الكلمة المصورة لـ آية الله قاسم في مؤتمر المجاهدين في الغربة 28 أكتوبر 2019م
الكلمة المصورة لسماحة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم في المؤتمر الدولي الرابع للمجاهدين في الغربة، والذي أقيم في منطقة دامغان شمال الجمهورية الإسلامية الإيرانية – 28 أكتوبر 2019م
للمشاهدة :
نص الكلمة :
بِسْمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيْمِ
السلامُ عليكُم أيُّها المؤمنون الطيِّبون.. في محفلكم الإيمانيِّ الجهاديِّ الكريم ورحمة الله وبركاته.
تمنيتُ أن أنالَ شرف الالتقاء بكم، والاستفادة من حضور أجوائكم الإيمانية المباركة إلا أنَّ الظرف لم يكن مؤاتيًا، وأسأل الله أن أنال من ثواب ما أنتم فيه، بمشاركتي معكم بهذه الكلمة الموجزة، فإنَّه جوادٌ كريمٌ.
الهجرة والجهاد في الإسلام
في الإسلام هجرةٌ في سبيل الله، يطلّق فيها الوطن، ويفارق فيها الأهل، وكلَّ الأعزاء، من أجل الاحتفاظ بالدِّين حين لا يمكن الاحتفاظ به إلا بالهجرة.
وقد تكون الهجرة من غير خوف المرء على دينه نفسه، ولكنها من أجل الدّعوة إليه، أو حماية الحدود الجغرافية لأمّته.
وممّا جاء في الكتاب الكريم عن الهجرة:
{قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا}، فعدم القدرة على الممارسة لشعائر الدِّين للبطش، وعدم القدرة على الإحتفاظ بالدين، وعدم القدرة للردّ على الإعتداء، لا يعذّر المستضعف ما وسعه أن يهاجر حفاظًا على الدين، فما وسع المرء أن يحافظ على دينه في وطنه لم يكن له مبرر للهجرة.
وجاء: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ}، فمن ضاقت به أرضه عن ممارسة شعائر دينه لبطش أعداء الدِّين كان عليه أنْ يطلب الأرض التي يأمن فيها على دينه، هذه هجرة من أجل الدِّين لا من أجل الدنيا، من أجل الدعوة إلى الله عزّ وجلّ لا من أجل الغنائم والمكاسب الدنيوية.
وليست الهجرة المَدعوُّ لها في الإسلام ما كانت تخلِّيًا عن الدفاع عنه، وتخليةً للبلد الإسلامي بيد الكفر والطغيان والظلم، تفعّل فيه ما شاء لها الشيطان. الهجرة المعنيِّة هجرةٌ تنقذ الشخص من أن يخسر دينه الذي يحول الطغيان بينه وبين حقّه في ممارسته، ولا يكون له سبيلٌ للدفاع عن حقّه في ذلك، فضلاً عن القدرة على العمل للتمكين لكلمة الدِّين، وفرض حاكميّتها في الأرض.
ومن آيات الهجرة في القرآن العظيم: {وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً…}، هذا لمن كانت هجرته في سبيل الله، وما كان الله مُخلِف وعده.
في الإسلام هجرةٌ، وفيه جهادٌ ودفاعٌ، وأمرٌ بالمعروف ونهيٌ عن المنكر، وكل ذلك من أجل عزّ الدين، وعزّ الأمّة، واستقامة الأمور، وقيام العدل، وتحقيق غاية الخلق، وأمن الإنسان وخيره، وممّا تحققه الحاكمية المطلقة، الشاملة لكلمة التوحيد، للإنسان كلّه، ولأوضاعه كلها.
ممّا في القرآن عن الجهاد:
{وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا}.
{الَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ * يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ}.
والجهاد في سبيل الله يشمل ما كان لفتح الطريق الذي تسدّه الآلهة المكذوبة في الأرض، والأوثان البشرية، من الطواغيت منعًا من وصول كلمة التوحيد، والمنهج الإسلامي الحقّ إلى شعوب الدنيا على اختلافها لتهتدي بهدى الله، وتستنير بضياء منهجه، وتتفيأ بظلال رحمة دينه، ولدكّ عنق الطاغوتيّة، والفرعونيّة في كل الأرض، كما يشمل الجهاد في سبيل الله قضية الدفاع عن الحدود الجغرافية، والمعنوية للإسلام.
ويتناول الدّفاع مواجهة أعداء الخارج، كما يتناول مواجهة أعداء الداخل ممن ينتسبون للأمّة كذبًا، وللدِّين ظاهرًا، وهم يعادون الإسلام، وأمّته، ويكيدون بهما ليل نهار، وما كان يزيد بن معاوية إلاّ واحدًا من هذا النوع، وما كانت ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) إلاّ دفاعًا عن الإسلام والأمّة ضد عدوان يزيد عليهما معًا، وسعيه لإماتة الإسلام وقبره.
وثورة الإمام الحسين (عليه السلام) ضربٌ عالٍ، صعبٌ، مكلفٌ من ضروب الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، بل هو قمّة هذه الفريضة المقدّسة.
كان هدف يزيد -والحكم الأموي- إحلال إسلامٍ مكذوبٍ على الله ورسوله وكتابه محلَّ الإسلام الأصيل الحق، حتى يأتي اليوم الذي تنسلخ فيه الأمّة عن الإسلام الحقِّ تمامًا وتدين بإسلامٍ من صنع السلاطين، معادٍ للإسلام، أو تعلن مفارقتها للإسلام.
وما حدث أن قَتَلَتْ ثورةُ الإمام الحسين (عليه السلام) وشهادتُهُ أمنيةَ يزيد، وأفشلتْ خطته، وأسقطت الشرعية عن حكمه، وعن كلِّ حكمٍ وحاكمٍ من سنخ يزيد وحكمه، فلم تعد الأمّة تصدّق بأكذوبة الشرعية لهذا النوع من الحكم، الذي يولد ولادةً أجنبيةً تمامًا عن الإسلام، وسياسته ضده، وبقاؤه مناقضٌ له.
ولمّا كان الإسلام حقًّا خالصًا، ولا يقبل الباطل أبدًا، وهو لا يرى حاكميةً لغيره في الأرض، كان عليه أن يواجه حربًا طاحنةً، دائمةً، من الجاهلية كلّها، والطاغوتيّة كلّها، وأهل الفساد كلّهم.
وكان على الأمّة الإسلامية أن تعدّ نفسها في كلِّ أجيالها لمواجهة هذه الحرب، وتحمُّل تكاليفها، إعدادًا يرفع من مستوى المبدئية لدى أبنائها إلى أعلى مستوىً مقدور، ومن مستوى الشّجاعة، وروح التضحية، والخبرة، وعموم الكفاءة، وقدرة التسلّح حتى تكون سبّاقةً في كل أبعاد القوّة على مستوى الإنسان وأوضاعه، وترابطه، وقيادته، والتفافه بالقيادة، وطاعته لدينه وقيادته، وانتظامه.
ليس لهذه الأمة أن تكون مسبوقةً في أي بُعدٍ من هذه الأبعاد، وفي أي بُعدٍ آخر من أبعاد القوّة، وليس لها أن تكون بمستوى الآخرون من قوّة، عليها دائماً أن تكون السبّاقة المهابة التي يرهب أعداء الله من المسّ بكرامتها.
على هذه الأمّة وهي تواجه اليوم حربًا شاملةً، شرسةً، ضاريةً، مستكلبةً، في كل الجبهات، والساحات، وعلى مختلف المستويات، أن تعدّ من أبنائها في ظلّ تربية هادفة، مخطط لها، تقوم على أساس النظرية والتمرين والتطبيق، ما تواجه به الحرب المتعددة التي تهاجم دينها وإنسانها وأرضها، عليها أن تعدّ من أبناء أمتها من يحبط كل المخططات ومن يفشل كل الحروب المودجة ضد الأمة في كل الجبهات، سواء كانت أمنيةً، وسياسيةً، وإعلاميةً، والكثير الكثير غيرها.
والإعداد للقوّة الذي أمر بها القرآن الكريم، لا يستثنى أيّ نوع من أنواع القوّة، ولا يستبعد أيّ ساحة من الساحات: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ}.
إعدادٌ لا يُهمل جنبةً من الجنبات، ولا ينسى ثغراً من الثغور، ولا يتساهل في مستوى الإعداد. المطلوب إعدادٌ يجعل الأمة مهابةً كلّ الهيبة، يجعل الأمة منيعةً كل المنعة، يجعل الأمة قويةً كل القوة حتى لا يفكر طاغوت من طواغيت الأرض بأن يمس حداً من حدود هذه الأمة، أن يمس كرامتها، أن يمس أرضها وكنوزها بأي يدٍ عادية آثمة.
وها هو القرآن يربط بين إرسال الرُسُل وإنزال الكتاب، والميزان الذي يعرف به الحق من الباطل، والصدق من الكذب، والعدل من الظلم، وهو ميزان الإسلام، وبين إنزال الحديد، لا لأنَّ الإسلام يقوم على الفتك، ولا لأن الإسلام ضعيف الحجة وقاصر المنطق ويحب العدوانية، ولا لأن الإسلام لا يجد سبيلاً لفرض الإسلام بغير السيف وبحدّ السيف، لكن لأنَّ الباطل، والظلم، والفساد، والاستكبار لا يترك للدِّين أن يقوم فيعدل ويقضي على عبودية الإنسان للإنسان، ويُنهي حالة التجهيل، والاستغلال، والاستحمار، ويُسقط الطاغوتية، ويُنهي الاستكبار، ولأنَّ الكفر والباطل لا يمكن أن يكفّ يومًا من الأيام عن حربه على الإسلام؛ فمنطق الواقع ولغته والحالة الخارجية وإصرار الكفر على مواجهة الإسلام وإعداده كل سلاحٍ فتّاك لمواجهة الإسلام، قاضٍ بالتدرّع بالقوّة لردّ عدوان القوّة الطائشة، وكسر غطرستها الغاشمة.
الإسلام لا يعدّ أي قوةٍ للبطش بالإنسان، ولسلب خيرات البلاد الأخرى، أو لفرض العبودية على الشعوب الأخرى، كل حرب الإسلام من أجل الإنسان كل إنسان في شرق الأرض وفي غربها وفي أي زمان.
إنزال الحديد ليس لأن الإسلام يقوم على الفتك، وإنما كان إنزال الحديد قَدَراً من الله عزّ وجلّ لدعم الحق حتى يتمّ العدل في الأرض.
يقول سبحانه: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ}.
ونجد القرآن هنا يربط بين الرسول والرسالة والكتاب وإنزال الميزان وبين إنزال الحديد والغاية ليقوم الناس بالقسط، ولا قسط في الأرض على الإطلاق وكل دعوىً بالعدل كاذبة ما لم يكن توحيد، التوحيد أول العدل ولا عدل في الأرض مطلقاً من غير قضية التوحيد.
بوركتم جنود الإسلام في كلِّ مكان وبوركتْ دماء شهداء الأمّة التي تحمي عزّة الإسلام، وعزّة الأمّة، وربحتْ تجارتكم مع الله.
والسلام عليكم وعلى المؤمنين في كلِّ مكان، والسلام على المؤمنين في أرضكم الطيّبة، وشكراً لكم كثيراً.