الميزان الأكبر
بسم الله الرحمن الرحيم
الميزان الأكبر
ليس من أصل من أصول الأخلاق الكريمة التي لا تستقيم الحياة إلا بها، ولا ينهض الحق إلاّ بالأخذ بها، ولا ميزانٍ أدق وأرجح وأحفظ للحق من أصل العدل. وهو الأصل الذي يتقدّم كل أصل خلقي آخر، ولا يتقدمه منها أصل، بل هو منتج لكل الأصول الخلقيّة الكريمة، وكل أصل آخر منها ساقط بانفصاله عنه وخروجه عليه، فالصدق المؤدي إلى الإخلال به ساقط، والأمانة المؤدية إلى ذلك ساقطة، ومثلهما الكرم والشجاعة وغيرهما، وما أعظم الإحسان خلقاً، والمحسن مذموم عقلاً مأثوم شرعاً لو كان إحسانه لمن أساء وظلم تشجيعاً له على ظلمه، والدين ينهى عن كل ذلك عند تعارضه مع العدل.
والأمانة التي فيها إعانة على الخيانة خيانة، والصدق حيث يتنافى في مورده مع حفظ العدل خلق لئيم لا كريم، وهدّام لا بنّاء.
ولا معاملة في الإسلام مع مؤمن أو كافر على خلاف العدل، ولا إعانة على ظلم على الإطلاق، ولا سكوت على ظلم يمكن دفعه أو رفعه.
وخلُق المؤمن من خلُق الإيمان، ومواقف المسلم من مواقف الإسلام وإلا كان منقوصاً في دينه، منافياً له في مواقفه.
ومتوهمٌ كلَّ التوّهم، وجاهلٌ كلَّ الجهل من ظنّ في المؤمنين الفاهمين للإسلام وقيمة العدل فيه والتي لا تفوقها قيمة، وتفقد كلُّ قيمة وزنها إذا عارضتها، والملتزمين برؤيتهم الدينية وتكليفهم الديني أنه يمكن أن يدخل في أيّ مساومة على مكسب خاص أو عام ماديّ أو معنوي وحتّى لو كان مكسباً ظاهره أنه للإسلام إذا كان الثمن أن يعطي تنازلاً عن العدل، أو أن يعين على ظلم.
ويجب أن يبقى العدل هو المطلب الرئيس لكل حركة من حركات الإصلاح والتصحيح والتغيير بدرجاته المتفاوتة.
ومن أراد العدل حقَّ العدل فلا معدل له عن التمسك بالإسلام. وإقامة العدل لا تتم إلاّ بإرجاع كلِّ الحقوق وإشادتها سواء كانت حقوقاً سياسية أو غيرها وبصورة دقيقة وتامة.
عيسى أحمد قاسم
24 اكتوبر 2020