وقفة قرآنية : آية الله قاسم – ١١ شهر رمضان ١٤٤١هـ
الوقفة القرآنية لسماحة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم، والتي يبثّها مركز المقاوم للثقافة والإعلام خلال ليالي شهر رمضان المبارك – ليلة الأربعاء 11 رمضان المبارك 1441هـ / 5 مايو 2020م:
فيديو الوقفة:
صوت الوقفة :
نصّ الوقفة:
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام على الأعزَّاء من المؤمنين والمؤمنات.
هذا عنوانٌ: “حسناتُنا وسيئاتنا.. خيرنا وشرُّنا مِمَّنْ؟”.
ورَد التعبير بالحسنة والسيئة في القرآن الكريم بمعنى الخير والشرّ، الحسنة تعني الخير، والسيئة تعني الشرّ. والخير حسنة بما أنَّه يحسُن به حال من حصل له، والشرُّ سيئة لأنّ من حصل له الشرّ يسوء به حاله. الأوَّل يُسرُّ النفس وتشعر بالربح فيه، والثاني يُشعرها بالخسارة وبالأذى.
الحسنة التي تكون لنا، هي من صنعنا أو من صنع الله تبارك وتعالى؟ السيئة التي تكون مِنَّا أو أيضاً تكون لنا، هي من أنفسنا أو من الله تبارك وتعالى؟
هذا هو السؤال، والإجابة من القرآن الكريم نفسه.
هناك ما يُستَفاد منه أنَّ الحسنة والسيئة معاً من الله تبارك وتعالى في نفي أنْ تكون السيئة من الرسول “صلى الله عليه وآله”.
قوله تبارك وتعالى: (وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَذِهِ مِنْ عِندِ اللّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللّهِ فَمَا لِهَؤُلاء الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا) – النساء، الآية 78
وَصَفَت الآية الكريمة بأنَّ من يُسندون السيئة إلى رسول الله مُخطئون، غير فاقهين، جهلة، يجهلون الحقيقة.
هناك آية أخرى: (فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَٰذِهِ ۖ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ ۗ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ اللَّهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) – الأعراف، الآية 131
والتَّطيُّر هو التشاؤم، والطائر في الآية محمولٌ على معنى النصيب، ( أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ ) يعني نصيبهم عند الله، أو تقول ( طَائِرُهُمْ) بمعنى تشاؤمهم وما يسوؤهم هو من عند الله تبارك وتعالى، وبفعله.
فالآيتان الكريمتان تُسنِد السيئة لفعل الله تبارك وتعالى، السيئة بمعنى الشرّ، بمعنى المصيبة، بمعنى الأذى الذي يُصيب الإنسان في نفسه أو في أهله أو في ماله أو في جماعته، إلى آخره.
والشرُّ قد يصيب الفرد وقد يصيب الأمّة بكاملها، يكون البلاء بلاء أمّة، ومرَّةً يكون بلاء فردٍ أو جماعة.
التفرقة بين الحسنة بأنْ تُسنَد إلى الله، وبين السيئة بحيث تُنفى عنه. الشرّ يُنفى صدوره من الله مطلقاً وبأيّ وجهٍ من الوجوه، وبأن المرض، والموت، والحريق، والبركان، والوباء، أنَّ شيئاً من ذلك لا صلة لله عزَّ وجلّ به، هذا فهمٌ لو قِيل به فإنَّه فهمٌ خاطئ.
الرسول بَشَرٌ مخلوق لا يملِك لنفسه نفعاً ولا ضَّرَّاً ولا لغيره، هو نفسه لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضَّرَّا، هو لا يستطيع مستقِّلاً وبرغم إرادة الله المُخالِفة بأن يُمرِض نفسه أو يشفي نفسه من المرَض، أن تحدث له الحسنة والخير، أو تحدث له السيئة والشرّ، هو نفسه مع نفسه لا يستطيع أنْ يُحقق شيئاً من هذيْن الأمريْن بقدرته وإرادته المستقلّة، فالأمر في النهاية يرجع إلى الله عزَّ وجلّ وإذنِه، إذ لا فعل يقوم به الإنسان والقدرة عليه موهوبةٌ من الله عزَّ وجلّ، وكذلك إعمالُ الإرادة في اتجاهِه إنَّما هو بإذن الله، يعني أنَّ الله عزَّ وجلّ هو الذي أعطى إرادة الإنسان فُسحَةً أنْ تَتَجِه هذا الإتجاه أو ذلك الإتجاه في الفعل أو الترْك، وليس الإنسان ابتداءً هو قادرٌ على أنْ يخلق لنفسه الإرادة، هو يُعمِلُ الإرادة الموهوبة إلى الله عزَّ وجلّ في الموقف، إمَّا أنَّه قد خلق لنفسه الإرادة والقدرة على الإختيار فهذا مَنفِّيٌّ تمام النفيّ، ثمَّ إنَّه لا حركة ولا سكون إلاّ وهي بقوَّة وباستعداد، ولا استعداد ولا قوّة إلاّ من فيض الله تبارك وتعالى، فلذلك لا يصحُّ فصل أيّ عملٍ من الأعمال وأيّ خيرٍ وأيّ شيءٍ عن إرادة الله عزَّ وجلّ، بحيث يكون الله معزولاً عن التصرّف في هذا الفعل أو أنَّه غير قادر على منعه وإيقافه، هذا خطأٌ تماماً في الفهم الديني.
لا فاعِل بشكلٍ مُطلَق، بصورة مستقلِّة مِنْ غير إذن الله في الكون كلِّه.
وما يقول القائلين من أمراض وفَقْر -القائلين هذا القوْل بأنَّ الحسنة من الله والسيئة من رسول الله وما إلى ذلك-، ما يقولون من أمراض وفقْر وقحطٍ وموتٍ ليس إلاّ من صنع الرسول “صلى الله عليه وآله” أصلاً؟ هذا منفيّ، القول بأن الرسول “صلى الله عليه وآله” مصدرٌ مُستقِّلّ تماماً في إحداث المصائب، في إيقاع الناس في فقر، في إحداث بركان، في إحداث مرض، هذه الإستقلاليّة مَنفيَّةٌ تمام النفيّ، فلا الرسول يملك هذا الأمر، وكذلك ليست للرسول الإرادة التبعيَّة بأنْ يفعل ما يشاء في مصائر الناس وأحوالهم، لا تفويض في هذا الأمر من الله عزَّ وجلّ بأنْ أعطاه القُدرة المُستقلّة المنفصلة عن قدرة الله عزَّ وجلّ، غير المُعتمِدَة على فيض الله عزَّ وجلّ، غير المُعتمِدَة على إذنه التكويني، بإعمال شيءٍ ممَّا يُريد، لا على مستوى الحسنة ولا على مستوى السيئة، لا على المستوى الشخصي لنفسه، ولا على المستوي الإجتماعي بالنسبة للغير.
الآية الكريمة التي قرأناها: ( وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَذِهِ مِنْ عِندِ اللّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَذِهِ مِنْ عِندِكَ)، عندما تقول ( قُلْ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللّهِ فَمَا لِهَؤُلاء الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا) لا تنفي عن المعنيِّين دورهم التسبيبي.
الرسول لم يفعل هذه السيئة، لا يستطيع بأنْ يستقلَّ بفعل أيّ ضررٍ للآخرين كأيّ شخصٍ آخر، نعم يستطيع لو أذِنَ الله له، يعني لو أفاض عليه القدرة التكوينية بأنْ يفعل ما يشاء مستقلاً عن الله، لكن هذا لا يُمكن، لأنَّ هذا يُعطيه منزلةً من الربوبية، فلا كبير ولا صغير في الكون ومهما كانت منزلته يملك شيئاً من هذا، أي من إستقلال إرادته وفعله عن فيْض الله تبارك وتعالى.
لكن هل يعني هذا أنَّ الإنسان الذي وَقَع في المرض، الذي وقع في الهزيمة، الذي وقع في الفقر، المجتمع الذي وقع في كارثة من الكوارث، هل أنَّه بريءٌ تماماً منْ مقدِّمات هذا الفعل، أو أنَّ له دوراً؟
الآية الكريمة لا تنفي دور الإنسان فيما يُصيبه من المصائب والكوارث.
مثلاً، إنسان يُهمِل الوقاية -أمامنا مسألة الوباء الحاصل- فيُصاب بالوباء، قد يشتدُّ به المرض، وقد يموت، وقد يُشفى، هل هو غير شريك في الحادث؟ هو شريك.
صحيحٌ هذا الفعل من الله تبارك وتعالى، بمعنى أنَّ تعرُّضي للإصابة لعدم مراعاتي للوقاية، هل يكفي وحده لولا قانون السببيّة الذي أوجَدَه الله تبارك وتعالى، ويقوم بإذنه، ويقوم بفعله هذا السبب، ويُنتج بفعله، هل أنَّه لولا قانون السببيّة هذا أستطيع أن أجلب لنفسي المرض؟ لا.. أنا لي دور.
الهزيمة التي تُصيب الأمّة. ما حدَثَ للأمة بقتل الإمام الحسين “عليه أفضل الصلاة والسلام”، الأمّة بريئةٌ منه؟ وهل هذا فعل الله عزَّ وجلّ بالأمّة؟ أنْ لحقها بعد الإمام الحسين “عليه السلام” ما لحقها من شراسة الحكم الأمويّ وبطشه وظلمه؟ طبعاً لا. الأمّة قصَّرَّت، الأمّة سكتَت عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أفسحت بسكوتها الطريق للتعملُّق الأموي، تعملُق الظلم، إنتشاره، اكتساب جمهور كبير واسع يوافق على المعصية، وبذلك وَصَلت إلى ما وَصَلت إليه من المصيبة التي حلَّت بها.
الآية الكريمة في الوقت الذي تنفي فيه أنْ يكون أيُّ حدثٍ سيءٍ من رسول الله “صلى الله عليه وآله” وتصرُّفه، وتُسنِد السيَّئة -بمعنى الشرّ، وليس بمعنى الأمر القبيح، فرقٌ بين السيئة بمعنى القبيح، وبين السيئة بمعنى المصيبة والتعب والخسائر وما إلى ذلك، الكلام عن السيئة بمعنى الخسارة والمصيبة والفاجعة، وليس بمعنى القبيح، القبيح لا يصدر من الله عزَّ وجلّ مطلقاً، يصدر من إنسان ولا يصدر من الله، أيّ فعلٍ قبيح يستقبحه العقل والدين لا يمكن صدوره من الله عزَّ وجلّ-، فهذا الأمر، أمرُ الهزائم والخسائر وما إلى ذلك، في الحين الذي لا يمكن أن يصدر مستقلاً عن إذن الله يصدر بدورٍ بشريٍّ مُقدميّ، يعني البشر يُخطئ فيأتيه جزاء خطأه، البشر يُخالِف أمراً من أوامر الله، نهياً من نواهي الله عزَّ وجلّ، يرتكب ذنباً فيأتي الذنب بتعجيل العقوبة، يأتي الذنب بشكل مصيبة وما إلى ذلك.
ونسأل أنْ يغفر الله لنا الذنوب التي تُعَّجِّل النقم وترفع النِعَم، هذا كلُّه يعطي أنَّ لنا دوْراً كبيراً جدَّاً في كلّ ما يُصيبنا.
أتوَّقف هنا، ويستمرُّ الحديث في هذا الموضوع.