كلمة آية الله قاسم في مؤتمر الوحدة الإسلامية – 14 نوفمبر 2019
كلمة سماحة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم في المؤتمر الدولي للوحدة الإسلامية، والذي نظمه المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية في العاصمة الإيرانية طهران – 14 نوفمبر 2019م
للمشاهدة :
نص الكلمة :
الأمة الإسلامية وهي مثالٌ للأمة الواحدة التي تتجه إلى الله تبارك وتعالى لتأخذ بهذه الحياة إلى أعلى مستوياتها ولتربح الآخرة كذلك.
أنتِ يا أمة الإسلام.. عودي لوحدتكِ، أحيي الوحدة الإسلامية تُحيين -بهذه العودة- الأرض كلّ الأرض، تُحيين الإنسانية كلّ الإنسانية.
ستبقى الإنسانية مَوَاتاً، وستبقى الأرض مَوَاتاً، وستبقى الحياة صحراء من غير أن يسود الإسلام الأرض، والإسلام أمانةٌ في عنق هذه الأمة، والأمة مسؤولةٌ أنْ تنهض بمسؤوليتها الإنسانية.
والأمة اليوم أمام امتحانٍ في دينها، وأمام امتحانٍ في تمسّكها بعزّتها، وأمام امتحانٍ في قدرتها على الوحدة الصادقة، هي أمام امتحان في كل ذلك، من خلال موقفها من القضية الفلسطينية، قضية فلسطين والقدس والبيت الأقصى.
هذه الأمة إمّا أنْ تبقى على حالةٍ من شتات، وعلى حالةٍ من تفرّقٍ تزداد يوماً فيوما، وإمّا أنْ تعود بجديّة وصدقٍ إلى وحدتها الإسلامية القادرة على إعطاء هذه الأرض حياةً لم تعرفها من قبل إلا أيام رسول الله “صلى الله عليه وآله وسلم”.
عدوّكم يعرف أنّ قوّتكم في الوحدة، أنّ قوّتكم في التعاضد والتناصر والتعاون، أنّ قوّتكم في الإستجابة لنداء ربّكم، وفي قوله تبارك وتعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا..)
وغريبٌ جداً أنّ العدو يعرف أنّ قوة هذه الأمة في عودتها لإسلامها وفي تمسُّكها بوحدتها الإسلامية، ثم هي لا تعرف من نفسها ذلك أو أنّها تخون معرفتها!
إمّا أنْ تعرف أنّ قوتها ونصرها وعزّتها واستعادتها لمقدساتها وفرضها هيمنتها على عدوها، كل ذلك يرجع في عودتها للإسلام وأنّها تجد نفسها قويّةً ناهضةً متقدمةً حين تأخذ مسارها الإسلامي من جديد، وإمّا أنْ لا تعرف ذلك، فإنْ كانت لا تعرف وعدوّها يعرف هذا فهي مصيبة، وإنْ كانت تعرف هذا وتخونه فهي مصيبة أكبر.
عودي أمّتَنا لإسلامكِ، وعودي لوحدتكِ من خلال موقفٍ صامدٍ صادقٍ قويٍ أمينٍ مع قضيتكِ الكبرى قضيّة فلسطين، قضيّة القدس، قضيّة البيت الأقصى.
سؤالٌ للأمة كلّها، أليس من خذلان المسلم للمسلم أن يُترك الفلسطينيون والمقدسيّون وحدهم أمام العدوان الإسرائيلي والمحرقة الإسرائيلية والإحتلال الإسرائيلي والبطش الإسرائيلي؟ أنْ يُترك الفلسطينيون يغرقون في المأساة والنكبة والأمة لا تُحرّك ساكناً، أَمِن احترام المُقدسات أنْ تُداس كرامة الأقصى ويُنتهب ويكون تحت طائلة العبث الصهيوني والأمة تتفرج؟ هل يرى أحدٌ عزة لهذه الأمة يوم أن تضيع فلسطين كلّ فلسطين، يوم أنْ تستولي الصهيونية على الأقصى، يوم أنْ يُسكت على ضياع شِبْر واحد من فلسطين ومن القدس ومن الأقصى، وحين يُسكت على أيّ شِبرٍ من أرض إسلامية طاهرة، على أيّ شِبرٍ يُغتصب، على أيّ شِبرٍ يُدنّس بالكفر والفساد وتعبث فيه الصهيونية وأنصار الصهيونية!
الطائفيّة صنم، القوميّة صنم، القِطْريّة صنم، الحزبيّة صنم، يوم يمنع شيءٌ من ذلك أحداً من الأمّة عن نُصرة قضاياها المشتركة، وحين يتخلى مسلمٌ عن نُصرة المسلم لفاصلٍ من هذه الفواصل.
فلسطين والقدس والأقصى قضية أمة، ولابد للأمة كل الأمة أن تهبّ من أجل قضاياها، وإنّ فلسطين والقدس والأقصى لا تُسترد بالحماس اللفظي أو بالصرخات المدوّية في المناسبات.
تكاتفٌ، تناصرٌ، تجميع الطاقات، البذل، التنسيق، التضحية، إن لم يكن توحدٌ في القيادة، جهادٌ على كل المستويات، تضحية، دماءٌ وأشلاء، وحدة سبيل الله وحدة عملية حقيقية من أجل القضية هو ما به الحل واسترداد الحق والكرامة.
العدوان الإسرائيلي يُواجه بالنفر في سبيل الله، وليس بالصرخات فقط، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ)..
إنّ النَفْر المشترك والإندفاعة الجهاديّة الجادّة من أجل فلسطين والقدس والأقصى استجابةٌ حيّةٌ وصادقةٌ للدفاع عن الأرض الإسلاميّة والمقدسات الإسلاميّة والمستضعفين المسلمين، وهي خطوة حيويّة فعّالة معطاء على طريق الوحدة الإسلاميّة بلا ريب.
إنّ موقف نصرة الحقّ، وإنّ جهاداً جادّاً في سبيل القضية الفلسطينية، إنّ هبةً واحدة من الأمة كلّها في سبيل استنقاذ فلسطين لا شك أنّه يُعطي اندفاعةً قوية وسريعة الأثر في توحيد صفوف الأمة، وفي بعث الشعور بقيمة الوحدة الإسلامية، مما يُغري ببناء وحدتها من جديد، وبترميم وحدتنا الإسلامية من جديد، لنكون الأمة القوية العزيزة القادرة على انقاذ البشرية كلّ البشرية.
لقد تخلّى من تخلّى، وتآمر من تآمر من الأنظمة الحاكمة للأمة عن فلسطين والقدس والأقصى، ومن هذه الأنظمة من دخل في صفقة القرن الخاسرة المُخزية وفيها بيع الأمة، ذلك ما صارت إليه هذه الأنظمة المتردّية..
ويوم أن تسترخي الشعوب لهذه السياسة المتخاذلة في جانبٍ منها، والمُناصِبة للأمة في جانبٍ آخر، فضلاً عن التفريط بحقها، أو تتخلّى الشعوب عن واجبها وتَحمُّل الأمانة الإلهية في عُنقها، لا تكون أمة ولا يوجد ذكرٌ لها، ويستمرّ عارها إلى الأبد، والنار تكون هي المأوى، وما من عذابٍ وشقاءٍ كعذابِ وشقاءِ ما وعد به جبّار السماوات والأرض.
بيعوا هذه الحياة الدنيا من أجل آخرةٍ لا تفنى، لا تخشوا أحداً من الناس في سبيل الله..
قولي يا شعوب الأمة:
لا لمشروع أن تقف الإنتفاضة ليكون التفاوض..
لا لمشروع الأرض مقابل السلام..
لا لصفقة القرن..
لا لأي حلٍّ استستلامي..
لا لإنصياعٍ لكافر..
لا لهزيمةٍ أمام إسرائيل..
لا لرعبٍ يدخل قلب مؤمنٍ لجبروت طواغيت الغرب والشرق..
لا لإنتهاب شِبْرٍ من أرض الإسلام..
لا لإنتهاك حرمةٍ من حُرمات الأمة ومقدّساتها..
لا للرضا بشيءٍ ممّا فيه معصية الله تبارك وتعالى.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.