البلاء والدِّين “١”
بسم الله الرحمن الرحيم
البلاء والدِّين “١”
نعم هو سنّة ثابتة لله عزّ وجلّ في الناس والحياة. والحياة دائماً رخاء وبلاء، وسعة وضيق؛ رخاء وسعة تجدهما هنا بدرجة، وبأخرى هناك، وبلاء وضيق ينصّ بهما زمن، وسعة ورخاء ينفرج بهما زمن آخر. والأيام متداولة بين الناس.
ومن البلاء ما يَعمّ ويُغرق الأرض كلّها، وجميع المجتمعات. واليوم العالم في كارثة من هذا النوع، لا خلاص له منها إلاّ باذن ربّه.
ولا ينفصل البلاء على أنواعه المتعدّدة عن دور الإنسان ومعاندته لقوانين الله التكوينية والتشريعية وإرادته.
(وَمَآ أَصَٰبَكُم مِّن مُّصِيبَةٍۢ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍۢ) – الشورى، الآية 30
(أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) – آل عمران، الآية 165
(ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) – الروم، الآية 41
والجزاء بالبلاء الذي تفرضه طبيعة العلاقة السببية بين المقدّمة وهي اختيارية للإنسان والنتيجة المترتبة عليها بحسب القانون العادل الحكيم في علاقة الفساد بالبلاء أقلُّ من الفساد المترتب عليها، وذلك بعفو الله ورأفته بعباده وقدرته وحكمته.
وهذا ما تقوله الآيتان الثانية والثالثة لكل النّاس. فعلى النّاس إذا رأوا من البلاء ما رأوا أن يشكوا من أنفسهم الأمارة بالسوء وتخلّفهم عن الأخذ في أمورهم بإرادة الله، وأن يتراجعوا عمّا هم عليه من العناد.
وأمر الارتباط بين مكابرة العباد لله سبحانه واضطراب الحال في البرّ والبحر لا ينبغي خفاؤه على أحد، وأنّه كلّما اتسعت رقعة العناد اتسعت رقعة الفساد.
ولا يعني أن الكسب السيء، والموقف المخالف لابد أن يسهم فيه جميع المجتمع بكل فئاته وأفراده ليترتب عليه الوضع الفاسد في البر والبحر، وإنما السبب المنتج لذلك هو أن تحصل المعاندة لقوانين الله وإرادته بما يصح به إسنادها إلى المجتمع.
ولم يكن وضع المجتمع العالمي في يوم من الأيام أسوأ إصراراً وأقبح في عناده لله عزّ وجلّ ومكابرة قوانينه التشريعية، وعدم مراعاة ما يترتب على جرائم البيئة من تلويثها مما ينتج كوارث للناس، وضرب القيم الدينية التي لا انحفاظ حتى للحياة المادية حال اهمالها.
وفي مثل هذا الوضع للمجتمع العالمي يكثر الترقب لأنواع البلاء، وذلك بما كسبت أيدي الناس، ويعفو الله عن كثير، وهو أرحم الراحمين.
وإذا كانت معاصي العباد لله عزّ وجلّ، ومخالفتهم لقوانين شرعه، وقيم دينه -وهو الحق خالصاً- بابٌ لبلائهم البلاء العظيم، فإن توبتهم إليه، وتضرّعهم بين يديه بابٌ لرفع البلاء، وسبيل للنجاة. ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم.
اللهم إنّا عبادك المذنبون فاعف عنّا واغفر لنا وارفع عنّا عذاب الدنيا والآخرة، إنّك أرحم الراحمين.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين.
عيسى أحمد قاسم
١٧ مارس ٢٠٢٠