة ليست للإمام في نفسه، وإنما طاعة لله عزّ وجلّ، وطاعة الإمام من أجل طاعة الله عزٌّ وفخر، وتربط النفس بالعزّة والكرامة والقوّة، وتُشعر النفس بقيمتها العالية-.

(كأنّ قلوبهم القناديل) -داخلهم مضيء، نور مشع، قلوب خلت من الظلمة وامتلأت بالنور-.

(وهم من خشية الله مشفقون)، -رأوا شيئاً من عظمة الله جعلتهم يخافون ويخشون ويشفقون ويستقلّون طاعتهم، ويحكمون على أنفسهم بالقصور-.

(شعارهم يا لثارات الحسين)، -ثارات الحسين ثارات رسول الله، ثارات دين الله، ثارات الله-.

(إذا ساروا سار الرعب أمامهم)، -إمداد غيبي، يخافهم العدو ولو كان بعيداً عن بدء مسيرتهم بألف شهر-.

(يمشون إلى المولى إرسالاً) -أي بسرعة، مترسّلون، منطلقون، لا يوقفهم شيء، بأيّ رجالٍ يأتي النصر على يد الإمام؟ بهؤلاء الرجال الذي من مسؤولية زمن الغيبة الكبرى أن تصنع منهم عدداً كبيرا، ويأتي صنع الإمام القائم في أثناء مسيرته لهم بشكل أكبر وأكبر-.

*هذا الحديث أخرجه المجلسي في البحار بالاسناد يرفعه إلى الفضيل بن يسار عن أبي عبدالله “عليه السلام”. وبداية الرواية (له كنز بالطالقان ما هو بذهب ولا فضة، وراية لم تنشر منذ طويت، ورجال كأن قلوبهم…) – بحار الأنوار ج52/308.

هذه الأحاديث تظهر شدّة، ومن أظهرها التي  تبدو في شعار “أمت، أمت”، ولكنّها الشدّة الإيمانية التي لا تكون ومن ورائها الإيمان والرحمة، والبصيرة التي لا يختلط عليها الحقّ والباطل، ولا تُحرّك الجوارح إلاّ في مرضاة الله، ولا تُطلّ بها قطرة دم حرام عن علم، وليست الشدّة التي تسفك الدماء البريئة وتستبيح الأعراض والحرمات.

وصف الدولة المباركة:

1. سيطرة العقيدة الإسلامية الحقّة:

(لا تبقى أرض إلاّ نودي فيها شهادة ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنّ محمداً رسول الله، وهو قوله تعالى كما في الحديث: “وله أسلم من في السماوات والأرض طوعاً وكرهاً”). – الآية 83/ آل عمران.

-وفي تفسير أحدهم، الطوع المعني به أهل السماوات والأرض، أولئك الذين أسلموا طوعا، أهل الأرض الكفار في ذلك اليوم، غير المؤمنين المقاتلين مع الإمام، الكفار والجاحدون أسلموا كرهاً تحت السيف، وربما نادى بلا إله إلا الله، أما القلب ليس فيه نفاق فليس معلوماً، ولكن السيطرة والحكم والسياسة القائمة والكلمة الظاهرة هي كلمة الإسلام بقيادة الإمام القائم-.

• لا حيرة في معرفة الحكم: -ذلك يومٌ ترتفع الحيرة في معرفة أحكام الشريعة-، هذا حديث يقول:

(إذا قام القائم بعث في أقاليم الأرض في كل اقليم رجلاً يقول: عهدُك في كفّك، فإذا ورد عليك أمرٌ لا تفهمه ولا تعرف القضاء فيه فانظر إلى كفّك واعمل بما فيها).

هذا شيءٌ غيبي لا نعرف كيف يكون، ولكن الحديث يقول هذا. أنا حائر وعندي موقف عاجل ولا أعرف حكمه، هنا أمر بالنظر إلى الكف لمعرفته، موجود فيه التوجيه الشرعي الدقيق الصحيح، هذا فضلاً عن وجود الفقهاء القادرون المبلغون عن الإمام، بحيث لا يبق جهل جاهل-.

• سيادة العدل:

(إذا قام القائم (ع) حكم بالعدل، وارتفع في أيامه الجور، وأمنت السبل).

• يعمُّ الأمن والمحبَّة والرخاء العظيم:

(لو قد قام قائمنا لأنزلت السماءُ قطرها، ولأخرجت الأرض نباتها، ولذهبت الشحناء من قلوب العباد ولذّته، واصطلحت السباع والبهائم، حتى تمشي المرأة بين العراق والشام لا تضع قدمها إلاّ على النبات وعلى رأسها زينتها لا يُهيجها سَبُع ولا تخافه).

(قطرها) -قطرالخير، المطر المحيي، النافع غير الضار، مطر الرحمة لا النقمة-.

(ولذهبت الشحناء)، -الآن في البيت الواحد هناك شحناء، فضلاً عن أبناء الحي، فضلاً عن المجتمع الكبير-.

(إلا على النبات) -يعني الثروة النباتية ثروة طاغية-.

(حتى تمشي المرأة بين العراق والشام…) -ومرَّ في رواية سابقة (وأمنت السبل)-.

• لن يكون إلاّ الإسلام الصِدق الأصيل:

(لو خرج قائم آل محمد (ص) ……، إلى أن قال أبو جعفر “عليه السلام”: يقوم بأمرٍ جديد، وسنّةٍ جديدة، وقضاءٍ جديد، على العرب شديد).

-ما هذه الجِدّة؟ أمن صنعه عليه السلام؟ لا.. هو إسلام رسول الله بالضبط، الإسلام الذي أوحى به الله بكلّ دقائقه، وكلّ كليّاته وتفاصيله وأهدافه وأحكامه وأخلاقه، وأساليبه، والأساليب المباحة في تشريعه، يقوم بأمرٍ جديد، وسنّة جديدة، وقضاء جديد، لكن لماذا هو جديد؟ لأن الأرض نسيته، غَيَّبته، هذا الإسلام الأصيل الذي صار جديداً، لماذا صار جديداً؟ لأنّ الناس تغربوا عليه وغربوه، حرّفوا فيه، لعبوا به، كم فعل به الطغاة، وكم فعل به المفسدون وأصحاب المصالح الهابطة، ولذلك صار غريباً، فصار على الناس جديد، “يقولون” لم نر هذا الإسلام، هذا الإسلام من كيس الإمام عليه السلام، هو ليس من كيسه، هذا إسلام جدّه العظيم، ولكن إنفصال الناس عنه وغربتهم الثقافية والفقهية والعقيدية عنه جعله جديداً في نظرهم-.

(على العرب شديد)، -لماذا على العرب بخصوصهم شديد؟ لأنّهم إذا كانوا غير عرب، غير الأمة التي تعرف بالإسلام، مثلاً في الصين غير مسلمين، في روسيا غير مسلمين، أمريكا غير مسلمين، وقد واجهوا الإسلام، ولا يستطيعيون أن يميزوا أنه هذا هو الإسلام الأصيل أو غيره، ليس عندهم سابقة بمعرفة الإسلام المعرفة الصحيحة، فربما قَلَّ فيهم من يقولوا أنّ هذا إسلام جديد، ويكون شديداً عليهم، كيف والإمام معصوم، وهو الوريث لرسول الله، ويكون علمه علم الكتاب، كيف يكون كلّ هذا ويأتي بإسلام غريب لو قارنّاه بالإسلام الذي وصل إلينا الذي دخله التشويه الأموي، التشويه العباسي، التشويه العثماني، تشويه الملوك ورؤساء الجمهوريات والديمقراطيات الآن، هؤلاء لا يعرفون الإسلام الذي حُرِّف حتى يقيسوه إلى إسلام الإمام القائم، ليقولوا بأن إسلام القائم جديد فيصعب عليهم، إسلام يساوي بين الرجل والمرأة في العري وفي القبائح، وما إلى ذلك، وأحاديث تُخرّج الآن من هناك وهناك، وتختلق أمور تؤول بالمجتمع إلى التفسخ الشديد بحيث ينسب التفسخ إلى الإسلام، وهذا كلّه، العرب المسلمون الذين يعرفون الإسلام، يعني يعرفون الإسلام المحرف ولا يعرفون الإسلام الأصيل، وسيكون عليهم جديداً شديداً، يعني صعباً عليهم التقبّل، يعتبرونه بدعة مثل بدعة الوهابية، مثل بدعة البحرين، إلى آخره-.

وعنه “عليه السلام”: (يقوم القائم في وِترٍ من السنين… إلى أن قال: والله لكأنّي انظر إليه بين الركن والمقام، يبايع الناس بأمرٍ جديد شديد، وكتاب جديد، وسلطان جديد من السماء).

وعنه “عليه السلام): (إنّ قائمنا إذا قام دعا النّاس إلى أمر جديد كما دعا إليه رسول الله “صلَّى الله عليه وآله”، وإنّ الإسلام بدأ غريباً، وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء).

من هم هؤلاء الغرباء؟ الذين آمنوا بهذا الإسلام الغريب. هؤلاء غرباء بين من يستنكر دعوة الإمام القائم، وهو يبايع من يبايع بين الركن والمقام على الإسلام الجديد، المبايع يحتاج إلى مستوى كبير جداً، وهذا يتطلب الإعداد المسبق، ستأتي إلى مبايعة الإمام بين الركن والمقام وفي نظرك أنّك ستتحمل قليلاً، ولكن حين تأتي الصورة الكاملة نستوحش ونستهول فيكبر الأمر علينا، وإذا لم يكن لدينا إعداد لقبول كلمة الإمام والتصديق الجازم به لن نبايع، لذلك الإعداد اليوم ضروري، وليس الإعداد بالسيف فقط، وإنما الإعداد الثقافي، الفقهي، العقيدي.

نعم سيعود الإسلام غريباً على الجاهلية الثانية كما كان غريباً على الجاهلية الأولى.

وحتى لا نواجه الإسلام على يد القائم “عليه السلام” باستغرابٍ يجعلنا ننكره ونحارب الإمام، علينا أن نجدّ في إعداد أنفسنا في أجيالنا المتوالية الاعداد العقيدي والفقهي والمفاهيمي والعملي المطابق لواقع الإسلام، وأن نتشبّع بالثقافة الإسلامية.

وأكبر إعدادٍ ليوم الظهور هو أن توجد دولة وثانية وثالثة من الدول التي تعمل من أجل يوم الظهور.

والحمدُ لله ربِّ العالمين.

وعدتُم ليوم الذكرى المباركة في سنواتٍ طوالٍ إن شاء الله في عظيم الخير و البركة والإيمان و الهدى وولاء محمد وآله الطيبين الطاهرين، وأسألكم الدعاء.