آية الله قاسم في مؤتمر لكبار العلماء للتنديد بالإساءة للرسول والقرآن: جريمة كبرى لا يصح التعذّر لها بحرية التعبير.. والأمة لن تتقبل الإهانة
تساءل سماحة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم في الكلمة التي ألقاها بمؤتمر كبار العلماء الذي نظمته أربع منظمات إسلامية يوم الخميس 24 سبتمبر 2020 عبر الفضاء المجازي بشأن الإساءة للرسول الأعظم (ص) وحرق القرآن واتفاقيات العار والخيانة، هل لا ظلم ولا تعدي ولا إضرار بالآخرين إلاّ ما فيه أذى البدن، أمّا أذى الروح وحتى لو كان للملايين فلا حساب له ولا يمثّل شيئاً من تعدٍّ أو ظلم؟!
وقال سماحته في المؤتمر الذي عقده مركز الأمة الواحدة للدراسات الفكرية والاستراتيجية بالتعاون مع مؤسسة عاشوراء الدولية وتجمع علماء المسلمين في لبنان ومجلس علماء المسلمين في فلسطين بمشاركة 18 عالماً من الطائفتين الكريمتين بأنّ بأنّ السياسة الغربية تعتذر لسكوتها المشجع على كل الهجمات الوقحة المتوحشة البعيدة عن ضوابط العلم والخلق بحرية التعبير التي هي من مبادئ حضارتها وثوابتها الثقافية، مشدداً بأن حرية التعبير لا يصح أن تعني فوضى الكلمة، ولا يصح أن تهدم كل المقاييس التي تفصل بين مجتمع الإنسان وتجمعات الحيوان، وتلغي كل القيم الخلقية، وتفتح باب التعدّي على كرامة الناس من غير قيد وبلا محاسبة، وباب التطاول على أقدس المقدّسات.
ووصف سماحته التعدّي على شخصية الرسول الأعظم “ص” وإهانة الإسلام وحرق القرآن بأنّها جرائم كبرى، لافتاً إلى أنّ مسؤولية الأمة الإسلامية العارفة بقداسة إسلامها وقرآنها ونبيّها وحاجة البشرية كلّها إلى هذا الدين والكتاب والنبي “ص” وأن لا بديل لنجاة البشرية وهداها وتحقيق غايتها وبلوغ سعادتها عن الإسلام وكتابه ونبيّه لا تسمح لها بأن تنال الإهانة شيئاً من ذلك.
وقال سماحته بأنّ الأمة المستعدة لتلّقي الإهانة لنبيها بهدوء وعدم مبالاة لن تبالي بشيء من كرامتها وعزّها وشرفها، نافياً في الوقت نفسه أن تكون أمّتنا كذلك.
للمشاهدة :
*فيما يلي نصّ كلمة سماحته:
بسم الله الرحمن الرحيم
-مقامٌ لا يُطال وتعدّيات سفيهة-
السلام عليكم أيها الأخوة الكرام المشاركون في هذا اللقاء المبارك..
السلام على الأمة الإسلامية أمة القرآن، أمة محمد بن عبدالله..
لا مقام لأحدٍ من أهل الأرض قاطبةً كمقام سيد المرسلين وخاتم النبيين “صلَّى الله عليه وآله”، ولا تعدِّيَ أسفه وأحطّ وأجهل وأبهل وأمعن ظلماً، وأشدّ فحشاً، وأبعد عن موازين الحق والعدل بمثل التعدي على رسول الله الأعظم “صلَّى الله عليه وآله”، التعدي عليه تعدٍّ على كلّ أنبياء الله وأوليائه، التعدّي عليه تعدٍّ على الأمة الإسلامية كلّها، وعلى الكرامة الإنسانية، وعزّة الدّين الإلهي الحقّ.
وفي الغرب الجاهلي تتكرّر التعدّيات والإساءات المُهينة في صورٍ متعدّدة من مقولات ورسومٍ كركتيرية متطاولة على أقدس إنسانٍ وأعظم نبيٍ من أنبياء الله ورسله، وهو الرسول الرحمة، رسولُ الأمن والسلام والمحبّة الكريمة والحرية البنّاءة محمد بن عبد الله “صلَّى الله عليه وآله” الرجل الأوّل في الإنسانية كلّها.
إنّه الرسول الكريم الذي تصوّره جاهلية الغرب وعدوانيّته بالإرهابي والدّموي والسفّاح، وهو الذي أمضى ثلاث عشرة سنة يدعو إلى الله عزّ وجلّ في مكة والأخوّة الإيمانية بين الناس، ويعطي الدروس في وحدة الإنسانية، ويتلّقى هو وأصحابه أشدّ الأذى والعذاب في سبيل دعوة التوحيد من غير أن يسلّ سيفا، أو حتى يرفع عصا في صبرٍ شديد لا يُقاس. وهو في كلّ حياته لم يسلّ سيف باطلٍ في وجه حقّ، ولم يُعن على باطل، ولم يدخل في حربٍ إلاّ ليحقّ حقّا ويبطل باطلا، ويقيم عدلا، وينهى حالة ظلم. -نعم قاتل، ضحّى برجال مؤمنين، وأزهق أرواح كافرين، ولكن لم يخض حرباً في نصرة باطل، وكلّ حروبه كانت لإقامة والعدل وإنهاء الظلم، والظلم عنده لكل إنسانٍ جريمةٌ كبرى، والظلم عنده لأي حيوانٍ جريمةٌ كذلك-
وإنّه الرسول العظيم الذي تُصوّره العصبية الغربية والحقد الغربي بالقائد المستغلّ لعقول السذّج الضعفاء ومن لا فهم له، بينما هو الرجل الذي أنقذ العرب من جاهليةٍ من أشدّ الجاهليات، وتخلّفٍ من أعظم التخلّف، وضعفٍ وفقرٍ ومهانةٍ وخوفٍ وضلال من أبشع الصور، وأحطّ الحالات، وصَنَعَ أمةٍ من أولئك المتخلِّفين الغارقين في الظلام كانت الأمة الهادية الوسط التي تستنير بها الأمم وتقتبس منها لهدى دينها ودنياها، وتتعلّم منها دروس المعرفة والبصيرة والقوّة، وتُسلِّم لها بالسبق والتفوّق في الكمال. أمة صنعها رسول الله أخذت بالإنسانية في الكثير من طريق ضلالها إلى طريق النور والهدى والصلاح، وعلّمت الجزيرة العربية، العرب، علّمت أوروبا، ووصل تعليمها النوراني الإلهي إلى كلّ بقعةٍ من بقاع الأرض، هذا الرجل هو الذي تقول الكتابات الغربية بأنه يستغلّ الضعفاء!
وتتعدى سخافاتٌ غربيةٌ معاديةٌ للإسلام وإنسانية الإنسان ولقيم الصدق والعدل والأمانة العلميّة وأمانة التاريخ؛ على جدّية الرسول ورساليّته وتولُّهه بالله، واستغراقه في طاعته وعبادته وذوبانه في حبّه، وتتناسى كم هو تهجده في ليله، وكم هو كفاحه في نهاره، وكم هو اشتغاله الدائم بدعوته إلى ربّه، لتتقوّل عليه بأنه مأخوذٌ لميله النفسي لكثرة الزوجات، مضغوطاً لدافعٍ جنسي، وحاشا رسول الله وهو النبي المطصفى من ربّ العالمين، وهو الذي لم يصرفه صارف عن رضا ربّه، وبذل ما في جهده من أجل تبليغ دعوته، وإنجاح رسالته، وكان في كل تصرفاته طوعَ دينه وعقله.
النبي الأعظم الذي لا يعرف من الراحة إلاّ القليل في ليلٍ أو نهارٍ صارفاً وقته كلّه في الدعوة إلى الله والجهاد في سبيله وبناء الأمة الصالحة في الأرض.
والرسول “صلَّى الله عليه وآله” عَلَّم الأمة رفعة النظرة للمرأة، وأن تقدِّم فيها جمال الدين والخلق والعفّة والنزاهة وشرف العرض على جمال الجسد، وجاذبية مرأى الوجوه، وأن لا قيمة لجمالٍ بدنيٍ أخّاذٍ وراءه قلبٌ خلا أو شحّ فيه جمال الإيمان.
وزيجاته المتعددة ما كان منها شيءٌ لغير حكمة، ولا خارج رضا الله سبحانه، كما في زواجه من مطلَّقة زيد كما يُفهم من قوله تبارك وتعالى: (فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا)، ومن زواجاته ما كان دافعه اجتماعيّاً وسياسيّاً لمصلحة الإسلام.
والرسول “صلَّى الله عليه وآله” هو الذي أنهى تبرّج الجاهلية، وألزم بالستر والعفاف، وأقام الحدّ على الزنا وركّز القيم والأخلاق، وكثُرَت تعاليم شريعته التي تحمي شرف المرأة، وتقيها وأخاها الرجل من الوقوع الجنسي في حبائل الشيطان، وأعطى درساً مبكّراً للنساء الجاهليّات حال مبايعتهن له على الالتزام بالإسلام وطاعته بأن كانت مبايعته لهن عن طريقٍ لا تُلامس فيه يد إحداهن يده الكريمة لِيَتَعَلَّمْنَ مبكّراً التزام تعاليم الإسلام في صون العرض ورعاية الشرف والعفّة والبعد عن الشبهة والفتنة. وهو الذي أقام من أسرته نموذجاً أعلى في الأخذ بأسباب الشرف والطهر والعفّة. وكان من التشديد في هذا الأمر على أسرته الكريمة ما لم يكن على أي أسرة أخرى.
وفي ذلك كلّه ابتعادٌ بالمرأة عن أن تُتخذ سلعةً رخيصةً لمتعة من لا دين له ولا شرف ولا قيمة عنده لإنسانية الإنسان، من الرجال، وهو لا يمكن أن يطمع في المرأة من صناعة رسول الله.
وهو من أجل أن تُعامل المرأة في مجتمع الإسلام على أنّها ذات وزن إنساني من وزن الرجل، وقيمتها في علمها وتقواها ودروها في بناء المجتمع الصالح، فلا علاقة جسدية بين الرجل والمرأة إلاّ ما كان من العلاقة الزوجية، وعلاقة ملك اليمين.
والواضح من هذا الاستهداف الجائر الخسيس المتطاول على أعظم شخصيّة مقدّسة في الناس والذي يتولاه مباشرة نفرٌ في الغرب من أسقط الساقطين من أهله؛ أنّه مدعومٌ من السياسة الجاهلية هناك ومن الصهيونية المعاديتين للإسلام والأمّة الإسلامية.
السياسة الغربية تتعذر لسكوتها المشجع على كل الهجمات الوقحة المتوحشة البعيدة عن ضوابط العلم والخُلق بحرية التعبير التي هي من مبادئ حضارتها وثوابتها الثقافية.
وحرية التعبير لا يصح أن تعني فوضى الكلمة، ولا يصح أن تهدم كل المقاييس التي تفصل بين مجتمع الإنسان وتجمعات الحيوان، وتلغي كل القيم الخلقية والإنسانية، والضوابط التي تنحفظ بها الأرض. لا حرية في التعبير فيها إلغاءٌ للقيم الخلقية، ولا قيمة لهذه الحرية التي تفتح باب التعدّي على كرامة الناس من غير قيدٍ وبلا محاسبة، وتعطي الحقّ لكلّ واحدٍ من الناس أن ينال من كرامة الآخر وعرض الآخر وشرف الآخر، أن تنال من ذلك كلّه ما تريد بأسوأ كلمة، وأفحش كلمة، وأسفل كلمة.
والحرية التي تفتح باب التطاول على أقدس المقدّسات؛ إذا كانت مقبولةً في الذوق الغربي فهي مرفوضة في الذوق الإنساني الرفيع، في الذوق المسلم وفي ذوق كلّ ذي دين، وفي ذوق كلّ دين قويم.
وهل لا ظلم ولا تعدي ولا إضرار بالآخرين إلاّ فيما أنتج أذى البدن، أمّا أذى الروح وحتى لو كان للملايين فلا حساب له ولا يمثّل شيئاً من تعدٍّ أو ظلم؟! تُسأل يا ذوق الغرب، تسألين يا حضارة الغرب، فبم تجيبون؟
ولماذا حريّة التعبير في تسخيف الإسلام، والنباح الكريه ونهاق الحمير، والافتراء الوقح على الرسول الأعظم “صلَّى الله عليه وآله” الذي أحيا الأرض بعد موتها، وفضح كل الجاهليات فيها؟
لماذا هذا وباب التعبير مغلق، والكلمة ممنوعة من الاقتراب من جرائم الصهاينة والمفسدين من اليهود وفضائحهم الكبرى، والعقاب عليها مغلَّظٌ مشدّد وله أن يتجاوز القوانين الغربية؟ هل هذا إنتصارٌ لحرية التعبير؟
التعدّي على شخصية الرسول الأعظم “صلَّى الله عليه وآله” وإهانة الإسلام وحرق القرآن؛ جرائم كبرى لئن ساعدت عليها السياسة الغربية الجاهلية أو سكتت عليها تشجيعاً لها، فإنّ مسؤولية الأمة الإسلامية العارفة بقداسة إسلامها وقرآنها ونبيّها وحاجة البشرية كلّها إلى هذا الدين والكتاب والنبي “صلَّى الله عليه وآله”، وأنْ لا بديل لنجاة البشرية وهداها وتحقيق غايتها وبلوغ سعادتها عن الإسلام وكتابه ونبيّه، الأمة التي تعرف ذلك لا تسمح لها معرفتها ويقينها بأن تنال الإهانة شيئاً من مقدّساتها العظمة المكرّمة عند الله تبارك وتعالى.
والأمة المستعدة لِتلَقّي الإهانة لنبيها بهدوءٍ وعدم مبالاة لن تبالي بشيءٍ من كرامتها وعزّها وشرفها من بعد ذلك، وأمّتنا ليست كذلك.