البلاء والدين “٢”
بسم الله الرحمن الرحيم
ماذا يقول الدين عن هذا البلاء العام؟
1- أوجدنا الله مختارين ورسم لنا نظاماً في حياتنا وكلّفنا بتطبيقه.
2- لتطبيق هذا النظام نتائجه الإيجابية الكبرى في الدنيا والآخرة، ولمخالفته نتائجه السلبية الوخيمة الكبرى في الدنيا والآخرة.
3- من تكاليف الدين للناس، الحفاظ على سلامة الضمير الإنساني والبيئة المعنوية المربية لأفراد المجتمعات الإنسانية المحليّة والعالمية التربية الصالحة على ضوء منهج الله تبارك وتعالى، وكذلك الحفاظ على سلامة البيئة المادية في البر والبحر لتبقى ملائمة لحياة الإنسان في حاله أحسن حالة لها، وأن يعمل على تطويرها ما أمكن للغرض نفسه.
والارتباط بين دور الإنسان وصلاح البيئة أو فسادها، وكذلك الارتباط بين دوره، وصلاح الضمير الإنساني العام وفساده أمر يركز عليه القرآن الكريم والسنّة المطهّرة.
(ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) – الروم، الآية 41
واليوم يذوق المجتمع العالمي بعض ما عمل كبار المجرمين فيه، وبقي على هؤلاء المجرمين أن يرجعوا عن مكابرتهم لله، وعلى سائر أبناء العالم أن يُرجعوهم عن غيّهم الكبير وعبثيتهم بأساسات الإنسانية وأساسات الحياة.
والآية الآتية تنادي في الناس أن يسيروا في الأرض للاعتبار، والتيقن من سنّة الارتباط بين التخلّي عن الدين وبين عواقب الهلاك، (قل سيروا في الأرض فأنظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل كان أكثرهم مشركين) – الروم، الآية 42
والعالم اليوم يعيش فعلاً مصداقاً جليّاً من مصاديق هذه السنّة الإلهيّة؛ فإمّا أن يتمادى في غيّه فيزيد العذاب، وإمّا أن يتراجع عن غروره ويخضع لإرادة الله التشريعية ليرحمه تكويناً وبلغة الواقع.
ويقول سبحانه في السنّة المذكورة، (وَمَآ أَصَٰبَكُم مِّن مُّصِيبَةٍۢ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍۢ) – الشورى، الآية 30
وما أعظم هذا الكثير!! وسنّة الارتباط بين مكابرة الناس لله سبحانه وبين المصائب ومنها مصائب الحياة وكوارثها لا تعطلها القدرات البشرية كاملة، وما للبشر من قوة إلاّ وهي مفاضة من الله ومحكومة لقهره العظيم، (وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ ۖ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ) – الشورى، الآية 31
وإنّ على العالم أن يتوجه باللوم إلى نفسه بمناسبة ما أصابه اليوم، وذلك لأحد موقفين، موقف الإفساد في الأرض الذي وقفه ويقفه كبار مجرمي العالم، وموقف التفرج وعدم تحمل مسؤولية الردع أولاً، وهو التقصير الذي يقع فيه سائر الناس من أبناء الشعوب. وهنا يأتي قوله تعالى (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) – الأنفال، الآية 25، فإنّ السفينة قد يغرقها ثقب تحدثه يد جانية واحدة ترك لها أن تفعل ما تشاء ولم يضرب عليها بقية الركاب ليمنعوا من غرق الجميع.
وكما خرّب الطغاة العالميون وأذنابهم، البيئة الماديّة لحياة الإنسان، ففتحوا على الناس أبواب العذاب، فكذلك أفسدوا ضمير الكثيرين من أبناء المجتمع الإنساني وهو السرّ في الأخذ بكل ظلم، واستباحة كل انتهاك، والإفساد في البر والبحر وانتاج القنابل الذريّة والنوويّة والجرثومية ونشر الفيروسات المجتثة لحياة الناس، والخلفيّة لكل شر يرتكب في الأرض، وفساد في النفس وفي الخارج. وهل تبقى للضمير الإنساني فاعلية، وهل يبقى للنفس اللوّامة أي دور في توجيه مسار الإنسان وتصحيحه بعد غياب الدين، ومطاردته في كلّ جنبة من جنبات الحياة، وبعد ربط لقمة العيش وشيء من حقّ الحياة على يد طغاة الأرض بالفساد والخيانة والتنازل عن القيم؟
والآية 41 من الروم -وقد تقدمت- تقول في آخرها (..لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)، وهو أمر يلفت نظر الناس إلى أنّ إذاقتهم من الله عزّ وجلّ شيئاً من العذاب الدنيوي في البر والبحر مما سبَّبهُ ما كسبوا من موقف معاندتهم للنظام الإلهي الذي يتوقف عليه صلاح دنياهم وآخرتهم واستكبارهم على الله سبحانه إنما جاء ليعودوا عن الطريق الخطأ في تعاملهم معه عزّ وجلّ، ويعرفوا حاجتهم إليه ويدركوا أنه انذار يأتي ما بعده مما يزيد في هوله عمّا رأوا، ويثير فيهم التنبه على أنّ نجاتهم من تعاظم العذاب وتكرره في أن يرجعوا إلى الله بالتوبة الصادقة إليه، وتضرّع الذليل المسكين المستكين بين يديه، وفي هذا نجاتهم في هذا اليوم، وفي اليوم الذي يشبهه في عذابه ونعيمه يوم.
وتأتي تتمة إن شاء الله.
عيسى أحمد قاسم
١٩ مارس ٢٠٢٠