مقال آية الله قاسم : ماكرون لا تطغَ
بسم الله الرحمن الرحيم
ماكرون لا تطغَ
ماكرون رئيس فرنسا بملايينها التي لا تتجاوز الخمسة والستين مليوناً بمن فيهم من ملايين من المسلمين وفي تصريحاته وتوعداته من موقع رئاسته للفرنسيين كلّهم، ومسئوليته أمام شعبه وأمام العالم، وبمناسبة حادثة قتل المعلم الذي جعل من عرضه وترويجه للرسوم الساخرة من رسول الله الأعظم “صلَّى الله عليه وآله وعلى جميع الأنبياء والمرسلين” جزءاً من درسه للطّلاب في المدرسة، نشراً لها وإقناعاً للطلاب بها وتشجيعاً على محاكاتها.
ماكرون قد نسي في تصريحاته وتوعداته إنسانيته، ومسؤولية موقعه، ومصلحة بلده، ومسؤولية الحفاظ على السلام العالمي، أو أنّه نسف كل ذلك في البحر، وتجاوز به التطاول بعيداً جدًّا في ردة فعل منفلتة أو لحظة تعبير عن مخزون فكري ونفسي سيء على الشخصية الربانية الأعظم في الأرض كما يشهد حجم رسالته، والأنوار المتميّزة لجمال سيرته، ومعطيات دوره الذي أنقذ من الظّلمات إلى النور بدرجة واسعة لم تتم على يد أحد غيره.
من أقوال ماكرون في الحادث عن المعلّم المعتدي على رسول الله “صلَّى الله عليه وآله” أنّه يجسد وجه الجمهورية، يعني الفرنسية، وأنّ فرنسا لن تتخلى عن نشر الرسوم الساخرة، وعلى حدّ تعبيره نفسه، واعتبر أنّ ما مارسه صاموئيل المعلّم هو الحرية التي حقّ الافتخار له بتعليمها. وهي حرية الاساءة والسخرية بالإسلام العظيم ونبيّه الأمين “صلَّى الله عليه وآله”.
وهل لماكرون أن يثبت عقلاً أو بأي دين، أو يدّعي بأن الوجدان الإنساني العام مع تقديم الحرية بلا حدود في فعل أو قول وبلا ضوابط خلقية ولا حقوقيّة على مجموعة القيم العليا وكرامة الإنسان والأمن العام؟ هذه حرية تفتح الباب على مصراعيه للسب والتشهير والاستهزاء وتعرية كل مستور من أوضاع النّاس وللقتل بغير حقّ، وإسقاط كل حرمة من الحرمات.
وإذا لم يكن للشرف والدين والكرامة الإنسانية حقٌّ في أن تُحمى في نظر البعض فإنّ الواقع الإنساني على مستوى التعامل الاجتماعي وردود الفعل العمليّة لمثل هذه التعدّيات، وعلى مستوى التاريخ كلّه والعالم كلّه، تسقط هذه النظرة السخيفة جدًّا.
أورأى ماكرون كيف تصدّت مؤسسة رئاسته لنقد أردوغان الذي آلمه؟ لكأنك ترى يا ماكرون أنّ لك كرامة وأن ليس لرسول الله الأعظم كرامة، وأن ليس من مليار وستمائة مليون، إلى ما هو أكثر بكثير ممن يعيشون على الأرض يرون أن كرامة النبي محمد “صلَّى الله عليه وآله” أكبر وأكبر من كرامتهم.
أهذا هو فكرك، أهذا هو ذوقك، أهذا هو عدلك، أهذا هو خلقك؛ أن تَعدَّ المعلّم الذي حمل على عاتقه نشر الإساءة لرسول الله الأعظم والسخرية به، وبالإسلام والأمة الإسلامية ليستفزّ ضمير هذه الأمة وغيرتها هو وجه فرنسا وعنوان شرفها وفخرها وعزّتها وتقدّمها؟!
ألا ترى أنّ كلامك هذا هو عين التعدّي والبلاهة السياسية من رئيس لفرنسا يجب أن تهمّه مصالحها ولا يخلق الفواصل الواسعة بينها وبين أمة عريضة في الأرض؟! كلامك تعدٍّ صارخ على الفكر المنطقي، على الضمير الإنساني، والقيم الرفيعة، والسلام العالمي، ومصلحة فرنسا وعلاقاتها، وهل يفعل رئيس ومن موقع رئاسته وباسمها كل ذلك ببلده وبالعالم؟!
كم تدفع يا ماكرون بتصريحاتك البلهاء الطائشة المنفلتة في اتجاه روح الكراهة والتمييز في العالم وداخل فرنسا؟
إذا كنت تشتكي من الإرهاب فإنّ كلامك يلهبه ويزيد في اشتعاله، وقليل الإرهاب شرٌّ فما لك تزيده إذا كنت تكرهه.
ونتمنى أن لا تذهب بالمسلمين ردّة الفعل إلى الإرهاب، في حين أنّ عليهم وعلى العالم كلّه التعاون في إيقاف مثل هذه الجهالات حتى لا تحرق العالم وتشتت البشرية تشتيتا.
ومذهب وزير الداخلية لماكرون هو مذهبه في التعدي عن الحدود في ردة الفعل من الحادث إذ يذكر دارمانان أنّ عمليّات الملاحقة والانتقام تستهدف عشرات من الأفراد ليسو بالضرورة على صلة بالتحقيق بشأن قتل معلّم التاريخ صاموئيل باتي، لكنها تهدف إلى تمرير رسالة مفادها “إننا لن ندع أعداء الجمهورية يرتاحون دقيقة واحدة”.
حماية الجمهورية لا تعني امتداد العقوبة للأبرياء الذين لا يد لهم في الحادث ولا صلة، وامتدادها لهم لا يعني إلاّ العدوان والخروج على القانون.
وإذا كان ماكرون قد قال بأن الإسلام في حاجة إلى تشكيله كما يفهم من كلام أردوغان فهل وضع نفسه موضع ربّ العباد والدين، أو أنّه يعتبر نفسه رسولاً جديداً ناسخاً لخاتمة الرسالات؟!
ما أسوأه من تعدٍّ، وما أبشعه من غرور؟ وما أعظمها من جرأة؟!
وتعال إلى ما قالته الرئاسة الفرنسية من أنّ (تصريحات أردوغان غير مقبولة. تصعيد اللهجة والبذاءة لا يمثلان منهجاً للتعامل. نطلب من أردوغان أن يغير مسار سياسته لأنها خطيرة على كل الأصعدة).
تصريحات أردوغان غير مقبولة لأنّها رد على ماكرون بما لا يرتاح له. وما الشأن عن تصريحات ماكرون بشأن إعلان عزمه عن مواصلة نشر الرسوم المسيئة والساخرة بالرسول الأعظم “صلَّى الله عليه وآله”؟ هل لأمة الإسلام أن تقبلها وتفتح لها الصدر يا رئاسة الجمهورية الفرنسية؟! كم هو ماكرون من خاتم النبيين “صلَّى الله عليه وآله”؟!
(ورد أردوغان تصعيد للهجة وبذاءة، وهما لا يمثلان منهجاً للتعامل). طيّب وماذا عن لهجة وبذاءة الرئيس الفرنسي في حق الرسول الأعظم “صلَّى الله عليه وآله”؟! أهو نهج عقل وحكمة وأدب، ونهج تعامل مقبول وناجح؟! وهل يرتقب من الأمة الإسلامية الغيورة أن ترحب به؟!
وإذا كانت الرئاسة الفرنسية تطلب من أردوغان أن يُغيِّر مسار سياسته لأنها خطيرة على كل الأصعدة كما ترى؛ فإنّ الأمة الإسلامية كلّها تشجب تعدّي المعلّم الفرنسي، وهو من تعدّي السياسة الفرنسية وتعدّي الرئيس الفرنسي على الإسلام ونبيّه الأعظم “صلَّى الله عليه وآله” وعلى أمّته والمتحدي المستفز لها، وهو تعدّ وخطير على كل الأصعدة.
وإذا كانت الرئاسة الفرنسية لا تقبل الشتائم لها فعليها ألا تمارس الشتائم في حق غيرها. وكيف وهي ترفض الشتائم منها أو عليه تتعرض بالشتم للنبي الأعظم نبي أمة تعدادها على أقل تقدير هو مليار وستمائة مليون إنسان، وصاحبة أعظم حضارة إنسانية من عطاء رسولها الكريم؟!
إنّ أمتنا الإسلامية أحرص الأمم على الحفاظ على الأمن والسلام العالمي والأخوّة الإنسانية في حين أن ليس من شيء أعزّ عليها من إسلامها وقرآنها ونبيّها ومقدساتها، ولا يجوز لها عقيدة أن تسكت على أدنى مسّ بقداسة النبي الكريم “صلَّى الله عليه وآله”، وليس عندها ما يتقدَّم الدفاع عنه على الإسلام ونبيّه العظيم.
ويجب عليها حتماً أن تردّ على أي عدوان على كرامة الرسول “صلَّى الله عليه وآله”، وأن تحمي حمى الإسلام. أمّا العدوانيّة والإرهاب الظالم فلا دنوّ منه.
والدَّعوة الملّحة لكل الشعوب الإسلامية اليوم هو إظهار موقف جدّي صادق في الرفض العملي لتعدي الرئيس الفرنسي على أعظم أنبياء الله ورسله، وهو تعدٍّ على كل النبيين والمرسلين، وكلّهم على الأمة الإسلامية الدفاع عنهم بجد وصدق وقوّة.
المقاطعة المقاطعة الشاملة المؤثرة للمستوردات الفرنسيّة لا معاداة لفرنسا وإنما للردّ على ماكرون المعتدي.
والحمد لله ربّ العالمين، وأفضل الصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين ورحمة الله وبركاته، والسلام على أمة الإسلام المجيدة، ورحمة الله وبركاته.
عيسى أحمد قاسم
27 اكتوبر 2020