كلمة آية الله قاسم في المؤتمر الدولي الأول لمجاهدي «فاطميون»
كلمة سماحة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم في المؤتمر الدولي الأول لمجاهدي لواء فاطميون، والذي يحمل عنوان “تحرير القدس وخروج أمريكا من المنطقة، الهدف النهائي للواء فاطميون”، وشارك فيه -إلى جانب سماحته- شخصيات مِن جبهة المقاومة وعقد المؤتمر ليلة الجمعة الموافق 13 أغسطس 2020م في مدينة مشهد المقدسة.
للمشاهدة :
نص الكلمة :
أمة واحدة وجبهة واحدة
السلام على أمّة الإسلام المجيدة، وعلى مقاومتها الباسلة الرشيدة.
الأمة الإسلامية أمةٌ واحدةٌ بحكم إسلامها العظيم، وهي كذلك واحدة عند كلّ الملتزمين حقاً بالإسلام من أهله. وأي عدوانٍ على دينها هو عدوان عليها كلّها، وعدوانٌ عليها كلّها ما كان عدواناً على أيّ مسلم، وعدوانٌ على أيّ جزءٍ من أرض الإسلام، وعلى مقدّسٍ من مقدّساته، وعلى حرمةٍ من حرماته، على مصلحةٍ من مصالحه ومصالح أمَّته.
وثمَّة وجودُ أمة، ووجودُ أفراد، وموتُ أمةٍ وموت أفراد، وعزّ أمةٍ وعزّ أفراد.
ووجود الأفراد لا يُلازمه وجود الأمة، وقوّة بعض الأفراد لا تعني قوّة الأمة. وعزّ الأمّة فيه عزٌّ لكل أفرادها، وذُلّها فيه ذلٌّ لكل أفرادها على مستوى الخارج من النفس.
وثمّة قضايا أفراد، وقضايا أمّة، وهموم أفرادٍ وهموم أمّة، ومصالح أفرادٍ ومصالح أمّة، وفشلٌ ونجاحاتٌ للفرد، وأخرى للأمة.
والترابط في أمّتنا وأُخوّتنا الإسلامية شاملٌ لكل قضايانا وهمومنا صغيرها وكبيرها، والمسلم أخو المسلم لا يخذله، ولا يتأخر بنصرته عنه وانقاذه له في مشاكله الخاصة ما استطاع، ويُسارع في ردّ المظلمة عنه، وفي ارشاده ونصيحته. وهذا من مقتضى الأخوّة القائمة بين أفراد المسلمين بحكم الإسلام.
أما قضايا الأمّة بما هي أمّة، كقضية سلامة الدين وظهوره وعزّه وانتشاره وغلبته، وكرامة مقدساته، وأمن أرضه وحدوده، وقداسة رموزه، فهي قضايا الجميع، والاشتراك في الدفاع عنها وحمايتها هو من الدفاع عن النفس وقضايا الذات، وليس ذلك من موقف النصرة للأخ المسلم فحسب، كانقاذه من فاقته، وسدّ حاجته الخاصة، وعونه في مشاكله الشخصية، مع ما لنصرته هذه من شأنٍ عظيمٍ عند الله عزّ وجلّ.
لا نُقلل أبداً من نصرة المسلم لأخيه المسلم في مشاكله الخاصة، ولكن هناك نصرةٌ أخرى وهي نصرة الإسلام، وهي نصرةٌ لنفسي كما هي نصرةٌ لكل مسلم من المسلمين، لأنّ الإسلام قضيةٌ مشتركة، لأنّ الإسلام به الجميع إذا وُجد، ويشقى الجميع إذا فُقِد.
الأمة الإسلامية الأفغان منها، العرب، الأتراك، الباكستانيون، سائر القوميات، أندونيسيا، مصر، إيران، السعودية، عُمان، كلّ الأقطار الإسلامية، كل من ذكر وغيرهم من أبناء الأمة مسلمون قبل أن يكون هذا الشيء أو ذاك، وكلهم مسؤول عن قضايا الأمّة وهمومها.
العدو الخارجي لبلد من بلاد هذه الأمة الإسلامية الواحدة، أو لقومٍ من أقوامها عدوّ لها كلّها، والمعتدي على مقدّس من مقدساتها، وإنْ كان يرفع اسمها مُعتدٍ عليها وعلى كل مقدّساتها، والمعتدي لابد أن يُردّ عدوانه. والأمة التي تداس مقدّساتها -من الداخل أو الخارج- وهي ساكتة أمّةٌ منسلخةٌ من هويّتها.
والحرب على الإسلام وأمّته من الدول الطاغوتية الكافرة وفي مقدّمتها أمريكا وإسرائيل لم تعد مقتصرةٌ على الحرب المكشوفة والمباشرة، فهناك اليوم الحروب بالنيابة والتي تخطط لها وتديرها من الخلف تلك الدول ويتم تنفيذها على يد دولة أخرى من الدول التي تنسب نفسها للإسلام، وتُحسب على المسلمين، أو على يد حزبٍ أو تجمع هو كذلك، وإنْ كان فاقداً للأسس الإسلامية الصحيحة والأخلاقية الإسلامية، ومنفصلاً عن ضرورات من ضرورات الإسلام، وكثيراً ما توجد اليوم جماعاتٌ وأحزابٌ ناشئةٌ عميلةٌ للفكر الكافر والدول الطاغوتية قائمةٌ في تكوينها على الابتداع باِسم الدين، وتحمل أشدّ روح العداوة له، وتستهدف هدمه من الأساس، وتشتيت أمّته.
ويستوي واجب الدفاع عن الإسلام كانت الحرب التي يُواجه خطرها حرباً مكشوفةً مباشرةً من دولة كافرة، أو حزبٍ يعلن كفره، أو دولةٍ تتسمى بالإسلام وتنتسب للمسلمين أو حزب من هذا النوع، ومن أهل البدع.
وإذا وجب الدفاع عن الإسلام لوجود موضوعه لم يسقط حتى تتصدّى للقيام به الأمة إلى حدّ الكفاية، نَعَم يجب على الأمة كفايةً ردّ العدوان عن الإسلام وكيانها ومقدّساتها وأرضها وثروتها، ويستوي في ذلك أبيضها وأسودها، وكل ذي لسانٍ من أبنائها، وذكرها وأنثاها، وكل تنوّعاتها.
وللمجاهدين الأبطال من أبناء الأمة الإسلامية بكل قوميّاتها ومذاهبها، ومنهم الشهداء الفاطميون الأفغان أدوارٌ جهاديةٌ استشهاديةٌ مشهودة نموذجية في الدفاع عن دينها ومقدساتها وأرضها ووحدتها، وفي المواجهة الحاسمة الفدائية المقدام الشجاعة لمؤامرات تفتيت الأمة وبعثرة وجودها، والاستيلاء على أرضها، وتحريف هويتها، والاستبدال عن مسلّمَاتها، وتركيعها لارادة العدو الصهيوني والغطرسة الأمريكية.
جزى الله مجاهدي هذه الأمة في سبيل الله عنها خير الجزاء. ضحّوا بما لا يملك الإنسان أعزَّ منه على نفسه. ضحّوا بأنفسهم الغالية الشريفة لحماية ملايين الأبرياء والصالحين وذوي الالهامات النيّرة، ولحفظ أمن الناس من يد الاجرام، وسلامة دينهم وأعراضهم، ولئلا يُهانوا ويُذلّوا، ولا يُضِلّ أحدهم ضال، ولا يسترخصه مُسترخص، أو يستغفله مستغفل، ولا تُسحق كرامة الإنسان، ولتبقى هذه الأمة عزيزةً رافعة الجبين لا يُذّلها شيء.
ضحّوا وما خسروا، ولا يعدل ما ربحوه بشهادتهم خير الدنيا كلّها، وإنْ نقص عمرهم المادي بعض الشيء إلاّ أنهم ربحوا أكبر نتيجة ترجى من هذه الحياة، ولا شيء يساوي هذه النتيجة ويبلُغ قدرها.
ولولا الرجال الشرفاء المؤثرون المضحّون المسترخصون لأنفسهم في سبيل الله ممّن يرجون ثوابه، ولا تعدِل الدنيا شيئاً من وزن الآخرة في ادراكهم وشعورهم لتحولَّت دنيا الأمة كلّها إلى ظلام، ولتحوّلت الحياة الإنسانية إلى ما هو أضلُّ من حياة الحيوان على يد الطغاة والجَهَلة والسفّاكين والمستبيحين للحرمات وفراعنة الأمم.
أمّا الذين يقاتلون في سبيل الطاغوت فيَقتُلون ويُقتَلون فهم من أدوات الشيطان والجند المفسدين في الأرض، والمقوّضين لأمنها، والوحوش الهائجة، ومطيّة الظلم فيها، ووقود الجريمة، وأين هؤلاء من شهداؤنا الأبرار؟
وإنّ أيّ أمةٍ لا تأمن أن تأتي عليها أيام عدوان لم تعرف مثلها في سابق تاريخها تتطلّب منها أن تنفر في وجه العدوان بكامل قوتها، وبكل قادر من ذكر وأنثى منها لحماية وجودها، -تأتي أيام، وتأتي ساعات لا يردُّ خطرها إلا أن تجتمع الأمّة الباسلة المؤمنة الشجاعة في مقاومةٍ عنيفة لها-.
وكلّما كانت الأمّة متحسِّبة لأيام الطوارئ الكبرى والاعتداءات الهائلة التي قد تواجهها كان ذلك منها أدلّ على الوعي والحزم، وكلّما كانت أقدر بذلك على ردّ العدوان عنها ودفع خطر الطوارئ، وقد نبّه الإسلام أمّته على هذا الأمر وطَالَبها بأنْ تكون دائماً أقوى من الآخر، وأكثر تحسباً للمفاجئات حتى لا تجد نفسها في يوم من الأيام مكتوفة اليد أمام الظروف مغلوبة على أمرها أمام المعتدين، قوله تبارك وتعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ) – الآية 60/الأنفال.
فأمّتنا الإسلامية عارفةٌ اليوم جدّاً بانحدار الكثيرين من أبناء الإنسانيّة عن الحدّ الإنساني انحداراً شديداً، وانسياقهم وراء الكفر والفسق والظلم والميوعة وبُعدِهم عن قيم الدين الحقّ، وتحوّلهم إلى مسوخٍ في صورة بشر. وهذا ما يجعل هؤلاء الممسوخين يعادون من بقي مستمسكاً بالقيم العليا الدينية والإنسانية، مقيماً للحق، منادياً بالعدل، ساعياً بالهدى في الناس.
وتعرف أمّتُنا كذلك أنّها وبرغم الغربة التي حدثت في داخلها عن الإسلام الحقّ لا زالت أقرب الأمم إلى الهدى، وأوفرها صلاحاً، وأوضحها ارتباطاً بقيم السماء في كثير من قطاعاتها، وأرجى الناس في القيام بعبء العودة الجادة بالإنسانية إلى الربّ العظيم على طريقه القويم.
ومن واقع الانحدار المذكور، والأمل في احياء الأرض بذكر الله على يد أمتنا، يشتدّ تربّص الممسوخين من أهل الالحاد والشرك والجهل والتوحش والشهوات الرخيصة بها الدوائر واستهدافهم الاجهاز عليها.
ومن كان لا يستجيب للنداءات الساقطة والمفتوحة والمُذِّلة والجائرة، ولا يتنازل عن حقّه، وعزّه وكرامته، وعلياء مجده وسماء هداه، فلابد أن يستعدّ كل الاستعداد لمواجهة أكبر المعارك العدوانية، وأن يكون على أهبةٍ تامة دائماً لمواجهة أسوأ التوقعات ممّا يمكن أن يأتي به عدوان القوى الطاغوتية الشيطانية المستكبرة.
إنّ أمّةً تأبى الهوان، وترفض الباطل، ولا تقبل أن تستبدل عن هداها بضلال، وعن عزّها بذُلّ، وعن ريادتها بالتبعية؛ عليها أنْ تتخذ من كلّ يومٍ من أيام حياتها يوم اعدادٍ للقوة، ويوم مقاومةٍ وجهادٍ وكفاح، وأنْ تعتبر كل أيام حياتها حياةَ حربٍ من حيث الاستعداد والتدريب، ومن حيث التنظيم والتنسيق، ومن حيث الالتفاف بالقيادة.
والسلام على كلّ شهداء الأمّة المؤمنة والشهداء الفاطميين، وكل الموتى المؤمنين والمؤمنات.
السلام على المؤمنين والمؤمنات جميعاً ورحمة الله وبركاته.
والحمد لله ربّ العالمين أولاً وأخيراً.